
( أيها الناس اسمعوا قولي وخذوا عني مناسككم
فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)
كان هذا القول الشريف نبذة
من خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في عرفة ..
في حجته الأولى والأخيرة والتي سميت (حجة الوداع).
قال ابن كثير في كتابه البداية والنهاية:
إنّ حجة الوداع التي تُعرف بحجّة الإسلام،
أو حجّة البلاغ؛ كانت في السنة العاشرة للهجرة.
**
أخواتي الغاليات :
هذه الأيام الفضليات المباركات أقسم الله بها
لما لها من عظيم القدر وجليل الشأن
فهي أيام يتوجه فيها المسلمون إلى مكة كل عام
من شتى أنحاء المعمورة ، ومن كل فج عميق
ملبين نداء الله لأداء فريضة الحج.
حيث تجتمع كل القلوب من كل الأمصار على قلب واحد
وشعائر واحدة.. وبتلبية واحدة :
لبيك اللهم لبيك..لبيك لاشريك لك لبيك
إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك ..
تصدح بها الحناجر المؤمنة .. ويرجع صداها .
واليوم إن خفتَ النداء في مكة فقد قوي في كل قلب مؤمن
شعور الشوق لرحاب مكة وازداد ظمأ الأبصار لمعانقة البيت
والاكتحال برؤية الكعبة الشريفة والطواف حولها..
وارتفعت الأيدي محمولةً بالدعاء والضراعة
أن يعود شريان الحياة يجري في قلب مكة
عامراً بالطائفين والعاكفين والركع السجود...
**
وسطورنا يملي حقائقها التاريخ الموثق عن أول وآخر حجة
أداها الرسول صلى الله عليه ( حجة الوداع )
فقد أذن الله تعالى لنبيّه عليه الصلاة والسلام بالحج
بعد استقرار أمر الإسلام،
وتطهير أرض الجزيرة من مظاهر الجاهلية ،
وغدت نفوس المسلمين مشتاقة متلهفة لشدّ الرِّحال إلى البيت...
**
في اليوم الخامس من شهر ذي القعدة
من السنة العاشرة للهجرة.. نادى منادٍ أن النبي
سيشد الرحال إلى مكة لأداء مناسك الحج حول بيت الله الحرام
ولما عُلِم الخبر ،أقبل الناس
من كل حدبٍ وصوب ليصاحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم
من أول خطوة في هذه العبادة فلا يفوتهم شيء
من مناسك فريضة الحجّ، وإقامة شعائر الدِّيْن..
فيحوزون بذلك شرف الرفقة وشرف التعلم .
**
خرج النبي وفي صحبته مايقارب مئة ألف من المسلمين
رجالا ونساء من المدينة قاصداً مكة ،
و اصطحب الرسول معه جميع نسائه وسار الركب
وحينما وصل ميقات ذي الحليفة وقف ليصلى في المسجد،
وبعدها ركب ناقته القصواء وهو يلبي قائلا:
(لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك،
إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)
وذلك بعد أن تجرد من المخيط من الثياب لإحرامه ثم اغتسل.
وارتفعت الأصوات مجلجلة بالتلبية
وتجاوب صداهافي كل ناحية...
وحين بلغوا فج الروحاء في مسيرة اليوم الأول
كانت الأصوات قد بحت من ترديد النداء العظيم .
**
وانطلق الركب من هناك إلى مكة ..
وفي الطريق التقوا جمعاً سائراً للحج سألوهم :
من أنتم؟
قالوا : مسلمون نقصد الحج .
- ومن قائدكم ؟
- رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
وكان بين القوم امرأة معها صبيها فرفعته أمام النبي سائلة.
- يا رسول الله ألهذا حج ؟
قال : نعم...! ولك أجر.
ومضى الركب المبارك في سيره حتى أتى وادي سرف
ويقع قبل مكة ويسمى اليوم بـ ( النوارية)
طوافه حول الكعبة سبعاًرمل ثلاثاً ومشى أربعاً
وهذه هي سنته عليه الصلاة والسلام لايبدإ بشيء
من أعمال الحج قبل أن يطوف بالبيت
**
ثم اتجه إلى مقام إبراهيم وهو يقرأ:
(وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، فصلى ركعتين،
جاعلاً المقام بينه وبين الكعبة،
ثم عاد بعدها إلى الركن فاستلمه،
**
ثم خرج من الباب إلى الصفا، وهو يقرأ:
(إن الصفا والمروة من شعائر الله )
فبدأ بالصفا،وانتهى بالمروة وسعى بينهما سبعاً .
**
وفي اليوم الثامن ( يوم التروية ) توجه النبي
ومن معه إلى منى، ومكث إلى أن طلعت الشمس،
ثم سار إلى عرفة فنزل بنمرة، وهناك توجه للناس بالخطاب
وبعد الخطبة الجامعة صلى نبينا الظهر والعصر
بأذان وإقامتين، ثم ركب حتى أتى الموقف "عرفة"
وهو مستقبل القبلة وظل هكذا واقفاً داعيا وملبيا وذاكرا الله
حتى غربت الشمس .
**
ثم ذهب الى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء
بأذان واحد وإقامتين، وبقي بها حتى الفجر فصلى
ثم ركب إلى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة
داعيا ومكبّرا ومهلّلا حتى قبل طلوع الشمس،
بعدها خرج ليرمي الجمرة بسبع حصيات،
مكبّرا مع كل حصاة منها،
ثم انصرف إلى المنحر فنحر الهدي وحلق .
**
وفي اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة،
رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرات،
ثم نزل بالأبطح بعد زوال الشمس،
وصلّى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء،
وبعدها نزل إلى مكة آخر الليل،
وفيها صلّى الفجر بالناس،
ثمّ طاف بالبيت طواف الوداع
وأمر الناس به فقال :
( اجعلوا آخر عهدكم بالبيت طوافاً ) .
**
وفي صبيحة اليوم الرابع عشر من ذي الحجّة
عاد النبي إلى المدينة المنورة وقد أتمّ مناسكه،
عليه أفضل الصلاة والسلام ،
فتكون هذه هي حجته الأولى والأخيرة
وهي التي أخذ الصحابة منها وعن الرسول
هديه وسنته في حجته هذه على أتم الوجوه وأكملها
حتى حفظوا الزمان والمكان و الحركات والكلمات
وكما شهدوها وعاشوها نقلوها لتكون دليلا لنا