الصبوووووورهk
((( اللهم انك عفوآ كريم تحب العفوا فاعفو عنا )))
ان شاء الله البنات يفيدونك
استغفرك ربي وتوب اليك
مشتهيه نوتيلا


فقد فرق الله سبحانه في الآية الكريمة بين أشعة الشمس والقمر، فقال: (هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً) فسمى أشعة الشمس ضياءً، وسمى القمر نوراً، والمشكلة أن أكثر القواميس غير العربية(الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية) لا تفرق بين الضياء والنور، وبناءً على ذلك ظن الكثيرون أنهما بمعنى واحد، حيث درسوا العلوم الحديثة بهذه اللغات، والواقع أنهما غير متحدين، كما أثبت ذلك بعض العاملين في الإعجاز العلمي فقال: (دعنا نستعرض بعض الآيات الأخرى التي تذكر أشعة الشمس والقمر، فلنأخذ مثلاً: الآيتين: (وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً) و (وبنينا فوقكم سبعاً شداداً,,وجعلنا سراجاً وهاجاً) نجد أن الله سبحانه وتعالى سمى الشمس مرة بالسراج، وأخرى بالسراج الوهاج، والسراج هو المصباح الذي يضيء بالزيت أو الكهرباء. أما أشعة القمر فقد أعاد الخالق تسميتها بالنور، وإذا نحن تذكرنا في هذا الصدد معلوماتنا في الفيزياء المدرسية لوجدنا أن مصادر الضوء تنقسم عادة إلى نوعين: مصادر مباشرة: كالشمس، والنجوم، والمصباح، والشمعة وغيرها، ومصادر غير مباشرة كالقمر والكوكب. والأخيرة هي الأجسام التي تستمد نورها من مصدر آخر مثل الشمس، ثم تعكسه علينا.
أما الشمس والمصباح فهما يشتركان في خاصية واحدة، وهي أنهما يعتبران مصدراً مباشراً للضوء، ولذلك شبه الخالق الشمس بالمصباح الوهاج، ولم يشبه القمر في أي من الآيات بمصباح. كذلك سمى ما تصدره الشمس من أشعة ضوءاً.
أما القمر فلا يشترك معهما في هذه الصفة، فالقمر مصدر غير مباشر للضوء، فهو يعكس ضوء الشمس إلينا، فنراه ونرى أشعته التي سماها العليم الحكيم: نوراً. ومن العجيب حقاً أننا لم نستوعب هذه الدقة الإلهية في التفرقة بين ضوء الشمس ونور القمر، فكان المفروض أن نفرق بين الضوء والنور، ونسمى الأشعة التي تأتي من مصدر ضوئي مباشر بالضوء، وتلك التي تأتي من مصدر ضوئي غير مباشر بالنور، ولكنا خلطنا لغوياً بين الضوء والنور، واقتصرنا في العلوم على استخدام كلمة الضوء، ونسينا مرادفها وهو: النور، والسبب واضح، ففي الإنجليزية والفرنسية بل والألمانية، وهي اللغات التي جاءت عن طريقها العلوم الحديثة -لا يوجد إلا مرادف واحد- ولم يخطر ببالنا أو ببال المترجمين (ligt-lumiere- licht) لهذا المعنى وهو بالترتيب، أن اللغة العربية أغنى منهم وأدق، ففيها مرادفين لهذه الكلمة يجب أن نفرق بينهما تبعاً لنوعية مصدر الضوء، سواء أكان مباشراً أو (غير مباشر) المصدر: (آيات قرآنية في مشكاة العلم): للدكتور: يحيى المحجري.
ويمكنك الرجوع إلى كتاب (العلم طريق الإيمان) للشيخ عبد المجيد الزنداني. -حفظه الله- وغيره مما كتب في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
والله أعلم.


ما تفسير الآية { وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض } ؟ يقول الله تبارك وتعالى : وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ
هل المقصود أن بقاء المؤمنين في الجنة مرهون بدوام السماوات والأرض ؟



الجواب :
بَيَّن القرطبي أنَّ الاسْتِثْنَاء الوارد في الآية مُنْقَطِع ، فَقَال :"
قَوله تَعالى : (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) في مَوْضِع نَصْب ، لأنه اسْتِثْنَاء لَيس مِن الأوَّل .
ثم سَاق الْخِلاف في مَعْنَى الاسْتِثْنَاء مِن عَشَرَة أوْجُه ، فَقَال :
وقد اخْتُلِفَ فِيه على أقْوَال عَشَرَة :
الأولى : أنّه اسْتِثْنَاء مِن قَوله : (فَفِي النَّارِ) ، كَأنه قَال : إلاَّ مَا شَاء رَبُّك مِن تَأخِير قَوْم عن ذَلك ... وعن أبي نضرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلاَّ مَن شَاء ألاَّ يُدْخِلهم وإنْ شَقُوا بِالْمَعْصِيَة .
الثَّاني : أنَّ الاسْتِثْنَاء إنّمَا هو للعُصَاة مِن الْمُؤمِنِين في إخْرَاجِهم بَعد مُدَّة مِن النَّار . وعلى هَذا يَكُون قَوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) عَامًّا في الكَفَرَة والعُصَاة ، ويَكُون الاسْتِثْنَاء مِن (خَالِدِينَ) ... وفي الصَّحِيح مِن حَدِيث أنس بن مالك قَال : قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يَدْخُل نَاس جَهَنَّم حَتى إذا صَارُوا كَالْحُمَمَة أُخْرِجُوا مِنها ودَخَلُوا الْجَنَّة ، فَيُقَال : هَؤلاء الْجَهَنَّمِيُّون .
الثَّالِث : أنَّ الاسْتِثْنَاء مِن الزَّفِير والشَّهِيق ، أي : لَهم فِيها زَفِير وشَهِيق إلاَّ مَا شَاء رَبُّك مِن أنْوَاع العَذَاب الذي لم يَذْكُرُه .
الْخَامِس : أنَّ (إِلاَّ) بِمَعْنَى سِوَى ... قِيل : فَالْمَعْنَى : مَا دَامَت السَّمَاوَات والأرْض سِوى مَا شَاء رَبُّك مِن الْخُلُود .
السَّادس : أنَّه اسْتِثْنَاء مِن الإخْرِاج ، وهو لا يُرِيد أن يُخْرِجَهم مِنها ... فَالْمَعْنَى : أنَّه لَو شَاء أن يُخْرِجَهم لأخْرَجَهم ، ولكِنَّه قد أعْلَمَهم أنَّهم خَالِدُون فِيها.
وقد قِيل : إنَّ (إِلاَّ) بِمَعْنَى الوَاو ، قاله الفراء ، وبعض أهل النظر ، وهو :
الثَّامن : والْمَعْنَى : ومَا شَاء رَبُّك مِن الزِّيَادَة في الْخُلُود على مُدَّة دَوَام السَّمَاوَات والأرْض في الدُّنْيا .
وقِيل : مَعْنَاه : كَمَا شَاء رَبُّك ..
التَّاسِع ، والعَاشِر : وهو أنَّ قَوله تعالى : (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) إنّمَا ذَلك على طَرِيق الاسْتِثْنَاء الذي نَدَب الشَّرْع إلى اسْتِعْمَالِه في كُلّ كَلام ، فهو عَلى حَدّ قَوله تَعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ) ، فهو اسْتِثْنَاء في واجِب ، وهَذا الاسْتِثْنَاء في حُكْم الشَّرْط كَذلك ، كَأنه قَال : إنْ شَاء رَبُّك . فَلَيْس يُوصَف بِمُتَّصِل ولا مُنْقَطِع ، ويُؤيِّدُه ويُقُوِّيه قَوله تَعالى : (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) . ونَحوه عن أبي عبيد ، قال : تَقَدَّمَتْ عَزِيمة الْمَشْيئة مِن الله تَعَالى في خُلُود الفَرِيقَيْن في الدَّارَين ، فَوَقَع لَفْظ الاسْتِثْنَاء ، والعَزِيمة قد تَقَدّمَتْ في الْخُلُود .
وقول حَادِي عشر : وهو أنَّ الأشْقِيَاء هُم السُّعَدَاء ! والسُّعَدَاء هم الأشْقِيَاء لا غيرهم ، والاسْتِثْنَاء في الْمَوْضِعِيْن رَاجِع إلَيهم ، وبَيَانُه : أنَّ (مَا) بِمْعَنْى " مَن " اسْتَثْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلّ مِن الدَّاخِلِين في النَّار الْمُخَلَّدِين فِيها الذِين يُخْرَجُون مِنها مِن أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بما مَعَهم مِن الإيمان ، واسْتَثْنَى مِن الدَّاخِلِين في الْجَنَّة الْمُخَلَّدِين فِيها ، الذين يَدخلون النار بِذُنُوبهم قَبْل دُخُول الْجَنَّة ، ثم يُخْرَجُون مِنها إلى الْجَنَّة ، وهُم الذين وَقَع عليهم الاسْتِثْنَاء الثَّاني ، كَأنه قَال تَعالى : فأمَّا الذِين شَقُوا فَفِي النَّار لَهُم فِيها زَفِير وشَهِيق خَالِدين فِيها مَا دَامَت السَّمَاوَات والأرْض إلاَّ مَا شَاء رَبُّك ألاَّ يُخَلِّده فِيها ، وهم الْخُارِجُون مِنْها مِن أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بِإيمانِهم وبِشَفَاعَة محمد صلى الله عليه وسلم ، فَهم بِدُخُولِهم النَّار يُسَمَّون الأشْقِيَاء ، وبِدُخُولِهم الْجَنَّة يُسَمَّون السُّعَدَاء ، كما رَوى الضحاك عن ابن عباس إذ قال : الذين سُعِدُوا شَقُوا بِدُخُول النَّار ثم سُعِدُوا بالْخُرُوج مِنها ودُخُولِهم الْجَنَّة .
الجامع لأحكام القرآن (9/85 - 88) بتصرف واختصار .

ويَرَى شيخ المفسِّرين " ابن جرير " أنَّ آيَة " هُود " جَرَتْ على عَادَة العَرَب ، " وذلك أنَّ العَرَب إذا أرَادَت أن تَصِف الشَّيء بالدَّوَام أبَدا قَالَتْ : هذا دَائم دَوَام السَّمَاوَات والأرْض ، بِمَعْنِى: أنّه دَائم أبَدا ... فَخَاطَبَهم جَلّ ثَنَاؤه بِمَا يَتَعَارَفُونه بَيْنَهم ، فَقَال : خَالِدِين في النَّار مَا دَامَت السَّمَاوَات والأرْض . والْمَعْنَى في ذلك : خَالِدِين فِيها أبَدًا " .
ثم ذَكَر ابن جرير الْخِلاف في الاسْتِثْنَاء ، فَقَال : واخْتَلَف أهْل العِلْم والتَّأويل في مَعْنى ذلك ، فَقَال بَعْضُهم : هَذا اسْتِثْنَاء اسْتَثْنَاه الله في أهْل التَّوحِيد أنه يُخْرِجُهم مِن النَّار إذا شَاء بَعْد أن أدْخَلَهم النَّار .
وقال آخَرُون : الاسْتِثْنَاء في هَذه الآيَة في أهْل التَّوحِيد ، إلاَّ أنّهم قَالوا : مَعْنى قَوله (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) إلاَّ أن يَشَاء رَبُّك أن يَتَجَاوَز عنهم فَلا يُدْخِلُهم النَّار . ووَجَّهُوا الاسْتِثْنَاء إلى أنّه مِن قَوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ) - (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) لا مِن الْخُلُود .
وقال آخَرُون : عُنِي بِذلك أهْل النَّار ، وكُلّ مَن دَخَلَها .
وقال آخَرُون : أخْبَرَنا الله بِمَشِيئتِه لأهْل الْجَنَّة ، فَعَرَّفَنا مَعْنَى ثُنْيَاه بِقَولِه : (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أنّهَا الزِّيَادَة على مِقْدَار مُدَّة السَّمَاوَات والأرْض . قَال : ولَم يُخْبِرنا بِمَشِيئتِه في أهْل النَّار ، وجَائز أن تَكُون مَشِيئتُه في الزِّيَادَة ، وجَائز أن تَكُون في النُّقْصَان .
وأوْلَى هَذه الأقْوَال في تَأويل هَذه الآيَة بِالصَّوَاب - عند ابن جرير - " أنَّ ذلك اسْتِثْنَاء في أهْل التَّوحِيد مِن أهْل الكَبَائر أنه يُدْخِلُهم النَّار خَالِدِين فِيها أبِدًا إلاَّ مَا شَاء مِن تَرْكِهم فِيها أقلّ مِن ذلك ، ثم يُخْرِجُهم فَيُدْخِلهم الْجَنَّة .
ثم عَلَل اخْتِيَارَه بِقَوله : وإنّما قُلْنَا ذَلك أوْلى الأقْوَال بِالصِّحَّة في ذَلك لأنَّ الله جَلَّ ثَنَاؤه أوْعَد أهْل الشِّرْك بِه الْخُلُود في النَّار ، وتَظَاهَرَتْ بِذلك الأخْبَار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَغَيْر جَائز أن يَكُون اسْتِثْنَاء في أهْل الشِّرْك ، وأنَّ الأخَبْار قد تَوَاتَرَتْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الله يُدْخِل قَومًا مِن أهْل الإيمان بِه بِذُنُوب أصَابُوها النَّار ثم يُخْرِجُهم مِنها فَيُدْخِلهم الْجَنَّة ، فَغَيْر جَائز أن يَكُون ذَلك اسْتِثْنَاء أهْل التَّوحِيد قَبْل دُخُولِها مَع صِحَّة الأخْبَار عن رَسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَا ذَكَرْنا .
وأكَّد على الْخُلُود الأبَدِيّ للكُفَّار في النَّار ، حَيث قَال في آيَة " الأحزاب " : (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) يَقُول : مَاكِثِين في السَّعِير أبَدًا إلى غَيْر نِهَايَة . اهـ .

وأوْرَد السمعاني سُؤالا عن مَعْنَى الاسْتِثْنَاء في آيَة " الأنعام " ، فَقَال : فَإن قَال قَائل: ألَيس أنَّ الكَافِرِين خَالِدُون في النَّار بِأجْمَعِهم ، فَما هَذا الاسْتِثْنَاء ؟
الْجَوَاب : قال الفراء هو مِثل قَوله : (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) يَعْنِي مِن الزِّيَادَة على مُدَّة دَوَام السَّمَاوَات والأرْض . فَهَذا هُو الْمُرَاد بِهَذِه الآيَة أيضَا .
وقِيل : الاسْتِثْنَاء في العَذَاب ، يَعْنِي : خَالِدِين في نَوْعٍ مِن العَذَاب إلاَّ مَا شَاء الله مِن سَائر العَذَاب .
وقِيل : هو اسْتِثْنَاء مُدَّة البَعْث والْحِسَاب لا يُعَذَّبُون في وَقْت البَعْث والْحِسَاب .
واسْتَدَلّ على مَعْنَى الاسْتِثْنَاء في آيَة " هُود" بِمَا جَاء في السُّنَّة ، فَقَال : وقَوله : (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) أمَّا بِالْمَعْنَى الْمَأثُور ؛ رَوَى الضحاك عن ابن عباس أنَّ الآيَة نَزَلَتْ في قَوْم مِن الْمُؤمِنِين يُدْخِلُهم الله تَعالى النَّار ، ثم يْخُرِجُهم مِنها إلى الْجَنَّة ، ويُسَمَّون الْجَهَنَّمِيِّين . وقد ثَبَت بِرِوَاية جَابِر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَال : يُخْرِج الله قَوْمًا مِن النَّار قد صَارُوا حُمَمًا فيُدْخِلهم الْجَنَّة . وفي البَاب أخْبَار كَثِيرَة .
فَعَلى هَذا القَوْل : مَعْنَى الآيَة : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) هَؤلاء الذِين أُدْخِلُهم النَّار ... (خَالِدِينَ فِيهَا) مُقِيمِين فِيها (مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) عَبَّر بِهَذا عن طُول الْمُكْث .
ويَرَى أنَّ الاسْتِثْنَاء وَقَع على مَا بَعْد الإخْرَاج مِن النَّار بِشَفَاعَة الأنْبِيَاء والْمُؤمِنِين .

وذَكَر الثعلبي ثَمَانِيَة أقْوَال في مَعْنَى الاسْتِثْنَاء في آيَة " الأنعام " ، وهي :
الأوَّل : قَدْر مُدَّة مَا بَيْن بَعْثِهم إلى دُخُولِهم جَهَنَّم .
الثَّاني : قَول ابن عباس ، هذا الاسْتِثْنَاء هو أنّه لا يَنْبَغِي لأحَدٍ أن يَحْكُم على الله في خَلْقِه ، لا ينزلهم جَنَّة ولا نَارًا .
الثَّالث : قَول الكَلبي : إلاَّ مَا شَاء الله ، وكَان مَا شَاء الله أبَدًا .
الرَّابِع : قيل : مَعْنَاه النَّار مَثْوَاكم خَالِدِين فِيها سِوى مَا شَاء الله مِن أنْوَاع العَذَاب
الْخَامِس : قِيل : إلاَّ مَا شَاء الله مِن إخْرَاج أهْل التَّوْحِيد مِن النَّار .
السَّادس : قِيل : إلاَّ مَا شَاء الله أن يَزِيدَهم مِن العَذَاب فِيها .
السَّابع : قِيل : إلاَّ مَا شَاء الله مِن كَوْنِهم في الدُّنيا بِغَيْر عَذَاب .
الثَّامن : قَول عَطَاء : إلاَّ مَا شَاء الله من الحق في عَمَله أن يُؤمِن (1) ، فَمِنْهم مَن آمَن مِن قَبْل الفَتْح ، ومِنْهم مَن آمَن مِن بَعْد الفَتْح . اهـ .
----
(1) هكذا في المطبوع ، وهي عِبارَةٌ قَلقة ! وكأنَّ صَوابها : إلاَّ من شاء الله في عِلْمَه أن يُؤمِن . ونَقَل الرازي في تفسيره (13/158) عن ابن عباس قوله : اسْتَثْنَى الله تعالى قَومًا سَبَق في عِلْمَه أنّهم يُسْلِمون ويُصَدِّقُون النبي صلى الله عليه وسلم .
----

وقَال الشنقيطي في الْجَمْع بَيْن الآيَات : والْجَوَاب عن هَذا مِن أوْجُه :
أحَدُها : أنَّ قَوله تَعالى : (إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) مَعْنَاه : إلاَّ مَن شَاء الله عَدَم خُلُودِه فِيها مِن أهْل الكَبَائر مِن الْمُوَحِّدِين ، وقَد ثَبَت في الأحَادِيث الصَّحِيحَة أنَّ بَعْض أهْل النَّار يُخْرَجُون مِنها ، وهُم أهْل الكَبَائر مِن الْمُوَحِّدِين ... واخْتَارَه ابن جرير ، وغَاية مَا في هذا القَوْل إطْلاق مَا وَرَدَ ، ونَظِيرُه في القُرْآن (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) .
الثَّاني : أنَّ الْمُدَّة التي اسْتَثْنَاهَا الله هي الْمُدَّة التي بَيْن بَعْثِهم مِن قُبُورِهم واسْتِقْرَارِهم في مَصِيرهم . قَاله ابن جرير أيضا.
الوَجْه الثَّالث : أنَّ قَولَه : (إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) فِيه إجْمَال ، وقَد جَاءت الآيَات والأحَادِيث الصَّحِيحَة مُصَرِّحَة بِأنَّهم خَالِدُون فِيها أبَدًا , وظَاهِرُها أنَّه خُلُود لا انْقِطَاع لَه , والظُّهُور مِن الْمُرَجِّحَات , فَالظَّاهِر مُقَدَّم على الْمُجْمَل ، كَمَا تَقَرَّر في الأصُول .
ومِنها: أنَّ (إِلاَّ) في سُورة هُود بِمَعْنَى: "سِوى مَا شَاء الله مِن الزِّيَادَة على مُدَّة دَوَام السَّمَاوَات والأرْض".
وقال بَعض العلماء : إنَّ الاسْتِثْنَاء على ظَاهِرِه ، وأنه يَأتي على النَّار زَمَان ليس فِيها أحَد ... قال مُقَيِّدُه - عفا الله عنه- : الذي يَظْهَر لي - والله تَعالى أعْلَم - أنَّ هَذه النَّار التي لا يَبْقَى فِيها أحَد ، يَتَعَيَّن حَمْلِها على الطَّبَقَة التي كَان فِيها عُصَاة الْمُسْلِمِين ، كَمَا جَزَم بِه البَغَوي في تَفْسِيرِه ؛ لأنه يَحْصُل بِه الْجَمْع بَيْن الأدِلَّة , وإعْمَال الدَّلِيلَين أَوْلَى مِن إلْغَاء أحَدِهِما ، وقد أطْبَق العُلَمَاء على وُجُوب الْجَمْع إذا أمْكَن .
ثم ذَكَر مَا قِيل في فَنَاء النَّار ، ثم قَال :
أمَّا فَنَاؤها فَقَد نَصَّ تَعالى على عَدَمِه بِقَوْلِه : (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) .
وأمَّا مَوتُهم فَقد نَصّ تَعَالى عَلى عَدَمِه بِقَولِه : (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا), وقوله : (لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى) ، وقوله : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ) , وقَد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في الْحَدِيث الصَّحِيح أنَّ الْمَوْت يُجَاء بِه يَوْم القِيَامَة في صُورَة كَبْش أمْلَح فيُذْبَح ، وإذا ذُبِح الْمَوْت حَصَل اليَقِين بأنَّه لا مَوْت ، كَمَا قَال النبي صلى الله عليه وسلم : ويُقَال : " يَا أهْل الْجَنَّة خُلُود فَلا مَوْت ، ويَا أهْل النَّار خُلُود فَلا مَوْت " .
وأمَّا إخْرَاجُهم مِنها فَنَصَّ تَعالى على عَدَمِه بِقَوله : (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) ، وبِقَولِه : (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) , وبِقَوله : (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا) .
وأمَّا تَخْفِيف العَذَاب عَنهم فَنَصَّ تَعَالى عَلى عَدِمِه بِقَولِه : (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) , وقَوله : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا) .
فَظَاهِر هَذه الآيَات عَدَم فَنَاء النَّار الْمُصَرَّح بِه في قَولِه : (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) .

رأي الباحث ( العبد الفقير عبد الرحمن السحيم ) :
خُلُود الكُفَّار في النَّار مَقْطُوع بِه ، مُجْمَع عَلَيه . وإن كان اختُلِف في طُول الْخُلُود ، وقِيل بِفَنَاء النَّار ، إلاَّ أنه قَول ضَعِيف .
والذي يَظْهر أنَّ الاسْتِثْنَاء جَاء تَحْقِيقًا لا تَعْلِيقًا ، ونَظِيرُه في كِتَاب الله : (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) ، وهو وَعْدٌ حَقّ ، وقَوْلٌ صِدْق ، ومَع ذلك قَرَنَه تَعَالَى بِالْمَشِيئَة .
وقَول مََن قال : إنَّ الاسْتِثْنَاء في حَقّ عُصَاة الْمَؤْمِنِين - مُتَّجِه ؛ وذَلك لأنَّ مَن دَخَل النَّار مِن عُصَاة الْمُوَحِّدِين لا يَخْلُد فِيها ، وجَاء التَّصْرِيح بِه في قَولِه عليه الصلاة والسلام : يُعَذَّب نَاسٌ مِن أهْل التَّوْحِيد في النَّار حَتى يَكُونُوا حُمَمًا فيها ، ثم تُدْرِكُهم الرَّحْمَة فيُخْرَجُون ، فيُلْقَون على بَاب الْجَنَّة ، فَيَرُشّ عَليهم أهْل الْجَنَّة الْمَاء ، فَيَنْبُتُون كَمَا يَنْبُت الغُثَاء في حِمَالَة السَّيْل ، ثم يَدْخُلُون الْجَنَّة .
كَمَا أنَّ النَّار لا تَأكُل مَوَاضِع السُّجُود مِن ابْنِ آدَم ، لِقوله عليه الصلاة والسلام : حَتى إذا أرَاد اللهُ رَحْمَة مَن أرَاد مِن أهْل النَّار أمَرَ الله الْمَلائكَة أنْ يُخْرِِجُوا مَن كَان يَعْبُد الله ، فَيُخْرِجُونَهم ويَعْرِفُونَهم بِآثَار السُّجُود ، وحَرَّم اللهُ على النَّار أنْ تَأكُل أثَر السُّجُود، فَيَخْرُجُون مِن النَّار فَكُلّ ابْن آدَم تَأكُلُه النَّار إلاَّ أثَر السُّجُود ، فَيَخْرُجُون مِن النَّار قَد امْتَحَشُوا فيُصَبّ عَليهم مَاء الْحَيَاة ، فَيَنْبُتُون كَمَا تَنْبُت الْحَبَّة في حَمِيل السَّيْل .
ثُمّ إنَّ هَذا الاسْتِثْنَاء الوَارِد في الآيَات هَو مِن قَبِيل الْمُتَشَابِه ، والوَاجِب رَدّ الْمُتَشَابِه إلى الْمُحْكَم ، وقد اسْتَفَاضَتْ آيَات الكِتَاب بِخُلُود الكُفَّار في النَّار .

والله أعلم .

المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد