عسل الجبل
عسل الجبل
الحلقة السادسة


- 6 -
امتلأت سامورا بالفرح ذلك الصباح.. فالمصعد يعمل.. ومسيو جوبان قد عيّن لها زميلة تعينها في عملها.. نقلت جميع الغسيل بالمصعد.. انتهت منه وهي لا تشعر بأي تعب.. لكن جميع عاملات المشفى عجبن لبنطال سامورا الجميل.. سألتها: ألا يضايقك هذا البنطال يا سامورا؟ كانت تبتسم وتقول: بل أنا في غاية السعادة مع هذا البنطال الجميل..
قال بعضهن: يبدو أن ساقي سامورا فيهما مرض.. وهي تحاول إخفاءه بلبس هذا البنطال. لكن من رأينها البارحة أكدن أن ذلك ليس صحيحاً على الإطلاق.. أما سامورا فقد شعرت بالراحة لهذا البنطال العجيب.. كانت كلما حاولت أن تخلعه تشعر بالرعب الشديد.. ولا تهدأ نفسها إلا إذا طردت فكرة خلعه من رأسها الصغير..
كانت مسرورة جداً حين دخلت المطعم لتتناول الغداء.. فرحت بها سوندا.. رن هاتف المطعم.. وصرخ الخادم: .. مسيو أندريه يريد الحديث إليك.. أسرعت ونفسها تغلي بالخوف والألم معاً.. شدت بنطالها.. وأمسكت السماعة.. سمعته يقول: أهلاً سامورا سنسهر الليلة معاً.. أليس كذلك؟.. لقد أخبرت مسيو جوبان.. واعتذرت له.. أجابته: لقد سعدت البارحة بالسهر معك.. لكنني متعبة يا سيدي.. وأخشى أن أمرض إن لم أسترح بعد العمل فوراً.. وعلى كل حال.. الأيام بيننا.. وأنا حريصة أن أسهر معك كل ليلة.. ففي اليوم الذي أشعر فيه بالراحة سأتصل بك كي نسهر معاً.. فما رأيك يا سيدي؟! أجابها: حسناً.. أنا موافق..
كان جوبان يسمع كل كلمة.. فرح فرحاً شديداً.. قال في نفسه: لن تصل إليها ما دمت أنا جوبان في هذا المشفى، إنها لي وحدي.. سامورا لي وحدي..
مضى النهار وعادت سامورا إلى غرفتها.. جلست مع سوندا نصف ساعة تتسامران ثم راحت في نوم عميق.. ابتسمت سوندا.. وغطتها.. ولبست ثيابها.. وغادرت المشفى لتلتقي بخطيبها.. لكنها عادت بعد ساعة وهي تبكي.. حاولت أن تكتم بكاءها حتى لا توقظ سامورا.. بقيت طوال الليل تبكمي.. وأخيراً نامت رغماً عنها من شدة التعب.. فلما أعلنت الساعة تمام الرابعة صباحاً.. استيقظت سامورا.. اقتربت من سرير سوندا فوجدت وجهها محتقناً بالدماء والعرق يتفصد من جبينها.. همست لنفسها: إنها مريضة.. رفعت سماعة الهاتف وقالت: ألو.. إسعاف.. أرجوك تفضل.. سوندا مريضة جداً.. حملوها وهي تهذي.. بكت عليه سامورا.. لم تستطع البقاء معها.. حان وقت العمل.. فرحت أن المصعد لا يزال يعمل.. لكن مسيو جابون أخبرها أنها قد عينت في قسم رعاية الأطفال.. فرحت سامورا.. وذهبت مع مسيو جابون ليدلها على العمل الجديد.. قال لها في الطريق: متى سنسهر معاً يا سامورا؟ فلم تجبه بكلمة.. امتلأ وجهه بالغضب.. وقال لها أنا آسف لإزعاجك يا سامورا.. دخلا جناح الأطفال.. وقال لها: هنا سيكون عملك الجديد استقبلها مدير التشغيل مسيو أندريه وقال لها: إن مهمتك بسيطة يا سامورا.. عندك هنا مائة طفل.. يحتاجون إلى خمس وجبات طعام وثلاث مرات تنظيف.. وعندك ما تحتاجينه من أدوات.. هذه الغسالة.. وذاك الفرن.. وهذا هو الحليب.. وهنا خزانة زجاجات الحليب المعقم.. وتلك هي لفافات التغيير (الحفاضات).. وسوف تتناولين طعامك هنا إن شئت.. على هذه الطاولة.. دون أن نزعجك بالذهاب إلى المطعم.. والآن وداعاً يا عزيزتي.. أتمنى لك يوماً طيباً.. أنا بانتظار أخبارك عن موعد سهرتنا الجديد.. أتمنى أن تكون في أقرب فرصة.. ابتسمت سامورا.. وصافحته.. ودخلت لتبدأ عملها الجديد..
عسل الجبل
عسل الجبل
الحلقة السابعة

بكى بعض الأطفال..
فأسرعت إليهم..
\لا تريد أحداً أن يبكي..
هيأت الطعام لهم وراحت تطعمهم حتى انتهت من إطعام الأطفال كلهم..
ثم راحت تغسل الزجاجات وتهيء لهم الوجبة التالية..
ما كادت تفرغ من تحضير الوجبة التالية لمائة طفل حتى دقت الساعة معلنة الثامنة.. لقد جاء وقت تنظيفهم.. وراحت تركض باذلة كل طاقتها لتنظيفهم.. مضت ثلاثة ساعات أخرى... والتعب يكاد يشقيها.. وما إن انتهت من تنظيفهم حتى أعلنت الساعة تمام الحادية عشرة.. وابتدأت وجبة الطعام الثانية.. في الواحدة انتهت.. فأسرعت لتناول طعامها.. وخلال نصف ساعة أكلت ثم جلست كي تستريح.. لكن كيف تستريح ومائة طفل يصرخون.. يريدون أن ينظفوا.. ابتدأت حملة التنظيف الثانية ثم وجبة الطعام الثالثة.. ثم جلست لتستريح بين ضجيج الصراخ والعويل.. بكت من التعب.. ذكرت صديقتها سوندا.. رفعت السماعة.. طلبتها قالوا لها لقد نامت الآن.. إنها مصابة بحمى شديدة.. إنها تهذي.. سمعوها تقول: سامورا.. احذري يا سامورا.. بكت سامورا لما علمت بذلك.. تمنت لو تذهب إلى سوندا لتزورها لكن كيف.. فالوجبة الرابعة بدأت.. والتنظيف الأخير ينتظر.. أطعمتهم ونظفتهم.. ثم أطعمتهم الوجبة الخامسة.. وهدأ كل شيء تقريباً.. الأطفال بدءوا ينامون.. اتصلت برئيس قسم الأطفال: قالت له: أرجوك أريد زيارة سوندا.. هل أستطيع ذلك؟ أجابها: كما تحبين يا سامورا لقد انتهى عملك اليوم.. أسرعت سامورا والساعة قد جاوزت الثامنة.. دخلن غرفة سوندا.. اقتربت من سريرها.. رأتها نائمة.. جلست عند سريرها.. اقتربت منها وقبلتها.. فتحت سوندا عينيها.. رأت سامورا.. صاحت بصوت واهن: حبيبتي سامورا.. كيف أنت؟.. بكت سامورا وقالت: أنا قلقة عليك يا سوندا.. ما هذا المرض المفاجئ.. بكت سوندا.. ثم مسحت دموعها وقالت: خطيبي تركني.. صعقت سامورا وسألتها: ولماذا يا سوندا؟ أجابتها: منذ سنتين ونحن يجرّب بعضنا بعضاً، لقد أعجبني.. فهو ذكي ولطيف.. وقد حملت منه.. فأنا الآن في الشهر الثالث.. لكنه هددني.. إما أن أسقط حملي.. أو يتركني.. إنه لا يريد طفلاً.. رجوته خلال الشهر الأخير كثيراً أن يحافظ على الجنين.. إنني أحبه.. إنه ولدي.. أريد ولداً.. لكنه أصر على رأيه.. وقال: إن تجربتنا لم تنته بعد.. قلت في نفسي: سأترك الأمر دون أن أفاتحه به.. لعله يغيّر رأيه.. سألني آخر مرة رأيته فيها.. ماذا ستصنعين بالجنين؟ فلم أجبه.. فلما ذهبت لأراه البارحة لم أجده.. ترك ليس ورقة يقول فيها: سوندا.. انتهت علاقتنا.. إن تجربتنا قد فشلت.. إنك رفضت أن تسمعي طلبي.. وداعاً..
كانت سامورا تجن من الحزن.. لكنها لم تُظهر ذلك خوفاً على سوندا، همست سوندا: منذ سنتين وأنا معه.. أخلصت له.. أحببت أن يكون زوجي.. وتمنيت أن يأتيني منه ولد أرعاه ويرعاه معي.. لكنه لا يريد.. يريد أن يستمتع بي دون مسؤولية.. حتى يتخلص مني متى شاء وقد حدث ذلك وتخلص مني مثلما يتخلص من حذائه العتيق.. ما أتعسنا نحن النساء وما أشقانا..
مسحت سامورا جبين سوندا وهي تقول: لا زلت شابة يا سوندا.. لا خوف عليك.. سيتهافت عليك الرجال.. إن ذهب واحد أتى عشرة..
لم تُجب سوندا بكلمة كان بكاؤها هو الجواب..
اقتربت الممرضة من سامورا وهمست: انتهى وقت الزيارات يا سامورا.. أرجوك.. ودعت سوندا.. وراحت تجر قدميها نحو مضجعها في غرفة مائة طفل.. دخلت غرفتها.. أحست بالغربة في هذا العالم الملعون.. كان صراخ الأطفال بصمّ أذنيها.
ألقت بنفسها فوق السرير.. غطت رأسها.. وراحت تبكي وتصيح من تحت الغطاء: أريد حناناً.. أريد حناناً.. أريد حناناً!! أين الحنان يا رب؟! أين الأب؟؟ أين الأم؟! أين الأم التي أضع رأسي على صدرها أين الأب الذي ينفق عليّ ويرعاني أين الأخ الذي يحميني من الذئاب.. أين.. أين؟.. أين الأوفياء في هذه الأرض؟..
رمت بغطائها.. وقامت منفوشة الشعر.. قالت: سأستريح اليوم.. سأستريح. أسرعت إلى خزانة فيها سكين.. أرادت أن تنتحر، لكنها ذكرت وهي في منتصف الطريق أن لها أباً، وأماً، وأخاً، وأنها لن تبقى في هذا المشفى إلا ثلاثة شهور. قالت: سأستريح بعد ثلاثة شهور، سأذهب إلى بيتنا لأبقى مع أمي وأبي. هانت عليها الأمور عندما فكرت بذلك، فعادت إلى سريرها لتنام نوماً هانئاً رغم صراخ الأطفال حولها والعويل.
مضى الشهر الأول، واعتادت سامورا على حياتها الشقية المتعبة، كان الرجال يحومون حولها كالذئاب، صاروا يضايقونها لأنها لم تلن لهم. وأشد ما كان يؤلمها أن سوندا دخلت قسم التوليد بعد أن شفيت، وطلبت إجهاضها، وبعد أن شفيت، صارت كالنساء الأخريات، لا ترد طالباً، ولا تستنكف عن دعوة حمراء. قالت لسامورا: لا أنصحك أن تفعلي كما أفعل، لكنني –بسلوكي هذا- قد أعثر على خطيب جديد، قد أعثر على شهم يرضى أن أكون له، ويكون لي، ويكون لنا ولد نربيه.
ومضى الشهر الثاني ومنتصف الشهر الثالث، والحياة كما هي دون تبديل..
فجأة حدث ما لم تتوقعه سامورا: رأت أمها تدخل المشفى مع مسيو أندريه شحب لونها من المفاجأة، ظنت أنها جاءت تسأل عنها، فقالت في نفسها: بعد كل هذه المدة جاءت أمي تسأل عني؟! لكن لا بأس.. تعرضت لها.. وصاحت: ماما.. أنا هنا يا ماما.. تريثت أمها قليلاً، ثم أسرعت إليها، وصافحتها بحذر، قالت لها: ماذا تفعلين هنا يا سامورا؟! أجابتها: منذ تركتموني وأنا أعمل هنا مقابل أن يعفيني المشفى من تكاليف علاجي.. عجبت الأم وقالت: ظننت أن أباك قد أخرجك من المشفى وأخذك معه وابتعد عنا.. إننا لم نره منذ افترقنا..
بكت سامورا وقالت: إنني أعيش هنا العذاب يا أمي، لقد شفيت أرجوك خذيني معك..
كان أشد الجميع عجباً هو المسيو أندريه، سأل سانيت الأم: هل هي ابنتك حقاً؟!.. أجابته بهزة رأسها: نعم.. فهمس: مسكينة يا سامورا أظنك قد شقيت في عملك.. هيا إلى ملابسك.. ثم إلى بيتك مع أمك وسأدفع أنا بقية ما عليك للمشفى.
امتعضت سانيت الأم، بينما كانت سامورا تسبح في الخيال، كانت تسأل نفسها: هل انتهى عهد الشقاء؟! لكنها نظرت إلى مسيو أندريه، رأته يحمل عيني ذئب، شعرت أنه يريد أن يقبض منها ثمن معروفه سهرات وسهرات، ونظرت إلى أمها سانيت رأتها قد ضاقت بها ذرعاً، فقالت وهي تنظر إلى الأرض: شكراً يا مسيو أندريه. سأكمل مدة عملي هنا، وأذهب بعدها إلى بيتي/، وقد أعود لكم لأعمل طوال حياتي في هذا المشفى. ابتسمت سانيت الأم. بينما كانت سامورا ترتجف من الألم، لكنها كانت تكبت دموعها بسد من ألم. ابتسمت، وقبلت يد أمها، وصافحت مسيو أندريه، والتفتت عائدة إلى عملها في محضن الأطفال.
قال مسيو أندريه: إنها عنيدة، إنني أحاول أن أرفّه عنها منذ أن بدأت عملها في هذا المشفى.. لكنها تتهرب مني، ومن غيري، كأنها ليست امرأة.. احتقن وجه سانيت الأم بالغيرة، همست لنفسها: هذه الخبيثة يركض الرجال خلفها، وتفرّ منهم، ونحن نلاحق الرجال دون أن نحظى بواحد منهم إلا بعد عناء.
أدرك مسيو أندريه ما دار في خاطر سانيت الأم، همس: سيدتي سانيت، ستكون سهرتنا هذه الليلة صاخبة، تريدينها في بيتي أم في بيتك؟!! تمتمت وقد عادت إليها روحها، في بيتك.. كله أناقة وجمال ومتعة، لن أنسى طوال حياتي سهراتي معك في ذلك البيت السحري. ابتسم مسيو أندريه وقال: أنا موافق.. بشرط أن تكون سهرتنا التالية في بيتك بعد ثلاثة أسابيع. لم تفطن لما يريد.. إنه يريد أن يستمتع بسامورا.. فهي بعد ثلاثة أسابيع ستكون في بيت أمها.. وافقت فوراً، وغادرت المشفى وهي تمني نفسها بالمتعة.. لقد فازت الليل بصيد ثمين شره.
الأريج
الأريج
شكراً لك عسل الجبل..
وأنا على نار........بانتظار الحلقة الثـــــامنة...
عسل الجبل
عسل الجبل
لازلت في انتظار ردود القراء الإعزاء
الأريج
الأريج
أفا....الظاهر إني مب مالية عينك....الله يخليج ..طي الباجي حرقتي اعصابي..