إدارة الموقع
إدارة الموقع
الباب الخامس
من كتاب البدر المنير في علم التعبير للإمام الشهاب المقدسي الحنبلي


في مياه الأرض
من رأى أنه يشرب أو يأخذ ماءً حلواً من بحر(2) ، أو يصطاد منه شيئاً نافعاً ، أو يأخذ منه جواهر ، أو يطفئ به ناراً ، أو يتوضأ منه ، أو يغتسل ، أو يسبح فيه في زمن الصيف ، أو يسقي به زرعاً ، ونحو ذلك : دل على الفوائد من الملوك ، والأكابر كالوالد ، والولد ، والزوج ، والسيد ، والأخوة ، والأقارب ، أو المعارف ، أو من تجارات ، أو من معايش كل من هو على قدره .
قال المصنف : إذا قال لك إنسان : رأيت أنني أشرب ماءً في المنام ، فاسأله إن كان حين انتبه وجد نفسه عطشاناً ، فلا حكم له ، وإن لم يكن عطشاناً في اليقظة فإن كان التذ بشربه في المنام ، حصلت له راحة ، أو علوم ، أو خلاص من مرض إن كان المرض حاراً ينفعه شرب البارد ، وكذلك إن كان مرضه بارداً ، وشرب الماء الحار ، فإن رأى أنه يشرب على الريق ، وكان في زمن الخريف ، أو الشتاء يمرض قليلاً ، وربما أوجعه فؤاده لكون شربه في ذلك الوقت مضراً ، وهو في زمن الربيع راحة ولا ضرر فيه ، وذاك في زمن الصيف يدل على وجع الرأس لكونه يستحيل صفراءً عاجلاً ، وهي تتعلق بالرأس ، والماء الحار في الشتاء والخريف
جيد ، وفي الربيع والصيف ردي ، وأما إذا أبصر أنه يشرب عشاءً من غير عطش دل على الأنكاد ، والأمراض لضرر ذلك ، وعلى ضياع المال ، وعلى الزنا ، والتزويج بلا فائدة. فافهم ذلك .
فصل : وأما إن وجده مالحاً ، أو مراً ، أو منتناً ، أو كدراً ، أو سبح فيه في زمن الشتاء ، أو من هو مريض لا يوافق مرضه الماء البارد ، أو غرقه ، أو أتلف شيئاً للناس فيه نفع فذلك نكد ممن ذكرنا ، أو من عدو أو مرض وذلك للمريض دليل على طول مرضه .
قال المصنف : إذا انتفع بالماء المالح ، أو المر ، أو المنتن في غسل شيء من القماش ، أو الأجسام ، أو الجلود ، أو الأمتعة ونحو ذلك فهو جيد وراحة ، ومثله لو هرب من عدو فطلب مكاناً يستره ، أو طلب يستر عورته من الناس فنزل في الماء الكثير لأجل ذلك كان جيداً.
__________
(1) الحصى : يدل على الرجال والنساء ، وعلى الصغار من النساء ، وعلى الدراهم ابيض المعدودة ، لأنها من الأرض وعلى الحفظ والإحصاء ، لما ألم به طالبه من علم ، أو شعر ، وعلى الحج ورمي الجمار ، وعلى القساوة والشدة ،وعلى السباب والقذف.

(2) الماء : يدل على الإسلام والعلم ، وعلى الحياة والخصب والرخاء ، لأن به حياة كل شيء كما قال تعالى ( لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه ) ــ الجن : 17,16 . وربما دل على النطفة ، لأن الله تعالى سماها ماء ، والعرب تسمي الماء الكثير نطفة ، ويدل على المال لأنه يكسب به.

فصل : وإذا جعلناه ملكاً كان سمكه رعيته ، أو غلمانه وجنوده ، وإن جعلناه عالماً فأولئك علومه وتلاميذه ، وإن جعلناه تاجراً كان ذلك تجاراته ومكاسبه ، وإن جعلناه زوجاً كان أولئك غلمانه ، أو أقاربه ، أو جهاز بيته ، وإن جعلناه معيشة كان أولئك عوام سوقة الذين لا يرحم صغيرهم كبيرهم ، فما حدث منهم من صلاح ، أو فساد عاد ذلك إلى من دلوا عليه.

قال المصنف : دلوا على الملوك لهيبته ويقتل أقواماً ويسلم منه آخرون ولعدم من يحكم على جميع ما فيه كالملوك الذين لا يحكم عليهم ، ودلالته على التاجر لكون التجار ، أو المراكب يمشون فيه ويؤخذ منه السمك واللؤلؤ والمرجان ونحو ذلك مما يباع ، ودلالته على الزوج للذة الاغتسال منه وهيبته والتجرد وكشف العورات عند الاغتسال ، ودلالته على المعايش لكون ما فيه من الحيوان ينتفع به غالباً ولما يخرج منه من الجواهر وغيرها ومما يحمله عليه ، أو يشرب منه ، أو يغتسل فيه – ويعبر ذلك الأسواق – وينادي عليه ويؤكل ويدخر ويلبس ونحو ذلك فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله.
فصل : فأما ما يؤكل منه من الدواب فأرزاق حلال ، فالذي هو قليل العظام فهو رزق هنيء ، والذي هو كثير العظام ، أو الشوك فرزق تعب ، أو فيه شبهة.
قال المصنف : إذا رأى كأنه يأكل من حيوان البحر وكأنه مقلي ، أو
مشوي ، أو مطبوخ في البحر ، حصلت له راحة من حيث لا يحتسب لكونه أخذه معدلاً من موضع لا يستوي مثله فيه ، وإن جعلته نكداً فهو أيضاً كذلك. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني آخذ سمكاً من بحر وهو مقلي في البحر ، قلت : تأخذ حُمّى عقيب غسلك بالماء ، فمرض بذلك ، ودليله أن السمك ما كان يوافقه فافهم ذلك.
وأما من رأى كأنه صار من حيوانات البحر ، أو يسبح معهم ، أو يعاشرهم دل على مخالطة الأكابر ، أو غلمانهم ، أو أرباب العبادات ، أو من في الأسواق فما حصل له منهم من خير ، أو شر عاد إلى ذلك ، وربما سُجن رائي المنام .
قال المصنف : اعتبر جنس الذي صار منهم ، كما قال لي إنسان : رأيت أنني صرت سلحفاة في البحر ، قلت : تصير حمالاً على أكتافك ، فصار كذلك ، لكون على قفى السلحفاة ذلك القشر وهي تمشي على أربع كالجمال إذا نهض بحمله. ومثله رأى آخر ، قلت : اشتريت جوشناً وهو ثقيل عليك ، قال : نعم. ومثله رأى آخر ، قلت : يقع بك مرض فتمشي على أربع ، وربما وقع عليك
هدم ، فوقعت عليه داره فآذت حجارتها ظهره وركبتيه فبقي يمشي على أربع.
فصل : وأما الأنهار والعيون والآبار فكل ذلك حكمه حكم البحار على ما ذكرنا إلا أنها أنزل مرتبة منه.
قال المصنف : إذا كانت الأنهار والآبار والعيون في المنام في أماكن عدم الماء كالبراري والرمال والمفاوز التي ليس فيها شيء من ذلك فهم دالون على ذوي الأقدار لعدم من يساويهم ، وهم في المواضع المعتادة لمثل ذلك فهم أنزل مرتبة مما ذكرنا لقلة هيبتهم وقلة سمكهم ودوابهم وقلة مشي الراكب فيهم فافترقوا لذلك.
وأما نشاف أحد ذلك فدليل على هلاك من دلوا عليه ، أو على تعطيل مكسبه.
قال المصنف : وربما دل نشاف أحدهم على قلة الأمطار في تلك السنة ، وكثرة الأمراض الحارة المعطشة ، وعلى قلة مجيء المراكب في موضع يصلح ذلك ، وعلى قلة مجيء الحيوان من تلك الجهة كالسمك ونحوه ، ويدل على قطع الطرقات لكونه بطل مشي المراكب أشبه بطلان مشي الأرجل من ذلك المكان ، ويدل على آفة تقع في الملابس لعدم ما يُقصر به ، أو يغسل فيه وعلى موت الحيوان لزوال ما كان يشرب منه وعلى تلاف الزرع والثمار التي كانت تسقى منه وكذلك يدل مصيرهم دماً ، أو تغيرهم في صفة لا تنفع كنفعه على ما دل عليه نشافهم فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
وأما هيجانه ، أو زيادته المضرة فنكد ، أو تغيير من دلوا عليه وميله إلى الجور والعداوة ، وأما مصيرهم دماً ، أو جيفاً ، أو ناراً وهو يؤذي أهل ذلك المكان فنكد ممن دلوا عليه ، أو عدو أو أخبار مؤذية ، أو أمراض متلفة ، أو حروب ، وربما مرض من دلوا عليه ، أو نزلت به آفة ، أو تعطلت معايش ذلك المكان.
وأما السيل : فرجل غريب ، أو قفل ، أو عسكر فيه من النفع والضرر على قدر انتفاع أهل ذلك الموضع به وضررهم.
قال المصنف : لما أن كان السيل لا أصل له ينبع منه بل هو مجمع من ها هنا وها هنا أشبه القفول والعساكر ، والرجل الغريب الذي لا يعرف من أين أصله ، فإن أتلف شيئاً خيف على ذلك المكان من لص ، أو هجام ، أو عدو يأتي بغتة ، فإن انتفع به الناس ربما كانت تجار ، أو عساكر ، أو رجلاً عالماً ، أو أمطاراً مفيدة فافهم ذلك.
فصل : جريان الأنهار ، أو العيون في الأماكن التي لا يليق بها – كوسط البيوت ، أو تنزل من السقوف ، أو تجمع فيه اجتماعاً يُضَيقّ ، أو يخلخل
الحيطان ، أو يتلف شيئاً من المتاع ، فدليل على النكد في ذلك المكان أو تجري فيه عيون باكية ، أو لصوص ، أو حوادث ونحو ذلك.



قال المصنف : لما أن كانت البيوت لا يليق بها ذلك ؛ لأن السقوف جعلت لدفع الأمطار والحر وما جعلت لجمع المياه أعطى ما ذكرنا من النكد ؛ لأن ذلك يتلف الأمتعة ويمنع السكن ويضيق صدر أهل المكان ، بخلاف المواضع المصنوعة للماء ، كما قال إنسان : رأيت أن ماءً نزل من الحائط فأذهب المتاع الذي في البيت ، قلت : يروح بعض القماش الذي في المكان ، وربما يأخذه رجل سقاء ، فعن قليل سكر عندهم إنسان سقاء فنقب حائطهم وأخذ ما قدر عليه من متاع البيت. فافهم ذلك.

فصل : وربما دل البئر على كبير المكان ، فإن كان بئراً حلواً سهل التناول فرجل كريم حسن ، وإلا فلا ، وربما دلت البئر المبذولة في الحارة على المرأة الردية التي يأتي إليها كل أحد ، ويكون حبالها : غلمانها ، وأوانيها : الرجال المربوطين على محبتها ، فما حدث فيهم من خير ، أو شر رجع إلى ما ذكرنا.
قال المصنف : إذا رأى الأنهار ، أو العيون ، أو الآبار في جسده دلت على الخُراجات وطلوعات وعلامات تظهر في جسده. كما قال لي إنسان : رأيت كأن في ظهري بئراً حلواً وثيابي تتلوث منها ، قلت : يطلع عليك دمامل ، أو حمرة ، فجرى ذلك. ومثله قال آخر ، قلت : شربت منها ، قال : نعم ، قلت : يعيش لك ولد من ظهرك حتى تأكل من كسبه ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت كأن في جسمي أنهاراً ، قلت : نخشى عليك مكاوي نار ، فبعد قليل مسكه عدوه وكواه بالنار.
فصل : من ملك سفينة ، أو ركب فيها ، أو تحكم عليها(1) ، فإن كان أعزب تزوج ، وإلا نال راحة من كبير ، أو من والديه ، أو زوجة ، أو دَرَّت معيشته ، أو ربحت تجارته ، أو اشترى دابة ، أو جارية ، فإن جعلناها بمنزلة الملك كان قلعها صاحب أمره ونهيه ، ومقاذيفها غلمانه وجنوده ودوابه ، ورجلها مقدم عسكره الذي يقومون بأمره . وإن جعلناها امرأة كان ذلك جهازها ، ورجلها : وليها وإمامها ، أو زوجها الذي لا يتحرك إلا بأمره ، وصاريها ولدها الذي في بطنها. وإن جعلناها معيشة كان جميع ذلك أسباب معيشته. فما حدث في شيء من ذلك من خير ، أو شر رجع إلى من ذكرنا. ويدل ركوبها على نجاز وعده.
قال المصنف : إذا ملك سفينة في بلد لا سفر فيه فمعيشة بطالة ، أو زوجة قليلة الحركة. أو دابة زمنة ، أو بعض ملكه معطل ، وربما سافر إلى مكان فيه سفن ، وتكون الراحة من المكان على قدر حسنها. وقال لي إنسان : رأيت كأنني سرقت سفينة وأكلتها ، قلت : سرقت دجاجة وما أكلت إلا السفينة ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت كأن دجاجة تمشي فخطفت رجلها وأكلتها ، قلت : سرقت رجل مركب وأكلت ثمنه ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت كأنني أكلت جناح طائر بريشه في المنام ، قلت له : أبعت قلع مركب وأكلت ثمنه ، قال : صحيح .
وأشبهت السفن الملوك لسلامة الراكبين فيها من الشدائد والغرق وأشبهت الزوجة لحملها في بطنها وخروج الناس منها كولادة الأولاد ، وأشبهت المعايش لحملها المأكول والمشروب والملبوس ونحو ذلك فيها وبيع الناس لذلك وربحهم وانتفاعهم به ، وتشبه أيضاً الدكاكين والمخازن التي فيها من كل نوع ، وأشبهت الطيور والحيوانات ، كما قال لي إنسان : رأيت كأن عندي ديكاً وقع في ماء فغرق ، قلت له : لك مركب مليح ، قال : نعم ، قلت : يغرق ، فجرى ذلك.
فصل : فمن رأى أنه ركب سفينة وانكسرت به ، أو أنها ناقصة العُدة : نقص من غلمانه ، أو من أولاده ، أو دوابه على قدر الناقص ، أو يموت من نُسِب إليه ذلك ، أو تبطل بعض فائدته. وأما إن كانت مليحة ، أو جديدة ، انصلح ذلك كله.
قال المصنف : اعتبر نقص الفائدة على ما يليق بالرائي في ذلك الوقت كما قال لي إنسان : رأيت عندي مركباً وقد انكسرت ، قلت : عندك جارية حامل ،
قال : نعم ، قلت : إن كان وقع ما في المركب أسقطت وإلا فلا. ومثله رأى
آخر ، قلت : كانت المركب جديدة ، قال : نعم ، قلت : أي شيء كسرها ، قال : حجر ، قلت : عندك بكر من النساء نخشى عليها زوال بكارتها ، فما مضى إلا قليلاً وذكر أن ذلك جرى. ومثله رأى آخر قلت : عندك إناء ملآن ، قال : نعم ، قلت : ينكسر ، فجرى ذلك.
__________
(1) السفينة : دالة على كل ما ينجي فيه مما يدل الغرق عليه ، لأن الله سبحانه نجى بها نوحا عليه السلام والذين معه مما نزل بالكفار من الغرق والبلاء . وتدل على الإسلام الذي به ينجي من ا لجهل والفتنة ، وربما دلت على الزوجة والجارية التي تحصن وينجى بها من النار والفتن ، لأن الله سبحانه سماها جارية . وربما دلت على الوالد والوالدة اللذين كانت بهما النجاة من الموت والحاجة ، لا سيما أنها كالأم الحاملة لولدها في بطنها . وربما دلت على الصراط الذي عليه ينجو أهل الإيمان من النار ، وربما دلت على السجن والهم والعقلة إذا ركدت ، لقصة يونس عليه السلام.


وربما عاد النقص إلى بعض أطراف الدواب ، أو الغلمان كما قال لي إنسان : رأيت كأن لي مركباً يمشي بلا رجل ، قلت : عندك امرأة عرجاء وربما تكون جارية ، قال : صحيح. مثله قال آخر ، قلت : لك امرأة حرة قليلة الدخول والخروج ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، ولكن قال : ضاعت الرجل ، قلت : لك دكان ، قال : نعم ، قلت : تروح لك ميزان ، فعن قليل ضاع ميزانه.
فصل : فإن مشت به في البر ولم تنكسر دَل على تمشية أموره من حيث لا يحتسب لكونها سلمت في موضع يعطب مثلها فيه ، ومسيرها في الهواء دليل السفر. وأما إذا كانت واقفة لم تمش به فدليل على توقف معايشه ، أو على مرض ، أو سجن ، وإن كان مريضاً دل على طول مرضه وربما مات خصوصاً إن انكسرت به ، أو انكبت على وجهها. وأما المرسى فهو رجل صاحب أخبار والله أعلم.
قال المصنف : انظر بماذا مشت فإن مشت بالريح أعطى ما ذكرنا ، وإن مشت بالحبال ، أو بالحيوان تجرها ونحو ذلك أعطى ما ذكرنا ، لكن فيه تعب وغرامة بخلاف الريح. ورأى إنسان كأن له مراكب عدة في البحر وكأنه أراد أن يُوسِقَهُنَّ متاعاً ويركب فيهن ركاباً فقيل : إن تفعل ذلك رفعت القلوع وأقلعن وسرن بغير أمره ، قلت له : عندك جماعة من الطيور في مكان مسجونات والساعة يطير الجميع بغير اختيارك ، فما مضى قليل إلا وفتح القفص وطار الجميع كما ذكرنا ، فافهم ذلك.
وإذا كان المَرْسَى في مركب لا عادة له بمثله كَمَرْسَى الكبار في المراكب الصغار أعطى النكد لثقله وقلة نفعه ، وإن كان صغيراً في مركب كبير فكذلك. وكذلك إذا كان المرسى مما لانفع فيه مثل أن يكون زجاجاً ، أو طيناً ، أو فخاراً ونحو ذلك وإن كان من خشب كان من دل المرسى كثير الخلاف ؛ لأن القصد منه نزوله في الماء ليصل إلى القرار ليقف المركب والذي هو من خشب كلما غرقه لا يغرق في الماء فافهم ذلك.
إدارة الموقع
إدارة الموقع
الباب السادس
من كتاب البدر المنير في علم التعبير للإمام الشهاب المقدسي الحنبلي


في الحيوانات
وهو أربعة أقسام(1) :
القسم الأول : خير مطلقاً وهو ما انتفع به بنو آدم غالباً كالخيل والبغال والحمير والغنم وأمثالهم.
القسم الثاني : الشر وهو ما يضر غالباً كالسباع والحيات والعقارب وأمثالهم.
القسم الثالث : ما فيه خير وشر كأدوات الصيد مثل الفهود والصقور والبزاة ونحوها.
القسم الرابع : لا خير فيه ولا شر كالذبابة والنملة والخنفسة.
فمن رأى عنده أو ملك واحداً من ذلك نسبته إلى ما ذكرنا.
قال المصنف : لما اختلف أغراض الناس في الحيوانات فمنهم من يركب عليه ويحمل ولا يأكل منه كالحمير والجمال عند اليهود والنصارى ، ومنهم من يأكله ولا يركب عليه ويبيعه كالغزلان والغنم والخنازير ونحو ذلك ، ومنهم من يأكل لحمه في وقت صحته ويمتنع منه وقت مرضه لكونه يضره ، ومنهم من يأكل لحمه ولا يأكل الناتج منه كمن لا يأكل الألبان والجبن والسمن ، ومنهم من يأكل الناتج منه ولا يأكل الحيوان كالنحل يأكل العسل منه وينتفع بشمعه ويبيع النحل ولا يأكله ، ولذلك قلنا : ما انتفع به بنو آدم حتى يشمل جميع ما ذكرنا فافهم.
ولما كان النفع في القسم الأول الذي ذكرناه غالباً كان الضرر فيه وجوده كعدمه ، ولما كان الضرر في القسم الثاني صار النفع فيه وجوده كعدمه فلا حكم له. وفي القسم الثالث لما أن كانت أدوات الصيد تحتاج إلى علوفة وكلفة وفيهن ممانعة وقوة نفس أعطى الشر كما أعطى ما يصطادونه الخير. ولما كان القسم الرابع إذا كان الفرد منه في البيت لا يخاف ولا يهرب منه أحد ولا يقصد لأجل تربيته ولا فائدة فيه فانتفى منه الخير والشر بخلاف أقسام الخير فإن يقصد ملكه وبقاؤه لأجل ما يطلب من نفعه. وكذلك أقسام الشر فإن الحية ، أو العقرب ، أو الأسد إذا كان في المكان تحذر منه النفوس وتهرب منه الناس فعلمنا أنه دال على النكد فافهم ذلك.
فصل : وهم في أربع جهات : في البلدان والبراري والهواء والماء. فنتكلم أولاً على ما في البلد :
__________
(1) صهيل الفرس : نيل هيبة من رجل ذي شرف ، وكلامه كما تكلم به ، لأن البهائم لا تكذب ، ونهيق الحمار ، تشنيع من رجل عدو سفيه . وشحيج البغل ، صعوبة يراها من رجل صعب . وخوار الثور ، وقوع في فتنة . ورغاء الجمل، سفر عظيم كالحج والجهاد وتجارة رابحة . وثغاء الشاة ، بر من رجل كريم . وصياح الكبش والجدي ، سرور وخصب . وزئير الأسد ، خوف من سلطان ظلوم ، وضغاء الهرة ، تشنيع من خادم لص . وصوت الضبي ، إصابة جارية جميلة عجمية . وصياح الثعلب ، كيد من رجل كاذب . ونباح الكلب ، ندامة من ظلم . وصياح الخنزير ، ظفر بأعداء جهال وأموالهم . وصوت الفأر ، ضرر من رجل نقاب سارق فاسق ، ووعوعة ابن آوى ، صياح النساء والمحبوسين

والفقراء . وصياح الفهد ، كلام رجل طماع . وصياح النعام ، إصابة خادم شجاع . وهدير الحمامة امرأة قارئة مسلمة شريفة ، وصوت الخطاف ، موعظة واعظ . وقيل : كلام الطير كلها صالح . ودليل على ارتفاع شأن صاحب الرؤيا.

الغنم لمن ملكهم ، أو رعاهم ، أو تحكم فيهم غنائم وفوائد وأرزاق ونساء وعبيد ، والأبيض خير من الماعز. فمن ملك غنمة وكان أعزب تزوج ، فإن كانت ضأناً فهي امرأة لها جمال وجاه لحسن منظرها وكثرة صوفها وتكون مستورة بالإلية.

والكبش : فرجل جليل القدر صاحب أمر ونهي ، وإن كان بلا قرون فهو رجل مسلوب النعمة ذليل. وكذلك التيس. وأما الماعز فامرأة فقيرة لقلة شعرها ، وربما تكون ذات عيب لكونها مكشوفة العورة. فمن ملك قطيعاً من الغنم ، أو غيره من الحيوانات تولى على جماعة ولاية تليق به.
قال المصنف : إذا ملك الرائي شيئاً من هذه الحيوانات المذكورة قليلاً ممن لا يصلح له إلا الكبير دل على النكد ، كما أنه إذا ملك الكبير ممن لا يصلح له أعطى النكد. فإن جعلت الغنمة زوجة ورأى أنها تحولت في يده كبشاً فانظر فإن آذاه ، أو أتلف عليه شيئاً تنكد من زوجته ، وكذلك إن جعلتها معيشة تحولت إلى صفة دونٍة ، وإن لم يؤذه ذلك حملت زوجته بغلام ، أو تحولت معيشته إلى خير منها إن كانت الرغبة فيه كثيرة ، واعتبر أحوال الرائي إن تساوت الرؤيا كما قال لي إنسان : رأيت أنني أتيت إلى رأس غنم من الماعز إلْيَة في المنام قطعت تلك الإلية ، قلت : تلوثت بدم أم لا ؟ قال : تلوثت ، قلت أتيت إلى جمل سرقت منه خرجاً ، أو مخلاة ، أو نفجة قماش وكان ذلك في الطرق ، قلت : إن أبصر الناس الدم ظهرت عليك السرقة ، وإلا فلا. ومثله رأى آخر غير أنه قال : كانت الإلية على تيس وهي تمنعه من المشي ، قلت له : أنت رجل جرائحي تقطع سلعة وتبط دملاً ، أو خراجاً وتريح صاحبه من ألم ذلك ، قال : صحيح.
ولما كان أجناس الحيوان تختلف بساكنها ذلك ليسهل على طالب هذا العلم الكلام فيه ؛ لأن لكل جنس في مكانه ، أوصافاً تختص به دون غير مكانه فافهم.
فصل : البقر لمن ملكها معيشة ، أو امرأة ، أو دار ، أو سنة ، أو فائدة ، أو خدمة ، فإن كانت مليحة فذلك خير ، وإلا فلا. وكذلك الثور وهو دال على الرجل الكثير النفع ، فأما إن نطحه ، أو رفسه ، أو آذاه تنكد ممن دلوا عليه.
وأما من ذبح واحداً من ذلك ، أو مات عنده ذهب من ذلك المكان إنسان ، أو بطلت معيشة أهله. ويدل ذبحها في المكان الذي لم تجر به العادة على التهمة والخصومة.
والجواميس حكمها حكم البقر إلا أنها أرفع رتبة لكثرة درها ولبنها.
قال المصنف : إذا رأى أنه يأخذ صوفاً من البقر ، أو الجواميس ، أو حيوان لا يؤخذ ذلك من عليه فإن جعلت ذلك زوجة فهو حمل وأولاد من غير جنسه ، وإن جعلته فوائد فهي من حيث لا يحتسب ، وإن جعلته من تجائر فمن أقوام يجلبون ذلك من غير عادة منهم. كما قال إنسان : رأيت أنني آخذ صوفاً من بقر ورائحته ردية ، قلت : أقوام يسرقون شاء وتأخذه منهم وربما يكون غنماً ، قال : جرى ذلك. ورأى آخر أنه يأخذ من بقر صوفاً أسود وهو يتحول في يده ماءً ، قلت : أنت معلم مكتب ، قال : نعم ، قلت : الصغار كالبقر لا يعرفون شيئاً وأنت تأخذ مدادهم سرقة ، قال : ما بقيت أعود. ورأى آخر أنه يأخذ ريشاً من جاموس ، قلت : سرقت طيوراً من عند جليل القدر وما انتفعت بهن ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني آخذ حريراً من ظهر حيوان وأعمله أوتاراً في رقاب الحيوان وفي أرجلهم وهم ينطقون ، قلت له : أنت رجل تعلم الغناء والزمر والطرب لأرباب الجهل وسيصير لك شأن في ذلك. ومثله قال آخر : غير أنه قال : أجعل ذلك على أبواب المعابد ، قلت : أنت صوتك طيب في القرآن والأذان ينتفع الناس بصوتك على قدر حسن ذلك.
فصل في الخيل : الفرس دال على العز والجاه والفائدة والمعيشة والمرأة والجارية والولد والمنصب والنصر على الأعداء لمن ملكها ، أو ركبها ، فإن كانت مسرجة ملجمة فجاه تام ومعيشة دارّة ، أو امرأة بجهاز ، أو ولد فيه نفع ونصر قاهر. وكذلك الحصان لأنه تحصن من الأعداء ، والأسود من ذلك سُؤدد وخير ، والأصفر والأحمر والأشهب فرح .
قال المصنف : اعتبر عادات الناس في ركوب الخيل وغيرها وصفة ذلك فتجعل ركوبها عرياً لمن يعتاده فائدة وراحة ولمن لا عادة له بذلك ردياً ، كما جعلت ركوبها على جانب واحد ، أو مقلوباً لذي البوادي والمكارية وأصحاب الصنائع المهينة فائدة وإدرار معايش ، وكذلك إذا كان في عدّتها رداءه لأنهم لا ينكر عليهم ذلك ، وذلك للأكابر ولمن لا يعتاده شهرة ردية ونزول مرتبة وفعل ما لا يليق



فعله ، وكذلك المريض الذي لا يصلح الحركة له فإن الركوب الردي يدل على طول المرض وتجديد ألم فإن قوي الردئ في المنام صار موتاً للمريض ، فافهم. واعتبر الصفات المقلوبة في المنام ، كما قال لي إنسان : رأيت أنني اشتريت حصاناً فلما ركتبه صار حماراً ، قلت له : استخدمت ، أو اشتريت غلاماً على أنه ذكي طلع حماراً لا ينفع وقت الحاجة ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني حملت على حمار ورقاً أبيض رأيته صار جملاً لا يروح ولا يجيء ، قلت : سيرت كتاباً صحبة إنسان وزعمت أنه يعرف المكان كان أَبْلَه ما درى أين سيرته ، قال : صحيح ، ودليله أنّ الحمار يعرف مكان صاحبه بخلاف الجمل فافهم ذلك .

ودلت الخيل على العزو والجاه لكونها مختصة غالباً بذوي الأقدار وأرباب الأموال ، ودلت البغلة على المرأة العاقراً والمعيشة التي لا تربح لكونها عاقر لا تلد أصلاً ، ودل الحمار والبغل على أرباب الجهل لكونهم لا يقبلون التعليم غالباً إلا بعد السفر والمشقة بخلاف الخيل ، ودل الحمار على الغلام الكثير العياط والكلام لكثرة ذلك منه بخلاف غيره. فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
فصل في البغل والحمار من ملكها ، أو ركبهما ممن يليق به ركوبهما دل على الفائدة والخير كما دلت الخيل ، إلا أنها دونها في الرتبة ، وربما كانت البغلة امرأة عاقراً ويدلون على أرباب الجهل ويدل الحمار على الغلام الكثير العياط وأما من ركبهما ممن لا يصلح له ذلك دل على النكد والفقر وزوال المنصب.
فصل : الجمل : جمال وخير لمن ملكه ، أو ركبه ، وربما كان رجلاً صبوراً لحمله الأثقال ، ويدل على السفر ، ومن ركبه من المرضى مات لكونه يظعن بالأحبة إلى الأماكن البعيدة ، ويدل على قضاء الحوائج ، فإن كان من العِراب فهو عربي ، وهو من البخت : أعجمي. والناقة امرأة أو فائدة ، أو معيشة ، فمن ركب شيئاً من ذلك ركوباً يليق به فإن كان في نفسه حاجة قضيت ، وإن كان أعزب تزوج ، وإن يطلب سفراً سافر ، أو اشترى جارية ، أو عبداً ، أو داراً ، أو سفينة ، أو بستاناً ، أو عاشر إنساناً كذلك. والهجين فرجل كثير الأسفار صبور محبوب عند الأكابر كثير الخدمة.
قال المصنف : إذا جعلت ركوب الجمل خيراً فانظر من أي جهة دل عليه ، فإن كان عليه تجارة كان من سفر ، أو مسافر وكذلك الكجاوة ، وإن كان من جمل يحمل الحطب ، أو التبن ، أو البر ، أو شيئاً من الحبوب فاطلب الزراعات والمزارعين ونحو ذلك ، وإن كان ممن يحمل الماء فاطلب المطر ، أو العيون ، أو البحار ، أو من يتعانى المياه مثل القصارين والصيادين للسمك والمسافرين في البحر ، وإن كان ممن يحمل التراب ، أو الحجارة ونحو ذلك لأن كل ما كان معدناً لشيء فاعتبره ، وكذلك إذا جعلته ردياً فانظر وجه الردى من أين أتى إلى الرائي على ما ذكرنا موفقاً إن شاء الله تعالى. وإنما دل الركوب على قضاء الحوائج لراحة الإنسان بالركوب كراحته إذا قضيت وحاجته ، ودل على التزويج للراحة وحاجة تقضى ولكونه راكباً فوق الآخر ، وإن كان الراكب امرأة فلكونها محمولة الكلفة كما يحمل زوجها كلفتها ، ودل على الأسفار لأنه معد لذلك ولكونه ينتقل بصاحبه من مكان إلى آخر ، ودل على الغلمان والجوار لكونهم في الحوائج وتحت أمر راكبهم ، ودلوا على باقي الفوائد لكونهم معدون للنفع فافهم ذلك.
فصل : الدجاجة امرأة فيها نفع كثيرة النسل لمن ملكها ، أو معيشة دارّة في وقت دون وقت. وكذلك الإوز. وصراخهن هموم وأحزان ونوائح.
قال المصنف : إذا صارت الدجاجة ديكاً انقطع نسل من هي عنده ممن دلت عليه ، وتدل على الولد الذكر ، وإن دلت على الفائدة بطلت الفائدة لكون الديك يبيض ، وإن دلت على المرأة العاقلة دل على أنها تصير كثيرة الكلام والنقاد ، بخلاف ما إذا صارت وزة طال عمرها لكبرها وقلت فائدتها ؛ لأن الدجاج أكثر بيضاً وفراخاً ، فافهم ذلك.
وأما الديك فرجل حسن الصوت فمن ملكه رزق ولداً ذكراً ، أو اشترى مملوكاً ، أو داراً ، أو درّت معيشته ، أو قدم عليه غائب ، أو خبر منه ، وربما كان من دل الديك عليه خطيباً ، أو سمساراً ، أو مؤذناً ، أو منادياً ، أو حارساً وأشباه ذلك فإن نقر إنساناً ، أو أزعجه بصوته حصل له نكد ممن ذكرنا.



قال المصنف : إذا تحول ابن آدم ، أو غيره في صفة شيء من الطيور البلدية فأعطه من الأحكام على ما يليق برائيه ، كما قال لي إنسان : رأيت أنني صرت ديكاً كبيراً ، قلت له : فكان على رأسك عرف مثل الديك ، قال : نعم ، قال : وكأنني أعطي ريشي للنّاس ينتفعون به ، قلت : أنت الآن تبيع القماش ، قال : نعم ، قلت : إن راح الريش كله خسرت وتبقى قطعة لحم فقيراً ما لك حركة ولا حرمة ، وإن لم يكن راح فأنت تربح. وقال آخر : رأيت أنني صرت ديكاً بلا ريش وعلى رأسي عرف كبير ، قلت : يطلع في رأسك طلوع وكذلك في بدنك ويسيل ذلك دماً ؛ وذلك لأن مواضع الريش تبقى مثل الجدري والحب ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت ديكاً وأنا أنقر رمانة آكل بعضها ، قلت : أنت رجل مؤذن وقد نقبت مكاناً فيه جمع كالفندق ، أو الربع ، أو داراً جامعة وأخذت سرقة من بعض بيوتها ، وإياك أن يظهر عليك ، قال : كان ذلك من مدة. فافهم ذلك.

فصل : القط عبد ، أو ولد ، أو أخ ، أو أب ، أو زوج ، أو سيد نافع لمن ملكة. والقطة امرأة كذلك. وربما دلوا على المتولي الشاطر لقمعه الأعداء في البيت كالفأر والحيات والعقارب وأشباههم فهم بمنزلة اللصوص والمفسدين. فمن مات له سِنور في المنام مات له عبد أو مرض ، أو تعطلت فوائده ، أو صاحب فيه نفع واستولى المفسدون على ذلك المكان ، فأما إن أتلف شيئاً من البيت صار عدواً ، أو حرامياً ونحو ذلك.
قال المصنف : إنما دل القط على العبد والولد لخدمته وتألفه ، وكذلك دل على الزوج لجلوسه في الجحور ، ودل على الوالد لدورانه على أهل البيت في المصالح ، وكذلك الأخ والسيد ، فإذا جعلته متولياً فرأى كأنه يصطاد من البراري فهو رجل كثير الغارات على الأماكن البعيدة ، وإن اصطاد من داخل البلد كالأغنام والأبقار والدجاج ونحو ذلك فهو يؤذي أهل ذلك البلد ، وإن لم تجعله متولياً فهو رجل حرامي ، أو مفسد ، كما قال لي إنسان : رأيت كأَن لي قطاً وقد أرسلته في أرض فيها جوز مغروس يكسر الجوز ويأتي بقلبه ورائحته ردية ، قلت
له : عندك عبد ، أو غلام ينبش القبور ويأتيك بالأكفان ، قال : صحيح.
فصل : وأما الطيور التي في الأقفاص فهم جوارِ ، أو عبيد ، أو أُُسارى ، ويدلون على الأولاد والأموال المخزونة لمن ملكها ، فإن كان لهم صوت كالهزار والشحرور والبلبل والفواخِت والقماري وأمثالهم فهم خطباء ، أو وعاظ ، أو مناديه ، أو أرباب قرآن ، ويدلوا على أرباب الغناء والنوح أيضاً ، فمن كان عنده حامل ، أتاه ولد كذلك ، أو اشترى جارية تكون ذات صوت وحسن ، فإن صوّت لمن عنده مريض فبكى على صوته بلا صراخ : تعافى مريضه ، وإن كان بصراخ ، أو بضحك ، أو برقص ، أو لطم عند سماع صوته مات مريضه ، أو قدم نعي الغائب ، وربما تعطلت معيشته ، أو فارق زوجته ونحو ذلك.
قال المصنف : لما أن كانت الحيوانات الهوائية ، أو البرية معدة للإقامة عندنا على ما ذكرنا كان حكمها حكم الذين في البلد لكونها لا تأمل الخلاص بخلاف من هو سائب في مكانه ، ودلوا على الجوار والعبيد والأسارى لكونهم ابتاعوا وهم تحت الحكم والقهرية ، ودلوا على الأولاد لفرح النفوس بهم ، ويدلون على الأموال لكونهم يباعون ويشترون ويخزنون لنفع الناس بهم ، ودل من في القفص على الزوجة والمريض والمسجون والأسير لكونه ممنوعاً من التصرف وعن ما يحتاره من الدخول والخروج وكلفته على غيره. وقال لي إنسان : رأيت أنني صرت
طيراً ، قلت له : إن كنت من الطيور التي تطير كما تختار فإن كنت عبداً عتقت ، وإن كنت في شدة من أسر ، أو غيره خلصت ، وعلى العافية إن كنت مريضاً. وربما دل الطيران على الموت ، وإن كان في مركب بوقت عليهم الريح دل الطيران على السفر في البحر ، أو البر. وقال إنسان : رأيت كأنني صرت عصفور الدوري وأنا آكل العنكبوت ، قلت : أنت كثير الكلام وتأكل أموال الحاكة ، أو التجار وسرقت أيضاً متاع صيادين وأيضاً تعرضت إلى إنسان منقطع ، قال : أنا أتوب ، ودليله أن العنكبوت ينسج كالحائك وبيتها شبكة للصيد وهي منقطة ، فافهم ذلك.
واعتبر أصحاب الأصوات واعط الرائي على ما يليق به كما قال لي إنسان : رأيت كأن إلى جانبي هزّار مقطوع اللسان وأنا أعدل لسانه فاستوى ، قلت له : لك معرفة إما خطيب ، أو وأعظ ، أو مغنًّ ونحو ذلك وقد منع من الكلام وقد عزمت على أنك تشد منه حتى يعود إلى صنعته ، قال : صحيح ، قلت له : هل عرفت ما قطع لسانه في المنام ؟ قال : طارت قطعة زجاج من قنينة فقطعت



لسانه ، قلت : هذا كان يشرب ، أو يعايشر من يعاني ذلك وربما كان ينكد من امرأة. وقال إنسان : رأيت كأن عندي آلة طرب وبعضها قد تكسر وبعضها يأكله عبدي ، قلت له : ترزق توبة ، وعندك طيور مسموعة ؟ قال : نعم ، قلت : يموت بعضها ، أو تبيعه وبعضها يأكله قط ، أو كلب ونحو ذلك ، وكان دليله أن ذهاب آلة الطرب توبة وترك ما هو عليه وذلك أيضاً يدل على بيعها ، أو تلفها كما ذكرنا ، والعبد قط كما دل القط على العبد في بابه فافهم ذلك.

فصل : وربما دل من في القفص على المسجون : فمن رأى أنه يطعم طيراً في قفص ، أو يكلمه ، أو يتعامل على خلاصه ، سعى في خلاص مسجون ، أو خدم مريضاً ، وربما إن طار من القفص بغير أمره مات مريضه ، أو فارق من يعز
عليه ، وربما هلك له مال ، أو فارق عبده ، أو ولده ، أو دابته.
وأما الطاووس إذا كان ريشها عليها فهي امرأة بجهاز ، أو جارية ، أو بنت مليحة ، أو معيشة مفيدة ، أو مركب ، أو بستان مليح ، فإن جعلناها امرأة كانت كثيرة التيه والدلال ، وإن كانت بلا ريش انعكس ذلك كله ، والذكر منه رجل.
قال المصنف : كل طير يقص ريشه للنفع ، أو لحسن منظره دل على الأموال لبيعه ورغبة الناس فيه ، ودل على النبات لكونه نابتاً ، والأولاد لكونهم من
ظهره ، وعلى القماش لكونه مستراً به ، وعلى الدور لكونه ساكناً في داخله ، وعلى العدد لكونه يدفع الألم ، خصوصاً القنفذ لكونه يقاتل به. فافهم ذلك.
فصل : وأما الحيوانات التي في البر فهم رجال البوادي والطرقات ، والمذكر ذكور والمؤنث إناث والمأكول لحمه فائدة حلال لمن ملكها ، أو انتفع بها كالغزلان والوعول وبقر الوحش والأرانب وأمثالهم فمن ملك واحداً من ذلك ، تزوج إن كان أعزب ، أو قدمت عليه فائدة من سفر ، أو يقدم عليه رجل مسافر ، أو يرزق ولداً ذكراً إن كان ذكراً ، وإن كان أنثى فأنثى ، وربما درت معيشته وكثرت عبيده ومشت أحواله ، وتكون كثرة الفائدة وقلتها على قدر كبر الحيوان وصغره.
قال المصنف : إذا صار الرائي من حيوان البر أعطه من أحكامه على ما يليق
به ، كما قال لي إنسان : رأيت كأنني صرت كبش جبل ، قلت : أنت تطلب العزلة والعبادة سترزق ذلك. ومثله رأى نصراني ، قلت له : ستصير راهباً في
قلالة ، فصار كذلك. وقال آخر : رأيت كأنني صرت أريل ، أو بقرة وحش ، قلت : عزمت على الخروج إلى البرية ، أو إلى مكان خراب لتصطاد الحيات ،
قال : صحيح. وقال آخر : رأيت كأنني صرت يربوعاً ، قلت له : أنت كثير الحذر والحيل وعليك مطالبات ولدارك أبواب كثيرة وتدخل من باب وتخرج من آخر كاليربوع ، قال : صحيح. فافهم ذلك.
وإذا دل الحيوان على الفائدة السهلة فرأى أنه تحول في صفة حيوان صعب المراس دل على التعب فيما دل عليه. كمن أبصر عنده غنمة يحلب منها ، أو يأخذ عنها صوفاً ، فرآها قد صارت في صفة فهد ، أو حية ، أو أسد دل على التعب فيما دل عليه بعد الراحة ، كما قال لي إنسان : رأيت أنّ عندي دجاجاً وأنا آخذ من بيضهن فتحولن في صفة حجل ، قلت : تحت يدك غلمان كانت لك منهم فائدة صاروا يخبؤون الفائدة وينكرونك ، قال : صحيح ؛ لأن الأنثى من الحجل تخبيء البيض لئلا يبصره الذكر فيشربه.
فصل : وأما الذين لا ينتفع بهم غالباً كالفيل لمن ركبه ، أو ملكه فرجل جليل القدر ، أو عبد من تلك الجهة ، ولمن هو خائف هلاكاً لقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } ] N:1
قال المصنف : إذا تحول الرائي ، أو حيوان له في صفة حيوان فأعطه ما يليق
به ، كما قال إنسان : رأيت أنني صرت فيلاً أسود وأنا أَنُطُّ من مكان إلى آخر في ظلام ، قلت : أنت الآن في غير بلاد الفيل نخشى عليك السجن ، أو تخفي
نفسك ، وربما تصبغ جسمك وتصير أسود ، وتهرب من مكان أنت مخفي فيه ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن عندي غزالاً مليحاً تحول في صفة النمر ،
قلت : عندك ولد ، أو غلام يتعانى الشطارة ، قلت : ربما يبقى لصاً ، أو هجاماً ، قال : صحيح ، فافهم ذلك.
وإنما دلوا على الذين لا نفع منهم غالباً ؛ لأن الناس يقصدون النظر إليهم ، ومثله رأى آخر ، قلت : يآخذ ولدك إنسان ويسافر به ، فجرى ذلك. وقال إنسان : رأيت طائراً كاسراً نزل أرضاً فشرب جميع ما في بركتنا من الماء ، قلت : تتلف عينك وربما يكون بضربة حجر ، فجرى ذلك. ورأى آخر أن عيناً نبعت في داره ماء أسود وهو ضيق الصدر من ذلك فجاء طائر كبير نزل على تلك العين فشرب جميع ما فيها ، قلت : عندك واحد قد نزل بعينه الماء الأسود ، أو الأصفر ، قال : نعم ، قلت : سيأتي إليكم رجل خبير يقدح عليها ويمتص ما فيها من الماء المؤذي ويزول النكد ، فجرى ذلك ، وبرأت العين. فافهم ذلك.



فصل : وأما من ملكهم ليصطاد بهم فإن اصطاد بهم ما يؤكل لحمه ، قضيت حاجته ، أو ربحت تجارته ، أو دَرَّت معيشته بمال حلال وإلا فلا ، وإن ربط

الطير ، أو جعله في قفص كان ممن دل الطير عليه كثير الإقامة عنده ، وإن طار فارق ذلك.
فصل : وأما التي يؤكل لحمها كالحجل والحمام والعصافير والكراكي والقطاء وأمثالهم ، فذلك لمن ملكها دال على الأولاد والأقارب والأموال والأملاك والغلمان والمعايش ، ويكون ذلك على قدر كثرتها وقلتها ، وربما كانت الحمامة امرأة صالحة ، وربما دلت على رسول الأكابر لكونها تحمل الكتب من مكان إلى مكان ، ولمن عنده مريض تدل على الموت ؛ لأنها بكسر الحاء حِمام وهو الموت.
قال المصنف : إذا جعلناهم أَقارب ، أَو معارف ربما كانوا كثيري السفر ، وإن جعلناهم أموالاً فربما كان المال والفائدة من الجهة التي منها الطائر ، كما قال إنسان : رأيت أنني صرت كركياً ، قلت له : تسافر إلى بلاد الترك ، فجرى ذلك. ومثله رأى إنسان بمصر ذلك ، قلت له : أكنت ذكراً أم أنثى ؟ قال : كأنني كنت أنثى ، قلت : تنفق مالك على أهل الشرق ، ودليله أنه يرعى قرط مصر ويبيض بالعراق. وقال آخر : رأيت أنني صرت بلشوناً وأنا قد ثقل جسمي ، قلت : ألزمك جماعة إلى ما لا طاقة لك به وتقول للناس بلشوني بما لا أقدر عليه. وقال آخر : رأيت أنني صرت بجعاً ، قلت : أنت تصطاد بالشبكة ، قال : نعم ، قلت : تربح. ومثله قال آخر ، وكان في بلد لا بحر فيه ، قلت : يطلع في حلقك ، أو فمك طلوع ، أو تنزل بك نزلة ، فجرى ذلك ، ودليله أن البجع إذا قبض صيده يبقى فكه السفلاني مدلاً كالمخلاة. ومثله قال آخر ، قلت : احترز لا يقع في
فمك ، أو حلقك عظم سمك ، فجرى ذلك.
وإذا جعلتهم فائدة تقول للملوك : تملك بلداً ، أو تمسك جليل القدر ، وتقول للأمير البطال : خدمة وخير على قدر الطائر الممسوك ، وتقول للتاجر : ألف
دينار ، أو مائة دينار ، وتقول للمتوسط مائة درهم ، ونحو ذلك على ما يليق به ، وهو للصعلوك المتوسط عشرة دراهم ، وتقول لمن هو دونه وللصغير دينار ، أو درهم ، وما أشبه ذلك من المتعامل في ذلك البلد. فافهم ذلك.
فصل : وربما كان العصفور إنساناً عامياً كثير الفرار والحذر ، ويدلون على الدراهم أيضاً. وأما الهداهد فيدلون على العابد الكثير السجود وعلى رسل الأكابر وعلى أصحاب العمائم والتيجان.
قال المصنف : إذا عرف الطائر فأعط رائيه حكم ذلك ، كما قال إنسان : رأيت أنني صرت هدهداً ، قلت : أنت مسحور لأن الناس يتعانون بعض أجزائه للسحر. ومثله رأى آخر ، قلت : أنت تمشي بين رجل وامرأة في تزويج ، قال
لي : هل يتم ذلك ، قلت : يتم بعد صعوبة ؛ لأن الهدهد كان رسولاً بين سليمان وبين بلقيس حتى تزوجها. ومثله رأى آخر – وكان ظاهره ردياً – قلت : أنت تمشي بين امرأة ورجل في أمر ردي. وقال إنسان : رأيت أنني صرت غراباً ،
قلت : تتغرب في البلاد. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تفرق بين الناس بكثرة كلامك ، فافهم.
وأما الغراب : يدل على افتراق المجتمع. وكذلك البوم ويدلون على خراب العامر وعلى المتكلم بالردى. والحدآة والرخم : فأقوام دنيؤو الأنفس أصحاب مكاسب حرام. والخطاف رجل عفيف عن أموال الناس كثير الأُنس. وأما الخشاف فامرأة قليلة الكسوة كثيرة الأمراض والعائلة ، وربما كان في عينها عيب.
قال المصنف : دلت الحدآة والرخم على دناءة النفس والمكسب الردئ لملازمتهم أكل الجيف والخطف مما في الدور وأيدي الناس ، ودل الخطاف على العفيف لكونه يسكن عندنا في البيوت ولا يتعرض لما فيها ، ودل الوطاوط على القليل الكسوة لكونه لا ريش عليه ، وكثرة العائلة لحمله أولاده على جسمه وهم كثيرون ، ودل على الضرر في العين لكونه لا يبصر بالنهار شيئاً ، فافهم ذلك.
فصل : وأما النحل : فدال على الزهاد وأرباب النفع الذين بذلوا خيرهم ومنعوا شرهم ، ويدلون على العساكر لكثرة جمعهم. وكذلك الجراد والزنابير وأمثالهم. فأما إن أتلفوا زرعاً ، أو أشجاراً ، أو قرصوا الناس فعساكر مؤذية ، أو أمراض ، أو جوائح ، أو حوادث. وأما إن قطع عسلاً من النحل ، أو أكل من الجراد ، فأرزاق وفوائد وعلوم. وأما الكوارة من النحل فامرأة حسنة ، وهي بلد ، أو مركب ، أو دابة ، أو معيشة ، أو دار بستان لمن ملكها.


قال المصنف : دل النحل على الزهاد لكونهم في البراري غالباً وأخذهم من النبات والمباحات ، ودلوا على الذين فيهم الخير والنفع لكثرة ما ينتفع الناس بعسلهم وشمعهم ، ومنعوا شرهم لكونهم لم يؤذوا أحداً في مأكول ولا مشروب ولا غيره ، واشتركوا مع الجراد والزنابير في دلالة العساكر لكون عليهم مقدم يرجعون إلى أمره ، فإذا رأى أحد شيئاً من ذلك فأعطه ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أنني صرت نحلة ، قلت : أنت تعرف تعمل الشبك ، قال : صحيح. ومثله رأى آخر ، قلت : تعرف تعمل الآبار والمدافن الملاح ، قال : صحيح. ومثله رأى آخر ، قلت : أنت تتزهد وتنقطع لأخذ والمباحات . وقال آخر : رأيت أنني صرت جرادة ، قلت : أنت تأَخذ الزراعات والثمار ظلماً. وقال آخر : رأيت أنني صرت زنبوراً ، قلت : أنت تعرف ترمي بالنشاب ، أو بالنبل والناس يخافون شرك ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، قلت : في دبرك طلوع ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تؤذي أرباب الخير ، وكان دليله أن الزنبور يأكل النحل أَموال الحاكة والتجار الذين معهم القماش ، قال : أنا ضامن ذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت صرصوراً ، قلت : أنت معاشك من القنى والمواضع الدونة والمياه الردية ، قال : صحيح.
فصل : وأَما حيوان البحر فقد سبق الكلام فيه. وربما دلت الضفادع : على العباد وأهل التسبيح والقراءة والذكر ، وربما دلوا على العوام وأصحاب العياط.
وأما التماسيح وكواسر البحر فقطاع طريق ولصوص. والله أعلم بالصواب.
قال المصنف : دلت ضفادع الماء على ما ذكرنا لكثرة عياطهم ، بخلاف ضفادع التراب. كما قال إنسان : رأيت أنني صرت ضفدعاً ، قلت : تتعلم السباحة. ومثله رأى آخر ، قلت : تسافر في البحر. ومثله رأى آخر غير أنه قال : كأنني كنت في حر الشمس ، قلت : يقطع عليك الطريق وتعرى قماشك ، فجرى ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : كنت تمشي ، قال : لا ، قلت : يقع برجليك ألم وتمشي على أربع ، فجرى ذلك. وقال إنسان : رأيت أنني صرت تمساحاً ، قلت : تصير قاطع طريق ، وربما تكون بأَرض مصر. ومثله رأى آخر ، قال : كنت طيب الرائحة ، قلت : تتولى على بحر. وقال إنسان متولي : رأيت أنني صرت تمساحاً ، قلت : أنت كثير البرطيل. وقال آخر : رأيت أَن رأسي صار رأس تمساح ، قلت : يحدث برأسك عيب ، وربما يكون في الفم من طلوع ، أو جرح ، وربما يدود. ومثله قال آخر ، قلت : تسيء إلى من يحسن إليك ، ودليله أَن التمساح يقع في فمه دود ويصعد إلى البر ويفتح فاه ، فيرسل الله إليه طائراً فيلقط ذلك الدود ، فإذا فرغ طبق فاه على الطائر فيهلك ، فلذلك يقال : مكافأة التمساح. وقال إنسان – وكان بالشام - : رأيت عبر منزلي تمساحاً ، قلت : يعبر منزلك لص من مصر ويكون ذليلاً ، وذلك لأَن التمساح لا يكثر إلا في البحر دون البر ، فافهم ذلك.
إدارة الموقع
إدارة الموقع
الباب السابع
من كتاب البدر المنير في علم التعبير للإمام الشهاب المقدسي الحنبلي


في الأكل والذبائح
من أكل لحم حيوان(1)
__________
(1) اللحوم : فأوجاع وأسقام ، وابتياعها مصيبة ،والطري منها موت ، وأكلها غيبة لذلك الرجل الذي ينسب إليه الحيويان . والملح من لحوم الشاء إذا أدخل الدار فهو خير يأتي أهلها بعد مصيبة كانت من قبل ، بقدر مبلغه ، والسمين منه خير من الهزيل وإن كان من غير لحم الشاء ، فهو رزق قد خمد ذكره . وقيل : الهزيل رجل فقير ،وقيل : هو خسران ، والقديد : غنيمة في اغتياب الأموات . وقيل : من أكل اللحم ، المهزول ا لمملح نال نقصانا في ماله ، ولحم الإبل : مال يصيبه من عدو قوي ضخم ما لم يمسه صاحب ، الرؤيا ، فإن مسه أصابه من قبل رجل ضخم قوي عدو .فإن أكله مطبوخا أكل
مال رجل ومرض مرضا ثم برئ . وقيل : من أكله نال منفعة من السلطان ، وأما لحم البقر : فإنه يدل على تعب ، لأنه بطيء الانهضام ، ويدل على قلة العمل لغلظه . وقيل : لحم البقر إذا كان مشويا أمان من الخوف . وإن كانت امرأة صاحب الرؤيا حاملا ، فإنها تلد غلاما ، لقوله تعالى ( أن جاء بعجل حنيذ) ـ هود : 69 . إلى آخر القصة . وكل شيء أصابته النار في اليقظة ، فهو في النوم رزق فيه إثم ، ومن رأى في النوم كأنه يأكل لحم ثور ، فإنه يقدم إلى حاكم . والعجل السمين : الحنيذ بشارة كبيرة سريعة ، وتكون البشارة على قدر سمنه ، وقيل : إنه رزق وخصب ونجاة من خوف ، والمطبوخ من لحم البقر فضل يسير إلى صاحب الرؤيا ، حتى يجب لله تعالى فيه شكر ، لقوله تعالى( وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا )ـ سبأ :13 . ولحم الضأن : إذا كان مشويا مسلوخا ، فرآه في بيته ، دلت رؤياه على اتصاله بمن لا يعرفه ويعمل ضيافة لمن لا يعرفه ، أو يستفيد إخوانا يسر بهم . فإن كان المسلوخ مهزولا ، دل على أن الإخوان الذين استفادهم فقراء لا نفع في مواصلتهم . وإن رأى في بيته مسلوخة غير مشرحة ، فإنها مصيبة تفجؤه . فإن كانت سمينة فهو يرث منن الميت مالا ، وإن كانت مهزولة لم يرثه ، وقيل : لحم الضأن إذا كان مطبوخا ، فهو مال في
تعب ، كحال النار . وإذا كان نيئا فهم وخصومة ، والفج غير النضيج ، هموم وبغي ومخاصمات .
= والعظام من كل حيوان عماد لما ملكته أيمانهم ، والمخ من كل حيوان ، مال مكنوز مدخور يرجوه . وقيل : إن المسلوخ رديء لجميع الناس ، ويدل على حزن يكون في بيت الرجل ، وذلك أن الكباش تشبه بالناس ، وليس تؤكل لحوم ا لناس . وكل اللحوم التي تؤكل جيدة خلا اليسير منها، وأما
اللحم الذي يرى الإنسان أنه يأكله نيئا فهو رديء أبدا ، ويدل على هلاك شيء يملكه ، وذلك أن طبيعته لا تقوى على الدنيء وهضمه . وقال بعض المفسرين : إنما اللحم النيئ رديء لمن يراه ولا يأكله . فأما من أكله فهو صالح له . فإن رأى أنه أكل لحما مطبوخا ازداد ماله . فإن رأى أنه يأكله مع شيخ ارتفع أمره عند السلطان ، وأما الجمل المشوي : فقد اختلف فيه ، فمنهم من قال : إن كان
سمينا فهو مال كثير ، وإن كان مهزولا فمال قليل ورزق في تعب . قال بعضهم : إن الجمل المشوي أمان نمن الخوف . وقال بعضهم : الجمل المشوي ابن . فإن رأى أنه يأكل منه ، رزق ابنا يبلغ ويأكل من كسب نفسه. وإن كان نضيجا رزق ولده الأدب وإن لم يكن نضيجا لم يكن كيسا في عمله .

وقيل : إن كان شواء السوق بشارة . فإن لم يكن نضيجا فهو حزن يصيبه من جهة ولده . ومن رأى كأن ذراع الشواء كلمة ، فإنه ينجو من المهلكة لقصة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في الذراع المسمومة التي كلمته.

يعتقد حله فمال حلال إن كان مطبوخاً ، أو مشوياً ، أو قديداً وأخضره نكد ، أو مال بشبهة.

قال المصنف : قد سبق الكلام على الحلو والحامض في فصله ، وانظر المأكول من الحيوان وغيره وأعط المرائي ما يليق به في وقته. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني آكل أذن فرس ، وهي صفراء ، وكانت نية غير مطبوخة ، قلت : سرقت حلقة من أذن أنثى وتصرفت فيها ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني آكل أذناب الخيل وهي طيبة في فمي ، قلت : تعمل المناخل ، قال : نعم ، قلت : تفيد من ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : أنت تعمل السعادي وتبيعها ، قال : صحيح. فافهم ذلك.
فصل : والمأكول على قسمين : فالحلو خير ورزق ، إلا المريض تضره
الحلاوة ، فإنه يدل على طول مرضه. القسم الثاني : الحامض ردي إلا لمريض تنفعه الحموضة ، فإنه جيد له ، وهي على قسمين : فمنها ما يؤكل بنار وبلا نار ، كاللبن والعسل والتمر والحصرم والتفاح وقصب السكر والمشمش وأكثر الحبوب فهذه وما أشبهها أرزاق وفوائد كيف ما أكلت.
القسم الثاني : لا يؤكل إلا بالنار ، كاللحوم والأخباز والأرز والسلق وما أشبه ذلك ، إذا أكل قبل استوائه دل على النكد والتعب ، ويدل على الديون ، وبيع المتاجر قبل وقتها والخسارات ، ونحو ذلك.
قال المصنف : اعتبر أصل المأكول وما يصير إليه ذلك. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أتيت شجرة نخل فأكلت منها عسلاً بشهده ، قلت له : أخذت من امرأة ، أو من جليل القدر كوارة نحل ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني أشرب لبناً من كرمة وهو طيب ، قلت : أخذت من كريم بقرة ، أو شاة ، أو نحو ذلك ، قال : نعم ، قلت : تربح من ذلك. وقال آخر : رأيت أنني آخذ تمراً آكله يصير حصرماً وتفاحاً ، قلت : قايضت ببستان بستاناً آخر ، قال : نعم ، إيش يكون العاقبة ، قلت : إن كان البستان الذي لك في أرض فيها التمر كان الذي استبدلت به قليل الثبات والفائدة ، وإلا فلا بأس عليك.
فصل : وأما شرب الأدوية(1) ، أو الأشربة للمرضى الذين يوافق مرضهم ذلك دال على العافية ، وإن لم يوافقهم دل على طول المرض. وأما شربه للأصحاء فإنذار بمرض يحتاجون فيه إلى مثل ذلك.
قال المصنف : إذا جعلت الدواء جيداً كان الخير والعافية على يد رجل من إقليم الدواء ، وكذلك يكون حكم الرداءة. كما قال إنسان مريض بالحرارة : رأيت أنني شربت خيار سنبر ، قلت : لك العافية في ذلك ، وربما يقدم عليك طبيب من مصر ، أو أصله من ديار مصر تنال العافية على يديه ، فجرى ذلك.
وأما إن رأى أنه يشرب دواءً لداء يعتقد نفعه فظهر بخلاف ذلك قلنا : ارجع عما تتعاناه من المعالجة ، وإذا كان معوداً لدواء في اليقظة ، فرأى أنه يشرب دون ذلك ، قلنا : ربما تمرض في بلد تطلب الدواء المعتاد فما تقدر عليه ، فافهم ذلك.
فصل : شرب المسكرات(2) وأكلها مال حرام وفساد ، والاجتماع عليها فتنة وخصام ، إلا عند من يحللها فعز أو أرزاق وخير.
__________
(1) كل شراب أصفر اللون في الرؤيا فهو دليل المرض . وكل دواء سهل المشرب والمأكل فهو دليل على شفاء المريض ، وللصحيح اجتناب ما يضره ، وأما الدواء الكريه الطعم الذي لا يكاد يسيغه ، فهو مرض يسير يعقبه برء ، وقيل : إن الأشربة الطيبة الطعم السهلة المشرب والمأكل ، صالحة للأغنياء بسبب التفسح ، وأما الفقراء فهو رديء ، لأنهم لا يمدون أعينهم إليه بسبب مرض يعرض لهم ويضطرهم إلى شربها ، وأما السويق فحسن دين وسفر في بر لقوله تعالى ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) ـ البقرة: 197 ، ومن رأى كأنه شرب دواء فنفعه فهو صالح في دينه ، وشرب الفقاع
منفعته من قبل خادم ، أو خدمة من قبل رجل شديد ، وذهاب غم . وليس تأويل ما يخرج من الإنسان كتأويل ما يخرج بغير الدواء من الأحداث.
(2) الخمر في الأصل : مال حرام بلا مشقة ، فمن رأى أنه يشرب الخمر فإنه يصيب إثما كثيرا ورزقا واسعا ، لقوله عز وجل ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) البقرة : 219 . ومن رأى أنه شربها ليس له من ينازعه فيها ، فإنه يصيب مالا حراما ، وقالوا : بل مالا حلالا . فإن شربها وله من ينازعه فيها فإنه ينازعه في الكلام والخصومة بقدر ذلك . فإن رأى أنه أصاب نهرا من خمر ، فإنه يصيب فتنة في دنياه . فإن دخله وقع في فتنة بقدر ما نال منه ، وقال بعض ا لمعبرين : ليس كثرة شرب الخمر في الرؤيا رديئة فقط ، فإن رأى الإنسان كأنه بين جماعة كثيرة يشربون الخمر ، فإن ذلك رديء ، لأن كثرة الشراب يتبعه السكر ، والسكر فيه سبب الشغب والمضادة والقتال . وقال : الخمر لمن أراد الشركة والتزويج موافقة بسبب امتزاجها.



قال المصنف : إنما دل أكل المسكرات وشربها على الحرام لأن العقلاء – ممن يعتقد تحريم ذلك ويحلله – أجمعوا على أن السكر ردئ ومنهي عنه ، ودل على الفساد لاختلاف تصرفات العقل الصحيح وقت السكر ، والاجتماع عليها دال على الفتن ؛ لأن الغالب من المجتمعين على ذلك إذا سكروا يضارب بعضهم بعضاً ويقع من الكلام ما لا يليق ، والحكم عند من يحلله أهون من ذلك عند من يحرمه. وقال إنسان : رأيت أنني أتيت إلى إناءٍ أعتقد أن فيه عسلاً فشربت منه فظهر لي في الأخير أنه خمر ، قلت : اجتمعت بمن تظن فيه خيراً فرأيت عند اجتماعك به بواطن ردية حتى تنكد خاطرك لذلك ، قال : صحيح ، قلت ، وأكلت شيئاً تظنه حلالاً فظهر أنه حرام ، قال : صحيح.

فصل : كل شيء ردي إذا صار جيداً ، أو المر أو الحامض إذا صارا حلوين ، دل على الأمن من الخوف ، وعلى الأرزاق والراحات من حيث لا يحتسب الإنسان ، ويدل على صلاح المفسود ، ووجود الضائع ، وزوال الشدائد. وكذلك أكل المحرمات في النوم لأجل الضرورات يدل على الرزق الحلال والفرج بعد الشدة.
قال المصنف : انظر إلى ما صار إليه وأعط الرائي ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أن عندي شجرة وعليها شوك تمنعني من الطلوع عليها ، قلت : امرأتك عليها جرب ، أو طلوع ، أو دماميل تمنعك الاستمتاع بها ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أن عندي ليمونة انقلبت صارت تفاحة ، قلت : عندك امرأة كثيرة اللوم لك ، الساعة تنصلح ، وقلت له أيضاً : عندك في أرضك نبات قليل النفع ، تقلعه وتزرع خيراً منه ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني أتيت إلى حنطل أكلت منه فوجدته بطيخاً حلواً ، قلت : حاجة من جهة صعبة يهون الأمر وينقضي. وقال آخر : رأيت أنني آكل بطيخة حلوةً تحولت حنظلة ، قلت : يحصل لك نكد من معرفة ، وإن طلبت حاجة ما تنقضي ويجري فؤادك جرياناً كثيراً. وقال آخر : رأيت أنني عبرت حنظلة ، قلت : تصل في محبة امرأة صعبة المراس ، فجرى ذلك. فافهمه.
فصل : وأما الجيد إذا صار ردياً ، أو الحلو إذا صار حامضاً ، أو انفسد بعد صلاحه ، انعكس جميع ما ذكرنا.
فصل : كل حيوان دل على الخير إذا أتلف ، أو جرح إنساناً ، أو هدم
حائطاً ، ونحو ذلك ، صار حكمه حكم العدو. وكل حيوان دل على الردي إذا أعطى إنساناً ما يدل على الخير ، كالخبز ، أو كاللبن ، أو العسل ، أو أنقذه من شدة في المنام ، أو زرع له ، أو عاونه في فعل خير ، أو ركب عليه ، أو نجاه من نهر ، أو طين ، أو قاتل عنه ، أو أعطاه صوفاً ، ونحو ذلك : حصلت له فائدة من حيث لا يحتسب ، وأمنَ من حيث يخاف ، وصار حكمه حكم الصديق النافع.
قال المصنف : انظر تحول الحيوان الجيد. كما قال لي إنسان : رأيت عندي ديكاً له قرنان نطحني وما التفت عليه ، قلت : أنت تحب امرأة سمسار ، أو
مؤذن ، أو مناد وعنده تغفل عن زوجته ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني صرت ديكاً وأنا واقف على قرون ثور وتحتي سلة فيها دجاجة وأنا أنقرها وهي تعيط ، قلت : أنت تؤذن على منارتين ، وتنظر إلى امرأة في دار ، وأنت تنقر لها بكلام ردي ، فاخترز لئلا يظهر عليك. فافهمه.
وانظر ما تحول إليه الحيوان الردئ. كما قال إنسان : رأيت أن خنزيراً يعلمني أحرث في الأرض ، قلت له : تتعلم الخط على يد نصراني. وقال آخر : رأيت قردة تراودني عن نفسها ، فلما دنوت منها أعطتني لؤلؤاً كباراً ، قلت : تزوجت ، أو اشتريت جارية من اليمن ، أو الهند ، أو السودان وعندها فساد ، وقد رزقت منها أولاداً ، لكنهم يطلعون أرباب قرآن وعلم وخير ، قال : صحيح. هم يتلون كتاب الله تعالى ، قلت : وهم طوال الأعمار ، وذلك لكبر اللؤلؤ. وقال آخر : رأيت أنني غارق في طين وأطلب الخلاص فلم أقدر عليه فرأيت مسكت بأذنيه وخلصني من الطين ، قلت : كنت في سجن وأَيِسْتَ من الخلاص ، فجاء إلى عندك رجل كثير الحيل ، وقال لك أحكِ لي خبرك فحكيت له ، وسمع منك ، وكان الخلاص على يده. وقال آخر : رأيت أنني غارق في البحر وإلى جانبي مركب وكلما طلبت أمسكها لأركب فيها هربت مني فبقيت في شدة ، فجاء تمساح كبير فاتح فاه
فقال : اركب على قفاي ، فركبت فنجاني ، قلت : تخلص من شدة على يد
عدو ، وتنجو من ذلك. فافهمه.
فصل : وأما من ذبح حيواناً ، أو عقره ليأكله ، أو لينتفع به الناس ، كان ذلك خيراً وفائدة ، فإن كان الذابح ملكاً ، أو متولياً نالت رعيته به راحة.
قال المصنف : انظر هذا الذابح إن كان له عادة بما ذبح أو لا ، وأعطه على ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أنني أذبح براغيثاً وآكلها ، قلت : أنت تأكل الفأر ، قال : نعم. قال آخر : رأيت أنني أذبح العصافير ، قلت : أنت لحام ،
قال : نعم ، قلت : تخسر في معاشك لأنها دون صنعتك. فافهمه.



فصل : وأما من ذبح حيواناً من غير محل الذبح ، أو ذبح حيواناً محرماً ، وأطعمه للناس ، فهي أموال حرام. فإن كان الذابح قاضياً حكم بالباطل ، وإن كان تاجراً ، أو رب معيشة فما كسب فحرام ، وأما إن ذبح الحيوانات المؤذية ليدفع أذاها عن الناس كان الذابح للناس فيه راحة.

قال المصنف : إذا ذبح الحيوان في موضع لا يليق به ، كما قال لي إنسان : رأيت عندي حيواناً مجهولاً وقد ضيق عليّ ، ورائحته ردية ، وقد ذبحته من دبره ، وقد امتلأ المكان منه ، قلت له : عندك قناة قد انفسدت ، وضيقت المكان ، وفتحتها ملأت المكان ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني ذبحت كبشاً من أذنه ووقع إلى الأرض ، قلت له : أتيت إلى جليل القدر نقلت إليه كلاما ردياً ، قلت له في أذنه فخاف من ذلك ومرض ، قال : جرى ذلك. وقال لي بعض الملوك : رأيت أنني أذبح إنساناً بقلم ، قلت : هذا تجعله قاضياً ، قال نعم ، ودليله قوله عليه السلام » مَنْ وَلِيَ القضاءُ فقد ذبحَ بغيرِ سكينٍ «. وقال إنسان : رأيت أنني ذبحت حيواناً في طهور ، قلت له : أنت عازب ، قال : نعم ، قلت : تتزوج ، وترزق ولداً ذكراً ويكبر حتى تطهره ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني ذبحت خروفاً وأطعمته للقراة ، قلت : لك ولد ، قال : نعم ، قلت : يموت شهيداً في القتال ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني ذبحت كبشاً أضحية ، قلت : أنت صعلوك ، وسيفتح الله لك بمال ، وتضحي ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني ذبحت عجلاً وتصدقت بلحمه ، قلت : عندك مريض عزيز عليك ، قال : نعم ، قلت : يُعافى وقد نذرت عليه نذراً ، فإذا عوفي أَوفِ بنذرك. فافهمه.
فصل : وأما ذبح الضحاياَ والنذور وكل ما كان قربة : فسرور وخلاص من شدة ، أو من مرض ، ويدل على الرفعة والخير. وأما من ذبح حيواناً لا يليق به الذبح ، أو تلوث ذلك المكان بالدم ، دل على نكد يحصل في ذلك الموضع ، وربما مات فيه من دل الحيوان عليه ، فإن كان كبيراً مات كبير وإلا فصغير ، وإن كان ذكراً فهو ذكر وإلا فأنثى ، وإن لم يعلم أذكر هو أم أنثى راح من فيه نفع.
قال المصنف : انظر المكان المذبوح فيه وأعط الرائي ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أنني ذبحت غزالاَ في حجري ، وتلوثت بدمه ، قلت : لا ترجع تقرب الذكران. وقال آخر : رأيت أنني ذبحت بقرةً في وسط داري وهي صغيرة عن البقرة ، قلت له : ضربت امرأة في ذلك المكان ، وغشي عليها ، وكادت تموت ، قال صحيح وقالت امرأة : رأيت أنني ذبحت خنزيراً في فراشي وتلوثت بدمه ، قلت : نام معك في الفراش رجل نصراني ، قالت : جرى ذلك.
فصل : كلام الحيوان للإنسان ، أو تحوله في صفة الآدمي دال على الصُلح مع الأعداء من الخوف ، وقضاء الحوائج ، والاطلاع على الأخبار الغريبة.
قال المصنف : انظر الكلام من الحيوان والتحول في أي صفة كان. كما قال لي إنسان : رأيت عندي عجلاً صار جملاً ، قلت له : لك صديق يهودي ، قال : نعم ، قلت : يسلم ، ودليله أن اليهود ما يستحلون ذبحه ولا أكله والإسلام يبيح ذلك. وقال آخر : رأيت جملاً يصيح لي ، فقلت له : لبيك ووضعت يدي في
فمه ، فمسكها قلت له : أنت رجل مطالبي ، ومسكت مرة في ذلك ، قال :
نعم ، وكان دليله أن الجمل يسمى مطية ، وقال له : لبيك فصار مطالبي. وقال آخر : رأيت جرذوناً مقطوع الوسط ، وهو يناديني ، قلت له : نعم ، وكان دليله أنك إذا قسمت لفظ الحرذون يصير أوله حر : وهو الفرج ، وذون : دون.
فصل : وأما من دخل بطن حيوان ، أو في فمه ، أو في فرجه وكان مريضاً ولم يخرج : مات وكان ذلك قبره ، وإن كان سليماً مرض ، أو سجن ، أو جرت عليه آفة ، أو شدة ، وربما يكون ذلك في بلد الحيوان ، أو على يد إنسان من ذلك البلد ، كم عبر بطن فيل قلنا له ربما يحبس ، أو يناله شدة في الهند ، أو على يد هندي.
قال المصنف : انظر إذا عبر في حيوان من أي جهة ، ولاي شيء ، وتكلم عليه. كما قال لي إنسان : رأيت أنني عبرت بطن بقرة من فرجها ، وكان في بطنها أولاد أخذت جلودهم ، قلت له : عبرت على أقوام نيام ، أو مرضى أخذت قماشهم ، قال : صدقت. ومثله رأى آخر لكنه قال : من فمها ، قلت له : عبرت قبراً وجدت فيه موتى أخذت أكفانهم ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت له : دخلت على جماعة في حمام عرايا أخذت قماشهم ، قال صحيح.
وجلود الحيوان وأصوافها وأشعارها وأوبارها ؛ كلها أرزاق وأموال وفوائد .
فصل : السجود للحيوانات دال على خدمة من دل الحيوان عليه ، وعلى فساد دين الساجد ، أو بدعته ، وأما سجود الحيوان للإنسان فهو رفعة وخير وولاية وتذلل له الأمور الصعاب.
قال المصنف : انظر لمن سجد الحيوان ، ومن سجد له. كما قال لي إنسان : رأيت قطة تجيب لي رغيفاً بعد رغيف من دار معروفة ، وأنا أسجد لها ، قلت له : ثَمًّ امرأة تسرق من أهل المنزل وتعطيك ، وأنت تشكرها ، قال : نعم. وقال
آخر : رأيت فأراً صغيراً خلف جرذان كبير وأنا أسجد للصغير دون الكبير ،


قلت : أنت تحب ابن حفار القبور ، أو ابن حجار ، أو ابن نقاب وتخدمه ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني صرت كركياً وأنا واقف على فرد رجل ، قلت له : تصير حارساً ، أو ناطوراً ، فصار كذلك ؛ لأن هذه الطيور لها ناطور كذلك ، فافهمه.
وأما من طلب حاجة من الحيوان فيدل على طلب حاجة من اللئام.
قال المصنف : إنما دل طلب الحاجة من الحيوان على الطلب من اللئام ؛ لأنهم لا يعرجون على قوله ولا يفهمونه.
فصل : وأما من بلع حيواناً حياً تزوج إن كان أعزب ، أو تحمل زوجته ، أو سريته ، ولمن عنده حامل دليل على ولد ، فإن كان بلع ذكراً فالحمل ذكر وإلاّ
فلا ، وربما أحب ، أو اعتقل من دل الحيوان عليه ، فإن كان أضر بالبالع ، أو أثقله مرض البالع ، أو تنكد ، فإن أخرجه زال ذلك جميعه ، والله أعلم.
قال المصنف : انظر ما بلع من الحيوان وتكلم عليه. كما قال لي إنسان : رأيت أنني بلعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قلت : قد سرقت كتاب حديث عنه ، قال : نعم. ومثله رأى آخر وكان ظاهره الدين ، قلت له : تصير محدثاً عنه عليه السلام. وقال آخر : رأيت أنني بلغت سعد بن عبادة وهو أحد العشرة رضي الله عنهم ، قلت له : أنت يعتريك صرع ، قال نعم ، قلت : تموت قتلاً بالنشاب ، فكان كذلك ، وكان دليله أن سعداً قتلته الجن بسهم من نشاب. ورأى آخر أنه بلع العرش ، قلت له : كنت في دار فيها جماعة يرقصون وسرقت منها مصحفاً ، قال : صحيح ، وكان دليله أن الملائكة حافين من حول العرش بالتسبيح والعبادة ، والدائرون من الإنس لا يكون إلا بالرقص ، ودل على المصحف ؛ لأن عكس عرش شرع وليس في الأرض شرع من الله تعالى إلا كلامه العزيز ، وكونه سرقه لأن العرش طاهر وخبأه في موضع يتخذ للدماء والبول. وقال آخر : رأيت أنني بلعت مصحفاً ، قلت : تحفظ القرآن ، لكونه صار في صدره. وقال آخر : رأيت أنني بعلت ديكاً ، قلت : هل آذاك ،
قال : لا ؛ لكنني فرحت به ، قلت له : أخليت بعض منازلك لعابد كثير السهر بالليل وكثير الذكر ، قال : نعم هو عندي. وقال آخر : رأيت أن عندي غزالاً حسن الصورة غير أنه ميت ، فأخذته وبلغته ، قلت : يموت لك ولد وتجعل قبره في دارك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني أبلع سمكة وهي تقف في حلقي ،
قلت : يقع في حلقك عظم سمكة ، أو قشرها وتجد ضرر ذلك ووجعه ، فكان كذلك.
إدارة الموقع
إدارة الموقع
الباب الثامن
من كتاب البدر المنير في علم التعبير للإمام الشهاب المقدسي الحنبلي


في الأبنية
من بنى مكاناً قريه ، أو حكم عليه كالمساجد والمدارس والزوايا والخوانك وسور البلد والقناطر والبيمارستان والخانات للسبي ، أو حفر خندقاً ، أو بئراً لنفع الناس ، أو بركةً وما أشبة ذلك ، فإن كان أهلاً للولاية تولى ، وإن كان متولياً نصب للناس رجلاً ينتفعون به ، أو يشمل غيره أهل ذلك المكان ، وإن كان عالماً ربما صنف كتاباً فيه نفع ، أو نفع الناس بفتاويه ، وإن كان عابداً انتفع الناس بدعائه ، أو نصب للناس من يردهم إلى طاعة الله.
فصل : وأما إن كان صاحب مال انتفع بمعروفه ، وإن كان صاحب صنعة ، أو معيشة استفاد منها ، وإن كان فاعل ذلك فاسقاً ، أو كافراً تاب ورجع إلى الله تعالى ، وإن كان أعزب تزوج ، وإن كان متزوجاً رزق ذرية صالحين ، وإن كان فقيراً استغنى ، وإن كان مريضاً برئ وقدم الناس يبشرونه بالعافية ، هذا كله إن بناه بآلة تليق بمثله في ذلك المكان.
وإن بناه بآلة لا يليق به تقرب إلى الله تعالى ، أو إلى الأكابر ، أو إلى الناس ، أو تزوج بالأموال الردية.
وأما من هدم شيئاً من ذلك : سعى في زوال رجل للناس فيه نفع ، وربما مات كبير ذلك المكان.
قال المصنف : إنما دل البناء على الولاة كالملوك ونوابهم لأن الغالب أن ما يبنى أو يحكم على ذلك المذكورون ، وانظر إذا بنى أو تحكم على شيء من ذلك ، فأعطه على ما يليق به ، كما قال إنسان : رأيت أنني فوق خانقاه وأنا آمرهم وأنهاهم ، وعليّ ثياب ردية ، قلت : يحصل لأهل ذلك المكان نكد منك ، ويكون الذنب لك ، ودليله لكونك تحكمت على من لا يليق بك الحكم عليهم. وقال
آخر : رأيت أنني بنيت خاناً للسبيل ، قلت : من أعبرت إليه ، قال : عبر إليه غنم وذئاب ، قلت : أنت تجمع المفسدين وقطاع الطريق وأرباب الأموال وتحسن

إليهم ، وتعتقد أنك على الصواب ، وأنت على الخطأ ، ونخشى عليك نكداً من غرامة ، فعن قليل أضاف أقواماً مفسدين سرقوا ودائعَ كانت عنده ، وغرمها ؛ لأن الغنم كالوديعة في الخان والذئاب مفسدون لا يصبرون إذا رأوا الغنم. وقال آخر : رأيت أنني أبني لسيدي سوراً مليحاً وعلى دور ناس آخر ، قلت : ظاهرك الخير ، وأنت تدعو لأولئك ، وقد أفلحوا بك. ومثله قال آخر غير أنه قال : أبنيه حول امرأة ، قلت : بأي شيء كنت تبنيه ، قال : بزجاج ، قلت : أنت تحب هذه المرأة وتعمل لها كتاب سحر وما ينفع.

ويدلون على العلماء وأرباب الدين لحراسة الناس بهم إما بدعائهم ، أو بفتاويهم التي تحرس من الوقوع في المحرمات ، ودلوا على الصنائع والأموال ؛ لأن الباني لذلك إنما يكون غالباً لمن له قدرة ، فتارة بالمال وتارة بالصنعة المحصلة للمال ، ويدلون أيضاً على دفع البلايا في الدنيا ، ويدلون على تزويج العزاب لأنه يقال للمتزوج : بنى فلان على أهله أي عبر عليها ، ودلوا على الذراري لكونه ثم ما عمله من الماء والطين ، وركوب الواحد فوق الآخر فأعطى الذرية فوق ما ذكرنا ، ودلوا على عافية المريض ؛ لأن المكان كجسم الرائي وقد تجدد له ذلك فأعطاه العافية.

وأما إذا بناه بآلة لا يليق به فتكلم عليه بما يصلح له. كما قال لي رجل تاجر : رأيت أنني أبني بركة بحجارة ملح وهي حجارة جياد ، قلت : عزمت على شري سكر وتحمله في مركب في البحر ، قال : نعم ، قلت : يلحقه الموج فيتلف ، أو يغرق ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني بنيت بيوتاً من عسل ، قلت : كانت في الشمس أم في الظل ، قال : بل في الشمس ، قلت : أنت تعرف تعمل الحلاوة التي تنفخ وتعمل منها كاللعب وكيزان الفقاع ونحو ذلك ، قال : نعم ، قلت : تمرض وتبطل فائدتك من ذلك ، فجري.
فصل : وأما من بنى فندقاً ، أو دكاناً ، أو حماماً ، أو فرناً ، أو مسلخاً ، أو طاحوناً ، أو ملكه ، أو تحكم فيه فإن كان أعزب تزوج ، وإن كان أهلاً للملك تملك ، أو للولاية تولى ، أو يرزق ولداً وإلا اشترى عبداً ، أو جارية ، أو دابة ، أو تجددت له معيشة دَارَّة ، وأما إن كان عابداً ترك العبادة ورجع إلى الدنيا ، وربما حصل للرائي نفع من أحد أبوايه ، أو من إخوته ، أو أقاربه ، أو من أملاكه ، وإن كان فقيراً استغنى ، أو تعرف بإنسان ينفعه.
فصل : ويدلون على الأكابر والملوك لما فيهم من الصندوق وجمع المال ، والحرس والأمناء ، ومجيء الناس إليهم ورجوعهم وقد قضيت حوائجهم. فإن جعلنا ذلك زوجاً كان لما في الحمام من اللذة والاعتسال ، وخروج العرق الذي هو بمنزلة المني وكثرة المياه. ولما في الطاحون من زوجي الحجارة ، وركوب الواحد فوق الآخر. ولما في الفندق من النوم والراحة للمسافر وما أشبه ذلك. وإن جعلنا كل واحد ملكاً ، أو عالماً ، أو عابداً لمجيء الناس إليه وانتفاعهم به.
قال المصنف : انظر إذا بنى شيئاً من ذلك وأعطه من الخير والشر ما يليق به في وقته. كما قال لي إنسان : رأيت أنني بنيت فندقاً ، قلت له : يحدث لك سفر جيد وإلا فلا. وقال آخر : رأيت أنني هدمت فندقاً ، قلت له : تجهزت للسفر والساعة يبطل سفرك ، فكان كذلك. وقال آخر : رأيت أنني جددت حماماً في داخل حمام ، قلت له : اغتسلت ثم شككت في غسلك فأعدته ثانياً ، قال نعم. ومثله رأى آخر ، قلت له : كان ماؤه حاراً ، قال نعم ، وكان في زمن الصيف ، قلت له : كان يعتريك حمى واحدة صارت تعتريك حماتان ، قال : نعم. ومثله رأى آخر : قلت له : أيما أحسن الحمام الداخلة ، أو الخارجة ، قال : بل الداخلة ، قلت له : ستحمل زوجتك بغلام ، فكان كذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : عندك امراتان وربما تكون إحداهن سرية ، قال : صحيح. وقال إنسان : رأيت أن فلاناً بنى له حماماً بماء حار وكان في الصيف ، قلت : أهو مريض أم لا ، قال : مريض ، قلت : بالحُمَّى
الحارة ، قال : نعم ، قلت : يموت ، فمات. ومثله رأى آخر إلا أنه قال : بماء حار في زمن الشتاء ، قلت له : يعافى من مرضه ، فعوفي. وقال آخر : رأيت أن حماماً على يدي فوقعت من يدي تهدمت ، قلت له : كان في يدك مجمرة ، أو كانون وقع من يدك وتكسر ، ضحك وقال : نعم. وقال آخر : رأيت على يدي حماماً وقد



أكلته ، قلت : كان عندك غلاية بعتها ، وأكلت ثمنها ، قال : نعم. وقال إنسان : رأيت أن نجماً من السماء وقع على رأسي وأنا أغتسل فشجه ، قلت له : يقع على رأسك جامة من حمام فتؤذي رأسك ، فجرى ذلك. وقالت امرأة : رأيت أنني صرت ناطورة في حمام للرجال والنساء والوحوش ، قلت : الساعة تصيرين قابلةً تقبلين البنين والبنات وبعض أولاد الزنا ، فذكرت أنها صارت كما قلت لها. وقال آخر : رأيت أنني صرت حماماً ، قلت : يطلع على جسمك طلوعات ، فكان كذلك. ومثله رأى خر : قلت له يقع بفؤادك إسهال. ومثله رأت امرأة ، قلت : أنت كثيرة النكاح من كل جنس. وقال آخر : رأيت أنني افتح ميازيب الحمام والماء يجري منها بعد أن كانت مسدودة ، قلت : ستصير تحقن الناس ويكون خلاصهم من عسر البول على يدك ، فصار كذلك. وقال آخر : رأيت أنني صرت جُرنا في حمام والناس يغترفون مني ماء ، قلت له : ارجع إلى الله أنت بك البغاء ، فسكت وقال : اكتم ذلك. وقال آخر مثل ذلك غير أنه قال : كان في أسفل الجرن بخش لايمسك الماء ، قلت له : سيقع بك إسهال شديد بحيث لا يستمسك فؤادك ، فوقع به ذلك ، ومات منه. وقال آخر : رأيت أنني صرت ضامن حمام ، قلت له : أنت ضامن بحر تاخذ من كل من يجيء ويخرج ، فإن كانت الحمام مليحة ربحت وإلا فلا. وقالت امرأة : رأيت أنني رميت كبدي في قدر ماء يغلي ، قلت : أصحيحة أم مقطعة ؟ قالت : بل كانت صحيحة ، قلت : أنت حامل وستضعين في حمام ، فجرى ذلك. ومثله قالت أخرى ؛ قالت : رأيت كأنني رميت كبدي من دبري في ماء حار ، قلت تضعين خفية من الزنا ، وتربيه امرأة وقاد ، أو طباخ. وقالت أخرى : رأيت زوجي ينظر إليّ من جامات الحمام : ويقول ما هذا إلا كرب

عظيم ، قلت لها : لك غائب ، قالت : نعم ، قلت : هو مريض بالحمى والساعة يقدم ويموت ، فجرى ذلك. وقالت أخرى : رأيت بعض من يعين عليّ من جامات الحمام ، وهو يسجد للزهرة ، قلت لها : أخبرك منجم أنه يعرض عنك وهو مشتغل عَنك بحب امرأة أُخرى ، قالت : كذا قال ، قلت لها : فالمرأة ساحرة ، قالت : صدقت.
فصل : وأما إن كانت رائحتهم ردية ، أو نارهم مؤذية ، أو دخانهم مضراً ، أو فيهم الجيف ، أو الحيوانات المؤذية كالعقارب والحيات والسباع وأمثالهم ؛ دل على أماكن الظلمة وأرباب الفساد ومواضع علماء البدعة ، وعلى المتاجر بالأموال الردية ، والمعايش الدنية ، أو يبني مكان بدعة كالكنائس والسجون والحانات ونحوهم.
قال المصنف : دلت على أماكن الظلمة لأن الغالب أنها بضمان ، وهو خلاف الشرائع في أكثر ما يتعانى فيها ، ولكون الأوصاف المذكورة فيها مؤذية بغير حق. ودلت على أرباب الفساد لكونهم يتلقون الأجسام ، وعلى علماء البدعة من الذين بواطنهم ردية ، وعلى المتاجر والمعايش الردية لأن ذلك إذا بيع كان أكثره حراماً والنفوس تنفر منه ، ودلوا على أماكن البدع ونحوها لأن هذه الأوصاف المذكورة في المواضع المشار إليها مبتدعة ، خلاف العادة. كما قال لي إنسان : رأيت أن سَبُعًا جرحني في حمام ، قلت له : أين جرحك ، قال : في رأسي ، قلت له سرح إنسان رأسك بمشط حاد الأسنان فأسال دمك ، قال : صحيح ، لأن أسنان السبع تشبه أسنان المشط. وقال آخر : رأيت أنني في فرن فدخل في رجلي عود في رأسه نار فأحرقها ، قلت له : لسعتك حية في رجلك ، قال نعم. وقال آخر : رأيت أن حية لدغتني في فرن ، قلت له : تحترق بعود فيه نار فجرى ذلك.
فصل : من دخل حماماً واغتسل ، أو تنظف بما لا يضره كالبارد في الصيف ، أو الحار في الشتاء فهو دال على الغنى والخير وقضاء الديون والتوبة ، وعلى الخلاص من المرض والشدائد ، وعلى قضاء الحوائج وإن كان أعزب تزوج. وأما من اعتسل بالماء الحار في الصيف ، أو بالبارد في الشتاء انعكس ما ذكرنا.
قال المصنف : دل على الغِنى والخير لكونه قضيت حاجته ، وعلى قضاء الديون لإزالة الوسخ والمانع الذي كان عليه يضيق صدره أشبه الدين ، وعلى التوبة لكونه تنظف من الأوساخ وتطهر فصار كالتائب الذي لا ذنب عليه بوسخ آخرته. كما قال لي إنسان : رأيت أنني ملوث ببول وطوط ، فاغتسلت منه بماء حار ، أسخنته بحطب زيتون ، قلت له : أنت محب لامرأة ضعيفة العينين ، وأنت ملوث العرض بذلك ، قال : نعم ، قلت : الساعة ترزق توبة على يد رجل من أهل الشام ، فجرى ذلك وتاب.
ودل على الخلاص من الأمراض والشدائد لأن الإنسان لا يزال في تعب حتى يغتسل لأنه متعلق بالجسد ، كالمريض الذي لا يزال في شدة حتى يزول ما بجسمه ، ودل على تزوج العزب لكونه زال ما هو فيه من القشب ، ولأن الاغتسال – الذين يتزوجون – غالباً الماء الحار في الصيف والبارد في الشتاء مضيق للصدر مؤذ لبعض الأجساد لا يتعاناها أحد إلا لضرورة ، أو عادة ؛ والعادة لا حكم لها ولا كلام فيها والضروري يعطى عكس ما ذكرنا من الخراب.



فصل : وأما من أتى إلى طاحون بحب فطحنه ، أو إلى فرن بعجين فخبزه ، أو إلى مدبغة بجلد فدبغه ، أو إلى مسلخ بحيوان فذبحه ، أو بلحم إلى طباخ فطبخه ، أو شواه ، أو بدابة إلى بيطار فأصلحها ، أو بثوب إلى خياط فخاطه ، وما أشبه ذلك ، فإن كان يطلب حاجة من كبير حصلت له ، أو يحتاج إلى عالم في أمر ، أو إلى عابد ، أو يتزوج ، أو يستغني بعد فقره ، أو يأَمن من خوفه ، أو يتعافى من مرضه ، أو يخلص من شدته ، أو يربح بعد خسارته ، كل إنسان على قدره وما يليق به. وأما إذا لم يكن تم له في المنام شيء مما ذكرنا لم يبلغ مراده.

قال المصنف : اعتبر لقاصد هذه الأماكن في طلب حاجة وتكلم عليه بما يليق به ، كما قال لي إنسان : رأيت أن طاحونة تطحن شعيراً كان معي والدقيق ينزل دقيق حنطة ، قلت له : فالشعير من عادتك تأكله ، قال : لا ، قلت له : تحتاج بعد غناك حاجة تأكل فيها خبز الشعير ، ثم بعد ذلك تستغني من عند إنسان كثير الرقص والطرب ، فكان كذلك ؛ لأن دوران الحجر كالراقص الذي لا يزال مكانه بعد دورانه. ورأى آخر أنه أتى إلى فرن بدقيق فخبزه من غير عجن ، قلت له : عندك مريض وأنت تطلب طبيباً ليداويه ، قال : نعم ، قلت : يبرأ قبل أن تمارس أموره. ومثله رأى آخر ، غير أنه قال : تلف الخبز ، قلت : عندك حامل ، قال : نعم ، قلت : تمرض بالحمى ويتلف الولد وربما يسقط ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني جئت بجلد ميتة أصلحه بالدباغ بدبغه ، قلت : لك مال فيه حرام ، أو لم تخرج زكاته عزمت على أنك تزكي وتعمل حيلة ليصير لك حلالاً ولا تبرئ ذمتك بالكلية ؛ لأن الناس اختلفوا في طهارة دباغ جلد الميتة. وقال آخر : رأيت أنني أخذت جلد جاموس من مدبغة ، قلت : أخذت ثوباً من تركة جليل القدر ، فإن كان بلا دباغ فقد أخذته بغير حقه. وقال آخر : أتيت بجلد يابس فوضعته في بركة مدبغة ، فجاء كلب فأكله ، قلت : عزمت على تطرية ثوب ، أو غسله ، قال : نعم ، قلت : يسرق منك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني خلعت جلدي وسيرته إلى المدبغة ، قلت له : تموت ويروح مالك إلى الحشرية ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني جئت دباغاً ليدبغ جلدي ، قلت : تمرض وتطلب طبيباً ، فجرى ذلك.
فصل : وأَما من عبر إلى هذه الأماكن ، أو تلوث بدم ، أو طين ، أو رائحة ردية ، أو احترق بنار ، ونحو ذلك ؛ حصل له نكد من كبير ، أو من ولد ، أو أقارب ، أو من زوج ، أو تنكد من مسافر ، أو من زانية ، أو تعطلت مكاسبه ، ونحو ذلك.
قال المصنف : أعطه من الأحكام على قدر ما تنكد من هذه الأماكن. كما قال لي إنسان : أدخلت يدي تحت رحاة تدور فأتلفتها ، قلت : تدخل روحك بين اثنين بما لا يليق تتنكد منهم. وقال آخر : رأيت أن ذكري تلوث بدم من مكان جزار وأنا ألعق ذلك الدم ، قلت : أنت تفسد من دار جرائحي ، أو فاصد ويعطونك أجرة ، وهي حرام ، قال : صحيح ، وأنا تائب. وقال آخر : رأيت خياطاً عمل على رأسي كوفية مليحة وخيطها في جلد رأسي وتألمت من ذلك ، قلت : عمل عليك إنسان كاتب في الاجتماع بامرأة ، إما بتزويج ، أو غيره ، وتألم خاطرك ، وتطلب الخلاص ما تقدر عليه ، قال : نعم.
فصل : وأما من بنى بيتاً، أو داراً ، بناءً مليحاً : حصل له من الخير على ما ذكرنا ، على ما يليق به. وربما كان ذلك للفقير ثوب ، أو كسوة. وأما من رأى بيته ، أو مجلسه ، أو إيوانه هدم ؛ مات مريض ذلك الموضع ، أو كبيره ، أو فارق ولده ، أو زوجته ، أو قرابته ، أو دابته ، أو تعطلت معيشته ، ونحو ذلك. وأما هدم المرحاض أو سَدُّه ؛ دليل على نكد أهل ذلك الموضع ، ويدل على فراق الزوجة ، أو السرية.



قال المصنف : انظر هل بنى بنفسه ، أو بغيره ، وأعطه ما يليق به. كما قالت لي امرأة : رأيت إنساناً بنى على يدي سوراً وهو سور مليح ، قلت : يتزوجكِ ويشتري لك سواراً. ومثله رأت أخرى أن إنساناً عمل على أذنها قنطرة ، قلت لها : يعمل عليك حيلة وأوعدك بأن يشتري لك حلقاً في الأذن ، قالت : نعم ، قلت : لا تسمعي منه. وقال إنسان : رأيت أن لي مكاناً مليحاً ونقلت خزانة منه إلى المقابر ، قلت له : يروح لك مال يأخذه حفارو القبور ، أو مقربو الجنائز ونحو ذلك ، فما مضى قلبل إلاً وراح له ذلك من حفاري القبور. وقال جليل القدر : أبصرت أن السلطا بنى لي مكاناُ عالياً مشرفاً لأجل الفرجة وما فيه طاقة ، قلت : يوليك منصباً لا طاقة لك به ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن طاقة بيتي سدت ، قلت له : تنطرش أذنك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت باذهنجي انسد ، قلت : يقع بك زكام وينسد أنفك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت الباذهنج زال ، قلت : لك مركب ، قال : نعم ، قلت : يعدم القلع الذي له ، فعدم. ومثله رأى آخر ، قلت : يقع بأذنك عيب ، فقطعت. وقال آخر : رأيت أن بيت الراحة الذي لي انسد ببطيخة ، قلت : يطلع بدبرك طلوع ، ويعسر عليك البول ، وتقطعه بالحديد ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت مطبخي تعمل فيه حلاوة ، فجاءت وزغة رمت في الحلواء نقطة خل حامض فأفسدته ، قلت : عندك طباخة حائض ، قد سقط من حيضها نقطة دم في بعض ما تعلمه من المأكول فاحترز منه ، فراح من عندي وسأل عن ذلك فوجده صحيحاً.

فصل : وأما من انهدم بابه ، أو انكسرت سكرته ، أو انقلع قفله ، أو مسامير بابه ؛ فإن كان متولياً عزل ، أو يموت له غلمان كالبوابين والحراس والعبيد
والخدم ، أو فارق زوجته ، أو أهله ، أو معارفه الذين يسترونه بمعروفهم وحمايتهم له ، وربما دخل ذلك البلد ، أو المكان لص ، أو نهب ، أو يعدم منها شيء ، لزوال ما كان يحفظه.
قال المصنف : انظر ما جرى من هدم ، أو كسر ، أو قلع ، وتكلم عليه بما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أن بابي تلف ، قلت : يقع في فمك عيب ، فتكسرت أسنانه من وقعة. وقال آخر : رأيت شفتي زالت ، قلت له : تسرق فردة من بابك ، أو طاقة ، أو خزانة ونحو ذلك ، فسرق ذلك. وقالت امرأة : رأيت أن باب بيتي انهدم على ولدي قتله ، قلت لها : أنت حامل ، وحين تضعين الولد يمتسك معك ، ما يخرج إلا ميتاً ، فعن قليل جرى ذلك. وقالت أخرى : أبصرت في باب بيتي لعبة مليحة ، وأنا أفرح بها ، وقد منعت زوجي العبور ، قلت لها : قد خبأتِ إنساناً ، وربما تكون امرأة ، وقد قعد مكان زوجك ومنعتِ زوجك نفسك ، قالت : صحيح. وقال آخر : رأيت قد طلع في بابي عين كلما عبرت تلوثت ، قلت له : امرأتك كثيرة خروج الدم من فرجها من غير حيض وأنت تتلوث بذلك ، قال : صدقت. وقال آخر : رأيت أنني أنظر من طاقة البيت إذ رأيت سحابة بيضاء غطت الطاقة ، قلت له : ترمد إحدى عينيك ويقع عليها بياض يمنعك النظر بها ، فعن قليل جرى له ذلك. وقال آخر : رأيت أبواب الطاقات التي لنا سقطت ، قلت : تمرض وتسقط جفون عينيك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن عين ماء نبعت عند عيني وهي تقلب في داخل يدي فامتلأ فؤادي من ذلك وأثقلني ، قلت : تنقب دارك من عند بابها ، أو من عند طاقة ، ويعبر من ذلك اللص إلى منزلك ، أو ذويك ، فجرى له ذلك.
فصل : وأما من رأى مسجداً تهدم محرابه ، أو منبره ، أو وقعت قبته ؛ مات إمامه ، أو خطيبه ، أو كبير ذلك المكان. وكذلك إذا انهدمت مئذنته. وربما مات مؤذنه. وإن انكسرت قناديله ، أو تلفت حصره : ذهب علماء ذلك المكان والمتصدرون به لنفع الناس في ذلك المسجد ، أو مات غلمانه ، أو قومته ، أو بطلت أوقافه. وكذلك إذا انهدمت قواعده ، أو أعمدته. وإن كان المسجد الكبير الذي للصلاة ؛ ربما وقع في المسلمين نكد. وأما رؤي فيه من بناية ، أو سعة ، أو في بعضه ؛ عاد ذلك على من ذكرنا ، وربما قدمت على المسلمين بشارة.



قال المصنف : ما حدث في أماكن العبادة من خير ، أو شر رجع إلى من فيه ، وإلى من عمله ، وإلى جنس ذلك الدين ، كما ذكرنا. كما قال لي إنسان : رأيت مسجداً انهدم ، قلت : كنت تلازمه ، قال : نعم ، قلت : تركت الصلاة فارجع إليها. وقال آخر : رأيت محرابه انهدم ، قلت : كنت تتعلم القرآن العزيز ، قال : نعم ، قلت : قد تركت ذلك ، قال : صحيح. وقال لي إمام مسجد : رأيت قبة مسجدي وقد اختطفها غراب ، قلت له : تخطف طاقيتك ، أو عمامتك أسود ، فما مضى قليل إلا وجرى ذلك. ورأى إنسان أن القنديل الذي بالمحراب زال وجعل موضعه قنديل نحاس ما يصلح للوقيد ، قلت : يموت إمامه ، أو يعزل ، ويأخذ مكانه رجل أعمى لا ضوء بعينه ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني بعت بعض قومة جامع ، قلت : سرقت منه حصيرًا ، أو قنديلاً ، وبعت ذلك ، ضحك ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أن مئذنة الجامع انهدمت وأنا أقول : بطل الأذان ؛ قال لي آخر : ما بطل ، قلت له : يقع بسمعك طرش فيمنعك سماع الأذان ، فجرى ذلك. وقال مؤذن : رأيت أنني بنيت مئذنة داخل مئذنة ، قلت له : حملت زوجتك ولداً ذكراً وهو يطلع مؤذناً مثلك ، فما مات حتى جاءه ولد وصار مؤذناً مكانه ، وقال آخر : رأيت أنني وقعت في داخل قنديل وأكلت فتيلته ، قلت له : نزلت إلى جامع وسرقت ثياب إمامه ، قال : نعم. ومثله قال آخر غير أنه شرب الزيت الذي فيه ، قلت له : سرقت مخزن زيت والساعة تموت بوجع الرأس ، فعن قليل أوجعه رأسه ، ومات وبه ذلك.

فصل : وحكم الصوامع ، والكنائس ، والمعابد ، لأهلها ومن يتقرب بها حكم المسجد. فما نزل بها من خير أو شر ، نسبناه إليهم.
قال المصنف : وأعط كل ملة على يليق به. كما قال لي نصراني : رأيت أنني أكلت المسيح ، قلت له : سرقت صليبًا وبعته وأكلت ثمنه وكان ذهباً ، قال : نعم. وقال يهودي: رأيت أن موسى بن عمران وراء ظهري ، قلت له : كنت تحفظ بعض التوارة تركتها والساعة يتغير دينك ، فصار مسلماً. زقال حبيس نصراني : رأيت أن قلالتي تهدمت ، قلت : تترك العبادة وترجع إلى الدنيا. وقال لي سامري : رأيت أنني أكلت من التوارة عشر ورقات ، قلت : حلفت بالعشر كلمات وأنت كاذب لأجل ضرورة خفت على نفسك منها ، قال : صحيح. ومثل ذلك فاعمل موفقا إن شاء الله تعالى.
فصل : وأما هدم السجون ، ودور الفسق ، ومواضع الكفر ؛ فدليل على ظهور العدل ، والخير ، والأمن ، في ذلك المكان. كما أن تجديدهم ، وبناءَهم يدل على الضد من ذلك.
قال المصنف : وربما دل هدم السجون على ظهور المفسدين لزوال ما كان يردعهم. كما قال لي إنسان : رأيت أن في بيتي سجناً وقد انهدم وخرج منه دخان ، قلت : في بيتك حيوان مؤذ وتخشى خروجه عليكم ، وربما يكون حية سوداء ، فعن قليل خرج عليه من مكانه حية سوداء عظيمة كانت ساكنة فيه. وقال آخر : رأيت أن داري صارت كنيسة ، قلت له : يشتريها منك نصراني إن كان بها تماثيل وصور وإلا اشتراها يهودي ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت مجوسياً في بيتي مقطعاً قطعاً ، قلت : ينهدم عليك بيت ، أو مكان توقد فيه النار ، فجرى ذلك. فافهمه إن شاء الله تعالى.
فصل : وأما الطاحون في البلد تطحن بني آدم ، أو الحجارة ، أو النار ، أو الجيف. أو الفرن يحرق الناس ، أو يؤذيهم بدخانه. أو المسلخ يذبح فيه الناس ؛ أو إساخة تؤذي الخلق. أو المرحاض يتدفق في الطرقات. أو الحداد المجهول يعبر الناس في النار ، أو يؤذيهم بشرره. أو الماء يهدم الدور ، أو يغرق الزراعات ، أو الناس ، أو أمتعتهم. أو كان في البلد مكان تخرج منه الحيات ، أو السباع ، أو العقارب ، أو أشباه ذلك ؛ فذلك كله دليل على الحروب ، والأعداء ، والفتن ، والأمراض ، كالجدري ، والبرسام ، والطاعون ، والفتن ، ونحو ذلك. والله أعلم.


قال المصنف : اعتبر الضرر من أي جهة دلت على ما يليق به. فإن كان من طاحون ، أو فرن فمن أجل المأكول يكون الوباء والمرض وغلو الأسعار والموت ونحو ذلك ، وإن جعلته من عدو فربما مَنعوا مجيء القوت من مكانه ، أو يتلقون الغلات والنبات ، وإن جعلته من المسلخ فمن أجل حروب ودماء تقع ثَمَّ وربما كان النكد لأجل حيوان ، وربما كان المرض والوباء والمرض من اللحوم ، وإن جعلته من المرحاض فربما كان الوباء والمرض في هبوب رياح ردية وربما كان من أكل شيء مفسود ، وإن جعلته من الحداد فربما كان الوباء والمرض بحمايات حادة خصوصاً إن كان ذلك في الصيف ، وإن جعلته من البحار ونحوها فيكون الوخم والمرض من المياه ، أو ما يخرج منها كالسمك وما يؤكل من المياه. كما قال لي إنسان : رأيت أن رغيفاً أتلف لي طاحونة وكسرها ، قلت له : يتلف ضرسك بحصاة تكون في الخبز ، فعن قليل جرى ذلك ، لأن الضرس طاحون. وقال آخر : رأيت جزاراً ضربني في فمي بيده ؛ أدماه ، قلت : يتألم فمك بسكين ، أو سيف ، فعن قليل شال لحمة على رأس سكين وأدخلها في فمه فجرحته في لسانه جرحاً ردياً. وقال آخر : رأيت أن في فمي فرناً توقد النار فيه ، قلت له : تأكل ، أو تشرب شيئاً حاراً ويؤلمك ألماً شديداً ، فجرى ذلك. ومثله قال صغير : رأيت أن في فمي فرناً وبلعته ، قلت له : أنت في صغرك تلعق المداد وفي كبرك ترزق من عمل الخبز ، فكبر وصار خبازاً. فافهم ذلك.
إدارة الموقع
إدارة الموقع
الباب التاسع
من كتاب البدر المنير في علم التعبير للإمام الشهاب المقدسي الحنبلي


في الملابس(1)
كل من لبس ما لا يليق به فهو شهرة ردية في حقه. والملابس للعزاب من الرجال نساء ، وللنساء رجال. وملابس الشتاء في الصيف ، أو لمن مرضه بالحرارة دالة على الهموم ، والديون ، وطول مرضه. كما أنهم في الشتاء ، أو لمن مرضه بالبرودة جيد.
قال المصنف : دلت الملابس على تزويج العزاب لكونها سترة ، ودلت على الأمراض والأنكاد في غير وقتها لنفرة النفوس منها وعجز الأبدان عن مثل ذلك غالباً ، فأعطى ما ذكرناه. فإذا رأى أحد في الشتاء كأنه في المنام في حر شديد وقد لبس فروة ، أو جبة أو تدفأ بنار ، أو بشمس ونحو ذلك ؛ فقل له : نخشى عليك نكداً ما من مرض ونحوه ؛ لكن فيه تأخير إلى أوان الصيف ، وكذلك لو رأى أنه في شتاء ومطر وبرد تعرى ، أو اغتسل بماء بارد ، أو لبس ثوباً شفافاً لا يرد ذلك ؛ قلت له نكدك ، أو مرضك يكون في زمن الشتاء ، أو بالبرودة ، وعكسه لو رأى كأنه في حر وكرب ونزع ما عليه ولبس ما يليق به ، أو اغتسل بما يصلح لمثل
ذلك ؛ قلنا : راحتك متأخرة إلى زمن الصيف ، وكذلك لو كان في زمن الصيف ورأى كأن مطراً ، أو برداً شديداً ونحو ذلك ولبس ما يصلح له كالجباب والفري والأكسية ونحو ذلك ؛ قلنا له : تتجدد لك راحة ويكون في ذلك تأخير على قدر ما بقي للشتاء ، وكذلك باقي الفصول ، فاعتبره. كما قال لي إنسان : رأيت أنني وقعت في طين ، قلت : الطين من مطر ، قال : نعم ، قلت : تقع في مرض ، أو شدة في زمن الشتاء ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني لبست ثوباً من قشور البطيخ الأصفر ، قلت : تمرض في ذلك الزمان وربما يكون الغالب عليك في مرضك الصفراء ، فجرى.
فصل : الغالي من الثياب ، والعمائم ، وما يكون على الرأس ؛ دل على أشرف قومه ، وأعز ماله الظاهر ، وعلى جاهه. فإن احترق ، أو سرق ، أو توسخ ، أو تقطع ، ونحو ذلك ؛ نقص عزه ، أو ماله ، أو وقع كلام في عرضه ، أو تغير بعض أولاده ، أو أقاربه ، بمرض ونحوه. أو بموت مريضة ، أو وقع له نكد في دوره ، أو بساتينه ، أو غلمانه ، أو عبيده.
قال المصنف : اعتبر الملابس من الثياب بأوصافها ، واعمل كما أعمل ، يقع على صفات من دلت عليه. فإذا قال إنسان : رأيت أن عليّ ملبوساً ، فاسأل عن جنسه وصفاته ، فإذا قال : كان على ثوب صوف ، قل له : عمل أي جهة ، فإذا قال : مثلاً عمل الشام ، فإن قال : في طوقه قطع ، أو تلوث ، أو وسخ ونحو
__________

(1) أنواع الثياب أربعة : الصوفية والشعرية والقطنية والكتانية ، المتخذة من الصوف مال ، ومن الشعر مال دونه ، والمتخذة من القطن مال ، ومن الكتان مال دونه ، وأفضل الثياب ما كان جديدا صفقا واسعا ، وغير المقصور خير من المقصور ، وخلقان الثياب وأوساخها فقر وهم وفساد الدين ، والوسخ والشعث في الجسد والرأس هم.

ذلك ، ولا يليق بالرائي لبس ذلك ، قل له : يحصل لك نكد على يد رجل من الشام ، ويكون في وجهه علامة ، وفي رأسه أثر ضربة ، أو طلوع ، أو فمه عيب كنقص الكلام ، أو كثرة الكذب ، أو رثة في لسانه ، أو عيب في أسنانه ، ونحو ذلك ، فإن قال : العيب في صدره ، قلت : يكون اعتقاده ردياً ، وفي أحد ثدييه ، أو في صدره علامة كشامة ، أو طلوع ، أو ضربة ، أو حرق نار ، ونحو ذلك ، وإن لم تجد ذلك فقد تألم في ذلك بمرض ، أو يتألم ، فإن ذكر العيب في أكمامه جعلت العلائم في يديه ، فإن كان في ذيله فاجعلها في وسطه وفرجه وساقيه وفخذيه ونحو ذلك ، فإن ذكر ذلك في أكتافه جعلته في كتفيه ، وكذلك إذا كانت في جنبيه فاطلب العلائم في جانبيه على ما ذكرت لك ، واطلب العلائم أيضاً في جسم لابسه ، أو في جسم زوجته وأولاده وأصحابه ، تجد ذلك ، وهذا مذهبي سلكته دون من تقدمني فأي من سلك مسلكي في ذلك اطلع على ذلك ، ولا يحرم عليه أصلاً ، وكذلك تعتبر الملابس من سائر البلدان كما ذكرت لك أولاً ، فافهم ذلك.

فصل : لبس الأسود من القماش للخطباء ، أو للخلفاء ، أو من يعتاده ؛
راحة ، وسؤدد. ولبس الأبيض وقت الخطابة ردي ، زوال منصب. كما أن لبس السواد ، لمن لا عادة له به هموم ، وأحزان ، وأنكاد ، وأمراض ، ونحو ذلك.
فصل : المذكر من الملبوس : رجال. والمؤنث : نساء. فمن ملك ثوباً ، أو قباءً ، أو إزاراً ، أو لحافاً ، أو كساءً ، أو مَسْنداً ، وما أشبه ذلك ؛ فإن كان أعزب
تزوج ، أو تعرف بمن ينفعه ، وإن كان عنده حامل رزق ولداً ذكراً ، أو اشترى غلاماً ، أو حصلت له فائدة من أبويه ، أو أولاده ، أو أقاربه ، أو معارفه ، أو ملك بيتاً ، أو داراً ، أو بستاناً ، أو حصل له درهم ، أو دينار. كل من هو على قدره وما يليق به.
قال المصنف : اعمل كما ذكرت لك في أول شرح الباب. كما قال لي
إنسان : رأيت أن عليّ ثوباً ؛ وراءه إلى وجهي ووجهه إلى ورائي ، قلت : عندك زوجة ، أو امرأة حولاء ، أو في عينها عيب ، قال : صدقت. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تأتي زوجتك من ورائها ، أو تأتي الذكران ، قال : ما بقيت أفعل ذلك. وقال آخر : رأيت أن عليّ ملبوساً قباء مليح ، قلت : عليه طرز ، قال : نعم ، قلت : لون واحد الطرز أم لا ؟ قال : أحدهما ذهب ، والآخر حرير ، قلت له : أنت تصاحب إنساناً جليل القدر ، له ولدان من امرأتين ، الواحدة جارية بيضاء وربما يكون اسمها الطون ، قلت : وهي بلا عتاقة ، قال : صدقت ، قلت : والمرأة الأخرى مولدة مليحة ، والولد منها أسمر مليح ، وهي حرة ما هي مملوكة ، قال : صحيح ، قلت : واسمها علمية ، أو عليمة ، أو شيء فيه عين ، قال : صدقت ، قلت : يموت ولد الطون ، ويعيش ولد هذه المولدة السمراء ، وأنت تربي الاثنين ، وتحملهم على أكتافك ، قال : صدقت ، قلت : أنت في الظاهر محسود ، وفي الباطن أنت متنكد ، قال : صدقت ، وكان دليل ذلك أن الطون من أسماء الذهب ، والفضة شبهه ، والحرة من الحرير ، والأسمر من سواد الحرير ، وموت ولد الطون يذهب من كونه ذهبًا ؛ فذهب أي مات. وقال آخر : رأيت عليّ فرجية من حرير طوقها مليح ملون وفيها أزرار ملونة مليحة ، قلت : عندك امرأة في وجهها شامة وأثر مليح ما هو ردئ ، قال : صدقت ، قلت : وفي بزها الواحد علامة ، قال : صدقت ، قلت : هي كثرة وجع الرأس ، قال : صدقت ، قلت : إن كانت جديدة فما تفارقها بل تبقى عندك. وقال آخر : رأيت عندي كساءً مليحاً جديداً وفيه رقوم عدة ، قلت له : عزمت على شراء دار تستتر فيها ، قال : نعم ، قلت : تشتري داراً مليحة فيها تزويق بدهان وصبغ وغير ذلك ، فاشترى ذلك ، قلت له : بعت غنماً ، أو خيلاً ، أو دواباً ونحو ذلك واشتريت به ذلك ، قال : نعم. ومثله رأى آخر غير أنه قال : تغطيت به وكربت منه ، قلت له : أنت تحت حكم رجل كثير الحيوان حاو المنظر حسن الظاهر ردئ الباطن ، في حقك تارة يكون معك وتارة يكون عليك ، لأن الكساء نافع في وقت دون وقت. وقال لي جليل القدر : رأيت أن فلاناً سير إليّ كساءه وهو مقطع لونه حائل ، قلت له : لفظه كسى شكى ، هذا شكى إليك تحول حاله في ورقة ، قال : هذه الورقة عندي.
فصل : وإن ملك ما يدل على المؤنث ، مثل كوفية ، أو فرجية ، أو مخدة ، أو طراحة ، أو دراعة ، أو ملوطة ، ونحو ذلك : دل على الفوائد. من الجوار ، والنساء ، والأراضي ، والزراعات ، والأقارب ، والمعارف. وربما كان السروال امرأة ، أو
عبداُ ، أو جارية ، أو مطلعاً على الأسرار ، أو دابة. فإن كان فيه تكة ؛ كان ملك ذلك صحيحاً ، طويل الإقامة. وإن كان بلا تكة : كان في ملكه نقص ، أو امرأة حرام. لأن التكة عصمة.



قال المصنف : دل السروال(1) على الدابة لكونه مركوباً ، وكذلك على المرأة ، ودل على المطلع على الأسرار لكونه مختصاً بستر العورة ، فاعتبر ما يحدث فيه. كما قال لي إنسان : رأيت أنني رقعت سراويلي بكوفيتي ، قلت له : زوجت أباك بجارية من عندك ، وهما مختلفان ؛ ما عندهم وفاق ، وأنت تعبان بينهم ، قال : صدقت. وقال آخر : رأيت رقعت فرجيتي بسروالي ، قلت له : عندك بنتك وهي رَاجع ، زوجتها بغلامك ، وذكر أن الثوب والسروال كانا شبهًا واحداً ، قلت : وهما متفقان لا خلف بينهما ، قال : صدقت. فافهم ذلك.

فصل : وأما من لبس الحرير ، أو الملون ، أو المذهب من اللباس ، فهو لمن يليق به عز وغنى. وهو لمن لا يليق به شهرة ردية ، أو بغي ، أو مخالفة الشرائع. وأما لبس الأحمر ، أو الأصفر ، وغيره ، للنساء والصبيان فرح وسرور.
قال المصنف : دل على العز والغنى لأنه لا يلبسه إلا الأغنياء ، أو أصحاب الدنيا. كما قال إنسان : رأيت أن عليّ ثوباً حريراً وكان يتعاطى العبادة ، قلت له : تترك العبادة ، وترجع إلى طلب الدنيا ، فجرى ذلك. وكما قالت امرأة تعاطت العفة : رأيت عليّ ملبوساً مذهباً ، قلت لها : كان لك عادة بلبسه ، قالت : أوقات كنت أتعانى اللعب والجهل ، قلت : احترزي لا تعودين إلى ما كنت عليه ، فمضت مدة وقال : رأيت عليّ ثياب صوف مليحة ، وقالت : يا سيدي صح الذي قلت من اللعب ، قلت لها : النوبة ترزقين توبة مليحة ويكون قوتك من النبات ، فمضت وتابت توبة حسنة. ورأت امرأة أخرى أن جلدها صار ذهباً ، قلت : يموت زوجك ، ويسرق لك ملبوس ، ويقع بجلدك حكة ، فجرى ذلك. فافهمه موفقاً إن شاء الله.
فصل : وأما لبس الحوائص ، والكمارنات ، والخفاف ، والمداسات ، والزرابيل ، والجربانات ، ونحوهم ، لمن يصلح له ذلك ؛ عز وجاه ، وغنى وزوج ، أو عبيد ، أو أولاد ، أو معايش ، أو فوائد ، أو أقارب ، أو معارف. فما نزل بشيء من ذلك ، من خير أو شر ، عاد على من دل عليه. وأما من لبس شيئاً من ذلك ، ممن لا يليق به فهو مكروه.
قال المصنف : وربما دل ذلك على أنه يطأ أرضاً جديدة ، أو يملك داراً كذلك ، لكونه وطئ بقدمه في مكان غريب ، أو جديد. كما قال لي إنسان : رأيت أنني لبست خفاً جديداً ، قلت : كان ضيقاً ، قال : نعم ، قلت : تسجن لأجل
حيوان ، فجرى ذلك. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تطلب سفراً ، قال : نعم ، قلت : يبطل سفرك ، لأن الضيق في الرجل يمنع الرواح والمجيء. وقال آخر : رأيت أن في رجلي مداساً ضيقة وهي كلما مشيت بها يطلع لها صوت ، قلت : عندك امرأة قد ضيقت عليك ، وهي كثيرة العياط ، وقولك : فيها قطع من ظاهرها ، في وجهها علامة ، وفي عينها عيب ، قال : صحيح ، وقولك : أنها بلا كعب ، قلت : هي ما تحفظك خلفك. وقال آخر : رأيت في وسطي حياصة مذهبة مليحة لكنها تحت الثياب وأنا أفرح بها ، قلت له : فيها علاقين ، قال : لا ، قلت : أنت تجتمع بامرأة جندي خفية ولا يعلم بك أحد ، وهي طويلة القامة دقيقة البشرة ، ولها ولد صغير يجيء معها ، قال : صدقت ، قلت : تحدثت أنت وإياها سراً في التزويج ، قال : نعم ، قلت : يتم ذلك. وقال آخر : رأيت أنني أعبرت حياصة في سروالي مكان التكة ، قلت له : في وسط دارك طبقة أطلعت إليها امرأة من نساء الجند وما وافقتك على مرادك ، قال : صحيح ، وكان دليله أن مجرى التكة مثل الطبقة المخفية ، وكونها لم توافقه لأن الحياصة لا تجري موضع التكة بل تتعسر. وقال
__________
(1) السراويل : امرأة دينة أو جارية أعجمية ، فإن رأى كأنه اشترى سراويل من غير صاحبه ، تزوج امرأة بغير ولي . والسروال الجديد امرأة بكر ، والتسرول دليل العصمة عن المعاصي . وقيل : السراويل دليل صلاح شأن امرأته وأهله . ولبس السراويل بلا قميص فقر ، ولبسه مقلوبا ارتكاب فاحشة من أهله . وبوله فيه دليل حمل امرأته . وتغوطه فيه دليل غضبه على حمل امرأته . وانحلال سراويله ظهور امرأته للرجال ، وتركها الاختفاء والاستتار عنهم . وقيل : إن السراويل تدل على سفر إلى قوم عجم
، لأنه لباسهم . وقيل : السراويل صلاح شأن أهل بيته وتمدد سرورهم . والتكة : تابعة للسراويل ، وقيل : إنها مال ، وقيل : من رأى في سراويله تكة ، فإن امرأته تحرم معليه ، أو تلد له ابنتين إن كانت حبلى ، وإن رأى كأنه وضع تكته تحت رأسه ، فإنه لا يقبل ولده . وإن رأى كأن تكته انقطعت ، فإنه يسيء معاشرة امرأته أو يعزل عنها عند النكاح . فإن رأى كأن تحته حية ، فإن صهره عدو له . ومن رأى كأن تكته من دم ، فإنه يقتل رجلا بسبب امرأة ، أو يعين على قتل امرأة الزاني . ومن رأى أنه لبس رانا فإنه يلي ولاية على بلدة إن كان أهلا للولاية ، ولغير الوالي امرأة غنية ليس لها حميم ولا قريب.



آخر : رأيت أن مداساً جديداً عضني في رجلي ، قلت له : يقع برجلك حريق ، أو يطلع بها طلوع. وقال آخر : رأيت أنني أمسح مداس الملك ، قلت له : تصير له غلاماً. وقال آخر : رأيت أنني قدمت للملك مداساً مليحة ، قلت يروح منه مركبان ، فجرى ذلك فافهمه.

فصل : كل ملبوس دل على النكد(1) ، فعتيقه أهون على الرائي من جديده. ومن باع من الملبوس ، وغيره ، وما يدل على الفائدة ، أو وهبه ، أو ضاع منه ؛ فاتته راحة وربح وخير. كما أنه إذا باع شيئاً مكروهاً ، أو وهبه ، أو ضاع منه : زال عنه هم ونكد. وحصل له فائدة وخير.
فصل : وكل ملبوس يحتاج إلى أزرار ، فرؤيته بلا أزرار تدل على النقص فيه ، وكل ملبوس لبس في غير موضعه ، كالعمامة في الرجل ، أو التعمم بالسراويل ، ونحوه ؛ ربما دل ذلك على الفقر ، أو وضع الشيء في غير موضعه. وكل من لبس من القماش ، الضيق ، ما لا عادة له به فهو نكد ، أو حبس ، أو مرض ، أو
ضيقة ، ونحو ذلك. كما أن من لبس من الواسع ما لا يليق به دل على النكد ، والحِيَرة ، والتبدد.
قال المصنف : اعتبر النقص والوضع في غير محله وتكلم عليه. كما قال لي إنسان : رأيت عليّ قباء بلا أزرار ، قلت له : عندك امرأة عقيم لا أولاد لها ، قال : نعم ، قلت : وهي أيضاً بلا أسنان ، ضحك وقال : صدقت ، وقد حنثت فيها بالطلاق ، وقد انحل نكاحك ، قال : نعم ، قلت له : وأنت أصابع يديك ، أو رجليك قد ذهب بعضها ، فأراني ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : عندك شجرة مثمرة والساعة يتلف ثمرها ، فجرى ذلك. ومثله قال لي صاحب حَلب ، قلت له : عسكرك مقابل عسكر مصر ، وهذا وقت صنف ، ما الحاجة داعية إلى أن تزور ، الساعة يقع الصلح ، وينصرف العساكر من طلب الواحد الآخر ، ويروح هذا
الزر ، فجرى ذلك. ورأى آخر أنه تعمم في رجليه بعمامته ولوثها ، قلت له : أنت وطئت أمك ، فقال : كنت سكران ، قلت : لا ترجع تعود. ومثله قال آخر ،
قلت : يقطع رأسك في قتال ويصير تحت الرجلين. وقال آخر : رأيت أنني لبست مداسي فوق رأسي ، قلت له : أبصرك أحد ، قال : نعم ، قلت : يقع لك ألم برأسك ، وربما يكون ضرباً بالمداس ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أنني تعممت بسروالي فوق رأسي ، قلت له : لك ابن وبنت ، قال : نعم ، قلت : الساعة تزوجهما وتسكنهما فوق رأسك ، قال : هذا عزمي. وقال آخر : رأيت أن الملك سير إلى سروالي ، قلت له : تتولى وتصير والياً ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت أن عليّ جوخة ضيقةً كثيراً ، قلت : كان في الصيف ، قال : نعم ، قلت : يخشى عليك سجن عند إفرنج ، أو على يد إفرنجي ، فحبسه الإفرنج. فافهم ذلك أن شاء الله تعالى.
فصل : وأما البسط والحصر ، والأخراج ، والأعدال ، والغرائر ، والبراذع ، ونحوهم ؛ فيدلون على النساء والخدم ، والعبيد ، والغلمان ، وعلى العز ، والغنى ، والفقر. فمن له عادة بالبسط ، ورأى أنه على أدون منها ، أو على الحصر : دل على الفقر ، ونزول المرتبة ، والتحول من حال إلى حال أردى منه. كما أن من له العادة بالفرش الدونه ، أو بالحصر ، فرأى أنه على أحسن منها نال عزاً ، ورفعة ، وغنى ، وراحة. وأما تلاف أحد هؤلاء ، أو سرقته ، أو خطفه ، أو ضياعه ؛ دل على فراق من دل عليه ، ممن ذكرنا. والله أعلم.
قال المصنف : دلوا على الخدمة والنساء والغلمان بكثرة استعمالهم ، وكثرتهم وحسنهم على العز والمال على ما بينا. وقال إنسان : رأيت أنني ملكت بساطاً رُوميًّا منقوشاً ، قلت له : يتجدد لك بستان مليح على قدر حسنه ، فاشتري
__________
(1) الخلقان من الثياب عن ، فمن رأى كأنه لبس ثوبين خلقين مقطعين أحدهما فوق الآخر ، دل على موته . وتمزق الثوب عرضا تمزق عرضه . وتمزق الثوب طولا دليل الفرج مثل البقاء والزواج .فإن رأت امرأة قميصها خلقا قصيرا ، اقتصرت وهتك سترها . ومن مزق قميصه على نفسه ، فإنه يخاصم أهله وتبطل معيشته . فإن لبس قمصانا خلقانا ممزقة بعضها فوق بعض ، فإنه فقره وفقر ولده . فإن رأيت الخلقان على الكافر ، فإنها سوء حاله في دنياه وآخرته ، وقيل : الثياب المرقعة القبيحة : تدل على خسران وبطالة ، والوسخ هم سواء كان في الثوب أو في الجسد أو في الشعر . والوسخ في الثياب بغير دسم يدل على فساد الدين وكثرة الذنوب ، وإذا كان مع الدسم فهو فساد الدنيا ، وغسلها من الوسخ توبة ، وغسلها من المني توبة من الزنا ، وغسلها من الدم توبة من القتل ،ـ وغسلها من العذرة توبة من الكسب الحرام . ونزع الثياب الوسخة زوال الهموم، وكذلك إحراقها.


ذلك ، لأن أكثر هذه البسط فيها التصاوير. وقال آخر : رأيت أنني أقلع صوراً من بساط ، قلت : فسهل ذلك عليك ، قال : نعم وما تعسر ، قلت أنت رجل كثير الصيد من البساتين وستربح من ذلك. وقال آخر: رأيت أنني أنسج بساطاً محفوراً ، قلت : عملت فيه تصاوير ، قال : نعم ، قلت : أنت عزمت على عمل صنعة الدهان والتزويق ، قال : نعم ، قلت : إن كان تم ربحت وإلا فلا. وقال آخر : رأيت أني قد تجدد في بيتي بساط مليح فيه صور ملامح ، قلت : تتزوج امرأة وترزق منها ذرية ، فجرى ذلك ، ويكون أصلها من البلد الذي تعمل فيه. وقال آخر : رأيت عندي برذعة مقطعة ، قلت : لك دابة ، قال : نعم ، قلت : يحدث بها عقور. ومثله قال آخر ، قلت : تشتري دابة فيها عيب. وقال آخر : رأيت أن عندي خرجاً وأنا أنزل في عينه الواحدة تارة وفي الأخرى تارةً ، قلت : أنت تنكح أختين ، قال : صحيح ماتت امرأتي وأخذت أختها. ومثله قال آخر غير أنه قال : كان فيهما تراب وأنا أرفعه ، قلت : أنت رجل تحفر الآبار ولك في ذلك يد. وقال آخر : رأيت أن على كتفي خُرجاً قد أثقلها ، قلت : يقع بها جرح يؤذيها. وقال آخر : رأيت أنني بلعت خرجاً خفية ، قلت له : أنت سرقت ميزاناً وبعته وأكلت ثمنه ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أن عندي حصراً مقطعة وأنا أسدها
ببساط ، قلت له : جمعت مالاً وقت الغنى وأنت تنفقه وتستر حالك في أوقات الفقر بثمنه ، قال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني بلعت حماراً وقد رجع أطلعوه من فمي بذنبه ، قلت : سرقت برذعة حمار فعرفك أصحابها فأعادوها منك ، قال : صحيح. وقال آخر : رأيت أنني بلعت عدلاً ملآن قماشاً ، قلت له : سرقت دار أحد العدول وما عرف بك أحد ، قال : صدقت ، وقال آخر : رأيت أنني أنكح برذعة ، قلت : أنت نكحت دابة ، فاستغفر الله وضحك. وقال آخر : رأيت أنني رفعت ستراً مصوراً لأصطاد به الطيور وقد تعلق به من جملة الطيور طير عظيم مليح وقال : اخبأه لي لا تعطيه لغيري ، قلت له : أنت رجل تعرف تلعب بخيال الظل ، وكنت في الأول تلعب به للعامة والخاصة والساعة تلعب به قدام جليل القدر كالملوك ومن يعاشرهم ، وتختص بلعبك ويغنيك عن الناس ، فجرى ذلك. فافهمه.