خطبتى الجمعة -البركــة

ملتقى الإيمان




خطبتى صلاة الجمعة بعنوان / البركــــــــة
للعضو فضيلة الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى

أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لعدانيينووو و لتجمع الجروبات الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
=============================================================================
الخطبة الأولى

الحمد لله الجواد الكريم ، الغفور الشكور الحليم ، أسبغ على عباده النعم ،
و دفع عنهم شدائد النقم ، و هو البر الرحيم ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل العظيم ، و الخير العميم ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدا عبده و رسوله ، الحبيب المصطفى الكريم ،
صلى الله عليه و على آله و أصحابه إلى يوم الدين و سلم تسليما .
أما بعد :
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ و نفسي بتقوى الله عز و جل ، فاتَّقوا الله رحمكم الله ،
و لا يغرنَّكم سهلُ الدنيا ، فبعد السهلِ حُزون ،
و الفرِحُ فيها محزون ، و الحُزن فيها غير مَأمون ،
ما ضحِكت فيها نفوس إلا و بَكَت عيون ، هي داء المَنون ، من ركَن إليها فهو المغبون ،
لم يهتمَّ بالخلاص إلا أهلُ التقى و الإخلاص ، أيّامهم بالصلاح زاهرة ،
و أعينُهم في الدُّجى ساهرة ،
في نفوس طاهرة ، و قلوبٍ بخشية الله عامرة ، يعملون للدنيا و الآخرة .

أيّها المسلمون ، حقٌّ على كلِّ مسلم و متبصِّرٍ أن يقفَ موقفَ تأمُّل و تدبّر و نظرٍ و تفكّر ،
لقد فتح الله على أهلِ هذا العصر ما فتح من نِعَم لا تحصى ، لم يعرِفها السابقون ،
و لم ينعَم بها الأسلاف ، في العلم و التعليم و الإعلام و التواصُل و الطبّ و العلاج ،
في الكسبِ و الاحتراف و المالِ و الاقتصاد و النّقل والمواصلاتِ و التجارَةِ و الصناعة
و الزراعةِ و اللباس و الزينةِ ، في كلِّ ميادين الحياة و شؤونها ، تطوّرٌ عظيم واسع ،
غيَّر ظروفَ الناسِ و أحوالهم، مكَّن الله لهم في الأرض ما لم يمكِّن لمن قبلهم ،
فتح الله الأسواقَ و الأرزاق و تبادُلَ المنافع بين أهل الدنيا و أرجاءِ المعمورة .

إنَّ المسلمَ ذا القلب الحيِّ و العاقلَ المتبصِّر ممن يلقي السمعَ و هو شهيد ليتساءَل :
أين البرَكة ؟ ! أين الطّمأنينةُ ؟ !
أين الحياةُ الطيِّبة الموعود عليها
في مثل قوله سبحانه :
(( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))
؟!

العلومُ و المختَرَعات و المكتشَفَات و المنجَزَات و المصنوعَاتُ و المنتجَات
مهما امتدَّ رواقها و اتَّسع ميدانها هل تحقِّق بذاتها الطّمأنينَة ؟!
و هل تجلب سعادة ؟! و هل يتنزَّل بها برَكة ؟!
العصرُ عصرُ عِلم و عصر سرعَة و عصر تِقنيّة ، و لكن هل هو عصر فضيلةٍ ؟!
هل هو عصر طمأنينة ؟! هل هو عصر بركة ؟!

كم من أمّةٍ قويّة غنيّة ، و لكنها تعيش في شِقوَةٍ ، مهدَّدَة في أمنها ، تخشَى تقطُّع أوصالها ،
يسودها قلَقٌ ، يهدِّدها انحلال ، قوّةٌ في خوف ، و مَتاع بلا رضا ، و وَفرةٌ من غير صلاح ،
و حاضِر نضِر و مستقبَل مظلِم ، بل لعلَّه ابتلاء يعقبُه نكال .

أيّها الإخوة الأحِبّة ، كلُّ هذه التأمّلات تدعو إلى التساؤل :
ما هي البركةُ ؟ و أين البركة ؟ و أين الحياةُ الطيّبة و العيشة الهنيّة ؟
حيث يقول الله عزّ و جلّ في محكم تنزيله :
(( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ))
.

عبادَ الله ، البركة هي النّماء و الزِّيادة و السعادة و الكثرةُ في كلِّ خير ،
و برَكاتُ ربِّنا كثرةُ خيره و إحسانِه إلى خلقه وسَعَة رحمته .
و البركةُ فيوض الخيرِ الإلَهيّ و ثبوته و دوامُه ،
قال أهل العلم : و لما كان فضل الله لا يُحصَى و لا يحصَر
و يأتي للإنسان من حيث لا يحسّ و لا يحتسِب
قيل لكلِّ ما يشاهَد منه زيادةٌ غير محسوسَةٍ : هو مبارك و فيه بركة .
فالخير كلُّه من الله و إليه و بيدَيه ، فربّنا سبحانه له كلُّ كمال ، و منه كلُّ خير ،
و له الحمد كلّه ، و له الثناء كله ، تبارك اسمُه ، و تباركت أوصافُه ،
و تباركت فِعاله ، و تبارَكت ذاته ، فالبركة كلُّها منه و بيَدِه، لا يتعاظَمُه شيءٌ سُئلَه ،
و لا تنقصُ خزائنُه على كثرةِ عطائه و جزيلِ نَوَاله ،
أكُفُّ جميع العالم إليه ممتدَّة تطلُبُه و تسأله ،
(( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ))
،
(( يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ))
،
و يمينه ملأى ، لا يفيضُها نفَقة ، سحّاءَ الليل و النهار ،
عطاؤُه و خيرُه مبذول في الدنيا للأبرارِ و الفجار ،
فللَّهِ الحمد أولاً و آخرًا و ظاهرًا و باطنًا
على خيرِه الجزيل و فضله العميمِ و بركاته الدائمة و نِعَمه الوافرة الظاهرةِ و الباطنة ،
فتبارك سبحانَه بدوامِ جودِه و كثرة خَيره و مجدِه و عُلوِّ عظمَته و جلالِ قدسه .
الخيراتُ و النِّعم في الدنيا و الآخرة في القديمِ و الحديث كلُّها من فضله
في وجودِها و ثبوتها و دوامِها و كثرتها و بركتها ،
فله سبحانه و تعالى الحمد و المنة .
و ربُّنا سبحانه وضَع البركةَ في كثيرٍ من مخلوقاته ، فالماء طَهورٌ مبارك ،
و في السّحورِ بَركة ، و بيت الله مبارَك ، وطيبَةُ الطيِّبة مباركة ،
و المسجد الأقصَى باركَه الله و بارك ما حولَه ،
و القرآن أنزله ربُّنا كتابًا مباركًا في ليلةٍ مباركة ،
فكلُّ ما دلَّ الدليل على أنه مبارَك فقد وضَعَ الله فيه البرَكة ، و هو سببُها ،
ففيهَا الخير و النمَاء و الزيادة .
و المبارَك من الناس ـ كما يقول ابن القيّم رحمه الله ـ هو الذي يُنتَفَع به حيث حلَّ ،
(( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ))
.
بركاتٌ يضَعها الله في الأشياءِ و الأنفس و الأموال و البنين و الأهلِين
و الأحوال و الأزمنةِ و الأمكنة و العلومِ و المعارف و المشاعِرِ و الأعمال .
بركاتٌ في طيِّبات الحياةِ ، و بركاتٌ تنَمِّي الحياة و ترفَعُها ،
و ليست وفرةً مع شِقوةٍ و كثرةً مع تردٍّ و انحلال .

أيها المسلمون ، أمّا سبيل تحصيلِ البركةِ و حصولها فالإيمانُ و التقوى و الصلاحُ
و العَدل و الرّحمة و الإحسان ، و لقد قيل لآدم أبي البشَر من أوّل هبوطه إلى هذه الدنيا :
(( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى *
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ))
،
و قال عن أبي البَشَر الثاني نوحٍ عليه السلام :
(( قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ))
.
الإيمانُ و التَّقوى و اتّباعُ الهدَى هو الطريق إلى بركاتِ السماء و الأرض
و استدرارِ الأرزاق و الخيرات ، وعدٌ من الله حق ، و من أوفى بعهده من الله ؟!
عبادَ الله ، بالصّلاح و الهدَى يفتح الله بركاتِ السّماء و الأرض ،
و يأكل الناس من فوقِهم و من تحت أرجلهم ، في فَيضٍ غامِر و مَدَد لا ينقطع .
إنَّ المؤمنَ بالله و اليوم الآخرِ لا يخاطر بدنياه ليربَح آخرتَه ، كلا ،
إنّه بإيمانه يربَح الحياتين و يفوز بالحُسنَيَينِ ،
(( مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))
،

10
719

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بنت اجاء
بنت اجاء
مشكوره على النقل
والله يكثر من امثالك
ام سعيد2010
ام سعيد2010
جزاكي الله الف خير
الامــيــرة01
الامــيــرة01
جزآكم الله كَل خيرَ
وجعلكم الله من عباده الذين لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

ومشكورين على المرور
تاتووو
تاتووو
جزيتي خيرا
تقوى ودمعه
تقوى ودمعه
جزاكى الله الفردوس الاعلى