ماقبل بدر~
انبرى قائلاً وقد اتقد حماساً بقلب المؤمن الممتليء حباً وإيماناً وفداءً:
يارسول الله آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ماجئت به الحق
وأعطيناك على ذلك عهودناومواثيقنا على السمع والطا عة ،
فامض يارسول الله لما أردت فنحن معك ،
وسافر حيث شئت ، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت،
وما أخذت منا كان أحب مما تركت،
وما أمرت فيه من أمرٍ فأمرنا تبعاً لأمرك، فولله لئن سرت بنا إلى برك الغماد
لنسيرن معك ، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته..
لخضناه معك ماتخلف منا رجل واحد.
لانقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى:
اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ،
ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .
فولله لنقاتلن عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك !
هذا ماقاله سعد بن معاذ الأنصاري لرسول الله حينما استشار أصحابه
في الخروج لمواجهة قريش ، التي أعدت العدة لقتاله ..!
فأشرق وجه النبي صلى الله عليه وسلم وسر بما سمع منه ومن سائر أصحابه
فقال : والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم .. فكان النفير ..!
المواجهة ~
ولأول مرة يقف الإسلام أمام الكفر وجهاً لوجه..
وتتحول فيها المعركة إلى قتالٍ دامٍ،
وليس في صفوف المسلمين غير قوة الحق يدافعون بها
متيقنين أن النصر بيد الله يؤتيه من ينافح عن دينه
ويهبه لمن يقاتل في سبيله..
أما الوثنية فقد وقفت وقفة المغرور الواثق بالنصر
المفتخر بعدته وعدده ..!
المسلمون قلة يتدافعون إلى ساحة الوغى
ابتغاء احد الحسنيين : النصر أو الشهادة ..
يبادرون إلى الجهاد وقد غفلت نفوسهم عن كل شيء
إلا عن الانتصار لدين الله .. والإيمان بنصره ..
الإيمان وحده هو الذي جعلهم يتسابقون
إلى ميدان الشرف .. والشهادة
بائعين نفوسهم وما يملكون لله سبحانه وتعالى
رابحين في بيعتهم الجنة ..
" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة "
ألا ربح البيع ..!
معجزة من ساحة المعركة ~
وكم في بدر آية للمؤمنين وعبرة لأولي الأبصار.. !!
هي بدر المميزة في تاريخ البشرية بقتال الملائكة مسومين
هي بدر التي رفع الله بها المسلمين وهم أذلة
هي بدر التي جاءت بالبشرى والاطمئنان القلبي
والنصر من عند الله العزيز الحكيم .
هذه صورة بطولةٍ ومعجزة العون من بدر ..
نراها تتجلى في تلك الشخصية الإيمانية
التي استماتت في الدفاع لتكون كلمة الله هي العليا
واضعة نصب عينيها بيرق الشهادة ..
هنا " عكاشة بن محصن" نراه يقاتل بسيفه بضراوة
حتى ينكسر في يده ..
فيأتيه الرسول صلى الله عليه وسلم بجذلٍ من الحطب ،
فيأخذه عكاشة ويهزه بيده فيعود سيفاًطويل القامة شديد المتن
فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين ، وكان ذلك السيف يسمى العون
ولم يزل السيف عند عكاشة يشهد به المواقع مع الرسول الكريم .
حتى قتل في حروب الردة وهو عنده ..
وعكاشة هذا كان حاضراً حينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
" يدخل الجنة سبعون ألفاً من أمتي على صورة القمر ليلة البدر "
فيبادر عكاشة بالقول : " أدع الله يارسول الله أن يجعلني منهم "
قال عليه الصلاة والسلام : " إنك منهم ".
في حومة القتال ~
شمرت الحرب أوزارها ، واشتد القتال ، وتقارعت السيوف ، وانهالت الرماح
واجتهد الرسول وهو يصول ويجول ..في الدعاء والابتهال
وتذكير أصحابه بما لهم في الصبر والثبات من النصر والظفر
والثواب الآجل عند الله .. فالجنة تنتظرهم هناك ..!!
ثم أخذ كفاً من تراب ورماه في وجوه القوم قائلاً: شاهت الوجوه
فلم تبق عين من المشركين إلا وأصابها شيء من التراب..
ثم قال الرسول الكريم :" شدوا عليهم " .. فأعملوا فيهم السيوف
وأنزل الله تعالى جنده .. وأيد رسوله والمؤمنون بنصره
وأمكنهم من رقاب المشركين قتلاً وأسراً
فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين ..
وهكذا أنجز الله وعده يوم بدر بنصر أهل الإيمان
وخذلان أهل الكفر والضلال .. وأعلى كلمة الإسلام
وأثاب المسلمين الحسنيين معاً : الشهادة والنصر ..
معجزات الرسول يوم بدر ~
وقع في هذه الغزوة من الآيات الناطقات برسالة النبي وصدق نبوته.. الكثير ..
منها أنه أخبر الأسرى بما في بيوتهم مما لايعلم علمه بعد الله عز وجل
إلاّ نساؤهم ..
وأخرى معجزة عود الحطب الذي أعطاه لعكاشة فتحول سيفاً أبيضاً قاطعاً
وثالثة أن رفاعة بن رافع رُمِيَ بسهم فقأت عينه ..فمسح عليها الرسول فعادت سليمة ..
ومن عجيب المعاجز أنه حين قدم عليه الصلاة والسلام إلى المدينة،
قدمت إليه يهودية جدياً مشوياً مسموماً فأخبرها به وبما أرادت فأسلمت ..
وليلة الموقعة بادر الرسول الكريم ببيان مصارع المشركين وذكرهم بالاسم وحدث ماقاله
أما المعجزة الكبرى في بدر.. والتي لم تتكرر ..
هي مددالله تعالى للمسلمين بألف من الملائكة قاتلوا معهم .. وشاهدوهم رأي العين ..
الاعتبار ~
بعد ثلاثة أيام من الواقعة .. ركب الرسول راحلته يتبعه أصحابه ..
ونزل عند القليب الذي طرحت فيه جثث القتلى من المشركين ..
ونادى كل واحد باسمه.. ثم قال :
هل وجدتم ماوعد الله ورسوله حقاً؟
فإني وجدت ماوعدني ربي حقاً..!
كذبتموني وصدقني الناس ..!
وأخرجتموني وآواني الناس ..!
وقاتلتموني ونصرني الناس ..!
وأعز الله المؤمنين ~
وهكذا كان نصر الله لرسوله وللمؤمنين وما وعدهم به :
" إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "
وزادهم ذلك إيماناً وتسليما..
وارتفع شأن المسلمين ..وكسرت شوكة الكافرين... وباؤوا بسوء العاقبة ..
وتردد صدى بدر في كل مكان ودخل في دين الله خلق كثير ..
وقد باتوا في عزة ونصر ومنعة محققين وعده الكريم أن ينصروا دينه تعالى
قولاً وعملاً .. وأن يستقيموا على طاعته .. ويجاهدوا أنفسهم ويحملوها على اتباع الحق
والعدل .. وأن لايعدل حب الله في قلوبهم حباً آخر يميل بهم عن جادة الصواب ..
حتى لو كانوا آباؤهم أو أبناؤهم .. أو أقرب الناس إليهم ..
تلك آية بدر تظهر السر العظيم في النصر المبين ..
للرسول والمسلمين في فجر الإسلام ..
حيث صدقوا ماعاهدوا الله عليه واستقاموا..
وتدعونا في كل زمان ومكان إلى الاقتداء بهم وسلوك منهجهم ..
لتكون لنا البشرى .. ويكتب لنا النصر والتمكين .. ويقطع طرف الذين كفروا ..
ونستعيد المجد الغابر .. وبخلوص النوايا وصدق اليقين .. ومضاء العزيمة ..يكون !!!
جزاكـ الله خير (فيض وعطر الغاليه) على طرحك الرائع والمتميز جدا.
الله يجعله في ميزان حسناتكـ وينفع فيكـ الاسلام والمسلمين.
✿✿✿