للجنه إشتياقي
فصل [ اعتبر بما فيك عن غيرك ] العجب ممن يقول : اخرج إلى المقابر فاعتبر بأهل البلى . ولو فطن علم أنه مقبرة يغنيه الاعتبار بما فيها عن غيرها . خصوصاً من قد أوغل في السن , فإن شهوته ضعفت , وقواه قلّت , والحواس كلّت , والنشاط فتر , والشعر ابيض . فليعتبر بما فقد , وليستغنِ عن ذكر من فقد , فقد استغنى بما عنده عن التطلع إلى غيره . فصل [ العاقل يخجل من ذنبه بعد قبول توبته ] ينبغي للعاقل أن يكون على خوف من ذنوبه وإن تاب منها وبكى عليها . وإني رأيت أكثر الناس قد سكنوا إلى قبول التوبة , وكأنهم قد قطعوا على ذلك . وهذا أمر غائب , ثم لو غفرت بقي الخجل من فعلها . ويؤيد الخوف بعد التوبة أنه في الصحاح : " أن الناس يأتون إلى آدم عليه السلام فيقولون : اشفع لنا فيقول : " ذنبي " . وإلى نوح عليه السلام فيقول : " ذنبي " وإلى إبراهيم , وإلى موسى , وإلى عيسى صلوات الله وسلامه عليهم . فهؤلاء إذا اعتبرت ذنوبهم لم يكن أكثرها ذنوباً حقيقة . ثم إن كانت فقد تابوا منها واعتذروا , وهم بَعدُ على خوف منها . ثم إن الخجل بعد قبول التوبة لا يترفع . وما أحسن ما قال الفضيل بن عياض : واسوأتاه وإن عفوت . فأفّ والله لمختار الذنوب ومؤثر لذة لحظة تبقى حسرة لا تزول عن قلب المؤمن وإن غفر له . فالحذر الحذر من كل ما يوجب خجلاً . وهذا أمر قلّ أن ينظر فيه تائب أو زاهد , لأنه يرى أن العفو قد غمر الذنب بالتوبة الصادقة . وما ذكرته يوجب دوام الحذر والخجل .
فصل [ اعتبر بما فيك عن غيرك ] العجب ممن يقول : اخرج إلى المقابر فاعتبر بأهل البلى . ولو فطن علم...
فصل


ينبغي أن يكون العمل كله لله , ومعه , ومن أجله . وقد كفاك كل مخلوق , وجلب لك كل خير .

وإياك أن تميل عنه بموافقة هوى وإرضاء مخلوق , فإنه يعكس عليك الحال , ويفوتك المقصود . وفي الحديث : " من أرضى الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذاماً " وأطيب العيش عيش من يعيش مع الخالق سبحانه .

فإن قيل : كيف يعيش معه ؟

قلت : بامتثال أمره , واجتناب نهيه , ومراعاة حدوده , والرضى بقضائه , وحسن الأدب في الخلوة , وكثرة ذكره , وسلامة القلب من الاعتراض في أقداره . فإن احتجت سألته , فإن أعطى وإلا رضيت بالمنع , وعلمت أنه لم يمنع بخلاً , وإنما نظراً لك .

ولا تنقطع عن السؤال لأنك تتعبد به , ومتى دمت على ذلك رزقك محبته وصدق التوكل عليه , فصارت المحبة تدلك على المقصود , وأثمرت لك محبته إياك , فحينئذ تعيش عيشة الصديقين .

ولا خير في عيش إن لم يكن كذا , فإن أكثر الناس مخبّط في عيشه , يداري الأسباب , ويميل إليها بقلبه , ويتعب في تحصيل الرزق بحرص زائد على الحد , ويرغبه إلى الخلق , ويعترض عند انكسار الأغراض . والقدر يجري ولا يبالي بسخط , ولا يحصل له إلا ماقدر . وقد فاته القرب من الحق والمحبة له , والتأدب معه , فذلك العيش عيش البهائم .
للجنه إشتياقي
فصل [ أطيب العيش مع الخالق سبحانه ] ينبغي أن يكون العمل كله لله , ومعه , ومن أجله . وقد كفاك كل مخلوق , وجلب لك كل خير . وإياك أن تميل عنه بموافقة هوى وإرضاء مخلوق , فإنه يعكس عليك الحال , ويفوتك المقصود . وفي الحديث : " من أرضى الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذاماً " وأطيب العيش عيش من يعيش مع الخالق سبحانه . فإن قيل : كيف يعيش معه ؟ قلت : بامتثال أمره , واجتناب نهيه , ومراعاة حدوده , والرضى بقضائه , وحسن الأدب في الخلوة , وكثرة ذكره , وسلامة القلب من الاعتراض في أقداره . فإن احتجت سألته , فإن أعطى وإلا رضيت بالمنع , وعلمت أنه لم يمنع بخلاً , وإنما نظراً لك . ولا تنقطع عن السؤال لأنك تتعبد به , ومتى دمت على ذلك رزقك محبته وصدق التوكل عليه , فصارت المحبة تدلك على المقصود , وأثمرت لك محبته إياك , فحينئذ تعيش عيشة الصديقين . ولا خير في عيش إن لم يكن كذا , فإن أكثر الناس مخبّط في عيشه , يداري الأسباب , ويميل إليها بقلبه , ويتعب في تحصيل الرزق بحرص زائد على الحد , ويرغبه إلى الخلق , ويعترض عند انكسار الأغراض . والقدر يجري ولا يبالي بسخط , ولا يحصل له إلا ماقدر . وقد فاته القرب من الحق والمحبة له , والتأدب معه , فذلك العيش عيش البهائم .
فصل [ أطيب العيش مع الخالق سبحانه ] ينبغي أن يكون العمل كله لله , ومعه , ومن أجله . وقد كفاك...


كانت هذه مقتطفات رائعة من كتاب صيد الخاطر وهناك المزيد بالكتاب تركتها تشويقا ً للأخوات لإقتناء هذا الكتاب المميز

أسال الله أن ينفعنا بها كما أساله أن يغفر لشيخنا ابن الجوزي ولمدونة هذه المقتطفات ولمن مر عليها وقرأها ولمن شارك هنا برد ودعاء ...