سطور80

سطور80 @stor80

عضوة جديدة

البيت المشبوه ..

الأدب النبطي والفصيح

همسات ساقطة تتردد بين أروقة القاعة الدراسية يحاول أن يهرب منها.. أن يتجاهلها.. لا يمكن أن يكون مثلهم ولا أن يسير على دربهم.. إنهم حثالة.. هكذا همس لنفسه.. ولكن هل خفتت همساتهم؟! لا.. فذاك البيت المشبوه في آخر الشارع أصبح مشهوراً أكثر من البيت الأبيض في أمريكا.. والجميع يتهامسون عن رقيق أبيض يُباع ويُشترى في غفلة عن العيون.. قال له صديقه:
- تعال معي.. ستعرف أشياء لا تخطر لك على بال.
قال: اتركني أرجوك..
باغته صديقه مغرياً: لا تقلق.. سأدفع عنك (الفاتورة).. فقط أريد أن أخرجك من هذه الحياة الكئيبة المسيطرة عليك.
أجابه وهو يتحسس جيبه:
- لا.. إنها مسألة مبدأ.. أخلاقي لا يمكن أن تنحدر إلى هذا الحضيض.
أجابه صديقه وهو يبتعد عنه:
- كما تريد.. ولكن.. على الأقل اكتشف هذا العالم.. ادخل للفرجة فقط.. للفرجة يا.. أباالمبادئ!
قالها ساخراً.. وانسحب..
وغرق صاحبنا في صمت عميق.. حاصرته الأفكار.. دس يده في جيبه.. إنها بضع ورقات نقدية استدانها من شقيقته ليكمل بقية الأسبوع بها.. يفكر في بيته.. أمّه.. أخته.. شقيقه الصغير.. كل هؤلاء ينتظرون منه أن يتخرج من الجامعة ليبحث عن عمل ويصرف عليهم.. أخته سبقته إلى التخرج وحملت شيئاً من العبء.. أصبحت تعمل صباحا ومساءً في أحد المستشفيات لتوفر له لقمة هانئة ووسادة مريحة ينام عليها آخر النهار.. بقي هو.. عليه أن يجدّ في المذاكرة لينهي دراسته بامتياز.. ولكن.. هؤلاء إخوة الشيطان لا يتركونه.. وإن ابتعدوا عنه فإن كلماتهم مازالت ترفرف فوق رأسه:
«ادخل واتفرج ياأباالمبادئ!».. نعم.. فقط أريد أن أعرف ماذا في الداخل.. قالها لنفسه وهو يسير إلى نهاية الشارع بخطوات مرتبكة.. يعلم جيداً موقع البيت.. ولكن.. هل يملك الجرأة لدخوله..؟ وقف بجانب البناء الذي يحتضن البيت المشبوه.. تسمّرت قدماه.. نظر حوله.. الحركة تضج في الشارع.. للحظة شعر أن كل العيون ترقبه.. وكل الأصابع تشير إليه وكل اتهامات الدنيا تطوق عنقه.. هل يدخل المبنى..؟ تذكر أمه.. أخته.. أخاه الصغير.. تذكر أباه الذي يرقد في مقبرة مجاورة لهذا المكان.. تراجع.. ولكن.. (سأتفرج.. لن أرتكب أي حماقة.. أريد أن أعرف أي بيئة ساقطة هذه).. كلمات قليلة همس بها لنفسه كانت كفيلة بأن تجعله يتسلل بهدوء إلى العمارة ويهبط إلى القبو الأرضي منها.. باب واحد فقط أمامه.. امتدت يده ليقرع الجرس.. تراجع.. أوشك أن يصعد.. كل شيء داخله يقول له:
هذا ليس مكانك.. ولكن كلمة الشيطان البشري مازالت تدور فوق رأسه:
تفرج.. فقط تفرج!!
قرع الجرس.. ووقف لبرهة قبل أن يسمع صوتاً أنثوياً يقول: مَن؟ اضطرب.. أمطر جبينه عرقاً.. قلبه قفز من صدره.. أوشك أن يطلق ساقيه للريح لولا أن الباب فتح بسرعة لتطل امرأة تكاد تقترب من الخمسين من العمر.. تأملها.. تأملته.. أرخى عينيه في الأرض.. خجلاً.. رعباً.. حزناً.. ربما كل هذا.. قالت له: أهلاً.. أهلاً.. تفضل.. هل (يتفضل)؟.. إنه لم يأت ليقف عند الباب.. دلف إلى الداخل.. العتمة توشك أن تحتضن كل شيء.. لم يتبين ملامح البيت.. جلس.. وجلست بجواره.. لحظات صمت خالها صاحبنا دهراً.. قالت له: يبدو أنك مهموم.. لم أرك من قبل هنا.. ما اسمك؟ قال مرتبكاً: لا داعي للأسماء.. ضحكت برقة وقالت: كما تشاء.
قال: آسف.. آسف.. يبدو أني... إنه ماذا؟ لقد حاول أن يكذب ويوهمها أنه يبحث عن صديق له.
قالت: ها.. أطلب.. أؤمر.. طلباتك كلها متوافرة.
قال: أنا.. أنا.. لا أدري..
نعم.. لا يدري.. لا يدري كيف أقنع نفسه بالوصول إلى هنا ودخول هذا البيت والجلوس هنا مع هذه المرأة.
قالت له: واضح أنك محرج.. وأنا عندي ما يزيح همك ويفكّ عقدتك.. انظر ذلك الباب.. افتحه.. ستجد من تنسيك هموم الدنيا كلها.
قال ومازال الاضطراب يخنقه: ولكن.. أنا.. لا أريد أن..
قاطعته: لابأس.. هذا الاضطراب سيزول فور دخولك هنا.. انتبه.. لا تفزعها.. إياك من أي تصرف خاطئ.. إنها بشر هي أيضاً.
قام من مقعده.. وامتدت يده إلى الباب.. فتحه.. ودخل.. فتح عينيه جيداً.. إنها هناك.. لم تنتبه لدخوله.. قال على استحياء: احم.. احم.. انتبهت له.. رفع عينيه إليها.. ياللكارثة.. إنها أخته ..!!


---------
من كتاب : حكايات من القلب

4
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

انفاس الفجر
انفاس الفجر
أختي

اسلوبك رائع في تناول أدق التفاصيل....


ننتظر منك المزيد...
سمر مر
سمر مر
حبيبتي كلمات رائعة ننتظرك فلا تتأخري
حنين المصرى
حنين المصرى
جميل حبيبتى
اختيارك وعرضك
حنين
بسـ^_^ـمة
بسـ^_^ـمة
نحن معك سطور .. أكملي ..

وبوركت على النتقاء الجيد