بائع متجول

الأدب النبطي والفصيح

بائع متجول
كان ذلك الحوار الذي دار بين أمي والحيزبون البشعة هو صرخة ميلادي الحقيقية .. كنت أظن حينها أن عمري عشر سنوات ولكنني اكتشفت فيما بعد أنني وُلدتُ في تلك اللحظة التي مالت فيها تلك الحيزبون مفلطحة الأنف ذات العينين اللتين لا تستقران في مكان واحد و أخاديد الصحراء المنتشرة بكثرة على وجهها على أذن أمي بوجهها الملائكي المنتفخ من أثر البكاء .. ونفثت سمومها

عندما أتذكر نظرة عجوز الغابرين لي وانتقال عينيها بيني وبين أمي كبندول ساعة كروية الشكل أشعر برجفة تسري في أوصالي .. لمَ استمعتِ لها يا أمي؟ لمَ أعطيتها أذنك ؟ ألا تعرفين أنها لا تأتينا بخير أبداً؟

كنتُ متأكداً أنها تتحدث عني .. تحرك يديها وتنظر إلي وفمها لا يتوقف أبداً كمدفع رشاش في يد مجند خائف يضغط على الزناد بكل قوته من شدة الخوف .. ونظرات أمي الهلعة وتحريك رأسها نفياً واستنكاراً يزيدان من خوفي

ترى ما الذي تبثه نائبة إبليس في أذن أمي؟ وفي هذا الوقت بالذات؟ في اليوم الثالث لوفاة والدي _ رحمه الله _

مسكينة أمي .. لا ألومها على موافقتها .. لقد كانت مشوشة من الحزن وصدمة فقد والدي .. متعبة من السهر لأكثر من ثلاث ليالِ .. خائفة من مستقبل مجهول تعيل فيه خمسة أيتام أكبرهم في العاشرة من عمره بلا مصدر للرزق وبلا أهل أو أقرباء .. لا يحيط بها سوى جيران مختلفو الجنسيات ظروفهم تشابه ظروفها إن لم تكن أسوأ..
على الأقل كنا نسكن في بيت بجدران وسقف ونمتلك تلفازاً .. رحمك الله يا أبي كم كنت رائعاً عندما أحضرت لنا هذا التلفاز .. بعض جيراننا يعيشون في منازل من الصفيح .. وبعضهم في أعشاش فوق الجبال ..

دائماً أفكر أن الرفاهية عندما تكون في غير محلها فإنها تنقلب إلى وباء يدمر أصحابها .. ربما أكون مخطئاً وأن الرفاهية في نظري هي حاجة وضرورة في نظر غيري ... والذين هم أكبر مني على وجه الخصوص..


يتبع
36
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الفـــــــارسـة
بعد أن غادرت العجوز الشمطاء منزلنا شيعتها بنظرة احتقار .. كنتُ أكرهها من كل قلبي رغم أنها لم تفعل لي شيئاً.. على العكس كانت دائماً تحاول أن تكون لطيفة وتبتسم في وجهي ابتسامة بلهاء لم أرَ أبشع منها في حياتي تظهر المغارة الخربة ذات النتوءات المتآكلة بفعل عوامل التعرية.. ولكنهم يقولون أن الأطفال والحيوانات لديهم حاسة تمكنهم من التمييز بين الأشرار والأخيار.. وأنا كنتُ طفلاً .. اتجهتُ بخطوات بطيئة وجلست بجانب أمي .. كفاي بين فخذي مطأطئ الرأس .. أنتظر حديثها .. كنتُ موقناً أنها ستحدثني ولكنها لا تعرف كيف تبدأ .. لا بد أن ما أخبرتها به الغولة أمرٌ جلل خاصة أنني وبعد أن رأيت نظرات الاستنكار من أمي واندفاع الغولة واستمرارها في الحديث.. رأيتها تذعن وتخفض رأسها بانكسار ودمعتان تتدحرجان على خديها المرمريين ..
شعرتُ بكفها الحانية على فخذي ..
_ هل تحب المدرسة يا حبيبي؟
_ ..............
_ أعلم أنك حزين على موت والدك ولا تريد أن تتحدث .. ولكنني أعتمد على الله ثم عليك .. فأنت الآن رجل البيت .. ويجب أن نتحدث كالكبار ونناقش مستقبلنا
_ ................
_ حبيبي أجبني أرجوك .. لا تزد في تعذيبي

رفعتُ إليها عينين دامعتين وتمتمت
_ أنا تحت أمركِ يا أمي
ضمتني إلى صدرها وقبلت رأسي .. يااااااااه ما أروع هذا الحضن .. كم أغدق عليّ من ينبوع حنانه الذي لا ينضب .. كم أزال عني كل ما أشعر به من بؤس وشقاء .. وكم أنا محظوظ لأن لديّ مثل هذا الحضن الذي حُرم منه كثير من الناس
اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال
_ حبيبي لقد عرضت عليّ الخالة جمعة عرضاً
_ الساحرة الشمطاء؟ أمنا الغولة ؟؟
_ عيب يا أحمد .. لا يصح أن تتحدث هكذا عن الناس .. مهما يكن هي كبيرة في السن وعليك احترام الكبار
كانت أمي تناديني باسمي عندما تغضب مني فقط .. أما اسمي عندها في بقية الأوقات فهو حبيبي ..
أطرقتُ خجلاً رغم أنني في نفسي كنت أتميز غيظاً وأقول : أي احترام هذا الذي تستحقه مثل تلك المرأة؟ .. ولكنني داريت مشاعري من أجل أمي الحبيبة
_ آسف .. أعدكِ بعدم تكرار ذلك
_ بارك الله بك يا بني .. ألا تريد أن تسمع عرضها؟
هززتُ رأسي أن بلى أريد .. كان الفضول يدفعني لسماع العرض ولكن قلبي كان يخفق بشدة .. لأنني كدتُ أجزم بأنه عرضٌ شيطاني كصاحبته
_ الخالة جمعة تريدك أن تعمل يا حبيبي لتوفر لنا ما نستطيع به إكمال الحياة .. أنت تعلم أن والدك _ رحمه الله _ لم يترك وراءه شيئاً سوى الذكرى الطيبة .. وأن عمله كحمّال للخضار في سوق الخضار لم يكن يجلب لنا إلا قوت يومنا .. ونحن عائلة من ستة أشخاص .. فكيف سنعيش؟

تساءلتُ في نفسي ومن أين أحضر التلفاز ؟ ولكنني كتمت سؤالي فليس هذا وقته المناسب ..
فكرة العمل لا بأس بها وكنت سأعرضها على أمي .. ولكن أي نوع من الأعمال ستعرضه عليّ الساحرة؟ ..
دارت في رأسي عدة أعمال شيطانية .. السرقة .. التسول بعد أن تشوهني أو تصنع في جسدي إعاقة دائمة .. تجارة الممنوعات أو المخدرات ......الخ
_ وما نوع العمل يا أمي؟
_ بائع متجول .. هي تزودك بالبضاعة وأنت تبيعها على أن يكون سبعون في المائة من الربح لها ولنا ثلاثون ..
انتفضتُ غضباً واتسعت عيناي .. أي هراءٍ هذا؟ صرخت
_ ولكن يا أمي هذا ظلم .. ثلاثة أرباع الجهد عليّ أنا إن لم يكن كله فكيف تسرق تعبي من أجل بضاعة؟ نستطيع أن ندبر بضاعة وأمتهن نفس المهنة ويكون الربح كله لنا ولا حاجة لنا لهذه الـ ...
_ حبيبي نحن بحاجتها ولا يمكننا أن ننكر هذا .. نحن لا نملك المال لنوفر بضاعة نبدأ بها .. وهي الوحيدة التي فكرت بنا وعرضت علينا المساعدة .. كل الجيران مشغولون بحياتهم وشقائهم ولن يساعدنا أحد .. حبيبي يجب أن نوافق .. مؤقتاً على الأقل إلى أن يشتد ساعدك وتستطيع الاعتماد على نفسك كلياً

فكرتُ في كلام أمي .. معها حق .. من سينظر لنا أو يهتم بنا؟ .. قررتُ أن أبدأ مع نائبة إبليس إلى أن أصبح محترفاً وسأدخر جزءاً من الأرباح حتى أستطيع شراء بضاعتي الخاصة

_ موافق يا أمي
_ ولكن ...
_ ماذا يا أمي؟ هناك شيء آخر ولا تستطيعين قوله لي أليس كذلك؟
بدأ القلق يصيبني بالصداع .. ما الذي ستقوله أمي أيضاً؟ .. شعرتُ أن هناك كارثة قادمة إليًّ


يتبع
تــيــمــة
تــيــمــة
هل يمكنني أن أخمن ؟؟؟


لالالا ... سأترك لك الملعب .. فهو ملعبك أنت ...... وحدك ...


وأخيرًا يا فارستنا .. يشرق قلمك بين صفحات واحتنا الحبيبة حاملاً قصة ... هل أقول ... طويلة ؟؟

أسلوب سلس وفكرة جديدة وبيئة غريبة .. وتشويق جميل ...



أتمنى ألا ينضب حبر هذا القلم الحبيب الى نفسي ...


( ترى .... من أين أحضر الأب ثمن التلفاز ؟؟؟؟؟؟؟؟ ) يومًا ما سنعرف .. :17:
الفـــــــارسـة
حبيبتي تيمة

ليتك تحتفظين باستنتاجاتك وتخميناتك وتعرضينها عليّ بعد انتهائي من القصة إن شاء الله

شكراً لكِ على التشجيع

لا زلتُ خائفة .. ولكن معكن إن شاء الله سأتابع الكتابة

كوني معي .. ستفاجئين من الأحداث .. :23:
الفـــــــارسـة
أخفضت أمي عينيها بانكسار متعمدة ألا تنظر في عيني المتلهفتين القلقتين وقالت بصوت لا أكاد أسمعه
_ حبيبي كل الذين يعملون عند الخالة جمعة يعملون صباحاً .. من السابعة صباحاً وحتى الثانية ظهراً وأحياناً أكثر حسب العمل
اتسعت عيناي
_ ماذا تعنين ؟
ازداد انخفاض رأسها وصوتها
_ أعني أنك يجب أن تترك المدرسة يا حبيبي
قفزتُ كملدوغ .. وفارت في جسدي الدماء الأفغانية .. احمر وجهي كقطعة كيك بالفراولة .. تلعثمت من شدة غضبي
_ كلا يا أمي .. أنا آسف .. أنا مستعد أن أضحي بأي شيء من أجلكم .. مستعد أن أعمل من بعد دوام المدرسة وحتى صباح اليوم التالي إن لزم الأمر في سبيل راحتكم .. ولكنني لن أضحي بالمدرسة .. أمي أنتِ تعرفين عشقي للدراسة .. تعرفين مقدار تفوقي .. لماذا يا أمي؟ .. كيف استطعتِ أن تفكري في حرماني من طموحي ومستقبلي ؟......
رأيتُ الدموع تتجمع في عينيها وتبدأ بالتدحرج .. قالت بصوت مخنوق
_ أنا آسفة يا بني .. فكرتُ بأنانية .. انسَ الأمر
_ وماذا سنفعل؟ من أين سنصرف على أنفسنا ؟ هل ستحدثين الخالة جمعة لتجعل عملي في المساء؟
_ لن توافق حبيبي .. إنها متشددة جداً في هذه النقطة .. ولقد حاولتُ معها كثيراً ولكنها لم توافق
_ والعمل؟
_ ليس أمامي سوى العمل كخادمة في المنازل.
ازداد احمرار وجهي حتى شعرتُ أنه سينفجر .. حرارتي زادت .. وشعرت بها تخرج من أذني .. يا إلهي ما الذي تقوله أمي؟ .. ما الذي يحدث لنا؟ ..
_ أقسم بالله يا أمي .. والذي خلقني وخلقك لن يحدث هذا مادمتُ على قيد الحياة .. هل تسمعينني؟ أقسم أنني لن أسمح بشيء كهذا ما حييت ..
وخرجتُ من الغرفة متوجهاً إلى حجرتي
_ حبيبي ماذا ستفعل؟
_ سأعمل مع الشمطاء اللعينة وأترك المدرسة
وأغلقت باب الحجرة بكل ما أوتيت من قوة
في تلك الليلة هطلت أمطار غزيرة جداً .. أمطار لم تشهدها مكة المكرمة منذ أعوام عديدة .. لا أذكر خلال العشر سنوات التي عشتها في هذه الدنيا القبيحة أن رأيت مثل هذا المطر
تمددتُ على فراشي وبدأت الأفكار تهاجمني كجاثوم .. قضيتُ ليلتي وأنا أصارعه ويصارعني ودوي الرعد مع طرق المياه على النافذة كموسيقى تصويرية مرعبة وتم تصوير المشهد بفلاشات البرق المتتابعة.. كنت قد اطمأننت على إخوتي الصغار الذين ينامون بجانبي .. كانوا نياماً جميعهم بعد يوم حافل باللعب مع أطفال الجيران الذين أتى أهلهم لتعزية أمي ومواساتها .. حسدتهم على صغر سنهم .. رغم أنني طفل ولكنني كنتُ رجلاً ومن قبل أن يتوفى والدي .. كنت أفهم وأشعر بكل ما يعانيه أبي وأمي .. ليتني كنت الثاني أو الثالث .. ليتني كنت لا أفقه شيئاً .. ترى لماذا أمطرت بكل هذه القوة ؟ هل تشعر السماء بي؟ هل تبكي من أجلي؟ ماذا تفعل أمي الآن؟ وهل ستستطيع النوم؟ .. وأبي ماذا يفعل في قبره ؟ .. هل يعلم بما سيحدث لي ؟ هل استمع إلى حوارنا أنا وأمي؟ .. هل سيتبلل بالمطر؟ .. كان يحب المطر ولكن هل سيحبه الآن عندما يتسلل إليه في قبره ويزعج نومه الطويل؟ .. هل هذا المطر غيث خير ورحمة؟ أم عذاب وغضب من الله ؟ ليت الحيزبون تغرق في هذا المطر ولا أراها غداً إلا في قبرها .. ترى ماذا سيحدث في الحفرة العميقة في أسفل الجبل؟ هل ستمتلئ بالمياه الخضراء أكثر؟ هل سيسبح فيها أولاد الجيران كعادتهم ؟ ..
كنتُ أكره هذه الحفرة التي حفرها عمال البناء وكسروا الجبل بجانبها ليبنوا شيئاً لا أعرف ما هو .. ولكنهم لم يكملوا البناء وتركوها مهملة تتجمع فيها المياه من الأمطار أو من أنابيب الصرف الصحي .. كانت المياه فيها خضراء ملوثة .. كنت أتخيلها مليئة بالديدان .. ولكن أولاد الجيران كانوا يسبحون فيها يومياً .. ويحاولون معي كي أشاركهم وأنا أرفض بشدة .. لا أعرف كيف يتحملون قذارتها ورائحتها الكريهة .. الحفرة حفرت منذ أكثر من عام ولا أدري متى سيبنون ما يريدون بناؤه .. أظن أن المياه ستفيض في هذه الحفرة الليلة من شدة الأمطار ..
قررتُ أن أنزل إلى الحفرة في الصباح لأرى ماذا حدث فيها مادمتُ لن أذهب إلى المدرسة ..


يتبع
تــيــمــة
تــيــمــة
الحفرة الخضراء ... شيء من الذاكرة لابد أن يظهر على السطح بالرغم منا ..

هذا ما أردت تخمينه ... أن تطلب منه ترك المدرسة ..

ما زلت متابعة ..

كيف سيبدأ مشوار عمله الجديد ؟؟
كيف سيشعر وهو يراقب زملاءه يتوجهون للمدرسة بينما يحوم في الشوارع بحثًا عن شاري ؟؟
وكم سيجمع من مال ؟؟
وكيف سيكون اللقاء بينه وبين الحيزبون ؟؟

لدي ملاحظات بسيطة على الجزء السابق :


1- احمر وجهي كقطعة كيك بالفراولة ـــــــــ> أظن أن كلمة ( كعك ) هي الأصوب ..
2- لاحظت عدم وضعك لهذه العلامة : قبل الأقوال ..
3- قضيتُ ليلتي وأنا أصارعه ويصارعني ــــــــــ> أظن من الأفضل التحدث عن الأفكار لا الجاثوم ( أصارعها وتصارعني )
3- ودوي الرعد مع طرق المياه على النافذة كموسيقى تصويرية مرعبة وتم تصوير المشهد بفلاشات البرق المتتابعة.. ــــــــــــــــــــ> شيء ما في هذه الجملة !!! لا أدري كيف أصوبها .. ربما ما أربكني الفعل الماضي ( تم ) الذي أتى بعد المصادر ( دوي / طرق )

لك تحياتي .... :26: