أسعار الأسهم الشهر المقبل

المشاريع والافكار التجارية الشاملة

محمد بن ناصر الجديد - كلية الاقتصاد والإدارة، جامعة أدنبرة - المملكة المتحدة 02/03/1427هـ

لم تكن قرارات يوم الإثنين "الأبيض" القشة التي يبحث عنها الغريق، ولكن كانت المركب الذي سينقل، بعون الله، الغريق ومن حوله إلى ضفاف التنمية المستدامة. حيث أقر مجلس الوزراء الترخيص بتأسيس "مصرف الإنماء"، وتجزئة قيمة الأسهم إلى عشرة ريالات. وأعادت هيئة السوق المالية كلا من نسبة التذبذب اليومي إلى 10 في المائة، والتعامل بأجزاء الريال في أوامر الشراء، والبيع ابتداء من الغد. واقترح عدد من أعضاء مجلس الشورى إنشاء صندوق صانع السوق لحفظ توازن العرض، والطلب، وحماية السوق من التذبذبات الحادة.

أدت هذه التطورات ليس فقط إلى انتعاش السوق نهاية الأسبوع الحالي فحسب، ولكن أيضا إلى زيادة حدة التساؤلات حول السعر المستقبلي للأسهم.

قامت مجموعة من الباحثين في معهد سانتافي في جامعة نيوميكسيكو الأمريكية بإجراء تجربة عملية من خلال تطوير برنامج محاكاة آلي من شأنه تحديد السعر المستقبلي للأسهم. نشرة التجربة في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم لعدد شباط (فبراير) 2005م.

وعلى الرغم من أن تاريخ نشر الورقة العلمية يعد متأخرا بعض الشيء، إلا أن العلاقة بين نتائجها، وما يحدث هذه الأيام من تطورات في أسعار أسهم الشركات المدرجة في سوق المال السعودي تستأنس القراءة السريعة لورقة العمل.

هدفت التجربة إلى تفسير التباين في عوائد الأرباح، أو الخسائر بين أنواع المستثمرين, أو بعبارة أدق، لماذا يحقق مستثمر بعينه عائدا ماليا أكبر من ذلك الذي يحققه مستثمر آخر في السوق المالي نفسه؟ وما العلاقة بين استخدام التحاليل المالية، فنية كانت أو أساسية، وزيادة أو تواضع حجم المحفظة الاستثمارية؟

قام الباحثون بتسجيل الرصيدين الافتتاحي، والختامي خلال 11 شهرا لعدد معين من المحافظ الاستثمارية التي تتداول في أسهم الشركات المدرجة في سوق لندن للأوراق المالية. روعي في اختيار المحافظ عاملان أساسيان. العامل الأول، أن تلك المحافظ لم تدعم بسيولة إضافية خلال فترة إجراء التجربة.

والعامل الثاني، تباين آلية تداول أصحاب تلك المحافظ من مستثمرين انتقائيين، وعشوائيين، عطفا على إفادة أصحابها. المستثمر الانتقائي من يعتمد على التحاليل المالية لانتقاء أسهم الشركات المتاجر بها، والمستثمر العشوائي من يعتمد على الأحاسيس النفسية في اختيار أسهم الشركات المتاجر بها.

نفذت هذه المحافظ ما مجموعه نحو ستة ملايين صفقة على أسهم 11 شركة مدرجة خلال الفترة من الأول آب (أغسطس) 1998م إلى 30 نيسان (أبريل) 2000.

قام الباحثون بإدخال هذه البيانات في برنامج محاكاة صمم خصيصا لإجراء هذه التجربة. روعي في تصميم البرنامج عاملان مهمان. العامل الأول، أن قرارات الاستثمار تنتهج العشوائية، دون الانتقائية، في المفاضلة بين أسهم الشركات الـ 11. العامل الثاني، أن آلية التداول تتم بناء على خاصيتي التباين السعري، ومعدل التذبذب. التباين السعري هو الاختلاف بين أفضل عرض، وطلب على سعر السهم. ومعدل التذبذب هو آلية قياس درجة المخاطرة في تذبذبات سعر السهم.

الهدف الأساسي من برنامج المحاكاة هو إجراء محاكاة افتراضية لتداول تلك المحافظ في أسهم الشركات الـ 11 بحيث يتوقف البرنامج عن التداول عندما يبلغ عدد الصفقات المنفذة لكل محفظة العدد الحاصل نفسه في أرض الواقع.

تتم بعد ذلك المقارنة بين الأرصدة الختامية للمحافظ الافتراضية بتلك الموجودة في المحافظ الواقعية. قام الباحثون بعد ذلك بتشغيل برنامج المحاكاة هذا، وباستخدام البيانات الحقيقية نفسها، والخاصة بالرصيد الافتتاحي، والختامي، وإجمالي عدد الصفقات.

ساهمت عدة عوامل في اختيار سوق لندن للأوراق المالية، عوضا عن أسواق المال الأخرى، لإجراء التجربة. منها توافر البيانات، وآلية عمل السوق، التي تنقسم إلى نوعين. النوع الأول سوق طلبي، شبيه بسوق المال السعودي، ويقوم على توافر عدد من طلبات بيع، وشراء لأسهم شركة مدرجة. يشكل هذا النوع نحو 40 إلى 50 في المائة من إجمالي حجم السوق. ولنوع الثاني سوق حصصي، شبيه بسوق "ناسداك"، يقوم على توافر عدد معين من حصص الأسهم المطروحة للبيع من قبل المستثمر. يشكل هذا النوع نحو 50 إلى 60 في المائة من إجمالي حجم السوق.

أهم نتيجة توصلت إليها التجربة هي أن الرصيد الختامي للمحافظ الافتراضية يشابه إلى درجة التساوي الرصيد الختامي للمحافظ الواقعية. خلص الباحثون من هذه النتيجة إلى أن منهجية الاستثمار في سوق الأسهم تنتهج الأسلوب العشوائي، عوضا عن الانتقائي.

بمعنى آخر، أن الاستثمار في أسهم الشركات لا يخضع إلى آراء التحاليل المالية، فنية كانت، أو أساسية. وإنما يخضع إلى آلية عمل السوق نفسه. تناقض هذه الخلاصة أدبيات الدراسات المالية، التي تدعم نظرية الانتقائية في الاستثمار بالأسهم، عن طريق التركيز على آلية عمل السوق نفسه، عوضا عن المنهجية الانتقائية عند الاستثمار في الأسهم.

تذكر خلاصة التجربة بمنهجية "أبا سعد" الاستثمارية في سوق الأسهم. فصاحب المنهجية شخصية حقيقية، ولكن بكنية مستعارة لدواعي الخصوصية. لا يكتب، ولا يقرأ، ولكنه ينتهج سياسة استثمارية ثابتة تعد ناجحة بكل مقاييس أدبيات الدراسات المالية. تتلخص منهجية "أبا سعد" في شراء أسهم شركة مساهمة واحدة فقط، دون غيرها، كلما توافرت لديه السيولة. مصطلح البيع ليس له مكان في منهجية "أبا سعد".

بدأت معرفة "أبا سعد" بسوق الأسهم بداية متواضعة خلال بداية التسعينيات الميلادية، واستمرت إلى اليوم. لو قيست اليوم القيمة السوقية لاستثمارات "أبا سعد" في هذه الشركة، فقد تصنفه النتائج من كبار المستثمرين، عطفا، بعد توفيق الله، على منهجيته المقاومة لتذبذبات السوق، ومؤشرات الاقتصاد المحلي.

عندما ندمج خلاصة نتائج تجربة معهد سانتافي، مع منهجية "أبا سعد"، وقرارات يوم الاثنين "الأبيض"، قد نصل إلى سياسة استثمارية سليمة تتلخص في أن وضوح الرؤية، وعملية الأهداف، وثبات المنهجية تشكل في مجملها أرضية منطقية نحو استثمار سليم طويل الأجل. توفيق الله، ثم القناعة، والثبات، تأتي قبل هذا كله.

المصدر
الاقتصادية
3
592

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

طبعي الصبر
طبعي الصبر
الله يجزاك خير اخوي

ويعطيك الف الف عافيه
همس _المشاعر
همس _المشاعر
يعطيك العافيه
سكاكر التوت
سكاكر التوت
الله يجزاك خير