القرامطة وسرقة الحجر الأسود

الملتقى العام

كان في عهد المعتضد رجل يدعى أبو سعيد الحسن بن بهران الجنابي في البحرين والأحساء دعا أهلهما إلى مذهب السبعية _ الذي نسميه نحن الباطنية _ فأضلهم وقوي أمره ولما استحكم شأنه هناك أخذيقطع الطرق ويغير على النواحي والأطراف وأظهر الإباحة علنا واستمر على هذا المنوالشطرا من الزمن إلى أن اغتاله أحد الخدم وتولى بعد أبي سعيد ابن له كان يكنى بأبيطاهر الذي أخذ نفسه بالصلاح حينا وكان يعرف شيئا من مقالة السبعية.
أرسل أبوطاهر فدعا كل من كان في البحرين والأحساء من الشباب وعشاق السلاح هلموا إلي فإن ليبكم حاجة وكان ذلك قبيل موسم الحج فتجمع حوله خلق لا يحصون عدا فمضى بهم إلى مكةووصل في وقت أداء الفريضة وقد كان الحجيج محرمين فأمر رجاله أن اشرعوا سيوفكمواقتلوا كل من تصادفونه وأطلقوا أيديكم بالمكيين والمجاورين واستلوا علي سيوفهموأعملوها في الناس قتلا فلما رأت الخلائق هذا فزعت إلى داخل الحرم ووضعت المصاحفأمامها أما المكيون فهرعوا إلى السلاح وتأزر كل من كان لديه سلاح به ومضى إلى ساحةالوغى فلما رأى أبو طاهر الأمر على هذه الحال أخرج إلى وسط ساحة القتال رسولا يقوللقد جئنا للحج لا للقتال وكان الذنب ذنبكم إذ أفسدتم علينا إحرامنا وقتلتم واحدامنا دون ذنب فاضطررتمونا إلى حمل السلاح وإذا ما ذاع في العالم أن المكيين يتأبطونالأسلحة ويعبثون في الحجيج قتلا فسيعزف الناس عن الحج وتؤصد طريقه وتسوء سمعتكم لاتفسدوا علينا حجنا بل دعونا نؤدي الفريضة وخيل للمكيين صدق قوله ولم يستبعدوا أنأحدا قد تحرش بهم فشهر سلاحه عليهم وقتل واحدا منهم _ وهذا من جهلهم وعدم معرفتهمبأحوال تلك الفرقة الخبيثة _ واتفقوا على أن يعيد الجانبان السيوف إلى أغمادهاوأقسما بالقرآن الكريم يمينا لا رجعة فيها بأن لا يعودا إلى القتال ثانية وأنيتراجع المكيون ويعيدوا المصاحف إلى أمكنتها في الحرم حتى يتمكن الجانبان من زيارةالكعبة وتأدية مناسك الحج وأقسم المسلمون من المكيين والحجاج كما أقسم أبو طاهرورجاله وفق إرادتهم ثم تراجعوا وألقوا السلاح وعاد المكيون ثم أعادوا المصاحف إلىأماكنها _ كل ذلك ودار الخلافة في عالم آخر _ واستأنف الحجيج تأدية مناسكهم وطوافهم .
سرقة الحجر الأسود ولما رأى أبو طاهر أن حملة السلاح قد تفرقوا أمر أعوانه أن هبوا إلى السلاحواندفعوا إلى الحرم واقتلوا كل من تلقونه في داخله وخارجه فاندفعوا بسيوفهم ورماحهمإلى الحرم بغتة وأخذوا يقتلون كل من يجدونه في طريقهم إلى أن قتلوا المجاورين جميعاوخلقا كثيرين غيرهم وجعل الناس يلقون بأنفسهم في الآبار ويفرون إلى رؤوس الجبالخوفا من السيف فما شعروا إلا بالقرمطي قد خرج عليهم في جماعته يوم التروية فانتهبأموالهم واستباح قتالهم فقتل الناس في رحاب مكة وشعابها حتى في المسجد الحرام وفيجوف الكعبة، وجلس أميرهم أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي - لعنه الله - علىباب الكعبة، والرجال تصرع حوله في المسجد الحرام في الشهر الحرام ثم في يومالتروية، الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول:
نقلا عن الاخ كاشت جزاه اللهخير
أنــا باللـه وباللـه أنـا
يخــلق الخــلق وأفنيهــم أنـا
فكانالناس يفرون فيتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئا، بل يقتلون وهم كذلك،ويطوفون فيقتلون في الطواف، وقد كان بعض أهل الحديث يومئذ يطوف، فلما قضى طوافهأخذته السيوف، فلما وجب أنشد وهو كذلك:
تـرى المحـبين صـرعى في ديارهم
كفتيـة الكـهف لا يـدرون كـم لبثوا
ثم أمر القرمطي - لعنه الله - أن تدفنالقتلى ببئر زمزم، ودفن كثيرا منهم في أماكنهم وحتى في المسجد الحرام - ويا حبذاتلك القتلة وتلك الضجعة - ولم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصل عليهم؛ لأنهم شهداء في نفسالأمر، بل من خيار الشهداء، وهدم قبة زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها،وشققها بين أصحابه، وأمر رجلا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فأراد أن يقتلعه، فسقط علىأم رأسه فمات لعنه الله وصار إلى أمه الهاوية، فانكف اللعين عند ذلك عن الميزاب، ثمأمر بأن يقلع الحجر الأسود، وجاءه رجل فضرب الحجر بمثقل في يده وقال: أين الطيرالأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود، شرفه الله وكرمه وعظمه،وأخذوه معهم حين راحوا إلى بلادهم، فكان عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردوه في سنةتسع وثلاثين وثلاثمائة. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
و كان من جملة من قُتل ذلكالعام التابعيّ الجليل عبدالرحمن بن عبداللـه بن الزبير، وقد سبى ما يقارب الثلاثينألفاً من النساء والغلمان .ولما رجع القرمطي إلى بلاده، تبعه أمير مكة هو وأهل بيتهوجنده وسأله وتشفع إليه في أن يرد الحجر ليوضع في مكانه، وبذل له جميع ما عنده منالأموال، فلم يفعل - لعنه الله - فقاتله أمير مكة فقتله القرمطي وقتل أكثر أهلهوجنده، واستمر ذاهبا إلى بلاده ومعه الحجر الأسود وأموال الحجيج.
وروى إبنالأثير عن بعضهم أنه قال: كنت في المسجد الحرام يوم اقتلع الحجر الأسود إذ دخل رجلوهو سكران راكب على فرسه، فصفر لها حتى بالت في المسجد الحرام في مكان الطواف، ثمحمل على رجل كان إلى جانبي فقتله ثم نادى بأعلى صوته: يا حمير، أليس قلتم في بيتكمهذا وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا فأين الأمن؟ قال: فقلت له: أتسمع جوابا؟ قال: نعم. قلت: إنما أراد الله: فأمنوه. قال: فثنى رأس فرسه وانصرف.
وكان أبو طاهرعليه اللعنة قد ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره ثم اقتلعه بعد صلاة العصر من يومالاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة ،وأقام بمكة أحد عشر يوما ثم انصرف إلىبلده هجر ( البحرين والمنطقة الشرقية للسعودية الآن) وحمله معه وبقي الحجر الأسودعندهم أكثر من عشرين سنة واحتفظ القرامطة بالحجر الأسود بعد أن بنو له كعبة جديدةفي دولتهم طوال 22 سنة . وبقى مكان الحجر خالياً يلتمس الحجاج والمعتمرين فجوتهبأيديهم وهم يبكون ويتوسلون إلى الله أن يعيد لهم الركن إلى مكانه .هلك أبو طاهرالقرمطي سنة 332هـ .ومع هلاك سليمان القرمطيّ عام 331هـ وانقسام الحكم بين أبنائه،خفّت قوّة القرامطة وتهديدهم لدولة الإسلام، واقتصرت أعمالهم على قطع الطريق وبعضالهجمات الخفيفة لتأمين مصدرٍ لعيشهم. وقد كان الزمن كفيلاً بزيادة ضعفهم وحاجتهمإلى المال، فما أتى عام 339هـ حتّى استبدلوا الحجر الأسود بخمسين ألف دينار أعطاهمإيّاها الخليفة المطيع، وذلك إن دلّنا على شيء فإنّما يدلّنا على مقدار ضعفهموحاجتهم. وقد تكفل اللـه سبحانه وتعالى أمر تلك الطائفة، وإن كان قد أمهلها بعضالوقت، فقضى عليهم ومحى ذكرهم وجعلهم عبرة لمن يعتبر، ولم يبقَ في أيّامنا هذه إلاّبقايا لهم في تلك الديار.
عودة الحجر الأسود :
فوجيء المسلمون في يوم النحر ( عيد الأضحى ) الموافق ليوم الثلاثاء منسنة 339هـ بزعيم القرامطة سنبر بن الحسن القرمطي يوافي مكة بالحجر الأسود ـ قيل أنالحجر الأسود عاد على ظهر قعود ضعيف فسمن ! ـ فأظهره بفناء الكعبة ومعه أمير مكة . وكان على الحجر ضبات فضة قد عملت عليه من طوله وعرضه ، تضبط شقوقاً حدثت عليه بعدقلعه ، وأحضر معه جصاً يشد به ، فوضع سنبر القرمطي الحجر بيده ، وشد الصانع بالجص ،وقال سنبر لما رده " أخذناه بقدرة الله ، ورددناه بمشيئة الله " ونظر الناس إلىالحجر الأسود فتبينوه وقبلوه وحمدوا الله تعالى . ويقال أن القرامطة حاولوا غشالمسلمين فيه ، فجاءوا بحجر مماثل له ، إلا أن المفاجأة كانت لهم حين قبل رئيس وفدمكة اختبار مادة أصل الحجر . وطلب إحضار ماء لكون الحجر الأسود يطفو على الماء وهوليس كبقية الحجار المعروفة ، مما جعل رئيسهم يظهر تعجبه البالغ وهو يردد " هذا دينمضبوط " ! .
أسئلة فقهية هامه حول هذة الواقعةومقارنتها بجادثة الفيل
لماذا لم يحمي الله بيته الحراممنالقرامطهكما حماة من جيش أبرهة الحبشي؟
وقد سأل بعضهم هاهنا سؤالا فقال: قد أحل الله عز وجل بأصحاب الفيل - وكانوا نصارى وهؤلاء شر منهم - ما ذكره في كتابه العزيز حيث يقول: أَلَمْ تَرَكَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِيتَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْسِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ومعلوم أن القرامطة شر من اليهودوالنصارى والمجوس، بل ومن عبدة الأصنام، فهل عوجلوا بالعقوبة كما عوجل أصحاب الفيل؟وقد أجيب عن ذلك بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهارا لشرف البيت الحرام، ولما يرادبه من التشريف والتعظيم بإرسال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من البلد الذي كانهذ البيت فيه؛ ليعلم شرف هذا الرسول الكريم الذي هو خاتم الأنبياء، فلما أراد هؤلاءإهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها عما قريب أهلكهم سريعا عاجلا غير آجل، كما ذكرفي كتابه، وأما هؤلاء فكان من أمرهم ما كان بعد تقرير الشرائع وتمهيد القواعد،والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة والكعبة، وكل مؤمن يعلم أن هؤلاء من أكبرالملحدين الكافرين؛ بما تبين من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،فلهذا لم يحتج الحال إلى معالجتهم بالعقوبة، بل أخرهم الرب جل جلاله ليوم تشخص فيهالأبصار، والله سبحانه وتعالى يمهل ويملي ويستدرج، ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، كما قالرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأوَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُأَلِيمٌ شَدِيدٌ
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحد أصبر على أذى سمعهمن الله؛ إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم وقال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّاللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍتَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ وقال تعالى: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَكَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَالْمِهَادُ وقال تعالى: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍغَلِيظٍ وقال: مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّنُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ

المصادر
الملل والنحل، الشهرستاني، جزء 1.
الفرق بين الفرق، صدر الإسلامعبدالقاهر الإسفرائيني. الفصل بين الملل والأهواء والنحل، إبن حزم الظاهري، جزء 2u
التاريخ الإسلامي، محمود شاكر، جزء 5 و6.
تاريخ الإسلام، الذهبي، حوادث عام 281 حتّى 320.
موقع التاريخ وموقع مُفكرة
5
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ما بقى لي اسم
ما بقى لي اسم
الله يجزاك خير والحجر الاسود الان منقسم الى ثمان قطع تمسكها مادة صمغية سبحان الله قتل عبدالله بن الزبير مدافعا عن الحرم بيد الحجاج الثقفي وقتل ولده عبدالرحمن مدافعا عن الحرم من قبل القرامطة
جروح هالزمن
جروح هالزمن
الله يجزاك كل خير
hunah
hunah
يعني القرامطه شيعه؟
لان في قناة صفا او وصال مااتذكر كان الموضوع عن الشيعه
بعدين الشيخ ذكر هذي القصه
ام حسام وبسام
ام حسام وبسام
جزاك الله خير اول مره اعرف
بوتيك مودرن
بوتيك مودرن
لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ