كهف المساء

كهف المساء @khf_almsaaa

محررة برونزية

لا تحزن.. وتعامل مع الأمر الواقع

الأسرة والمجتمع

روحانيات

لا تحزن.. وتعامل مع الأمر الواقع

الأستاذ/ عائض بن عبد الله القرني





إذا هوَّنت ما قد عزَّ هان، وإذا أيِسْتَ من الشيء سلتْ عنه نفسك: «سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون».

قرأت ان رجلا قفز من نافذة وكان بأصبعه اليسرى خاتم، فنشب الخاتم بمسمار في النافذة، ومع سقوط الرجل اقتلع المسمار أصبعه من أصلها، وبقي بأربع أصابع، يقول عن نفسه: لا أكاد اتذكر ان لي أربع أصابع في يد فحسب، او انني فقدتُ أصبعا من أصابعي إلا حينما اتذكر تلك الواقعة، وإلا فعملي على ما يرام ونفسي راضية بما حدث: «قدَّر الله وما شاء فعل».

لا تقل للنار أحّ إنْ قلت أحَّا

فرح الجاني وسحَّ الدمعُ سحَّا

وأعرف رجلا بترت يده اليسرى من الكتف لمرض أصابه، فعاش طويلا وتزوج، ورزق بنين، وهو يقود سيارته بطلاقة، ويؤدي عمله بارتياح، وكأن الله لم يخلق له إلا يدا واحدة: «ارض بما قسم الله لك، تكن أغنى الناس».

وسلِّ نفسك تسلو في منازلها

هل الدموع تَرُدُّ الغائب الغالي؟

ما أسرع ما نتكيف مع واقعنا، وما أعجب ما نتأقلم مع وضعنا وحياتنا، قبل خمسين سنة كان قاع البيت بساطا من حصير النخل، وقربة ماء، وقدرا من فخار، وقصعة، وجفنة، وابريقا، وقامت حياتنا واستمرت معيشتنا لأننا رضينا وسلمنا وتحاكمنا إلى واقعنا.

والنفسُ راغبة إذا رغبتها

وإذا تُردُّ الى قليل تقنعُ

وقعت فتنة بين قبيلتين في الكوفة في المسجد الجامع، فسلُّوا سيوفهم، وامتشقوا رماحهم، وهاجت الدائرة، وكادت الجماجم أن تفارق الأجساد، وانسل أحد الناس من المسجد ليبحث عن المُصلح الكبير والرجل الحليم، الأحنف بن قيس، فوجده في بيته يحلب غنمه، عليه كساء لا يساوي عشرة دراهم، نحيل الجسم، نحيف البنية، أحنف الرجلين، فأخبروه الخبر فما اهتزت في جسمه شعرة ولا اضطرب، لأنه قد اعتاد الكوارث، وعاش الحوادث، وقال لهم: خيرا إن شاء الله، ثم قدم له إفطاره وكأن لم يحدث شيء فإذا إفطاره كسرة من الخبز اليابس، وزيت وملح، وكأس من الماء، فسمَّى وأكل، ثم حمد الله، وقال: بُرُّ من بُرِّ العراق، وزيت من الشام، مع ماء دجلة، وملح مرو، إنها لنعم جليلة. ثم لبس ثوبه، وأخذ عصاه، ثم دلف على الجموع، فلما رآه الناس اشرأبت إليه أعناقهم، وطفحت إليه عيونهم، وانصتوا لما يقول، فارتجل كلمة صلح، ثم طلب من الناس التفرق، فذهب كل واحد منهم لا يلوي على شيء، وهدأة الثائرة، وماتت الفتنة.

قد يدركُ الشرف الفتى ورداؤُهُ

خَلِقٌ وجيبُ قميصه مَرْقُوعُ

وفي القصة دروس، منها: أن العظمة ليست بالأبهة والمظهر، وأن قله الشي ليست دليلا على الشقاء، وكذلك السعادة بكثرة الأشياء والترفه:«فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن». وأن المواهب والصفات السامية هي قيمة الإنسان، لا ثوبه ولا نعله ولا قصره ولا داره، إنما وزنه في عمله وكرمه وحلمه وعقله: «إن أكرمكم عند الله اتقاكم». وعلاقة هذا بموضوعنا أن السعادة ليست في الثراء الفاحش، ولا في القصر المنيف، ولا في الذهب والفضة، ولكن السعادة في القلب بإيمانه، برضاه، بأنسه، بإشراقه: «فلا تعجبك اموالهم ولا أولادهم» ، «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون». عوِّد نفسك على التسليم بالقضاء والقدر، ماذا تفعل إذا لم تؤمن بالقضاء والقدر، هل تتخذ في الأرض نفقا او سلما في السماء، لن ينفعك ذلك، ولن ينقذك من القضاء والقدر.. إذن فما الحل؟ الحل: رضينا وسلمنا «أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة». من أعنف الأيام في حياتي، ومن افضع الأوقات في عمري: تلك الساعة التي اخبرني فيها الطبيب المختص ببتر يد اخي محمد - رحمه الله - من الكتف، ونزل الخبر على سمعي كالقذيفة، وغالبت نفسي، وثابت روحي الى قول المولى: «ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يَهْد قلبهُ»، وقوله «وبشر الصابرين، الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون». كانت هذه الآيات بردا وسلاما وروحا وريحانا.

لا راعك الله في دنيا نهايتها

فرقى تحل وسكنى اضيق الحفر

وأحسنَ الله أجرا كنت تطلبه

فقد أتاك على صغر من العمر

وليس لنا من حيلة فنحتال، إنما الحيلة في الإيمان والتسليم فحسب، «أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون» ، «والله غالب على أمره»، «وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون». إن الخنساء النخعية تُخْبَر في لحظة واحدة بقتل أربعة أبناء لها في سبيل الله بالقادسية، فما كان منها إلا أن حمدت ربها، وشكرت مولاها على حسن الصنيع، ولطف الاختيار، وحلول القضاء، لأن هناك معينا من الإيمان، ورافدا من اليقين لا ينقطع، فمثلها تشكر وتُؤجَر وتسعد في الدنيا والآخرة، وإذا لم تفعل فما هو البديل؟! التسخط والتضجر والاعتراض والرفض،ثم خسارة الدنيا والآخرة! « فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط». إن بلسم المصائب وعلاج الأزمات، قولنا: إنا لله وإنا إليه راجعون.
5
790

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

][أم شــوق][
][أم شــوق][
جزاك الله خير


مشكوره
zina
zina
جزاك الله كل خير :27:
المرهفه
المرهفه
جزاك الله خيرا................:26:
عيون احمد
عيون احمد
حياك الله أختي هيو بارك الله فيك على نقلك الموفق جزاك الله خيرا :26: