«®°·.¸.•° خـذ الـحـب... واذهـب °·.·.¸.•°®»

الأدب النبطي والفصيح



أرملة ... لقب حملته وأنا في العشرين من عمري ..تزوجته وأنا في التاسعة عشر بدون رغبة..
ابن عمتي وأنا أولى به..أنا الهادئة الطباع ... التي لم تعرف يوما أن ترفض طلبا لأحد...

في اليوم الذي كان من المفترض أن أسجل في الجامعة طلبني والدي للتحدث معه على انفراد..

" ما رأيك يا ابنتي با ابن عمتك عادل؟!! "

نظرت إليه بحيرة وقلت:
" لم تسأل يا أبي؟ "

" لقد تقدم لخطبتك "

سكون رهيب خيم علي...لم يكن الزواج ضمن مخططاتي الحالية...لكن صمتي فسر خطأ أنه موافقة ضمنية...
ودون أن يلاحظ والدي شحوبي أكمل كلامه قائلا:
" الزواج سيحدد خلال سنة...إنه يفضل أن تبقي في المنزل...لذا لا داعي لذهابك للتسجيل في الجامعة"

كلمات قليلة....جملة واحدة....حددت مصيري وغيرت مسير أحلامي....
أعرف أن رفضي سيثير عناد أبي..
أليس من الأفضل رفع الراية البيضاء عوضا عن خوض معركة خاسرة؟!!..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

قضيت سنة كئيبة بين جدران غرفتي...أقضي الأعمال المتوجبة علي في انتظار يوم تنفيذ الحكم...أقصد يوم الزفاف...
تمر الأيام ببطء لتزيد من عذاباتي...ويقترب الموعد ..أصبحت نحيلة...شاحبة وأنا أرتدي الثوب الأبيض وكأنني أساق إلى حتفي..

حاولت الإبتسام في وجهه وهو يقودني من يدي إلى السيارة...ومنها إلى المنزل...
اعتصرني شعور مرير بالغربة وأنا أخطو إلى الداخل...ليسبقني هو إلى إحدى الغرف ويخرج من أحد الأدراج حبوبا ويلتهمها...

ثم.........

يرمي نفسه على أقرب أريكة ليغرق في نوم مضطرب..
حينذاك عرفت الحقيقة التي لم يجرؤ أحد على ذكرها....

تزوجت مدمن......

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

أمضيت الليلة وحدي أرثي حظي العاثر..ما الذي سيحدث لي بعد ذلك؟!!.. هل سيضربني عندما تصيبه إحدى نوبات الإدمان...أم سيحطم كل شيء تقع عليه يداه؟!!..
يا لها من ليلة زفاف....أقضيها في ركن الغرفة ...ارتجف خوفا وألما من قدري المجهول..

ومع ضوء الصباح تبددت كل خيالات الليل المفزعة....وأثبتت لي الأيام أن الإدمان قد أضعف جسمه وعقله...

لم يرفع صوته أبدا...كان يوافق على كل شي اقترحه...ما عدا دخول المستشفى للعلاج..
لقد كان ضعيف الشخصية..لذا وجدت نفسي مرغمة على الإمساك بزمام الأمور..وهكذا أصبحت الزوجة والزوج في نفس الوقت..

أقوم بأعمال المنزل وأنظم الفواتير وأتسوق لشراء حاجات البيت دون أن أشتكي...هكذا كانت حياتي لمدة تسعة أشهر...

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

كنت في زيارة للطبيبة ذات صباح حيث كنت أعاني من تعب طفيف...قالت لي مبتسمة:
" ابشري..أنت حامل "

تجمدت في مكاني ...أي بشرى بائسة هذه؟!!...في حين أنني كنت أفكر بطلب الطلاق حيث لم أعد أحتمل العيش مع رجل غائب رغم وجوده اكتشف أنني حامل...

نهضت وأنا أحمل أثقال الدنيا على كتفي....وعدت إلى المنزل بهم جديد..كانت سيارته مركونة في الخارج...إذا هو في المنزل...
يا ترى كيف ستكون ردة فعله عندما أخبره؟!!..

ربما سيهز كتفيه بلا اكتراث...إذ ماذا أرجو من شخص بليد مثله؟!!..
دخلت بخطى مثقلة ...كان هناك سكون مريب....أسرعت إلى الغرفة لتصدم عياني بأبشع منظر رأيته في حياتي..

لقد كان ممدا على الأرض والدم ينزف من فمه...

وبأصابع مرتجفة اتصلت بالإسعاف...لكن الأوان قد فات...
لقد تناول جرعة زائدة سببت نزيفا في رئته اليسرى....أسوأ خاتمة لحياة ضائعة...

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

عدت إلى المنزل....إلى اهلي.....أرملة ...أحمل في أحشائي جنينا تيتم قبل أن يكتمل تكوينه..
هل شعرت بالحزن؟!!....نعم...لكنه حزن على نفسي أكثر مما كان عليه..
غلطة بسيطة من والدي....تحملت أنا نتائجها...

لكنني اليوم امرأة مختلفة...لم أعد تلك المراهقة المترددة....والآن لدي تصميم قوي أن أقود حياتي...أو ما تبقى منها كما أريد..
وليس على حسب رغبات الاخرين...
خلال فترة حملي عاملني الجميع بلطف...أو ربما شفقة....لا أدري بالضبط...لكن الجو المحيط بي ساعدني على التحرر من مشاعر الإحباط والخيبة وأعاد البسمة إلى شفتي
وأنا أستقبل طفلتي الحبيبة "سارة"

ولأول مرة يسألني والدي عن ما إذا كان هناك شيء أرغب في عمله الآن وقد انتهت فترة الحداد..
نظرت إليه بهدوء وقلت:

" أريد الإلتحاق بالجامعة "

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

بعد مفاوضات طويلة سمح لي أخيرا التسجيل في الجامعة في قسم علم النبات....العالم الذي طالما حلمت الدخول فيه..
أصبح ملكا لي ..بعد سنوات من الشقاء والدموع...

وهكذا تجاوزت عتبة الجامعة في أول يوم دراسي لي...لقد كان صعبا علي التأقلم مع الطالبات بسبب فارق العمر بيننا...بالإضافة إلى أن التجربة التي مررت بها جعلتني أنضج كثيرا..
طبعا لم أهتم...أنا هنا لأتعلم وأحقق حلمي...وليس لأوسع دائرة علاقاتي الإجتماعية...

ونظرا لإنطوائي وحرصي على عدم تفويت أي محاضرة حصلت على لقب "المتعالية" من بعض الحاقدات على تفوقي...

الحياة لا تخلو من المنغصات...درس تعلمته قبل دخولي إلى الجامعة..
يا ترى .. لو أن واحدة منهن خبرت الحياة التي خبرتها...هل كانت أساسا متواجدة الآن على هذه المقاعد؟!!...

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

أكملت سنتي الأولى بنجاح.... وكذلك الثانية والثالثة...يدفعني ويثير عزيمتي منظر طفلتي البريء...لن أسمح أن يهدد استقرارها شيء..
وهذا لن يتم إلا بحصولي على شهادة التخرج...ومن ثم عمل لائق يمكنني الإعتماد على نفسي بدل أن أكون عالة على أبي..
صحيح أنه لم يقصر...لكن لا أحد يعلم ماذا تخبيء له الأيام...

وهكذا بروح عالية بدأت سنتي الأخيرة في الجامعة...وبدأ معها الفصل الثاني من حياتي...
حيث استبدل أحد أساتذتنا بأستاذ جديد..في أوائل الأربعينات...تنطق عيناه بالدماثة والفطنة...

وخلال أسابيع قليلة توطدت العلاقة بيننا...فقد كنت تلميذته المفضلة....التي تنظر إلى أستاذها بإعجاب واحترام كبيرين...

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

أصبحت أقضي فترة الإستراحة معه...نتناقش في مواضيع كثيرة...تجمعنا اهتمامات مشتركة وأذواق متشابهة حتى في الطعام..
وذات مرة قبل نهاية العام الجامعي ..خلال حديثي معه عن احتمال وجود نباتات لم تكتشف بعد...ضحك بلطف..

قلت بخيبة:
"لم تضحك؟!..أتسخر مني؟!!"

فقال بارتباك :
"كلا...لكن عينيك تشع ببريق جميل عندما تتحدثين بحماسة"

قلت متذمرة:
"أنت تجامل كعادتك"

فقال بنبرة غريبة:
"أنا لا أجامل أحدا...وخصوصا أنت"

قلت بحذر:
"ماذا تقصد؟"

نظر إلي مطولا ثم قال:
"لقد كانت هذه السنة أفضل سنة في حياتي المهنية...والفضل في ذلك يرجع إليك..
عثوري على فتاة مثلك أشبه بالعثور على زهرة في صحراء قاحلة...وكون أن أرملة ولديك إبنة لا يغير من رغبتي في الإقتران بك إذا وافقت طبعا"

رغم أنني صدمت بكلامه..إلا أنني لم أستطع منع نفسي من الشعور بالزهو...هناك شخص على الأقل لا يزال يراني جميلة..

عندما لاحظ صمتي قال:
" أعرف أنني فاجأتك...أنا لا أطالب بالرد الآن..اسمعي...سأسافر في بداية الإجازة لمدة شهرين..
وحينما أعود أتمنى أن تكوني قد قبلت طلبي"

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

لم يأت على ذكر الموضوع مرة أخرى في الأيام التالية...وتماما كما تمنيت تخرجت مع مرتبة شرف..
الفرحة لا تسعني...بل إنني قررت أن أوافق على طلبه عندما يعود...إنه رجل هاديء...متزن ومثقف...ماذا أريد أكثر من ذلك؟!!...

وكهدية لتخرجي منحني أهلي رحلة سياحية إلى إحدى الدول التي تشتهر بطبيعتها الخلابة لمدة ثلاثة أسابيع...
في حين تظل ابنتي تحت رعاية أمي حتى عودتي..

وخلال أربعة أيام حزمت أمتعي...صعب علي كثيرا توديع سارة...لكن حاجتي الشديدة للترفية عن نفسي ساعدتني على عدم التراجع...
وهكذا كنت على متن الطائرة في الوقت المحدد...

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

هل اعتراك من قبل شعور بعدم حقيقة الأشياء التي تراها؟!!..
هكذا كان شعوري وأنا أشاهد المنظر المدهش من خلال نافذة غرفتي في الفندق..
أشجار كثيفة وجداول صغيرة على ضفافها ورود بألف لون ولون...ظللت أراقب المنظر حتى اكتست الجبال البعيدة بلون الشفق..

أحسست وكأن ما أراه غير حقيقي...مجرد صورة ستتمزق لو لمستها..لكن مذاق عصير الفاكهة في فمي أكد لي أن ما أعيشه حقيقة..
تعويض بسيط عن ما خسرته قبل سنوات...تملكني الحماس لما سأفعله مع بقية أعضاء الرحلة غدا..

هل سنسير في الغابات...أن نتسلق الجبال؟!!..على هذه الأفكار السعيدة أغمضت عيني كما لو كنت أستعجل طلوع الفجر....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

ثلاثون شخصا من مختلف الأعمار...يقودنا شخص متمرس على حياة تلك البلاد...ومعه فتى يساعده ويحمل علبة إسعافات أولية في حالة حدوث أمر طاريء..
انطلقنا بعد الإفطار مباشرة..حملتنا الحافلة إلى أقرب نقطة ممكنة من الجبل..
صدق حدسي..فقد كان تسلق الجبال أول شيء في برنامج رحلتنا..

لم يكن الأمر صعبا كما ظننته...فقد كان هناك طريق ممهد للمتسلقين السائحين...وبعد ساعتين كنا على قمة الجبل..

"يا للروعة"

هتفت وأنا أنظر إلى المدينة في الأسفل...المنازل والفنادق تبدو كنقط صغيرة على صفحة خضراء..
استمتعت بالغداء المشترك...وتحدثت مع من حولي بمرح..وبعد أن انتهينا كل انصرف إلى شؤونه الخاصة..

فهناك من يجمع بعض الأزهار الجميلة..وهناك من يلتقط صورا فوتوغرافية..
أما أنا فقد اقتربت من الحافة ومددت يدي على اتساعهما وأخذت نفسا عميقا....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

"حاذري"

أتاني صوت مفاجيء من خلفي..التفت لأرى من القادم...كان رجلا في حوالي السادسة والعشرين من عمره...ذو ملامح مسيطرة..
لانت أساريره وقال كأنه يحدث طفلة صغيرة:
"الأمر لا يستحق ذلك"

نظرت إليه بذهن مشوش وقلت بحيرة:
"ولكنه يستحق"

قال بصبر:
"لا شيء يستحق الموت لأجله"

فغرت فاهي بدهشة...إنه يعتقد أنني أحاول الإنتحار...وبعد برهة انفجرت ضاحكة وأنا أقول:
"كنت أقصد أن المنظر يستحق الوقوف أمامه"

شعرت بالإحراج يكبل لسانه لعدة دقائق...فسارعت قائلة:
"قد تكون محقا في أنني أحاول إنهاء حياتي...لكن طريقتي تختلف عن الآخرين..
في حين يختار البعض الموت...اختار أنا بداية حياة جديدة"

ابتسم بخجل وقال:
"اعذريني ..لكن التصميم الذي كان باديا على وجهك أرعبني"

حاولت قلب الموقف إلى مشهد تمثيلي فمددت يدي وقلت:
"تخيل أن مخاوفك صحيحة..وأنني الآن قد عدلت عن فكرة الإنتحار..
أليس مايحدث بعد ذلك هو أن تمد يدك لتسحبني؟!!"

ضحك مستغربا من كلامي ثم مد يده ليبعدني عن الحافة..انضممنا إلى البقية ونحن لا نزال نضحك بارتياح..

"أنا لؤي"

قلت له:
"وأنا حنان"

ابتسم بلطف وقال:
"هذه أغرب طريقة للتعارف بين شخصين"

رددت ابتسامته وأنا أقول:
"من يدري...فقد تكون النهاية أغرب"

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

ساعدني في طريق عودتنا نزولا من الجبل...وبعد أن وصلنا إلى الفندق التفت إلي وقال بتردد:
"هل تسمحين لي بدعوتك إلى العشاء كمحاولة اعتذار مني على تصرفي الأرعن؟"

صمت قليلا أفكر ثم حزمت رأيي:
"نعم..يعجبني ذلك"

"حسنا..نلتقي في شرفة الفندق الساعة التاسعة"

"اتفقنا"

عدت إلى الغرفة لأستريح...وقبل الموعد بنصف ساعة بدأت بتبديل ملابسي...لقد منحني هواء الجبل انتعاشا وإشراقا افتقدته منذ زمن..

وفي تمام التاسعة كنت أقف في الشرفة وأجيل بصري بين الموجودين بحثا عنه..
أخيرا وجدته جالسا في ركن منزوي...تتمايل الأشجار بالقرب منه...وما إن رآني حتى أقبل نحوي ليقودني إلى الطاولة..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

كانت أمسية رائعة..وضوء الشموع يضفي ظلالا مذهلة على ما حولنا..
مضى الحديث متدفقا بيننا...أخبرني أنه قد أنهى دراسته العليا في علم الإجتماع ويأمل أن يصبح أستاذا عما قريب..
قلت بنبرة ذات مغزى:
"علم اجتماع...آها"

ضحك وقال:
"صدقيني..أعلم انك تلمحين إلى حادثة ظهر اليوم...لا بد أنه جال بخاطرك أنني ربما طبيب نفسي يحاول تطبيق نظرياته متى سنحت الفرصة"

ملت إلى الأمام وقلت:
"تماما...لقد اعتقدت ذلك...وليس ثمة شيء يجذب الأطباء النفسيين أكثر من الأشخاص الذين يدفع بهم اليأس إلى التفكير بالإنتحار"

صمتنا قليلا ثم قلت وأنا استمتع بالجو الساحر لهذا المكان:
"كم أتمنى لو كانت سارة معي"

"سارة؟!!"

ابتسمت بهدوء..لست من الأشخاص الذين يخدعون من حولهم...لذا قلت:
"نعم...ابنتي"

أجزم أنه تفاجأ...لكنه كان ماهرا في إخفاء دهشته:
"أنت متزوجة؟!"

"كنت...أما الآن أنا أرملة منذ خمس سنوات"

"كم عمر ابنتك؟"

"إنها الآن في الرابعة"

"لا بد أنك تزوجت في سن صغيرة"

تنهدت وقلت:
"تزوجت في التاسعة عشر بابن عمتي دون رغبة مني....وفي اليوم الذي عرفت فيه بأمر حملي توفي زوجي"

خفض رأسه وقال:
"يؤسفني سماع ذلك"

هززت يدي وقلت"
"لا...لا تحزن...كل شيء يحدث لسبب ما...ربما يأتي يوم أخبرك فيه بكل شيء"

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

رغم كل الإرهاق الذي شعرت به بعد اليوم الأول...نهضت باكرا...يجرفني احساس بالنشاط والحماس لرؤية لؤي من جديد...
لقد عرفته ليوم واحد...وبعد أن أخبرته بأمر طفلتي شعرت كأنني أعرفه طوال عمري...أو كما لو كان صديقا قديما التقيته بعد سنوات دون سابق ميعاد..

نزلت متأخرة إلى بهو الفندق لأجده بانتظاري..

"هيا...الحافلة بانتظارنا"

مشيت على جواره وأنا أقول:
"هل تأخرت؟؟"

حاول أن يبدو جادا وقال:
" نعم...كثيرا...ولولا أنني رجوتهم للإنتظار لذهبوا بدونك"

رفعت حاجبي وقلت:
"وماذا عنك أنت؟؟"

أجاب ببطء:
"بما أننا أصدقاء جدد ..أعتقد أنني كنت سأبقى لأترك لديك انطباعا جيدا عني"

قلت بصدق :
"لقد تركت أكثر من انطباع جيد ليلة البارحة"

ضحك وقال:
"إذن تجاوزت الإمتحان بنجاح"

عبست وقلت:
"لا..ليس امتحانا...لكن أغلب الشباب يهربون من أمام المرأة إذا عرفوا أنها أرملة ...خاصة إذا كان لديها أطفال"

قال بسرعة:
"لقد تفاجأت طبعا...لكن انطلاقك وحبك للحياة ...ثقتك الرائعة بنفسك وتفاؤلك دائما للأفضل..كل هذه الأشياء جعلتني أرى أن ترملك قد منحك ميزة...لا عيبا"

كافحت الدموع التي تجمعت في عيني وأنا أقول:
" شكرا...لن أنسى كلماتك هذه ما حييت "

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

كانت صداقتنا مثار تعجب الآخرين..فقد كانوا غالبا ما يروننا نختلف على أشياء كثيرة....لنتفق بعدها على أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية..
أذهلني التناقض العجيب بين ذوقينا في كل شيء...

لكن هذا التناقض كان أشبه بالمغناطيس...يجذبنا أكثر فأكثر نحو بعضنا...على الرغم من أننا لم نتحدث عن الموضوع...إلا أن المشاعر القوية تجد طريقها عبر العيون...
حتى أتى اليوم الذي أثبت حقيقة ما أشعر به...

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

قبل يومين من نهاية الرحلة..سمعت طرقات خافتة على باب غرفتي قبل ذهابي إلى النوم...فتحت الباب لأجد لؤي أمامي..
قلت بوجل:
"هل أنت بخير؟؟...هل حدث شي؟؟؟"

قال مطمئنا:
"كل شيء بخير..لقد جئت لأقول لك بما أنه يوم استراحة غدا...لم لا نذهب سويا إلى الغابة؟؟"

وقبل أن أعطيه جوابا...قال:
"إلا إذا كنت تشعرين بإرهاق وترغبين قضاء اليوم في غرفتك"

أومأت برأسي وقلت:
"لطف منك أن تعرض علي الذهاب..لذا أوافق بلا تردد"

اعتدل في وقفته وقال بابتسامة فرح:
"أي وقت يناسبك؟؟"

"نلتقي في العاشرة...في المكان المعتاد"

"حسنا...تصبحين على خير"

أقفلت الباب وأنا أحاول السيطرة على مشاعري المضطربة...هذا ما كان ينقصني مع أستاذي...
الحب....وهذا الشوق الذي لا ينتهي....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

في العاشرة كنا نتجه نحو الغابة مشيا على الأقدام...الجو صاف والشمس ترسل خيوطا مشرقة بين أوراق الشجر...
كنا ننصت لصوت تغاريد الطيور كما لو كانت سيمفونية عذبة...وبعد أن تعبنا من المسير توقفنا لنجلس تحت إحدى الشجر...

هناك قررت أن أصارحه بقصة زواجي...
قلت بلا مقدمات:
"لؤي...أتذكر عندما أخبرتك عن موت زوجي؟"

قال بتردد:
"نعم..أذكر"

"الآن سأخبرك بكل ما حصل"

"لا داعي ..أتفهم عدم إخبارك لي"

"لكنني أريد ذلك"

وهكذا أخبرته بكل التفاصيل....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

بعد أن انتهيت...كان يريد أن يقول شيئا ...لكنه لم يستطع...إذ صرخت بقوة وأنا أقفز من مكاني...
لقد لدغتني أفعى في ساقي....هل سأموت هنا؟!!...وقبل أن أرى طفلتي العزيزة؟!!...
كانت هذه الأسئلة تدور في ذهني وأنا أفقد الوعي تدريجيا...

سارع لؤي إلى حملي...بعدها فقدت الوعي...

عندما فتحت عيني ثانية كان الظلام مخيما في الخارج...لا بد أنني في مستشفى فأنا على سرير أبيض...وبعض الأنابيب موصلة في يدي...
الحمدلله...مازلت على قيد الحياة...

اقتربت مني ممرضة وقالت:
"لقد زال الخطر الآن"

ابتسمت بوهن واتجهت نظراتي نحو الكرسي الذي بجانبي...لقد كان خاليا...
قالت الممرضة وكأنها تقرأ أفكاري:
"لقد أعطاه الطبيب مهدئا...فقد رفض أن يستريح رغم أنه حملك وسار مسافة طويلة...كان كالمجنون عندما أحضرك إلى هنا..
مكررا أنه المخطيء...فهو الذي اقترح عليك الذهاب للغابة."

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

في الصباح جاء لزيارتي...وقبل أن يتكلم قلت :
"إنني أدين لك بحياتي"

قال بإرهاق:
" بل كدت أودي بحياتك....أنا واقتراحي الغبي"

قلت بحزم:
"ليس ذنبك...ثم إنني أجد أنها أفضل نزهة في هذه الرحلة"

نظر إلي بدهشة ...فقلت:
" لقد جعلتني أدرك قيمتي عندك"

قال بهدوء:
"كلا....أنت لا تدركين حجم هذا الحب الذي أحمله في قلبي نحوك"

هتفت بفرح:
"ياه....لو تعلم كم تقت إلى سماع هذه الكلمات منك"

قال بلهفة:
"أتعنين أنك تحبينني؟!!"

" نعم...نعم أيها الأبله"

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

بعد عدة أيام من عودتنا إلى الوطن...حضر لاصطحابي أنا وسارة إلى إحدى مراكز ألعاب الأطفال....وبينما كانت طفلتي تمرح مع الأطفال...
قال لي:
"أريد أن تكون علاقتي معك واضحة"

قلت بمكر:
"باب منزلنا مفتوح للجميع"

ضحك وقال:
"حسنا...عندما يعود أخي الأكبر من سفره سأتقدم رسميا لخطبتك...نسيت أن أقول أنه أستاذ في علم النبات في الجامعة التي تخرجت منها...
استغرب أنك لم تأت على ذكره...أو ربما لم يدرس فرقتك...
فالجامعة مليئة بالأساتذة"

لوهلة...فقدت الإحساس بما حولي....كيف لم أربط بين أسماء عائلتهما...
الجامعة مليئة بالإساتذة....صحيح...

لكن لؤي هو الأخ الأصغر لأستاذي الذي خطبني....والآن أخوه يعرض علي نفس الطلب...
الفرق بين الإثنين أن الأكبر يحبني.....وأنا أحب الثاني.....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

قضيت أياما رهيبة....أحاول تجنب لؤي...لكن الفرج جاء دون سابق إنذار...
تقدم ابن عمتي لخطبتي....أخ زوجي السابق....إنه يختلف عن عادل....
والكل يشهد على حسن خلقه...وهكذا اكتملت خطتي...

اتصلت بلؤي واتفقت على مقابلته في أحد المطاعم....كنت هذه المرة مبكرة وجلست بتوتر في انتظاره....
عندما حضر...قلت له قبل أن أفقد شجاعتي..

" لا يمكنني الزواج بك"

قال بصوت بارد:
"ماذا حدث للحب الذي بيننا؟؟"

قلت بصعوبة:
"لو تزوجت سأخسر حضانة ابنتي...سواء أنت أو سواك...ماعدا شخص واحد..ابن عمتي ...عم سارة...
إنه الحل الأمثل لمشكلتي...أما عن الحب فلا زال يعيش بداخلي...
إنني لم أحب أحدا كما أحببتك...
لكن ليس أمامي خيار آخر....أرجوك حاول أن تفهم....لذا خذ ما أمنحك إياه...
خذ الحب واذهب.."..

نهضت بسرعة وغادرت والألم يعتصرني.....بكيت على الحب الذي خسرته قبل أن يتوج بالزواج...
لقد كنت قاسية معه...لكن ألم يكن ذلك أسهل؟!!...
فكيف يمكنني أن أقول له أن أخاه قد طلبني للزواج قبل أن ألتقي به؟!!!...

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

ستة عشر سنة.....قضيتها مع زوجي الثاني....ابن عمتي....
حاولت خلالها نسيان لؤي احتراما لزوجي الذي لم يقصر معي في شيء...

وها هي سارة في العشرين من عمرها.....مليئة بالحيوية والمرح....
لم أخبرها يوما عن حقيقة والدها....ما الفائدة من إحياء ذكريات مؤلمة لا تجلب إلا الشقاء؟!!..

وذات يوم أقبلت سارة نحوي والسعادة تشع من وجهها ...قالت:
"أمي...هناك ضيوف قادمون لزيارتنا مساءا"..

"من هم يا ابنتي؟؟"

" ستعرفين عندما يحضرون"

ثم ذهبت من أمامي وهي تغني بفرح...هززت كتفي وبدأت بالإستعداد لاستقبال الضيوف..
إنها حتى لم تخبرني كم عددهم!!...
أراهن أنهما اثنان...

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

كلما اقترب موعد حضور الضيوف ازداد اضطراب سارة....كنت أراقبها أنا وزوجي ونبتسم ابتسامة ذات مغزى...
وعندما دق جرس الباب....ذهب زوجي لاستقبالهم ريثما أجهز القهوة...
وبعد دقائق أقبلت سارة نحوي وقالت:
"هل انتهيت يا أمي؟"

"لم أنت متوترة هكذا؟؟"

" أوه يا أمي....ليس الآن"

ضحكت وأنا أقول:
"حسنا ...اسبقيني..سآتي الآن"

وخلال لحظات دخلت إلى غرفة الجلوس لأقابل الضيوف...
كنت مخطئة...لم يكونوا ضيفين...بل واحد....في أوائل الأربعينات...

قالت سارة بخجل:
"أمي....هذا أستاذي في الجامعة"

وهكذا وجدت نفسي بعد كل هذا الوقت وجها لوجه مع أستاذ ابنتي...خطيبها المنتظر..
حبيبي السابق......

لؤي.....

يالسخرية الحب....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~




تــــــمــــــــــت




24
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

**روووى**
**روووى**


ابداااااااع

سلمت يداكِ

لكِ
قلبٌ أدمته الجراح
لأول مرة أجد نفسي بكل هذا الحماس أقرأ.. وأقرأ...وأقرأ...

قصة رغم بساطتها إلا أنها سرقت الكثيرر والكثير مني... أخذت بي الى

عالمك الا متناهي.. عالم أرى فيه إنكسار الحب.. وصدقه... وعذاباته...

بحق أنتِ جميلة.. في روحك.. ووصفك... وحرفك...

كل الود...


بـاقي فرح
بـاقي فرح
:
:

مؤلمـــــــة أبدعتي عزيزتي


ماننحرمش منك ومن جديدك,,
:
:
**بريد الشوق**
**بريد الشوق**
جذبتني حروفك لابعد الحدود انتي رائعة بروعة قلمك
ربا بنت خالد
ربا بنت خالد
جذبتني حروفك لابعد الحدود انتي رائعة بروعة قلمك
جذبتني حروفك لابعد الحدود انتي رائعة بروعة قلمك



.
..كلمه مبدعة قليله بحقك ..
لا املك الا ان اقول ما شاء
الله تبااارك الله ..
الله يحفظك بحفظه ..