ان كان ربك يرمينا بسهام القدر فتصيبنا ، فكيف لي بالنجاة ؟!

الملتقى العام

معالمجتمع واع فطن








ماحكم هذه المقولة؟

"سأل احدهم رجل مؤمن : ان كان ربك يرمينا بسهام القدر فتصيبنا ، فكيف لي بالنجاة ؟! فأجابهُ : كن بجوار الرامي تنجو"!

وبارك الله فيك




الجواب :
وبارك الله فيك .

هذا فيه أكثر مِن محذور :
الْمَحْذُور الأول : سوء الأدب مع الله في قول : (يرمينا بسهام القدر) .
ومِن الأدب مع الله أن لا يُنسب إليه الشر والسوء .
قال إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) ، فَلَم يَنسب الْمرض إلى الله تبارك وتعالى ، وإنما نَسَب إلى الله الشفاء ، ونَسَب المرض إلى نفسه .

قال القرطبي في تفسيره : فأضَاف الْمَرض إلى نَفسه والشِّفاء إلى الله تعالى .
وقال في تفسير قوله تعالى : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) قال : مَرِضْت رِعاية للأدب ، وإلاَّ فالمرض والشفاء مِن الله عَز وجل جَميعا ، ونَظيره قول فَتَى مُوسَى : (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ) .اهـ.

وقال في تفسير سورة الكهف في قصة موسى مع الْخَضِر : قال في خَرْق السفينة : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) فأضاف العَيب إلى نفسه ... وأضاف عَيب السفينة إلى نفسه رِعاية للأدب ، لأنها لفظة عَيب فتأدَّب بِأن لم يُسْند الإرادة فيها إلاَّ إلى نفسه ، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) ، فأسْنَد الفِعل قَبل وبَعد إلى الله تعالى ، وأسند إلى نفسه المرض ، إذ هو معنى نَقص ومُصيبة ، فلا يُضاف إليه سبحانه وتعالى مِن الألفاظ إلاَّ ما يُستحسن منها دُون ما يُسْتَقبح ، وهذا كَما قال تعالى : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) ، واقْتَصر عليه ، فلم يَنسب الشرَّ إليه ، وإن كان بيده الخير والشر ، والضر والنفع ، إذ هو على كل شيء قدير ، وهو بِكُلّ شيء خبير . اهـ .
وقال ابن حجر في فوائد قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع الْخَضِر :
وَفِيهِ حُسْنُ الأَدَبِ مَعَ اللَّهِ وَأَنْ لا يُضَافَ إِلَيْهِ مَا يُسْتَهْجَنُ لَفْظُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ بِتَقْدِيرِهِ وَخَلْقِهِ ؛ لِقَوْلِ الْخَضِرِ عَنِ السَّفِينَةِ : فَأَرَدْتُ أَنْ أعيبها ، وَعَن الْجِدَار : فَأَرَادَ رَبك ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالْخَيْر بِيَدِك وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك . اهـ .

ومثل ذلك أدب الْجِنّ في الخطاب مع ربّ العالمين .
قال تعالى حِكاية عن الجن : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) .
قال ابن كثير : وهذا مِن أدبهم في العبارة ؛ حيث أسندوا الشرَّ إلى غير فاعل ، والخير أضافوه إلى الله عز وجل ، وقد وَرَد في الصَّحيح : " والشرّ ليس إليك " . اهـ .

فالتأدّب مع الله مطلوب ومُراعى حتى في الألفاظ .
وفي دعائه صلى الله عليه وسلم : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ . رواه مسلم .
قال الخطابي وغيره : فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى ومدحه ، بأن يُضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب . نقَلَه النووي .

الْمَحْذُور الثاني : في قول : (فتصيبنا) ، وما يُصيب الإنسان لا يخلو من حالين :
الأولى : أن يكون مما قدره الله لِرفعة درجات العبد ، فهذا له وليس عليه ، ولذا كان الأدب أن يُقال كما أمَر الله : (لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا) فالتعبير بـ (لَنَا) يدلّ على أنه خير لهم .
قال القاسمي في تفسيره : (لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا) ، أي : ما أثبته لمصلحتنا الدنيوية أو الأخروية .. ولم يكتبها علينا ليضرّنا بها، إذْ هُوَ مَوْلانا ، أي : يتولى أمورنا . اهـ .
الثانية : أن يكون مما يُصاب به الإنسان بسبب ذنوبه ؛ فهذا فيه تكفير لسيئاته ، ورفعة لدرجاته .
قال الله تعالى فيه : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً، فَمَا فَوْقَهَا إِلاَّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ . رواه مسلم .

الْمَحْذُور الثالث : في قول : (كُن بجوار الرامي)
وهذا قد يُفْهَم منه أن مَن كان بِجوار الرامي لا تُصيبه السهام ، فإن رَامي السهام مِن البَشر قد يُصيب نفسه ، كما في قصة عامِر بن الأكوع رضيَ اللّهُ عنه ، وهي في الصحيحين . وفيها :
فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا ، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ ، قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، قَالَ: مَا لَكَ ؟ قُلْتُ لَهُ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ .

وهذا اللفظ " كُن بجوار الرامي " وإن كان المعنى المقصود : كُنّ مع الله . فإن التعبير به خطأ ؛ وكأن مَن كان مع الله ولله ، لا يُصاب بِشيء مِن أقدار الله عزَّ وَجَلّ .
وهذا خطأ وغفلة .
فإن الأنبياء أكمل الناس إيمانا ، وحياتهم كلها لله ، ومع ذلك يُصابون بأشد مما يُصاب به سائر الناس .

قال ابن مسعود رضيَ اللّهُ عنه : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟ قَالَ: أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ . قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: أَجَلْ، ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا . رواه البخاري ومسلم .

والإنسان يُبتلى على قدر إيمانه .
وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا، اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ، ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائي في الكبرى . وحسّنه الألباني والأرنؤوط .

الْمَحْذُور الرابع : كان الصواب توجيه مثل ذلك السائل أولا إلى الأدب مع الله ، وثانيا : إلى ما يُدْفَع به القضاء ، وهو الدعاء ، كما في الحديث : لا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ ، وَلا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلاَّ الْبِرُّ . رواه الترمذي مِن حديث سلمان رضي الله عنه ، وقال الألباني : حَسَن .
ورواه الإمام أحمد وابن ماجه من حديث ثوبان رضي الله عنه .

وفَرْق بين القَدَر وبين القضاء .
قال المناوي : القضاء إنْفَاذ الْمُقَدَّر .

والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد

شبكة المشكاة







🔲🔲🔲🔲
...
أخي الكريم .. أختي الكريمة ..

لاتنشر/ي كل مايرد إليك إلا بتثبت ؛ لأن ذلك سيدخلك في دائرة قول نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم:

(كفى بالمرء إثما -وفي رواية كذبا- أن يحدث بكل ماسمع)

إثم و كذب

وعدم النشر هو السلامة من ذلك كله.
والسلامة لايعدلها شيء
🔲🔲🔲🔲

حملة معا..لمجتمع واع فطن:

للابلاغ عن أي برودكاست يشك في مضمونه نرجو التواصل معنا
على هذا الرقم عبر الواتس أب فقط
0530720540

علما أننا لانرد على الاتصال الهاتفي ولا رسائل sms بتاتا

و على هذا الحساب بتويتر
@waen0ften

وعلى صفحتنا في الفيسبوك
http://goo.gl/kBKQK


ساهموا معنا في التوعية بنشر برودكاستاتنا التوعوية .. فالإنكار واجب كل مسلم
وجزى الله خيرا كل من احتسب وشارك في نشرها


معاً لمجتمع واع فطن
13
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

راقية الفكر
راقية الفكر
جزاك الله خير

"لايستقيم لأحد الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء:معرفته بأسمائه وصفاته،ومعرفته بدينه وشرعه،
ونفس مستعدة قابلة لينة متهيئة لقبول الحق"

الأخـرة دار القرار
ساندريلاMMM
ساندريلاMMM
جزاك الله خيرا
علمتني الظروف
علمتني الظروف
جزاك الله خير
لازلت طفله
لازلت طفله
جزاكِ الله خير .. فعلا فيه اشياء وعبارات تضيّق الصدر حتى فيه ادعيه احسها مستوحاة من المسيحيه نفس الفاظهم