السمنة .. سببها «ميكروبات صديقة»

علاج السمنة والنحافة

[السمنة .. سببها «ميكروبات صديقة»

الصراع بين فصائل البكتيريا داخل أمعاء الإنسان يلعب دورا في حدوثها





الرياض: د. حسن محمد صندقجي
يقول العلماء من الولايات المتحدة، بأن وزن الجسم ليس بالضرورة نتاج لكمية ما نتناوله من الطعام، بل إن السمنة قد تكون ذنب «آخرين» يعيشون في داخلنا ويتسببون بإصابتنا بها. وهم بالطبع لا يعنون أن ثمة أرواحاً شريرة تسكن في أجسامنا وتُصيبنا بالسمنة، بل يقولون إنها ليست سوى ما نستضيفه بشكل دائم من ميكروبات صديقة في أمعائنا! وقالت مارغريت ماك فالنغاي، بروفيسورة علم الميكروبات الطبي والمناعة في جامعة ويسكنسون بمادسون في الولايات المتحدة، إنه طالما احتار الناس في سبب قابلية البعض للسمنة وعدم قابلية الآخرين لها. وتعتبر دراسة العلاقة بين صحة الإنسان والبكتيريا الصديقة في أمعائه هي اختراق علمي يفتح آفاقاً لطرق جديدة في النظر الى السمنة ووسائل معالجتها.
* إكرام الضيف خير وكان الباحثون من جامعة واشنطن، في سانت لويس بولاية ميسوري الأميركية، قد قدموا، من خلال دراستين حديثتين، سبباً لنشوء السمنة لدى البعض وهو بكتيريا الأمعاء الصديقة، إذْ قالوا بأن قدرات البعض من فصائلها على تحليل الأطعمة التي نتناولها وهضمها بشكل أكبر من ذلك الذي تقوم به آليات الهضم في الجهاز الهضمي، يجعل من السهل عليها استهلاك كميات من طاقة الطعام الذي نتناوله. الأمر الذي يُقلل من قدرات الأمعاء على امتصاص ما في الطعام من عناصر غذائية وطاقة السعرات الحرارية (كالوري). بمعنى أن هذه الفصائل من البكتيريا الصديقة تعمل عملاً شبيهاً بالديدان التي قد تستوطن الأمعاء. لكن ما يبدو حتى الآن من الدراستين الحديثتين هو أنها لا تُؤدي الى حالات سوء التغذية والأمراض الناجمة عن نقص تزويد الجسم بالفيتامينات والمعادن كفقر الدم أو غيره، بل تشارك الإنسان فقط في استهلاك طعامه، وتقلل بالتالي من احتمالات الزيادة في وزن الجسم.

وكشف الباحثون النقاب عن أن اختلاف النسبة في مستويات أعداد نوعين من فصائل البكتيريا الصديقة في الأمعاء هو ما يلعب دوراً مهماً في تحلل مكونات الأطعمة. وبمقدار ما يقل هذا التحلل في عناصر الغذاء تزداد احتمالات الإصابة بالسمنة. وهو ما أثبتوه عبر اختلاف واضح في عمل بكتيريا الأمعاء الصديقة لدى الناس السمينين عما هو الحال لدى الناس النحيفين، وكذلك بين حيوانات التجارب السمينة والنحيلة في المختبرات. الأمر الذي يرونه يُعلل سمنة البعض أو الحفاظ على معدل طبيعي للوزن لدى البعض الآخر، بالرغم من تناولهم نفس كمية الوجبات الغذائية وأنواع محتوياتها.

وقال الدكتور جيفري غوردن، الباحث الرئيس في الدراستين، إن مما يجب اعتباره عند النظر الى عناصر تنظيم توازن كميات الطاقة في أجسامنا، هو تركيبة مجموعات البكتيريا في أمعائنا. لأنها قد تكون سبباً في نشوء السمنة. وأضاف ان ثمة شيئا مروعا جدا في العلاقة بين ما يحتويه جسم إنسان ما من الشحم وبين بنية التركيبة لمجتمعات البكتيريا المستوطنة بشكل طبيعي في أمعائه.

ويرى كثير من المراقبين الطبيين أن نتائج هذين البحثين، المنشورة في عدد 21 ديسمبر الحالي من مجلة نيتشر العلمية، قد تقود الى فهم أفضل لأسباب إصابة البعض بالسمنة. وما قد يكون وسيلة محتملة لوقايتهم أو علاجهم منها عبر وضع استراتيجيات علاجية بالتحكم في تعداد أنواع من البكتيريا الصديقة دون أخرى. ذلك أن إتاحة الفرصة لفصيلة دون أخرى من البكتيريا الصديقة، التي نستضيفها لتسكن أمعاءنا وتقوم بأدوار حيوية في سلامة أجسامنا، لمشاركتنا في وجبات الطعام يخفف عنا عبء امتصاص ما فيها من طاقة غذائية، وبالتالي يُقلل من فرص الإصابة بالسمنة.

* صراع الفصائل ويقول باحثو جامعة واشنطن إن من بينها فصيلتا بكتيريا باكتيروديتيس Bacteroidetes وبكتيريا فيرميسيوتيس Firmicutes. وهما أهم الفصائل المسيطرة على مجريات الأحداث في تلك المجتمعات البكتيرية، حيث تمثلان 90% من التعداد الكلي لتريليونات البكتيريا المعوية الصديقة. وما وجده الباحثون هو أن تعداد كل منهما يختلف في أمعاء السمينين عما هو في أمعاء النحيلين من الناس. وتحديداً فإن السمينين من الفئران لديها تعداد أقل في بكتيريا باكتيروديتيس مقارنة بالنحيلين منها. ويقولون أيضاً إن ما يُميز بينهما في سلوك التعامل مع الطعام في الأمعاء هو إن فصيلة بكتيريا فيرميسيوتيس نشطة، وتقوم بتحليل الطعام وامتصاص طاقته بشكل أكبر مما تقوم به بكتيريا باكتيروديتيس الخاملة نسبياً في هذا المضمار.

وتابع الباحثون 12 شخصاً سميناً ممن يُراجعون عيادة خفض وزن الجسم في جامعة واشنطن. وقاموا بقياس نسبة تعداد نوعي فصائل البكتيريا في أمعائهم حينما اتبعوا أحد نوعي حميات خفض الوزن، إما قليلة الكربوهيدرات أو قليلة الدهون، لمدة عام كامل. ولاحظ الباحثون أنه كلما نقص وزن جسم أحدهم، كلما ارتفع تعداد سكان أمعائه من بكتيريا باكتيروديتيس. ما يعني أن كمية شحم الجسم تُؤثر على استحكام سيطرة وجود أحد أنواع فصائل البكتيريا في الأمعاء. وكما قال الدكتور غوردن تحديداً إن درجة الارتفاع في تعداد بكتيريا باكتيروديتيس كانت متناسبةً مع درجة انخفاض وزن الجسم.

وتقدم الباحثون بالدراسة حينما اختبروا دور البكتيريا في حصول السمنة. وذلك حينما أخذوا نوعي تلك البكتيريا من أمعاء فئران سمينة ومن فئران نحيلة. ثم نقلوها الى فئران تمت تنشئتها بطريقة لا توجد البكتيريا في أمعائها بالأصل، أي فئران ذات أمعاء نظيفة من البكتيريا. وتبين لهم أمر في غاية الأهمية والغرابة، وهو أن الفئران النظيفة ذات الوزن الطبيعي تحولت الى فئران سمينة، وزاد وزنها الى الضعف، بمجرد إعطائها بكتيريا من أمعاء فئران سمينة. هذا بالمقارنة مع وزن الفئران النظيفة، الخالية بالأصل من البكتيريا، والتي تم إعطاؤها بكتيريا من أمعاء فئران نحيلة!. ما يعني أن وجود بكتيريا أمعاء الفئران السمينة رفع من وزن جسم الفئران البكر.

وقال الدكتور غوردن إن ثمة أمورا نحاول كشف حقيقتها، وأهمها علاقة كمية شحم الجسم بالأنواع المختلفة من بكتيريا الأمعاء الصديقة. ولا يزال الغموض يكتنف جوانب العلاقة الدقيقة بين توازن تعداد أنواع من فصائل البكتيريا الصديقة في الأمعاء مع زيادة وزن الجسم أو انخفاضه. وعلى سبيل المثال لا يعلم العلماء حتى اليوم هل ان اختلال التوازن البكتيري بتغير وزن الجسم وكمية الشحم فيه هو نتيجة صراع بين الفصائل البكتيرية أم أن جهد الإنسان في خفض وزنه يُحدث تغيراً في المعادلة السكانية لبكتيريا الأمعاء. إضافة الى معرفة ماهية تأثير وجود تعداد منخفض منذ البداية أصلاً لأي من باكتيروديتيس أو فيرميسيوتيس لدى إنسان ما في عُرضة إصابته بالسمنة أو احتفاظه بمعدل طبيعي للوزن.

* تدخل وعواقب وكانت دراسات أنواع البكتيريا في الجسم المعتمدة على استخدام تقنيات تحديد الجينات قد بينت أن ثمة أكثر من 4000 نوع من البكتيريا تعيش في أمعاء الواحد منا. وأن هناك مزيجا من العوامل التي تقوم بالحفاظ على توازن ثابت فيما بين أنواع فصائلها طوال الوقت.

لكن حتى اليوم، وبالرغم من كل الأبحاث، فإن الغموض لا يزال يكتنف ذلك التنوع في بكتيريا القولون لدى الإنسان، على حد قول الدكتور مارتن بليزر رئيس قسم الطب الباطني في كلية الطب بجامعة نيويورك. مما يجعل من الصعب على الباحثين فهم دورها بشكل دقيق وكذلك أسباب وجودها في الأمعاء أصلاً. لكن المُؤكد أن تريليونات من البكتيريا تعيش في داخل الأمعاء كسلالات مختلفة الأنواع، تتكاثر وتتغذى. وما يتحدث الباحثون عنه منذ سنوات هو أنها تلعب أدواراً مهمة في أشياء كثيرة تحصل في الجسم، بل تتأثر وتُؤثر حتى على الأدوية التي يتناولها الإنسان. وما يعتقده بعض الباحثين هو أن توازناً وسلاماً كان في السابق، خلال ملايين السنين، بين البكتيريا عموماً وبين الإنسان. وحتى بعد ظهور المشاكل بين الإنسان وبين البكتيريا، لأسباب شتى، فإن قسماً منها التزم جانب المصالحة مع الإنسان. لكن الدراسة الجديدة تشير بطريقة خفية الى أن ثمة صراعات بين البكتيريا نفسها، وهي صراعات متى ما تدخل الإنسان فيها فإنها ربما تضره هو نفسه، على هيئة ظهور السمنة مثلاً.

ويقول الدكتور بليزر إن وباء السمنة العالمي في الآونة الأخيرة هو ربما نتيجة لتغيرات طالت سلوك البكتيريا التي تعيش في داخلنا. وأضاف بالقول إنني أعتقد بأن ثمة تغيرات في سلوكيات البكتيريا نتيجة لأساليب ظهرت في الحياة المعاصرة، مثل المضادات الحيوية. ما يعني أنها أدت الى اختلال في توازن نسب تعداد أنواع من الفصائل دون أخرى وبالتالي اختلال في سلوكياتها المؤثرة على الجسم، والسمنة أحد الأمثلة المحتملة لذلك.

* المضادات الحيوية تبيد البكتيريا الصديقة في الأمعاء > يحتوي الجهاز الهضمي في الإنسان على أعداد هائلة من البكتيريا، ما بين طبيعية صديقة ومرضية دخيلة. وغالبها يعيش في الأمعاء الغليظة (القولون) بدرجة تفوق بمراحل تلك التي توجد في المعدة أو الأمعاء الدقيقة. وهي إما في داخل مجرى الأمعاء أو ملتصقة بجدرانها، لكنها لا تخرقها.

وثمة ما يُقال عنه علميا الدائرة المعوية الكبدية، في إشارة الى حلقة مكونة من الأمعاء والكبد، حيث تأتي المواد من الكبد عبر السائل المراري لتصب في الأمعاء. ثم تسير فيها الى أن تصل الى الأجزاء النهائية في الأمعاء الدقيقة. ثم تمتصها الأمعاء لتدخلها الى الأوردة التي تصب في الكبد.

وأهمية الدائرة المعوية الكبدية تتجلى في عناصر حيوية، يُؤدي اختلالها الى أعراض اضطرابات وظيفية في الجسم، كما يطال ذلك تعامل الجسم مع الأدوية التي يتناولها الإنسان ونسبتها في الدم، وبالتالي قوة تأثيرها على الجسم.

ومن أمثلة ذلك الصابغات المرارية التي يفرزها الكبد ثم تمتصها الأمعاء لتعيدها اليه كي يُعيد إفرازها. ولو اختلت هذه الدائرة لظهرت أعراض الإسهال ولاختل امتصاص الدهون، والأهم امتصاص الفيتامينات الدهنية، كفيتامينات إيه وكي وإي ودال. وكلها فيتامينات حيوية ضرورية للجسم. ما تقوم البكتيريا الصديقة به هنا هو أنها تفرز أنزيمات تعمل على تسهيل تهيئة شكل الصابغات المرارية لإعادة امتصاص الأمعاء لها. وهناك جملة من الأدوية التي تخضع لمجريات الدائرة المعوية الكبدية ودور البكتيريا الصديقة في إتمامها، مثل حبوب منع الحمل أو غيرها.

كما أن البكتيريا الصديقة مهمة في عمليات هضم الألياف، بل في إنتاج بعض من الفيتامينات المهمة للجسم جداً. مثل فيتامين كي، الذي نقصه يزيد من احتمالات النزيف الدموي. وفيتامين بي ـ 12 المهم للجهاز العصبي ولإنتاج كريات دم حمراء سليمة. وفيتامين الفوليت الذي لا تُعد ولا تُحصى أهميته للإنسان في كافة مراحل عمره، خاصة السيدات الحوامل والأطفال وغيرهم. وفيتامين ثيامين الذي يتضرر لدى متناولي الكحول ويُؤثر نقصه على جهازهم العصبي بشكل بالغ. ولذا حينما يتناول الإنسان أحد المضادات الحيوية فإن عليه أن يضع في اعتباره أنه سيُخل بوجود البكتيريا الصديقة، وسيُخل بالعمليات الطبيعية التي تقوم بها. من هنا حرص الأطباء على عدم الإسراف في استهلاك المضادات الحيوية ومتابعة من يتناولون أدوية مهمة وتأثيراتها في الجسم أثناء تناول المضادات الحيوية. ولعل أبسط الأمثلة حمل بعض السيدات عند تناول بعض من المضادات الحيوية بالرغم من تناولهن حبوب منع الحمل.

هذا بالإضافة الى أن إبادة البكتيريا الصديقة يُخل بدورها الطبيعي في الدفاع عن الإنسان من تكاثر نمو البكتيريا المرضية في أمعائه أو الفطريات. وأبسطها هو بكتيريا سالمونيلا. حيث ان وجود البكتيريا الصديقة بكميات طبيعية يقي من الإصابة بها، بل تتطلب الإصابة بها آنذاك كميات عالية من السالمونيلا. لكن لو تناول الإنسان مضادات حيوية قوية وأخل بوجود البكتيريا الصديقة فإنه تسهل الإصابة بالسالمونيلا.
4
583

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

&تفاحة خضراء&
&تفاحة خضراء&
مشكوووورة وتسلمين على الموضوع المفيد بصراااحه
مرام200
مرام200
&تفاحة خضراء&
مشكوره على مرورك
ليمونة صفرة
ليمونة صفرة
مشكوووورة وتسلمين على الموضوع المفيد بصراااحه
مشكوووورة وتسلمين على الموضوع المفيد بصراااحه
:)
مرام200
مرام200
حياك الله ياليمونة صفره