.................................................. ..
انهم يحرقونها........
قال القائد بألم شديد وهو ينظر هناك بعيدا من خلال المنظار المكبر
ترك المنظار وجلس مستندا الى صخره وارتسم على وجهه الغضب ممزوجا بألم شديد
ردد ثانية : انهم يحرقونها....يحرقونها...
أحد المجاهدين : أصبحوا كالكلاب المسعوره منذ اختطفنا جنرالهم
القائد : سيدمرونها عن آخرها ان لم نتصرف بسرعه
يحرقونها أو يدمرونها ....انها لا تهمهم فى شئ
أحد المجاهدين : سوف يتوقفون قريبا ...
القائد بغضب : لا لن يتوقفوا الا عندما ترتوى نزعتهم الساديه لن أقف مكتوف الأيدى وأتركها تحترق
لن أتركهم يدمرونها
أبلغ كتيبة الأنصار بالإستعداد ...
ارتسمت فى عينيه نظره مرعبه وهو يكمل :
سيكون الرد مزلزلا
.................................................. ...........
مش فاااااهم ...قالها عمر بضجر شديد
مالى أنا ومال ايفان الرهيب والشيخ منصور ولا شامل ده كمان
تنهدت زهرة وفكرت قليلا ثم قالت : حسنا سأحاول أن أشرح لك بطريقه مختلفه
نحت الكتاب جانبا وأحضرت رقعة شطرنج رصت عليها القطع بطريقه معينه وعمر يراقبها باهتمام شديد وبعد قليل انضم اليهم مالك وأخذ يستمع لزهرة بشغف
زهرة : القطع البيضاء الكثيره تمثل روسيا ..والسوداء تمثل المقاومه الشيشانيه وهى على الرغم من قلتها العدديه أمام الأسلحه والإمكانيات الروسيه الا أنها لم تهدأ فى أى فتره من الفترات على مدار التاريخ
قدمت قطعه سوداء للأمام وهى تقول : الشيخ منصور أوشورما وحد العشائر الشيشانيه
(جمعت بيديها القطع السوداء كلها معا)
وأعلن الجهاد ضد الروس...لكنه هزم فى معركة نهر السونجا واعتقل ومات فى السجن عام 1793
(أسقطت القطعه السوداء ثم أزاحتها من الرقعه وقدمت قطعه أخرى)
ظهر الإمام شامل بعد ثلاثين عاما وأسس دوله اسلاميه فى الشيشان وداغستان
(رسمت دائره وهميه بإصبعها حول القطع السوداء)
لكنها لم تمتد طويلا
(أسقطت القطعه الثانيه وازاحتها خارج الرقعه)
وقبض عليه أيضا
عمر بدهشه : ومات فى السجن ؟؟
زهره بجديه : لا...بل أعدم ....عام 1859 وبعدها بخمس سنوات فقط ...قام الروس بقتل 4000 شيشانى فى منطقة سالى محاولين اخماد الإنتفاضه ...لكن الإنتفاضه لم تهدأ أبدا
وعندما ظهر الحاج أذن (قدمت قطعه جديده)لم تمض ثمانى سنوات حتى أعلن امارة شمال القوقاز
ولكن فى عام 1925 تم سحق الإنتفاضه وأعلنوا الحرب على الشيشان واتهموهم بالعصابات والإرهاب والتمرد
عمر بسخريه مريره : بقى كل ده وماكانوش لسه أعلنوا الحرب؟؟!!!
وفى 1944 قامت قوات ستالين بابعاد قرابة مليون مسلم من ست جنسيات مختلفه الى وسط آسيا وكان نصفهم من الشيشان وداغستان
عمر بدهشه شديده : ياااااااربنا!!! مليون!!ونقلوهم ازاى دول؟
تغيرت لهجة زهره وظهر الحزن عميقا فى صوتها :
كانوا يقومون بشحن المواطنين داخل عربات الشحن بالسكك الحديديه ....لم يرحموا المرضى ولا العجزه كبار السن تاركين خلفهم كل ما يملكون من متاع وأغراض وأراض لتكون غنيمه للمستوطنين الروس القادمين الى الشيشان
ليس هذا وحسب... لقد مات نصف عدد المبعدين فى الطريق من وباء التيفوس نتيجة الإزدحام الرهيب فى عربات الشحن ..كما مات آخرون فى معسكرات العمل فى كازاخستان
نظر عمر حوله فوجد العائله كلها قد التفت حول المائده تستمع لزهره وهى تحكى بأسلوبها الجذاب الشيق : وعاد الشيشانيون الى بلدهم عام 1957 ليجدوا أرضهم أصبحت ملكا لسكان جدد يشكلون ربع عدد سكان الشيشان .
تنهد عمر بعمق وهز رأسه غير مصدق : علشان كده بتحفظى التاريخ؟؟
زهرة : ليس هذا فقط ..أنا أريد أن أكون من حراس التاريخ
الروس يحاولون باستماته طمس تاريخنا ففى حرب القوقاز الأولى قاموا بإلقاء كل المخطوطات فى بحيرة (كازن ـ ام) لكن القائد شامل أمر كل كبار رجال العشائر بإعادة كتابة التاريخ وما حدث حتى يورث للأجيال ثم حاولوها ثانية أثناء حملة الإبعاد لكننا أنقذنا مخطوطاتنا بأعجوبه
ولن يكفوا عن ذلك ...سوف يعودون مرة بعد مره ..لهذا لابد أن نستعد لهم...لابد أن نحافظ على تاريخنا بأرواحنا فهو الكنز الثمين الذى نورثه لأبناءنا وأحفادنا من بعدنا.ولن ندعهم يسلبونه منهم
أسند عمر ظهره الى المقعد وهو يتأمل رقعة الشطرنج بتفكير :
رموا الكتب فى البحر ؟؟ دا الروس ولا التتار؟؟
ابتسمت زهرة وقالت : أظنك الآن قد بدأت تفهم
فى صباح يوم مشرق جميل خرج عمر الى الفناء على صوت مالك الشجى وهو يغنى أغنيه وهو يقطع الأخشاب
في ليلة مولد الذئب خرجنا إلي الدنـــــيا
وعند زئير الأسد في الصباح سمونا بأسمائــنا
وعندما شاهده مالك ..قطع أغنيته وحياه بحراره..اقترب منه عمر وقال : بتعمل ايه؟؟
مالك : أقطع الأخشاب واجهزها لأضعها فى المخزن للشتاء القادم
عمر : ليه يابنى كده ...انت غاوى شقا؟؟ ماانتوا عندكوا ولا 60 دفايه جوه ..اللى بالكهربا واللى بالغاز
مالك : اننا نفعل هذا كل عام .تحسبا لأى هجوم مباغت من الروس
عمر : يادى النيله.. أنا كان ايه اللى رمانى الرميه السوده دى
مالك : ان أول ما يضربونه هو شبكات الغاز والكهرباء والماء ليصيبوا الحياه فى البلد بالشلل ويتركونا نعانى من البرد ونقص الماء والكهرباء
عمر : ....همه عاوزين يعذبوكوا
مالك وعلى وجهه ابتسامه واسعه وبمنتهى الثقه :
لا................. بل يريدون افناءنا
لم يعلق عمر ...لكن أثر الصدمه ظهر على وجهه
مالك بمرح : هل تريد أن تجرب ؟
اقترب عمر منه وامسك بآلة تقطيع الأخشاب وحاول أن يقلد مالك لكنه لم يكن بمثل مهارته ..فأخفق مرتين
ضحك مالك بمرح وبدأ يعلمه كيف يقطع الأخشاب وقضيا وقت ممتع معا يحوطهما الود والمرح الذى كان يضفيه مالك بشخصيته المرحه اللذيذه
وبعد أن انتهيا ..إتجه مالك الى المخزن ليضع فيه الأخشاب ...أما عمر فقد جلس فى الفناء يتأمل الباب الخارجى ورأسه يمتلئ بأفكار كثيره
فى الأيام التاليه ...................
استقر الحال بعمر فى بيت خاله ولم تدخر العائله جهدا للإشعاره بأنه فى وطنه
كان الجميع يتعامل معه بلطف وحنان من أول السيده الطيبه زوجة محمد التى كانت تمرضه وترعاه ...ومالك الظريف الذى كان يحاول التخفيف عنه بكل وسيله.... الى زهره الرقيقه التى كانت تسأل عنه من وقت لآخر...حتى الصغير خالد ..كان يحبه
لكن عمر كان لديه شعور دائم بالغضب والتمرد تزداد حدته ويظهر جليا كلما رأى خاله محمد أو احتك به
دخل عمر حجرة المعيشه بخطوات ملوله بطيئه ..فوجد العائله كلها هناك..الأب والأم والصغيران يشاهدون التلفاز...مالك يجلس الى منضده فى أحد أركان الحجره يستذكر دروسه ..وزهره تجلس فى الركن الآخر تقرأ
اتجه عمر الى المنضده التى يجلس اليها مالك وجلس على مقعد أمامه
مالك : مرحبا عمر ...سأنهى دروسى وأخلو اليك حالا...كيف حال أنفك؟؟
عمر بغيظ : اسأل أبوك... ...ايه ده ؟؟
تصدق بالله ...أنا كلت علق بعدد شعر راسى...وانضربت كتير وقليل ...الا أبوك ..ده عليه ايد؟؟ مرزبه؟؟ شايلها ازاى ده ؟
يبتسم مالك بمرحه المعتاد : ان أبى مجاهد ...ويجيد فنون القتال
يزفر عمر بضيق وملل : اف ..ايه ده ...معندكوش هنا حاجه نتسلى بيها؟
مالك بمرح : اطلب أى شئ تريده
عمر بصوت خافت : معاك سيجاره ؟
مالك بدهشه : ماذا؟؟
عمر : سيجاره
مالك يبلع ريقه ويقول بصوت منخفض هو الآخر : لا...لا أحد هنا يدخن السجائر
عمر بتأفف : طب مافيش كوتشينه؟؟
مالك : ماذا قلت ؟؟...لا أظننى أستطيع فهم أغلب كلماتك
عمر بضيق : يابنى هو أنا بتكلم عبرى؟؟ كوتشينه يابنى ..كوتشينه...ورق ...ورق..
مالك يهز رأسه : نعم ...فهمت ..لا ...لا أحد هنا يلعب الورق
عمر : ...انتوا عايشين ازاى؟؟
مالك يبتسم : انتظر حتى أنهى ما فى يدى وسأجد ما يسلينا
يسند عمر مرفقه الى المنضده ويريح خده على كف يده ويتثاءب بكسل ملول حتى تقع عينه على زهره وهى تنهض من مكانها وتتجه الى المكتبه الكبيره فى آخر الغرفه لتبحث عن كتاب
تطاردها عيناه ويستدير وجهه خلفها
فجأه ينهض مالك ويرتكز بمرفقيه الى المنضده ويميل بجزعه ويقترب من عمر ويمسك وجهه بين أصابعه وينظر فى عينيه وهو يقول بابتسامه مفتعله : كن حذرا ..بعض أنواع التسليه قد تكون خطيره ومؤلمه للغايه
يشيح عمر بيده : خلاص يا عم انت هاتعلق لى المشنقه؟
مالك ببساطه : فقط أحببت أن أنبهك ..فزهرة ليست فتاة عاديه
ستفهم ذلك فيما بعد
عمر بلهجه معتذره : ماشى يا عم.مسموح بالكلام ولا ده كمان ممنوع؟؟
مالك يعود الى مرحه : ولم لا ..انها أختك كما هى أختى
ينهض عمر ببطء وينظر حوله ثم يتجه الى المنضده التى تجلس اليها زهرة التى ترفع عينيها من الكتاب وهى تقول بود وابتسامه هادئه على شفتيها : مرحبا عمر ...كيف حالك؟
عمر يجلس الى المنضده وينظر للكتاب الذى بين يديها:
الحمد لله....ايه ده؟؟...كل ده كتااااااااب؟
انتى بتذاكرى ولا حد بينتقم منك؟؟
تبتسم ضاحكه : لا لقد أنهيت دروسى منذ قليل
عمر بدهشه : أمال بتعملى ايه بالكتاب ده؟؟
زهرة : هذا كتاب تاريخ .....
عمر : بتقرى ده كله؟؟
زهرة : لا....بل أحفظه
عمر بذهول : ليه ؟؟ مين اللى بيعذبك كده؟؟
يشير بابهامه خلفه بتساؤل دون أن يتكلم
زهرة : لا ...ليس هو ...بل أنا التى أريد ذلك ....أريد أن أشارك فى حفظ تاريخ هذا البلد
عمر ببلاهه : مش فاهم ؟؟ يعنى ايه تحفظى كتاب عشروميت صفحه؟..ايه اللى يزنقك على كده ؟؟
زهرة بهدوء : لقد قاربت على الإنتهاء من حفظ ربعه
الأمر ليس صعبا كما تتصور ....هذا ان أردت أن تفعله
عمر : أيوه....لكن مش هو مكتوب فى الكتاب؟؟ بتحفظيه ليه؟؟
زهرة : حتى أساعد فى انقاذه عندما يتكرر ما حدث فى الماضى