اريد مساعدتكم في اختيار موضوع ديني لعمل بحث

الطالبات

السلام عليكم
اريد مساعدتكم في اختيار موضوع ديني لعمل بحث
وشكرا
12
15K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

عبيــــر الــــورد

جريمة بناء الكنائس في الجزيرة العربية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فهذه وريقات عن حرمة بناء الكنائس في جزيرة العرب دفعني لكتابتها ما يتردد كثيراً هذه الأيام في المحافل والمؤتمرات وما يسمى بمنظمات الحقوق العالمية وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية وغيرها من الدعوة لبناء الكنائس في الجزيرة العربية، يغيظهم كونها حرم الإسلام ومعقله وقاعدته الأولى، ويردد ذلك معهم في بعض وسائل الإعلام من أعاروا عقولهم لغيرهم وأثاروا الشبهات والشكوك حول هذه المسألة القطعية من دين الإسلام، نقلتُ فيه طرفاً من النصوص الدالة على تحريم ذلك، وأقوال العلماء في المسألة مع الرد على شبهات المعاصرين.
و (جزيرة العرب أو شبه الجزيرة العربية يحدها غربا: بحر القُلْزُم، وهو المعروف الآن باسم: البحر الأحمر، وجنوباً: بحر العرب، ويقال له: بحر اليمن، وشرقاً: الخليج العربي، والتحديد من هذه الجهات الثلاث بالأبحر المذكورة محل اتفاق بين المحدثين، والفقهاء، والمؤرخين، والجغرافيين، وغيرهم. وممن أفصح عن هذا التحديد بالنص: ابن حَوْقَل، والاصطخري، والهمداني، والبكري، وياقوت، وهو منصوص الرواية عن الإمام مالكٍ، وتفيده الرواية عن الإمام أحمد؛ رحم الله الجميع، ويحدها شمالا ساحلُ البحرِ الأحمر الشرقيُّ الشماليُّ وما على مسامتته شرقاً؛ من مشارف الشام والأردن والعراق، وعليه؛ فالأردُنُّ، وسوريَّا، والعراقُ؛ ليست في محدود جزيرة العرب وهو ما حرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقال: (جزيرة العرب: هي من بحر القُلزم إلى بحر البصرة، ومن أقصى حِجْرِ اليمامة إلى أوائل الشام، بحيث كانت تدخل اليمن في دارهم، ولا تدخل فيها الشام، وفي هذه الأرض كانت العرب حين البعث وقبله...) )
وهذا يعني أن دول مجلس التعاون كلها واليمن داخلة تحت مسمى الجزيرة العربية على الراجح من أقوال العلماء.
وهناك أقوال أخرى فنَّدها الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله- في كتابه الماتع (خصائص الجزيرة العربية) فليراجعها من شاء.
أما الأدلة: فقد وردت أحاديث صحيحة تحرِّم الإذنَ بوجود دين آخر مع الإسلام في جزيرة العرب وهي تقتضي تحريم بناء معابد لغير المسلمين من كنائس وغيرها من باب أولى، ومن ذلك حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (لا تكون قبلتان في بلد واحد) وفي لفظ: (لا تصلح قبلتان في أرض واحدة) رواه أبو داود، وحديث عائشة رضي الله عنها: (لا يترك بجزيرة العرب دينان) رواه أحمد، وحديث أبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه: (لا يبقين دينان بأرض العرب) رواه البيهقي.
وعلى هذا جرى عمل الأمة قروناً طويلة ابتداءً من عصر خير القرون، وحتى وقت متأخر من التاريخ الإسلامي، فأجلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهود خيبر ونجران وفدك، ووضع الشروط المشهورة بالعمرية وفيها: (أنَّا شرطنا على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا كنيسةً ولا فيما حولها ديراً ولا قلايةً ولا صومعةً)، وفي كتاب (الأموال) لأبي عبيد القاسم بن سلام، و (مصنف ابن أبي شيبة) بإسناد ضعيف عن عكرمة قال: سئل ابن عباس عن أمصار العرب أو دار العرب هل للعجم أن يحدثوا فيها شيئاً؟ فقال: ( أيُّما مِصر مَصَّرتْهُ العربُ فليسَ للعَجمِ أن يبنوا فيهِ بناءً ولا بيعة ولا يضربُوا فيه ناقوساً...).
قال القاضي تقي الدين السبكي: (وقد أخذ العلماء بقول ابن عباس هذا وجعلوه مع قول عمر، وسكوت بقية الصحابة إجماعاً).
وفَهِمَ هذه الدلالة من أهل القرون المفضلة من غير الصحابة علماءُ التابعين وحكامُهم ، فقد روى عبدالرزاق في مصنفه عن عمه وهب بن نافع قال: (كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عروة بن محمد أن يهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين، قال: فشهدت عروة بن محمد ركب حتى وقف عليها ثم دعاني فشهدتُ كتابَ عمر وهدْمَ عروة إياها، فهدمها)، وروى عن معمر عن إسماعيل بن أمية أخبره: (أنه مرَّ مع هشام بحدة وقد أُحدثت فيها كنيسة فاستشار في هدمها فهدمها هشام). وروى عن الحسن البصري قال: (من السنة أن تُهدم الكنائس التي بالأمصار القديمة والحديثة). والآثار في هذا كثيرة جداً، (لهذا أجمع العلماء على تحريم بناء المعابد الكفرية مثل: الكنائس في بلاد المسلمين، وأنه لا يجوز اجتماع قبلتين في بلد واحد من بلاد الإسلام، وألا يكون فيها شيء من شعائر الكفار لا كنائس ولا غيرها، وأجمعوا على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أُحدثت في الإسلام) بل وأجمعوا (على أن بناء المعابد الكفرية ومنها الكنائس في جزيرة العرب أشد إثماً وأعظم جرماً) وأقوالهم في هذا كثيرة جداً، منها:
1- قال الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة: (ليس ينبغي أن تترك في أرض العرب كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار)
2- وفي المدونة الكبرى (قلت: أرأيت هل كان مالك يقول: ليس للنصارى أن يحدثوا الكنائس في بلاد الإسلام؟ قال: نعم كان مالك يكره ذلك)
3- وقال الإمام الشافعي: (ولا يحدثوا في أمصار المسلمين كنيسة ولا مجتمعاً لصلواتهم...)
4- وقال الإمام أحمد: (ليس لليهود ولا للنصارى أن يحدثوا في مِصر مَصَّرَهُ المسلمون بيعة ولا كنيسة ولا يضربوا فيه بناقوس)
5- وقال أبو الحسن الأشعري: (إرادة الكفر كفر وبناء كنيسة يكفر فيها بالله كفر، لأنه إرادة الكفر)
6- وقال ابن قدامة: (ويُمنعون من إحداث البيع والكنائس والصوامع في بلاد المسلمين لما روي في شروطهم لعبد الرحمن بن غنم)
7- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الرسالة القبرصية): (اتفق المسلمون على أن ما بناه المسلمون من المدائن لم يكن لأهل الذمة أن يحدثوا فيها كنيسة ... والمدينة التي يسكنها المسلمون والقرية التي يسكنها المسلمون وفيها مساجد المسلمين لا يجوز أن يظهر فيها شيء من شعائر الكفر لا كنائس ولا غيرها) وقال: (من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يُعبد فيها، أو أن ما يفعله اليهود والنصارى عبَادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر)
8- وقال القاضي تقي الدين السبكي: (فإن بناء الكنيسة حرام بالإجماع، وكذا ترميمها)
9- وقال الحافظ ابن القيم: (ولا يمكنون من إحداث البيع والكنائس كما شرط عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الشروط المشهورة عنه...وهذا مذهب الأئمة الأربعة في الأمصار، ومذهب جمهورهم في القرى، وما زال من يوفقه الله من ولاة أمور المسلمين ينفذ ذلك ويعمل به مثل عمر بن عبدالعزيز الذي اتفق المسلمون على أنه إمام هدى)
10- وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز: (لا يجوز أن يبنى في الجزيرة معابد للكفرة لا النصارى ولا غيرهم، وما بني فيها يجب أن يهدم مع القدرة. وعلى ولي الأمر أن يهدمها ويزيلها ولا يبقي في الجزيرة مبادئ أو معاقل للشرك لا كنائس ولا معابد، بل يجب أن تزال من الجزيرة، حتى لا يبقى فيها إلا المساجد والمسلمون) وقال: (أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم بناء الكنائس في البلاد الإسلامية وعلى وجوب هدمها إذا أحدثت وعلى أن بناءها في الجزيرة العربية كنجد والحجاز وبلدان الخليج واليمن أشد إثما وأعظم جرماً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب ونهى أن يجتمع فيها دينان وتبعه أصحابه في ذلك ولما استُخْلِفَ عمر رضي الله عنه أجلى اليهود من خيبر عملا بهذه السنة ولأن الجزيرة العربية هي مهد الإسلام ومنطلق الدعاة إليه ومحل قبلة المسلمين فلا يجوز أن ينشأ فيها بيت لعبادة غير الله سبحانه كما لا يجوز أن يقر فيها من يعبد غيره)
11- وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية قولهم: (كل مكان يعدُّ للعبادة على غير دين الإسلام فهو بيت كفر وضلال، إذ لا تجوز عبادة الله إلا بما شرع الله سبحانه في الإسلام، وشريعة الإسلام خاتمة الشرائع، عامة للثقلين الجن والإنس وناسخة لما قبلها، وهذا مُجمع عليه بحمد الله تعالى....ولهذا صار من ضروريات الدين: تحريم الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الإسلام، ومنه تحريم بناء معابد وفق شرائع منسوخة يهودية أو نصرانية أو غيرهما؛ لأن تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية؛... فجزيرة العرب: حرمُ الإسلام وقاعدته التي لا يجوز السماح أو الإذن لكافر باختراقها، ولا التجنس بجنسيتها، ولا التملك فيها، فضلاً عن إقامة كنيسة فيها لعبَّاد الصليب، فلا يجتمع فيها دينان، إلا ديناً واحداً هو دين الإسلام الذي بَعَثَ الله به نبيه ورسوله محمداً، ولا يكون فيها قبلتان إلا قبلة واحدة هي قبلة المسلمين إلى البيت العتيق،... وبهذا يُعلم أن السماح والرضا ب***** المعابد الكفرية مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره... عائذين بالله من الحور بعد الكَوْر، ومن الضلالة بعد الهداية، وليحذر المسلم أن يكون له نصيب من قول الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}محمد: 25-28" وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.)
12- وجاء في فتوى وزارة الأوقاف الكويتية: (إنَّ ***** أي دار للعبادة لغير المسلمين في دار الإسلام لا يجوز، وكذلك لا يجوز تأجير الدور لتكون كنائس، ولا تحويل الدور السكنية لتكون كنائس أو معابد لغير المسلمين، وذلك لإجماع علماء المسلمين على أنه لا تبقى في دار الإسلام مكان عبادة لغير المسلمين)
13- وقال الشيخ عبدالرحمن البراك –حفظه الله- (ومما يؤسف له أن بعض المسلمين استجابوا للكفار في بناء الكنائس، فها هي بعض البلاد الإسلامية في أطراف الجزيرة العربية؛ جزيرة الإسلام، ها هم أذِنوا للنصارى في بناء معابدهم، وقد جاء في الحديث لا تكون في أرض قبلتان، فلا تجتمع قبلة اليهود والنصارى مع قبلة المسلمين)
وهكذا، فأنت ترى أن علماء المسلمين وفقهاءهم قديماً وحديثاً أجمعوا على حرمة بناء الكنائس في البلدان الإسلامية وأنها في جزيرة العرب أشد إثماً لما تمتاز به هذه الجزيرة من خصائص فهي (وقف في الإسلام على أهل الإسلام، وهي وديعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمته، التي استحفظهم عليها في آخر ما عهده النبي صلى الله عليه وسلم، فهي دارٌ طيبة، لا يقطنها إلا طيب، ولما كان المشرك خبيثاً بشركه؛ حُرِّمت عليه جزيرة العرب... وإنه إذا ما عَدَّت يوماً نفسَها مثل أي قطرٍ من الأقطار، ترضى بمداخلة ما هو أجنبي عن الإسلام؛ فإنها تعمل على إسقاط نفسها من سجل التاريخ، وتقضي على ميزتها البارزة في خريطة العالم، فيخفت احترام العالم الإسلامي لها، وتفقد رهبة شراذم الكفر منها، وتفتح مجالاً فسيحاً للقوى الشريرة العاتية. وإنه إذا تقدمت الفتن، والبدع، والأهواء، والنِّحل، وضروب الغزو الفكري؛ تضرب فارهة على صخرة هذه الجزيرة؛ فقد تجللت حينئذ من كل ويلٍ تياراً، وأذنت بمشاكل ذات أحجام مختلفة في التمرد، وإذا تشربت النفوس بهذه الأنماط المتناثرة على جنبتي الصراط المستقيم؛ تشكلت الحياة إلى مزيجٍ من الأهواء والضلال البعيد، وهذا إيذانٌ بدك آخرِ حِصْنٍ للإسلام، وتقليصٍ لظلِّه عن معاقله في هذه الجزيرة المسكينة.
فالله طَليبُ الفَعَلةِ لذلك، وهو حسيبهم... وإن المتعيِّن على أهل هذه الجزيرةِ، وعلى من بسط اللهُ يده عليهم وعليها: المحافظةُ على هذه المَيِّزات والخصائصِ الشرعية؛ ليَظهر تميُّزُها، وتبقى الجزيرةُ وأهلُها مصدرَ الإشعاعِ لنور الإسلام على العالم.
وليُعلَم أنه كلما قَوِيَ هذا النورُ؛ امتدَّ هذا الإشعاعُ، وكلما ضَعُفَ وتضاءَلَ في هذه الجزيرةِ وأهلِها؛ تقاصرَ. ولا حول ولا قوة إلا بالله)
ومما يثيره اليوم الجهلة تارة، والمغرضون تارة أخرى، في وسائل الإعلام وغيرها، قولهم: كيف لا نسمح لهم ببناء الكنائس في بلادنا وقد سمحوا لنا ببناء المساجد في بلادهم؟!، ولو منعناهم من ذلك فسيمنعون المسلمين من بناء المساجد والصلاة فيها، وأنه ينبغي أن نعطي رعاياهم حريتهم الدينية كما أعطوا رعايا المسلمين حريتهم الدينية، وأن من العلماء المعاصرين من أفتى بجواز ذلك اعتماداً على رأي أبي حنيفة في الجواز، ...إلخ

وردُّ هذه الشُّبَه من وجوه:

الأول: أنَّ المساجدَ دورٌ يُعبد فيها الله عز وجل وحده، أما الكنائس فهي معابدُ كفرية، يُكفر فيها بالله عز وجل ويعبد معه غيره –المسيح وأمه-، فهل يستويان؟! {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}
الثاني: أن دعوى منحهم المسلمين الحرية في ممارسة تعاليمهم الدينية عارية عن الصحة، فهاهم يمنعون المسلمين من أقل حقوقهم الشخصية: كتعدد الزوجات، ولبس الحجاب، و***** بنوك إسلامية، وتطبيق أحكام الإسلام عليهم، وغير ذلك، بحجة أنَّ أنظمة البلد العلمانية تحظر ذلك، أفلا يحق للمسلمين أن يمنعوهم من بناء الكنائس لأن تعاليم دينهم الإسلامي تمنع ذلك؟!
الثالث: أن مواطني الدول الغربية قد اعتنق كثيرٌ منهم الإسلام، فالمساجد تعتبر عندهم من حقوق المواطنة وليس للوافدين من المسلمين، أما دول الجزيرة العربية فالأصل أنهم كلهم مسلمون ومن تنصَّرَ منهم فهو مرتَّدٌ عن دين الله وحكمه في الشرع معروف، فلمن تبنى الكنائس؟ أللعمالة الوافدة غير المستقرة؟! مالكم كيف تحكمون؟!
الرابع: أنَّ الإذنَ لهم ببناء كنائس في ديار الإسلام بحجة سماحهم للمسلمين ببناء المساجد في بلادهم يقودنا إلى قضية أخرى وهي الإذن لهم بالدعوة للنصرانية بين المسلمين بحجة أنهم يسمحون للمسلمين بأن يدعوا إلى الإسلام في بلادهم، فهل يقول بذلك مسلم؟! (بل من يجوِّز ذلك بحجة ما يسمى بحرية الاعتقاد فهو كافر مرتد وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم).
كما أنه يقودنا إلى قضية ثالثة: وهي الإذن لأصحاب الديانات الأخرى كالبوذية والهندوسية وغيرها ببناء معابد لهم، بل قد يكون أتباع هذه الملل في بعض دول الخليج -من العمالة الوافدة- أكثر من النصارى، فتصبح الجزيرة العربية مسرحاً لديانات الكفر والشرك، وهي التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا يكون فيها دينان!
الخامس: أنه لو ترتَّب على منعِ بناء الكنائس في بلاد المسلمين منعُ بناء المساجد في بلاد الكفار، فإنَّ درء مفسدة تلويث بلاد المسلمين وجزيرة العرب –خاصة- بدين النصارى المنسوخ، أولى من المحافظة على مصلحة مكاسب بعض المسلمين في بلاد الكفر، وعلى المسلمين القادرين على الهجرة أن يهاجروا، وعلى العاجزين أن يُصَلُّوا في بيوتهم، كما أفتى بذلك الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله.
السادس: أنَّ مما يدل على اعتبار الخصوصية ومراعاتها وأنها قاعدة معتمدة عند العقلاء من كل ملة، أنَّ دولة الفاتيكان تمنع من بناء معابد غير الكنيسة فيه، وذلك لما يرونه من كون الفاتيكان معقلاً للنصرانية وملاذاً لأهلها، فالجزيرة العربية وفيها البلد الحرام والكعبة المشرفة أولى بذلك، كيف لا ؟! وهي ملاذ المسلمين، ومنتهى مقاصدهم، وعلى هذا الأصل الذي يقِرُّ به عقلاءُ كل ملة، جاءتِ النصوصُ النبوية في بيان كون هذه الجزيرة جزيرة الإسلام لا يجتمع فيها دينان، ولكن لو سمح الفاتيكان ببناء المساجد فيه، هل يكون هذا مسوِّغاً لنا في الإذن ببناء الكنائس في جزيرة العرب؟ الجواب: لا، فلسنا تبعاً للفاتيكان، إنْ مَنَعَ مَنَعْنَا وإن بنى بنينا!، فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، وقد تقدَّم أنَّ التسوية بين دور التوحيد ومعابد الكفر، سفهٌ وضلال نعيذ منه كل مسلم.
السابع: أن حرمة بناء الكنائس في بلاد المسلمين مما انعقد عليها الإجماع، نقل ذلك كثير من أهل العلم منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية وتقي الدين السبكي والشيخ ابن باز وغيرهم كثير، فلا وجه لما ذكره بعض المعاصرين عن تجويز الإمام أبي حنيفة ذلك مع أن القاضي تقي الدين السبكي قد أوضح المراد بكلام أبي حنيفة فقال: (ولعل أبا حنيفة إنما قال بإحداثها في القرى التي يتفردون بالسكنى فيها على عادتهم في ذلك المكان، وغيره من العلماء بمنعها لأنها في بلاد المسلمين وقبضتهم وإن انفردوا فيها فهم تحت يدهم فلا يُمكنون من إحداث الكنائس لأنها دار الإسلام ولا يريد أبو حنيفة أنَّ قريةً فيها مسلمون فيمكن أهل الذمة من بناء كنيسة فيها. فإن هذه في معنى الأمصار فتكون محل إجماع)
الثامن: أن المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة في جلسته المنعقدة بالقاهرة في 10/10/2000م أصدر بياناً قال فيه (التأكيد الحاسم بأن الجزيرة العربية وقلبها المملكة العربية السعودية هي الحصانة الجغرافية لعقيدة الإسلام، لا يجوز شرعاً أن يقوم فيها دينان، ولا يجوز بحال أن يشهر على أرضها غير دين الإسلام، كما تستنكر هيئة رئاسة المجلس العودة إلى المطالبة ببناء كنائس على أرض السعودية بعد أن حُسِمَ هذا الأمر سابقاً في حوار مطوَّلٍ مع الفاتيكان عبر اللجنة الإسلامية العالمية للحوار، واتفق على إغلاق هذا الملف وعدم إثارته ثانياً).
وأخيراً ، و (بناءً على جميع ما تقدم فإنه ليس لكافر إحداث كنيسة في ، ولا بيعة، ولا صومعة، ولا بيت نار، ولا نَصْبِ صنمٍ؛ تطهيرا لها عن الدين الباطل، ولعموم الأحاديث، وعليه؛ فليس للإمام الإذن بشيء منها، ولا الإبقاء عليه؛ محدثاً كان أو قديماً)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

------------------------------
هذه المؤتمرات تأخذ في كل وقت طابعاً أو لوناً مختلفاً، فتارة يسمونها مؤتمرات التقارب أو التقريب بين الأديان، وتارة الحوار بين الأديان، وهكذا
كان آخرها التقرير الصادر في شهر سبتمبر 2007م
(اقتضاء الصراط المستقيم) (ص 166).
خصائص الجزيرة العربية للشيخ بكر أبو زيد (بتصرف يسير)
قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم) (1/199) (اتفقت عليها الصحابة) وفي (مجموع الفتاوى) (28/651) (عليها العمل عند أئمة المسلمين)، وقال عنها الإمام ابن القيم في (أحكام أهل الذمة) (1/218): (وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها)
القلاية والصومعة من بيوت عبادة النصارى. انظر: (لسان العرب) (باب: قلا)
(ص269)
(7/634)
فتاوى السبكي (2/391)
(مصنف عبدالرزاق) (6/59)
(مصنف عبدالرزاق) (6/60)
(مصنف عبدالرزاق) (6/60)
فتاوى اللجنة الدائمة رقم (21413) وتاريخ 1/4 /1421 هـ
المرجع السابق
)تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي الحنفي) (9/452)
(المدونة الكبرى) (3/435)، والكراهة عند مالك كثيراً ما تكون على التحريم، انظر: (أعلام الموقعين) (1/50) , و(المدخل لابن بدران) (1/128)
(الأم) (4/206)
(أحكام أهل الذمة) (3/1182)
(أنوار البروق) للقرافي (1/225)، وانظر التعليق على قوله: لأنه إرادة الكفر، في كتاب: (التوسط والاقتصاد) (ص28)
(الكافي) (4/361)
والعمالة النصرانية من المعاهدين والمستأمنين من باب أولى.
(مجوع الفتاوى) (28/635)
انظر: (كشاف القناع) (5/3073) باب حكم المرتد
فتاوى السبكي (2/391)
(أحكام أهل الذمة) (3/1193)
(فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز) (3/282)
انظر: تقديم الشيخ لكتاب (حكم بناء الكنائس والمعابد الشركية في بلاد المسلمين) للشيخ إسماعيل الأنصاري
فتوى رقم (21413) وتاريخ 1/4/1421هـ (بتصرف يسير)
(فتاوى قطاع الإفتاء الكويتي) (6/15)
موقع الشيخ -حفظه الله- على شبكة الإنترنت.
خصائص الجزيرة العربية للشيخ بكر أبو زيد (بتصرف يسير)
فتوى الشيخ عبدالرحمن البراك منشورة في موقعه على شبكة الإنترنت
نقله عنه المرداوي في (الإنصاف) (باب أحكام أهل الذمة) وابن مفلح في (الفروع) وقال في (مجموع الفتاوى) (28/651) عن الشروط العمرية والتي فيها منع النصارى من بناء الكنائس (فصلٌ: فى شروط عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي شرطها على أهل الذمة لما قدم الشام وشارطهم بمحضر من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وعليها العمل عند أئمة المسلمين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وقوله: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) لأن هذا صار إجماعاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا يجتمعون على ضلالة على ما نقلوه وفهموه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم)
تقدم النقل عنه
تقدم النقل عنه
(فتاوى السبكي) (2/388)
- ومما يؤيد أن مراد أبي حنيفة خلاف ما زعمه هذا المعاصر أنه قول غير معتمد في المذهب، وجماهير علماء الأحناف بما فيهم صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن على عدم اعتبار هذا الفهم لكلام الإمام، ويرون حرمة بناء الكنائس في الأمصار -أي المدن- التي يقطنها مسلمون. و على هذا تضافرت كتبهم، ففي (الهداية شرح البداية للمرغيناني) (2/162): (ولا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام ... وقيل: في ديارنا يمنعون من ذلك في القرى أيضاً لأن فيها بعض الشعائر، والمروي عن صاحب المذهب في قرى الكوفة لأن أكثر أهلها أهل الذمة، وفي أرض العرب يمنعون من ذلك في أمصارها وقراها لقوله عليه الصلاة والسلام لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) وفي (المبسوط للسرخسي) (15/134) و(بدائع الصنائع للكاساني) (4/176) قولهم: (فإنهم يمنعون من إحداث الكنائس في أمصار المسلمين)، ونقل الزيلعي الحنفي الإجماع في (تبيين الحقائق) (باب: العشر والخراج والجزية) فقال: (قال في الفتاوى الصغرى: إذا أرادوا إحداث البيع والكنائس في الأمصار يمنعون بالإجماع)، وفي (حاشية ابن عابدين) (4/202) انتهى كلام ابن عابدين.
خصائص الجزيرة العربية للشيخ بكر أبو زيد (بتصرف يسير)

عبيــــر الــــورد
ميراث المرأة في الإسلام *


الحمد لله الذي هدانا لدينه القويم ، وبين لنا شرائعه وأحكامه في كتابه وعلى لسان نبيه الأمين ، والصلاة والسلام على رسوله الله المبعوث هدىً ورحمة للعالمين ، أما بعد :
فإن الشبهات التي أثارها أعداء دين الله عز و جل حول ميراث المرأة ، وادعائهم أن الإسلام قد هضمها حقها حين فرض لها نصف ما فرض للذكر، ينمُّ عن جهل عظيم من هؤلاء المتعالمين ، الذين أرادوا أن يطعنوا في الإسلام بما هو ميزة فيه ، و إليك بيان ذلك .

· ميراث المرأة قبل الإسلام ، وفي بعض المجتمعات المعاصرة :
أولاً : ميراث المرأة عند اليهود :
يتميز نظام الميراث عند اليهود بحرمان الإناث من الميراث ، سواء كانت أماً أو أختاً أو ابنة أو غير ذلك إلا عند فقد الذكور ، فلا ترث البنت مثلاً إلا في حال انعدام الابن .
فيه تكلم نبي إسرائيل قائلاً : أيما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته .سفر العدد إصحاح 27 : 1-11
أما الزوجة فلا ترث من زوجها شيئاً مطلقاً .
ثانياً : ميراث المرأة عند الرومان
إن المرأة عند الرومان كانت تساوي الرجل فيما تأخذه من التركة مهما كانت درجتها ، أما الزوجة ، فلم تكن ترث من زوجها المتوفى ، فالزوجية عندهم لم تكن سبباً من أسباب الإرث ، حتى لا ينتقل الميراث إلى أسرة أخرى ، إذ كان الميراث عندهم يقوم على استبقاء الثروة في العائلات وحفظها من التفتت ، ولو ماتت الأم فميراثها الذي ورثته من أبيها يعود إلى أخوتها ، ولا يرثها أبناؤها ولو ترك الميت أولاداً ذكوراً وإناثاً ، ورثوه بالتساوي .
ثالثاً: الميراث عند الأمم السامية أو الأمم الشرقية القديمة :
ونعني بهم الطورانيين والكلدانيين والسريانيين والفنيقيين والسوريين والأشوريين واليونانيين وغيرهم ممن سكن الشرق بعد الطوفان الذي كانت أحداثه جارية قبل ميلاد المسيح عليه السلام فقد كان الميراث عندهم يقوم على إحلال الابن الأكبر محل أبيه ، فإن لم يكن موجوداً فأرشد الذكور ، ثم الأخوة ثم الأعمام .... وهكذا إلى أن يدخل الأصهار وسائر العشيرة وتميز نظام الميراث عندهم فضلاً عما ذكرنا بحرمان النساء والأطفال من الميراث .
رابعاً: الميراث عند قدماء المصريين:
أما المصريون القدماء ، فقد بينت الآثار المصرية ، أن نظام الميراث عندهم كان يجمع بين كل قرابة الميت من آباء وأمهات ، وأبناء وبنات ، وأخوة وأخوات ، وأعمام، وأخوال وخالات ، وزوجة ، فكلهم يتقاسمون التركة بالتساوي لا فرق بين كبير وصغير ولا بين ذكر وأنثى .
خامساً: الميراث عند العرب في الجاهلية:
نستطيع القول : إن العرب في الجاهلية ، لم يكن لهم نظام ارث مستقل أو خاص بهم ،إنما ساروا على نهج الأمم الشرقية .
فالميراث عندهم خاص بالذكور القادرين على حمل السلاح والذود دون النساء و الأطفال ، ذلك لأنهم أهل غارا ت وحروب ، بل أكثر من ذلك كانوا يرثون النساء كرها ، بأن يأتي الوارث ،ويلقي ثوبه على أرملة أبيه ثم يقول : ورثتها كما ورثت مال أبي .فإذا أراد أن يتزوجها تزوجها بدون مهر ، أو زوجها من أراد ، وتسلم مهرها ممن يتزوجها أو حجر عليها لا يزوجها ولا يتزوجها .فمنعت الشريعة الإسلامية هذا الظلم حين نزل قوله تعالى :(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )) ، و في حالات قليلة كان منهم من يورث الإناث ويسويهن بالذكور في النصيب كما هو الحال عند قدماء المصريين والرومانيين.


· ميراث المرأة في الإسلام :
بعد أن اطلعنا على ما كان عليه حال ميراث المرأة قبل الإسلام ومبلغ الظلم الذي لحق بها من جراء تلك التشريعات والأنظمة الفاسدة ، والتي كان للطمع والهوى فيها دور كبير ، جاء الإسلام بنوره وعدله ليرفع عنها ما لحق بها من البغي والإجحاف ، وليقرر أنها إنسان كالرجل ، لها من الحقوق ما لا يجوز المساس به أو نقصانه ، كما عليها من الواجبات ما لا ينبغي التفريط أو التهاون به ، وبمقارنة سريعة بين نظام الإسلام في توريث المرأة وبين الشرائع والأنظمة القديمة والحديثة نجد :
1- أن الذي تولى أمر تقسيم التركات في الإسلام هو الله تعالى وليس البشر ، فكانت بذلك من النظام والدقة والعدالة في التوزيع ما يستحيل على البشر أن يهتدوا إليه لولا أن هداهم الله ، قال تعالى : ((آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ))
2- الإسلام نظر إلى الحاجة فأعطى الأكثر احتياجا نصيباً أكبر من الأقل احتياجا ولذلك كان حظ الأبناء أكبر من حظ الآباء ، لأن الأبناء مقبلون على الحياة والآباء مدبرون عنها ؛
ولذلك كان للذكر مثل حظ الأنثيين في معظم الأحيان فلا شك أن الابن الذي سيصير زوجاً باذلا لمهر زوجته ، منفقا عليها وعلى أولاده منها أكثر احتياجا من أخته التي ستصير زوجة تقبض
مهرها ، ويرعاها وينفق عليها زوجها .
3- إن الإسلام قد حصر الإرث في المال ولم يتعداه إلى الزوجة كما كان في الجاهلية ، بل كرم رابطة الزوجية ، وجعل ما بين الزوجين من مودة ورحمة حال الحياة سبباً للتوارث عند الوفاة ، فلم يهملها كما فعلت بعض الشرائع .
4- الإسلام لم يهمل حق القرابة كسبب من أسباب التوارث كما فعل القانون الروماني واليوناني بل إعتبر أن قرابة الرجل من الروابط الوثيقة بينه وبين أسرته، ولها حق طبيعي من الشعور الخالص والصلة الموفورة ، والمرء يقوى بقرابته ، ويأنس بها في حياته ، ويبذل في سبيلها ما يمكنه من عطاء وخدمة ونصرة، ويجعلها في الدرجة الأولى من الرعاية .
5- أما المساواة بين الأقارب في القانون المصري القديم فأمر يرفضه الإسلام أيضاً لتعلق توارث الأقارب بمفهوم القرب والبعد من المورث ، وعليه فالبنوة مقدمة على الأبوة وهذه مقدمة على الأخوة وهكذا ... كما لم يقر الإسلام المساواة في الإرث بين الأخوة بالشكل الذي ذهب إليه القانون الفرنسي والروماني بل جعل الأخوة على درجات ثلاث ( لأبوين ، للأب ،لأم ) وقد راعى تلك الدرجات وورث الأقوى والأقرب .
6- إيثار أرشد الذكور وتمييزه عن باقي أخوته في النصيب الإرثي مبدأ لم يقره الإسلام كما درجت عليه شرائع الأمم الشرقية القديمة والعرب في الجاهلية .
7- ليس للابن كونه بكراً أية أفضلية على باقي الأبناء في الإسلام ، على النحو الذي ذهبت إليه الشريعة اليهودية ، حيث خصت البكر بنصيب اثنين من أخوته .
8- لقد ضمن الإسلام حق مشاركة البنات للأبناء في الإرث من والدهن ولم يحجبهن بالأبناء كما ذهبت إليه الشريعة اليهودية ، قال تعالى ((لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا )) .
و بعد هذه المقارنة يتبين لنا حقيقة ساطعة وهي أن نظام الإسلام في الميراث عامة وما يتعلق منه بالمرأة خاصةً هو النظام الوحيد الذي يوافق حركة السعي والنشاط في الجماعات البشرية ، ولا يعوقها عن التقدم الذي تستحقه بسعيها ونشاطها .


· حكمة مشروعية ميراث المرأة :
إن المتأمل في مسألة تشريع الميراث للمرأة يجد لذلك حكماً كثيرة نورد منها :
1- التأكيد على إنسانية المرأة وأنها شق الرجل ، وأنها أهلاً لاستحقاق والتملك والتصرف كالرجل تماماً ، وفي هذا من التكريم للمرأة ما فيه
2- ثم إن الله عز وجل قد جعل الإنسان في الأرض خليفة ، وشرفه فوكل إليه مهمة عمارتها واستنباط خيراتها ، وزوده بقدرات تمكنه من القيام برسالته ، ولفظ الإنسان عام يشمل الذكر والأنثى على حدٍٍّ سواء .
3- تلبيةً لنداء الفطرة التي فطر الله الناس عليها ذكوراً وإناثا من حب التملك للمال .
قال تعالى : ((إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ))
وقال تعالى : ((وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا )) .
4- تمليك الإسلام للمرأة فيه عون لها على قضاء حوائجها .
5- وفيه إعطاء المرأة فرصة لتتعبد الله عز وجل بمالها كالرجل عن طريق إنفاقه في وجوه الخير المختلفة .
6- إن حصر الميراث بالذكور قد يؤدي بهم أو ببعضهم إلى الشعور بالعظمة ، ويربي لديهم الإحساس بالأنانية والتسلط فيقعون في ظلم النساء ، إما بإنقاصهن حقوقهن أو بحرمانهن مم لهن مطلقاً.
7- التنصيص على حق المرأة في الميراث - كبيرةً كانت أو صغيرة - في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله الكريم يشكل رادعاً للمسلم يمنعه من التهاون في إعطائها ما لها من حق في مال المتوفى .
8- القضاء بتوريث النساء مع الرجال كل حسب درجته من المتوفى ، فيه تفتيت للثروة ، وتوزيع لها على أكبر عدد ممكن من الذرية ، وهذا يوسع دائرة الانتفاع بها ، ويمنع تكديسها وحصرها في يد فرد أو أفراد معدودين .
9- كما ويحقق معنى التكافل العائلي ، فلا يحرم ذكراً ولا أنثى ، لأنه مع رعايته للمصالح العملية يراعي مبدأ الوحدة في النفس الواحدة ، فلا يميز جنساً على جنس إلا بقدر أعبائه .
عبيــــر الــــورد
· حالات ميراث المرأة :
من المعلوم من خلال النصوص الواردة في حق ميراث الأنثى في الإسلام أن ميراثها يختلف باختلاف حالها و لهذا سنتعرض في هذا الجزء إن شاء الله تعالى حالات ميراث المرأة باختلاف أنواعها .
* الحالات التي تتساوى فيها المرأة مع الرجل في الميراث :
1- ميراث الأبوين ( الأم ، ولأب ) مع وجود الفرع الوارث المذكر أو المؤنث كالابن وابن الابن وإن نزل ذكراً كان ابن الابن أو أنثى ، قلا الله تعالى : ((وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ )) .
2- ميراث الأخوة لأم اثنان فأكثر ، سواء كانوا ذكوراً فقط أو ذكوراً أو إناثا فقط أو ذكوراً وإناثاً ، فإنهم يشتركون في الثلث ، يقسم بينهم بالتساوي للذكر مثل الأنثى .
قال الله عز و جل : ((وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ )) ، و تظهر الحكمة في ذلك أن المورث ليس له من أخيه لأمه من عاطفة التراحم الناشئة من صلة الأمومة أكثر مما له من أخته لأمه .
3- ميراث الجدة الصحيحة مع الجد الصحيح السدس في بعض الحالات، كما لو مات شخص عن أم أم ، أب أب ، وابن ، فإن لأم الأم السدس فرضا ، ولأب الأب السدس أيضاً ، والباقي للابن .
* حالات ترث فيها الأنثى أقل من الذكر :
إن المتأمل في ميراث المرأة يجد أنه بشكل عام يقل عن ميراث الرجل ، فأحياناً نجدها ترث نصف ما يرث ، وأحياناً أخرى يقل ميراثها أو يزيد قليلاً عن النصف .
ويكون للذكر مثل الأنثيين في الأصناف التالية :
1- صنف يكون ذلك في كل درجة من الدرجات منه مهما نزلت ، بشرط أن لا يدلي الفرد منهم بأنثى ، وهم الأبناء مع البنات ، وبنات الابن مع ابن الابن فأكثر ، وهكذا ...
فلو كان الإدلاء بأنثى فلا ترث ، مثل بنت البنت ، وابن البنت .
2- وصنف كذلك يكون في الدرجة الأولى منه فقط ، مثل الشقيقة فأكثر مع الشقيق ، والأخت لأب مع الأخ لأب منفردين أو متعددين.
ولا يكون في أولادهم ، مثل ابن الأخت الشقيقة أو لأب مع ابن الأخ الشقيق أو لأب ، لأنهم من ذوي الأرحام .
3- وصنف يكون كذلك في درجة الأبوة، مثل الأب مع الأم بشرط انفرادهما في الإرث، وخلوهما من الفرع الوارث المذكر والمؤنث )، ومن عدد من الأخوة ( اثنين فصاعداً ) ، فيكون للأب في هذه الحالة مثلي ما للأنثى . قال تعالى: ((فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ))
(( أي وللأب الثلثان الباقيان )) .
4- وصنف يكون في الزوجية ، بشرط موت أحدهما والميراث من تركته فالزوج يأخذ من تركة الزوجة المتوفاة قبله مثلي ما تأخذه من تركته إذا مات قبلها ، فإذا توفيت الزوجة ولم يكن لها فرع وارث فإنه يأخذ من تركتها النصف ، وإذا كان لها فرع وارث فإنه يأخذ الربع ، والزوجة على النصف من ذلك ، فإذا مات ولم يكن له فرع وارث ، أخذت الربع وهو نصف النصف ، وإذا كان له فرع وارث أخذت الثمن وهو نصف الربع .
* حالات ترث فيها الأنثى أكثر من الذكر :
قد يستغرب البعض ويستبعد وجود حالات ترث فيها الأنثى أكثر من الذكر ، و لكن الأمثلة تشهد لذلك فمنها :
1- فلو مات رجل عن : زوجة ، بنت ، أم ، أختين لأم ، أخ شقيق .
لوجدنا أن للزوجة ثلاثة أسهم من أصل أربعة وعشرين سهماً، وللأم أربعة ، وللأخ الشقيق خمسة أسهم ،وتحجب الأختين لأم بالبنت .
فالبنت ترث في هذه المسألة أكثر من الأخ الشقيق . وكذلك الأمر لو حلّ محل البنت ، بنت ابن وإن نزل ؛ أو كان محل الأخ الشقيق أب ، أو أخ لأب ، أو عم شقيق ، أو عم لأب .
فالبنوة مقدمة على الأبوة وعلى الأخوة .
2- ولو ماتت امرأة عن : زوج ، بنت ، أخت شقيقة ، أخت لأب .
فإن للزوج سهم واحد من أصل أربعة أسهم ، وللبنت سهمان ، وللأخت الشقيقة سهم واحد ، وأما الأخت لأب فمحجوبة بالشقيقة .
فالزوج هنا يرث نصف ما ترثه البنت ، وكذلك الأمر لو حلّ محل البنت ، بنت ابن وإن نزل ، أو أخت شقيقة أو لأب ، منفردات ودون وجود فرع وارث مذكر أو مؤنث ، مع العم الشقيق أو لأب فإنهن يرثن في مثل هذه الحالة أكثر من الزوج وأكثر من العم .
3- ولو ماتت امرأة عن : زوج ، ابنتي ابن ، ابن ابن ابن .
فإن للزوج ثلاثة أسهم من أصل اثنا عشر سهماً ، ولبنتي الابن ثمانية ، لكل واحدة منهما أربعة أسهم ، ولابن الابن الباقي وهو سهم واحد .
فنصيب كل واحدة من بنات الابن في تركة المورث أكبر من نصيب ابن ابن الابن ، ذلك لأنها أعلى درجة منه ، وأكبر من نصيب الزوج .
* حالات ترث فيها الأنثى دون الذكر :
1/ وذلك كما لو مات شخص عن : أم بنتين ، أختين لأب ، أخ لأم .
فإن للأم سهمان من أصل ثمانية ، ولكل واحدة من البنتين أربعة أسهم ، ويبقى للأختين لأب سهمان ، لكل منهما سهم ، بينما يحجب الأخ لأم بالأخوات لأب .
فجميع الإناث في هذه المسألة يرثن باستثناء الأخ لأم .
2/ وكما في مسألة العاصب الشؤم .
فلو ماتت امرأة عن : زوج ، بنت ، ابن ابن ، بنت ابن ، أب وأم .
فإن للزوج ثلاثة أسهم من أصل اثنا عشر سهماً ، وللبنت ستة ، ولا يبق لابن الابن ، وبنت الابن شيء .
فالبنت ورثت أكثر من الزوج وأكثر من الأب ، وورثت ولم يرث ابن الابن ، وورثت الأم أيضاً ولم يرث ابن الابن.
3/ وكذلك لا يرث أي من ذوي الأرحام الذكور مع وجود إناث صاحبات فرض باستثناء الزوجة ، ولا مع وارثات بطريق التعصيب .
4/ هذا فضلاً عن الحالات التي ترث فيها الأنثى المستحقة للميراث ويحرم فيها الذكر ولو كان صاحب فرض أو وارث بطريق التعصيب ، وذلك إذا قام بحقه أحد موانع الإرث ، كالقتل العمد وشبه العمد والارتداد .
وبالمحصّلة فإن ما سقناه من الأمثلة ليثبت بالدليل القاطع الذي لا يحتمل الشك أن شريعة الله في الميراث لا تحابي جنساً على جنس ، إنما هي اعتبارات في كل من الذكر والأنثى يقتضي الحق والمنطق والعدل مراعاتها .
عبيــــر الــــورد
· الشبهة المثارة حول ميراث المرأة والرد عليها .
إن من الشبهات التي أثيرت حول الإسلام وعدالته ، مسألة إنصاف المرأة في الميراث وإحقاقها حقها أسوةً بالرجل .
حيث أخذ على الإسلام من قبل المستشرقين غير المنصفين ، وأعداء الإسلام المشككين محاباته للرجل على حساب المرأة ، وانحيازه له دونها ، وذلك حين جعل نصيبها من مال المورث على النصف من نصيب الذكر . وظنوا أنهم بهذه الفرية قد أصابوا من الإسلام مقتلا ، وما دروا أنهم إنّما سفهوا بذلك عقولهم ، وعابوا على أنفسهم وما يدّعون من العلم والمعرفة والعدالة .
وليس التحقق علمياً وموضوعياً من مسألة إنصاف الإسلام لكل من الرجل والمرأة في كل مجالات الحياة ، وعلى رأسها ما يتعلق منها بأمر الأموال وقسمة التركات بالأمر العسير لمن أراد لحق أو ألقى السمع وهو شهيد ؛ فمزية الإسلام الكبرى أنه واضح وواقعي بكل ما فيه ، ويراعي الفطرة دائماً ولا يصادمها أو يحيد عنها .
وهو في الوقت الذي يدعوا الناس فيه لتهذيب طبائعهم والارتقاء بها ، ويصل بهم إلى نماذج تقرب من الخيالات والأحلام ، لا يدعو لتغيير الطبائع ، ولا يضع في حسابه أن هذا التغيير ممكن ، أو مفيد لحياة البشرية حتى إذا أمكن .
إنما يؤمن بأن أفضل ما يستطيع أن تصل البشرية إليه من الخير ، ما يجيء متمشياً مع الفطرة بعد تهذيبها ، وهو كذلك يسير في مسألة الرجل والمرأة على طريقته الواقعية تلك، فيسوي بينهما حيث تكون المساواة هي منطق الفطرة الصحيح ، ويفرق بينهما حيث تكون التفرقة أيضاً هي منطق الفطرة الصحيح .
ومن أهم مواضع التفرقة هذه تقسيم الإرث .
فالإسلام يقول في الميراث : ((لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ )) ، فلماذا كانت هذه القسمة ؟ وما وجه العدالة فيها ؟ وهل دوماً كان للذكر مثل حظ الأنثيين ؟
وللرد على هذه الشبهة وهذه الاستفسارات نقول وبالله التوفيق :
* إن نظام الإسلام في الميراث نظام حكيم فضلاً عن كونه عادلاً، وضّح من هم الورثة الشرعيون ، وأنزلهم منازلهم في تركة المورَّث حسب قرابتهم منه ، وحسب وضعهم الاجتماعي في الحياة وما تفرض عليهم هذه الأوضاع من تبعات وأعباء يتلقونها عن المورث كما تلقوا عنه تركته أو بعض تركته .
وهذه التهمة التي رمى بها مفكروا الغرب ومن نهج نهجهم الشريعة الإسلامية والتي من أجلها اعتبروا الشريعة متخلفة لا تساير المدنية ولا تصلح للسير معها في المستويات العليا للحياة تهمة باطلة وظالمة في أكثر من وجه :
* فهذه المساواة التي يقال إن المرأة قد وقفت فيها مع الرجل جنباً إلى جنب في الأمم المتمدنة ، إن صحت هذه الدعوى على إطلاقها - وهي غير صحيحة- فإنها ما زالت في طور التجربة ولم تصدر الحياة بعد حكمها على هذا الوضع للمرأة ، أهو خير أم شر ؟، صالح للبقاء و الاستمرار أم لا ؟ ، بل إن الدلائل تشير إلى أن هذا الوضع للمرأة وضع شاذ قلب حياتها ، ومسخ طبيعتها ،وأن بوادر الضيق قد أخذت تسري في محيط المرأة نفسها ، وإن المستقبل القريب سيكشف عن ذلك ، خصوصاً أنهم حين قرروا مساواتها بالذكور في الميراث قالوا أيضاً بمساواتها لهم في العمل وفي الإنفاق ، فحملوها فوق ما تحتمل ، فهي فوق أنها تعمل في البيت ولا يعمل ، وتربي النشىء ولا يربي تعمل أيضاً في الخارج ، وتنفق على نفسها وعلى من تعول ؛ وفي هذا من الظلم والقهر للمرأة ما فيه ، عدا عما قد تتعرض له في خروجها إلى العمل من الأذى و الاستغلال والشواهد على هذا الواقع للمرأة عندهم كثير .
* إن الإسلام حين قرر إعطاءها نصف ما أعطى الذكر ، رفع عنها عبء الإنفاق ، ومشقة العمل ، ولم يكلفها شيئاً من ذلك بحال من الأحوال ، حتى ولو كانت تملك المال ، بل جعلها مكفية المؤنة والحاجة ، سواء كانت بنتاً أو أختاً فنفقتها واجبة على أبيها أو أخيها أو من يعولها من الذكور ، أو أماً فنفقتها واجبة على زوجها أو أولادها .
فالإسلام إذن قد أعفى الأنثى من كثير من الأعباء المادية و الإلتزامات الاجتماعية في الوقت الذي حمّل الرجل كثيراً من هذه الأعباء و الإلتزامات .
وباختصار فإن الرجل يدفع والمرأة تأخذ ، وشتان بين من يُعطي ومن يأخذ ؛ والعدل والإنصاف يقتضي أنّ من كانت أعباؤه المادية أكبر أن يُعطى أكثر . والأمر إنما هو أمر توازن بين أعباء الذكر وأعباء الأنثى في الحياة لا أمر محاباة لحساب جنس على جنس آخر ، على أن تفضيل الرجل على المرأة في الميراث ليس مطرداً في جميع الحالات- كما رأينا - ، فقد تتساوى معه كما في ميراث الأخوة والأخوات لأم ، وكما في ميراث الأب والأم في بعض الحالات والجد والجدة في بعض أحوالهم .
قال تعالى في ميراث الإخوة لأم : ((وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ )) وقال عز وجل في ميراث الأبوين : ((وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ )) ، وبالتالي فإننا نعتبر هذه الشبهة التي أثيرت على الإسلام من قبل أعدائه المتربصين ، وتناقلها بعض الجهلة والمقلدين من المسلمين لا تعدو كونها زوبعة
الخلاصة :
1- أنه ما من مبدأ أو قانون حرص على إعطاء المرأة حقها في مال مورثها بالقدر وبالتفصيل وبالإنصاف الذي حرص عليه الإسلام .
وتمثل ذلك الحرص بالنص على ميراثها في معظم حالات إرثها وبيان الكم الذي تستحقه في كل حالة في القرآن الكريم أولاً ، وهو العلم الوحيد الذي حرص القرآن الكريم على تفصيله على نحو ما فصل وعدم تركه للبشر، لتعلقه بقضية من أخطر القضايا التي تستذل الإنسان فتوقعه في شباك هواه ونفسه الأمارة بالسوء ، وهي قضية المال سيما وأن الإنسان مفطور على حبه ، ثم هو مع البنون زينة الحياة الدنيا ، ومن ثم بيّنت السنة النبوية الشريفة ما لم يتم توضيحه في القرآن الكريم وهو قليل جداً .
2- بالنظر في ميراث المرأة في جميع حالاتها يتبين لنا أن تحقيق العدالة الاجتماعية هي الأساس في تحديد نصيب المرأة أو تلك ، وأنه لم يتوقف أمر توريثها على القاعدة الشائعة للذكر مثل حظ الأنثيين وحدها ، وأن المسألة إنما هي مسألة حساب لا مسألة عواطف ولا ادعاء ، والعدل يقتضي أن يعطى كل حسب حاجته ، والأمثلة الكثيرة التي أوردناها تؤكد هذه الحقيقة وفي ذلك رد قاطع على كل من حاول أن يصور الإسلام بأنه ميز الرجل وخصه بالمزيد من مال المورث على حساب المرأة فأوقع بها الظلم لا لشيء سوى أنها أنثى .
فالإسلام نبذ وحارب مبدأ حرمان المرأة من الميراث لمجرد كونها أنثى أو للأسباب التي ذكرناها في معرض الحديث عن ميراث المرأة عند العرب في الجاهلية وغيرهم .بل فرض لها نصيبها في جميع حالات ميراثها ومنع من حرمانها إلا في الحالات التي فصَّلها كالردة والقتل ، وهي ذاتها التي تمنع الرجل أيضا من الميراث ، وتوعد من يحرمها لغير تلك الأسباب بالعذاب الشديد في الآخرة
كما رفض الإسلام مبدأ المساواة المطلقة بينها وبين الرجل في مقدار ما يأخذونه من الميراث كما فعل القانون الروماني ومن نهج نهجه لأن ذلك يخالف العدالة التي تحدثنا عنها .
كما رفض الإسلام مبدأ إيثار الذكور بالميراث إذا كان معهن إناث كما هو الحال في اليهودية المحرفة .
ورفض أيضاً أن يحوز الذكور دوما على نصيب أكبر من الإناث فجعل للميراث قواعد وأصولاً
واعتبارات لا يجوز الخروج عنها .
اختصره
أبو عبد الرحمن - وليد دويدار
الكويت - الجهراء
عبيــــر الــــورد
المدح والحمد والشكر
جمع وترتيب/ ام شهاب
هالة يحيى صادق


ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله
اما بعد00
المدح هو ذكر المحاسن ، وهو الثناء بذكر الجميل ، والمدح لا يستلزم المحبة ، فقد نقول أمريكا بلد قوية بما لديها من أسلحة ، أو نقول النصارى لديهم إنضباط فى المواعيد ، ولا يستلزم هذا القول محبة هذا أو ذاك .
فالمدح هو إخبار مجرد ، وقيل المدح هو ذكر المحاسن بمقابل وبدون مقابل ، والمدح يكون بذكر الجميل الإختيارى وغير الإختيارى ..أما الحمد فهو الذكر بالجميل الإختيارى أى ذكر المحاسن دون إحسان ، وهو ذكر الله بصفات الكمال ، وقيل هو ذكر المحمود بصفات الكمال بمعنى ذكر صفات الكمال لله سبحانه وتعالى وإن لم يبدو سبباً لذلك لأن الله عز وجل مستحق لذلك أعطى أو منع فإنك تحمد الله إذا أعطاك ووهبك من نعمه ، وتحمد الله إذا أصابتك مصيبة ، والحمد يكون على الصفات الذاتية وعلى العطاء ، والله هو مستوجب الحمد ومستحقه ، المحمود على كل حال ، وهو الذى لا يحمد على مكروه سواه ، وقيل الحمد هو ذكر أوصاف الجلال والكمال ، والله سبحانه وتعالى قد حمد نفسه بنفسه من قبل أن يحمده أحد من خلقه ، فهو الحميد لنفسه أزلاً وبحمد عباده له أبداً ، إنه الحميد المطلق الذى لا حميد سواه ، المحمود على كل حال .. وفى الآيات التالية الحمد على نعمائه : قال تعالى : { الحمد لله الذى وهب لى على الكِبَـر إسماعيل واسحاق } إبراهيم 39 ، وقوله { فقال الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين } المؤمنون 28 ، وقوله { وقالوا الحمد لله الذى صدقنا وعده وأورثنا الأرض } الزمر 74 ..
أما فى الآيات التالية : قال تعالى { الحمد لله فاطر السموات والأرض } فاطر 2 ، وقوله تعالى { وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولياً ولم يكن له شريك فى المُلك } الإسراء 111 ، { الحمد لله رب العالمين } الصافات 182 ، فهنا الحمد على صفاته الذاتية سبحانه وتعالى .
ملحوظة : إن المدح والحمد لغةً يشتركان فى نفس الحروف ولكن بترتيب مختلف وتبايُن فى المعنى ، وهذا يسمى فى اللغة ( إشتقاق أوسط ) والمدح أعم من الحمد لأن المدح يكون بذكر الجميل الإختيارى وغير الإختيارى كأن تقول : مدحت اللؤلؤ لصفاته ، فهنا الممدوح ليس مختاراً لصفاته ، والحمد أخص لأنه يكون بذكر الجميل الإختيارى فقط .

سؤال : يخلط كثير من الناس بين الحمد والشكر : فهل الحمد هو الشكر ؟

الإجابة : لكى نعرف الإجابة لابد أن نعرف ماهو الشكر أولاً حتى نستطيع أن نعرف هل هما شئ واحد أم بينهما إختلاف ؟ فهيا نتعرف على الشكر ...
الشكر لغةً : فيه معنى الزيادة ، تقول : شكرت الأرض إذا كثر فيها النبات ، وتقول : هذه دابة شكور إذا أظهرت من السِمن فوق ما تُعطى من العلف ، فهو ظهور أثر الغذاء فى أبدان الحيوان ، وفى حديث يأجوج ومأجوج : " وإن دواب الأرض تسمن وتشكر شكراً من لحومهم " أى تسمن وتمتلئ شحماً حيث أن الله يرسل عليهم ديدان تقتلهم فتأكل الدواب لحومهم حتى تسمن سِـمناً عظيماً ، والشكور من الدواب ما يكفيه العلف القليل ويُقال اشتكرت السماء إذا إشتد مطرها – اشتكر الضرع إذا إمتلأ لبناً ، ويقال أشكرت الشاه إذا سمنت وأمتلأ ضرعها لبناً ، ودابة شكور أى مظهرة بسمنها إسداء صاحبها إليها ، وقيل عين شكرى أى ممتلئة .. فهذه معانى الشكر وهى تدل على الزيادة والنماء .
والشكر شرعاً : هو الثناء على المحسن بما أعطاك وأولاك فتكون شكرته وشكرت له ، والثانى أفصح .
وهو الوصف الجميل على جهة التعظيم والتبجيل على النعمة من اللسان والجنان والأركان ( جامع العلوم فى اصطلاحات الفنون – تأليف محمد على الفاروقى – تحقيق د. لطفى عبد البديع ج 2 ص 222 ) ، وهو تصور النعمة وإظهارها ، وهو مقلوب من الكشر أى الكشف ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة أو سترها ( المفردات للراغب ص 265 )
وهو فعل يُشعر بتعظيم المُنعم بسبب كونه مُنعماً وذلك الفعل إما فعل القلب أى الإعتقاد بإتصاف المحمود بصفات الكمال والجلال ، وإما فعل اللسان أى ذكر ما يدل عليه ، وإما فعل الجوارح وهو الإتيان بأفعال دالة على ذلك ، وهذا هو شكر العبد لله ( اصطلاحات الفنون ص 112 ج 3 ) .
وهو الإعتراف للمُنعم بالنعمة على وجه الخضوع . وقيل هو استفراغ الطاقة فى الطاعة ، وقال ابن منظور فى ( لسان العرب ) : الشكر هو معرفة الإحسان ونشره .
والشكور صيغة مبالغة من شكر ، وإسم الفاعل منه شاكر ، قال تعالى { ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور } فاطر 30 ، قال تعالى { وقالوا الحمد لله الذى أذهب عنا الحَزَن إن ربنا لغفور شكور } فاطر 34 وقال تعالى { إن يشأ يُسكنِ الريح فيظللن رواكد على ظهره إن فى ذلك لآيات لكل صبّـار شكور } الشورى 33 ، قال تعالى { إن تُقرضوا الله قرضاً حسناً يُضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم } التغابن 17 .
قيل الشكور : معناه أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيُضاعف لهم الجزاء ويُجازى على يسير الطاعات كثير الدرجات .
وقيل : هو الذى يدوم شكره ويعم فضله فيُجازى على كل صغير أو كبير من الطاعة كثير من النِعَم ، هذا فى حق الله سبحانه وتعالى . فما الفرق بين الشاكر والشكور فى حق العبد لربه ؟

سؤال : ما الفرق بين الشاكر والشكور فى حق المخلوق ؟
الشاكر الشكور
هو الذى يشكر على الموجود *** هو الذى يشكر على المفقود
هو الذى يشكر على العطـاء *** هو الذى يشكر على البـلاء
هو الذى يشـكر على النفـع *** هو الذى يشكر على المنـع
والشكر نصف الإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم :" الإيمان نصفان : نصف صبر ونصف شُكر " أخرجه البيهقى فى شُعب الإيمان عن أنس رضى الله عنه ، قال تعالى { إن فى ذلك لآيات لكل صبّـارٍ شكور } والله سبحانه وتعالى سمى نفسه شاكراً وشكوراً ، وسمى الشاكر من عباده بهذين الإسمين فأعطاهم من وصفه وسماهم بإسمه وحسبك بهذا محبة للشاكر وفضلاً ( تهذيب مدارج السالكين ) .

أركــان الشـكر : الشكر من العبد لربه يدور حول ثلاثة أشياء :
(1) إعتراف العبد بنعمة الله عليه على وجه الخضوع .
(2) الثناء عليه سبحانه وتعالى بهذه النعم ، أى الثناء على المحسن بذكر إحسانه .
(3) الإستعانة بهذه النعم على مرضاة الله وأن لا يستعملها فيما يكره .
فالشكر هو الإعتراف بإنعام الله عليك على وجه الخضوع ، فمن لم يعرف النعمة لا يشكرها ، ومن عرف النعمة ولم يعرف المُنعم كيف يشكره ؟ ومن عرف النعمة والمُنعم لكن جحدها فقد كفرها ، ومن عرف النعمة والمُنعم وخضع للمُنعم وأحبه وأستعمل النعمة فى طاعته فهذا هو الشاكر حقاً .. وهذا هو التعريف الشامل لشكر الله .
والشكر هو الغاية التى خلق الله الخلق لها ، قال تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } فلأى شئ أخرجهم من بطون أمهاتهم ؟ لعلهم يشكرون .
والله قسّـم الناس الى قسمين : إما شاكر وإما كافر ، قال تعالى { فأذكرونى أذكركم وأشكروا لى ولا تكفرون } وهو أول وصية وصّى الله بها الإنسان قال تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أُمه وهناً على وهن وفصالُه فى عامين أن اشكر لى ولوالديك إلىّ المصير } ، وقال تعالى { ولقد ءاتينا لقمان الحِكمة أن اشكر لله } وكان النبى صلى الله عليه وسلم سيد الشاكرين وإمامهم ، كان يعبد الله ليكون شكوراً كما جاء فى الحديث الصحيح عن المغيرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قام حتى تورمت قدماه ، فقيل : غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر . قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " . وجاء مثله أيضاً فى صحيح البخارى عن عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطّـر قدماه . فقالت عائشة : لِمَ تصنع هذا يارسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً "..

سؤال : كيف تكون عبداً شكوراً ؟
الإجابة :
(1) بهذه العبادة التى دلنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى قيام الليل . مَن مِنا يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ؟ بل مَن مِنا يقوم الليل أصلاً ؟!! إنّا لله وإنّا إليه راجعون .
(2) الدعاء : وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول :" اللهم أعنّى ولا تُعن علىّ وأنصرنى ولا تنصر علىّ وأمكر لى ولا تمكر بي وأهدنى ويسر الهُدى لي وأنصرنى على من بغى علىّ وأجعلنى شاكراً – وفى رواية شكّاراً – لك ذكّاراً لك رهّاباً لك مطاوعاً لك مُخبتاً إليك أواهاً مُنيباً ، رب تقبل توبتى وأغسل حوبتى وأجب دعوتى وثبّت حُجتى وأهدِ قلبى وسدد لسانى وأسلل سخيمة صدرى ( فى المسند والترمذى ) ، وعلّم صلى الله عليه وسلم معاذاً دعاءً عظيماً فقال : يا مُعاذ إنى أحبك فلا تنسى أن تقول فى دبر كل صلاة :" اللهم أعنّى على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك " .. قال سليمان عليه السلام " رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدىّ "
(3) العلم بأن الشكر يحفظ النعم ويزيدها ، قال تعالى { ولئن شكرتم لأزيدنكم } ولذلك يسمون الشاكر ( الحافظ ) أى الحافظ للنعمة ، فهو ( الحافظ للنعم الموجودة والجالب للنِعَم المفقودة ) قيل) الشكر قيد الموجود وصيد المفقود ) قال عمر بن عبد العزيز ( طيِّب نِعَم الله بشكر الله ) وقال ( الشكر قيد النِعَم ) وقال مطرف بن عبد الله ( لئن أعافى فأشكر أحب إلىّ من أن أُبتلى فأصبر ) .
(4) التحدث بنعم الله ، قال تعالى { وأما بنعمة ربك فحدّث } وذلك بأن يرى أثر نعمة الله عليك بغير مخيلة ولا سرف . قال صلى الله عليه وسلم " إن الله إذا أنعم على عبدٍ بنعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده " جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم وهو قشف الهيئة فقال له : هل لك من مال ؟ قال : نعم . قال : من أى المال ؟ قال : من كل المال قد ءاتانى الله من الإبل والخيل والرقيق والغنم . قال : فإذا أتاك الله مالاً فليُـرَ عليك .
قال السلف : فإذا أظهرت نعم الله عليك وأنت شاكر فلن يضرك بإذن الله . وقد ذمّ الله الإنسان الكنود قال تعالى { إن الإنسان لربه لكنود } قال المفسرون : هو الذى لا يشكر نعم الله . قال الحسن : إنه الذى يعد المصائب وينسى النعم ، وقيل : من كتم النعمة فقد كفرها ومن أظهرها ونشرها فقد شكرها .
(5) أن تراعى هذا المشهد ، فهذه نعمة تستوجب شكراً آخر . دخل رجل على عمر رضى الله عنه فسلم عليه وقال رجل لشهل بن عبد الله وعن ابن عمر قال : أى أن غرض السؤال الدفع لحمد الله . قال أحد السلف وقال ابن القيم فى تهذيب مدارج السالكين
(6) نسبة النعمة للمُنعم : فلا يقول حصلت عليها بذكائى أو بعملى أو بجهدى ، فلا بد من رد الأمر الى الله ومن هذا وقوع المطر فنجد البعض يقول : هذا لنوة كذا ، فى الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألم تروا ما قال ربكم ؟ قال : ما أنعمت على عبادى من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون الكواكب وبالكواكب " رواه أحمد ومسلم وغيرهما . قال تعالى { وما بكم من نعمةٍ فمن الله } .
(7) أن يسجد لله شكراً عند تجدد النِعَم ، وهذه عبادة عظيمة يشترك فيها الأعضاء السبعة ، وفى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر يسُره خرَّ لله ساجداً شاكراً له عز وجل ، ولما جاء الى أبى بكر خبر قتل مُسيلمة : سجد لله شكراً ، فإن سجود الشكر فيه تعبير عن حمد العبد لربه .
سؤال : نحن نعيش فى نعم كثيرة : لنا أعين نُبصر بها وآذان نسمع بها وأصوات نتكلم بها وغير ذلك كثير . فهل يُشرع لنا أن نسجد دائماً ؟
الإجابة : لا بالطبع ، وذلك لأننا نتبع السُنة فى أعمالنا ، والسُنة السجود عند حدوث نعمة متجددة ، فالمشروع السجود بتجدد النعم مثل إذا أتاك خبر يسُرك أو نجّاك الله من عدو أو مصيبة .. إلخ ، فالسجود للنعمة المتجددة يُذكّر بالنعمة المستدامة ، والنعمة المتجددة تستوجب عبادة متجددة ، ولأن طروء النعمة يُسبب بطر وأشر ، فلذلك شرع السجود وهو أن تجعل رأسك ( أعلى ما فى جسدك ) تحت وأسفل إظهاراً للخضوع والذل لرب العالمين وكسر النفس فلا تبطر بالنعم ، ولذلك فإنك تجد أهل الجهل عند حدوث فرحة أو نعمة يصيحون ويفعلون المعاصى ويشعرون بالخيلاء والعُجب ، ومثال ذلك ما يحدث عند الزواج فهذه نعمة عظيمة لكن عند حدوثها تجد الكثير لا يشكرون بل يفعلون المعاصى بإسم الفرح وأنها ليلة العُمر فكل شئ مُباح ، ونسوا قول رصول الله صلى الله عليه وسلم :" صوتان ملعونان فى الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ، ورنة عند مصيبة " حديث حسن ، وهو من أدلة تحريم المعازف .
(8) تذكر أن هذه المصيبة أخف من أعظم منها ، قال عبد العزيز بن أبى رواد : رأيت فى يد محمد بن واسع قرحة ، وكأنه رأى ما شق علىّ منها ، فقال لى : أتدرى ماذا لله علىّ فى هذه القرحة من نعمة ؟ لم يجعلها فى حدقتى ولم يجعلها فى طرف لسانى أهون أنها صارت فى يدى فهذه نعمة تستدعى الشكر عليها وينبغى السجود شكراً لله .
(9) الإعتناء بالنعمة والمحافظة عليها : وخاصةً مافيه رفعة للدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحسن الرمى ثم تركه فقد ترك نعمة من النعم " ، وفى رواية " من ترك الرمى بعد أن علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها " حديث صحيح ، فهذه نعمة لأنه يُعين على الجهاد ويرفع به الدين . .
ومن ذلك الإعتناء بفضلات الطعام وإطعامها للدواب أو الطيور ، فإن من كفران النعمة أن تُلقيها فلا يستفيد منها أحد وإن كان ولابد فأجعلها فى لفافة بعيداً عن القمامة لعلّ أحد يستفيد منها .
(10) أن تشكر الناس على إحسانهم إليك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لم يشكر الناس لم يشكر الله " صحيح ، وحديث " أشكر الناس لله أشكرهم للناس " .
(11) النظر الى النعمة والتفكر فى وجود ضدها الذى كان موجوداً من قبل ، مثال النظر إذا كان ذاكراً لله على الدوام أيام كان غافلاً لاهياً ، وإذا كان قارئاً أيام كان لا يقرأ ، وإذا كان له أبناء صالحين أيام أن لم يكن له أولاد ... إلخ

سؤال : ماهى أسباب تقصير العباد عن شكر نعمة الله ؟
الإجابة : لم يُقصّـر الخلق شكر نعمة الله إلا بسبب الجهل والغفلة ، فلا يُتصور شكر نعمة بدون معرفتها ، وإن عرفوا ظنوا أن الشكر عليها هو أن يقول بلسانه ( الشكر لله ) ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن تستعمل النعمة فى إتمام الحِكَـم التى أُريدت بها وهى : طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولغفلة الناس وجهلهم لا يعدون ما يَعُـم الخلق فى جميع أحوالهم نعمة ، لذلك لا يشكرون على جملة ما يجدون من نعم الله التى تفضل بها على خلقه لأنها عامة للخلق مبذولة لهم فى جميع الأحوال ، فما يجدونه غير مختص بهم لا يعدونه نعمة ، ومن ذلك تجدهم لا يشكرون نعمة الهواء ، ولو أخذ بمخنقهم لحظة حتى انقطع عنهم الهواء لماتوا ، ولو سلّط على الهواء بعض الناس لمنعوه غيرهم وتحكموا فيه ، وهذا مثال للغفلة والجهل إذ صار أيضاً شكرهم موقوفاً على أن تُسلب عنهم النعمة ثم تُرد إليهم فى بعض الأحوال وقد لا تُرد فتجد البصير لا يشكر نعمة البصر إلا أن يفقده فيشعر بالنعمة التى كان فيها ، فإذا أُعيد إليه بصره أحسّ بالنعمة وشكرها ، ومثل هذا مثل عبد السوء يُضرب دائماً فإذا تُرك ضربه ساعة : شكر ، وإن تُرك ضربه أصلاً غلبه البَـطر وترك الشكر ، فأنظرى ما تجديه من نفسك وأختارى ما ترضيه لها ..
كما أنه من الغفلة التى جعلت الناس لا يشكرون هو إعتقادهم أن المال هو النعمة التى تستوجب الشكر وما عداه ينسونه ، كما رُوى أن بعضهم شكا فقره الى بعض أرباب البصيرة وأظهر شدة إغتمامه بذلك فقال له :
ودخل ابن السماك على الرشيد فى عِظَـة فبكى ودعا بماء فى قدح ، فقال : وهذا يُبين أن شربة ماءٍ عند العطش أعظم من مُلك الأرض ، ثم تسهيل خروجها من أعظم النعم ، وفى هذا إشارة الى النعم التى يغفل عنها الكثير .
ومن النِعَم التى تستدعى شكر الله ليل نهار لكن أيضاً للغفلة والجهل كثير إلا من رحم ربى لا يفعلون وهى أن جعله الله مؤمناً لا كافراً ، وحياً لا ميتاً ، وإنساناً لا بهيمةً ، وصحيحاً لا مريضاً ، وعاقلاً لا مجنوناً ، وسليماً لا معيباً وأن الله ستر مساويه حيث أظهر الجميل وستر القبيح فما من أحدٍ إلا وهو يعرف بواطن نفسه ولو كشف الغطاء عنه لأفتضح على رؤوس الأشهاد ، وكان البعض يقول : .. فما أعظمها من نعمة وهى ستر الذنوب والمعاصى عن سائر العباد .

سؤال : بعد أن عرفنا شكر العبد فكيف يكون شكر الرب ؟

الإجابة : إن شكر الله ليس على نعمة بذلها العبد لربه فيشكره عليها ، فإن الله هو المانح دائماً والعبد هو الممنوح دائماً ، وليس لأحدٍ على الله منة ، بل المنة كلها من قبل ومن بعد لله ، ولذلك جاء فى تفسير شكر الله أنه القدرة على إثابة المحسن وأنه لا يضيع أجر العاملين ، فهو سبحانه يوفق عباده للخير ثم يعطيهم ويُثيبهم على العمل بهذا الخير الذى ساقه إليهم . والله يشكر القليل من العمل ويُعطى عليه الثواب الجزيل فالحسنة بعشر أمثالها ويُضاعف لمن يشاء . ويشكر عبده بأن يُثنى عليه فى الملأ الأعلى ويذكره عند الملائكة ويجعل ذكره فى الأرض بين العباد. كما أن العبد إذا ترك شيئاً لله أبدله الله أفضل منه شكراً له ، ألم ترى لمّا عَقَرَ سُليمان الخيل غضباً لله لمّا أشغلته عن ذكر الله فعوضه الله عنها بالريح وعلى متنها يكون سفره وتحمل جنوده من الإنس والجن ، ولمّا ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها فى سبيل الله عوضهم الله عنها بالدنيا وفتح عليهم مُلك فارس والروم ، ولمّا تحمّـل يوسف الصديق عليه السلام ضيق السجن شكر الله ذلك له ومكّن له فى الأرض يتبوء منها حيث يشاء ، ولمّا بذل الشهداء دماءهم فى سبيل الله شكر الله لهم وجعل أرواحهم فى حواصل طير خضر تسرح فى الجنة وترد أنهار الجنة وتؤوى الى قناديل معلقة تحت العرش .
حتى أعداء الله يشكرهم الله على ما يفعلونه من الخير بالمعروف فى الدنيا فيُعطيه الصحة والغنى والأولاد ونحو ذلك من متاع الدنيا ، أما فى الآخرة فليس له فيها نصيب .
ومن أمثلة شكر الله لعباده ماجاء فى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نزع رجلاً لم يصنع خيراً قط غصن شوك عن الطريق إما كان فى شجرة فقطعه فألقاه وإما كان موضوعاً فأماطه فشكر الله له بها فأدخله الجنة " حديث حسن
وفى صحيح البخارى من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يمشى فأشتد به العطش ، فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج ، فإذا بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال : لقد بلغ هذا ما بلغ بى ، فملأ خفه ثم أمسكه بفيـهِ ثم رقى فسـقى الكلب فشكر الله له فغفر له . قالوا : يارسول الله وإن لنا فى البهائم أجراً ؟ قال : لكل كبدٍ رطبة أجراً " .
ومن شكر الله لعباده أنه يُخرج من النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان ، ولا يضيع هذا القدر مادام من أهل التوحيد فإنه يلبث فى النار ما يلبث ثم يُخرجه الله من النار .
وشكر الله لمؤمن آل فرعون مقامه الذى قام لله فجاهد وقال كلمة حق عند سلطان جائر فأثنى الله عليه فى القرآن ونوّه بذكره بين عباده . .
فهو سبحانه الشكور على الحقيقة ، المتصف بصفات الكمال سبحانه وتعالى ..

سؤال : هل الشكر درجة واحدة ؟
الإجابة : إن الشكر درجات كثيرة ، فإن حياء العبد من تتابُع نعم الله عليه درجة ، ومعرفته بأن النعم إبتداءً من الله بغير إستحقاق درجة من درجات الشكر ، والعلم بالتقصير عن الشكر شُكر ، والمعرفة بعظيم حلم الله وستره شكر ، والعلم أن شكر الله نعمة من نعم الله شكر ، ومن الدرجات العليا للشكر : الشكر على البلاء وعلى المفقود وعلى المنع ..

وقسّـم البعض درجات الشـكر بحسب الشـاكرين :
أ - شكر العوام ( على النعم فقط )
ب - شكر الخـواص ( على النعم والنـِـقَم )
ج - شكر خواص الخـواص ( الإشتغال بالمنعم عن النعمة )
فالشكر من أرفع مقامات العبودية ويندرج فيه جميع مقامات الإيمان كالمحبة والرضا والتوكل وغيرها . فإن الشكر لا يصح إلا بعد حصولها . .

سؤال : ما هى ثمار الشكر ؟
الإجابة :
أ – الثمـار الدنيوية :
(1) يحفظ النِعَم من الزوال
(2) يجلب النِعم المفقودة
(3) يزيد النِـعَم
(4) يُسعد الإنسان

ب – الثمار الأخرويـة :
(1) غرس شجر الجنة
(2) غُفران الذنب
(3) يُجازى الله بها حين يلقاه عبده وقد عضلت الملكين
(4) يُنصب للشاكرين لواء فيدخلون الجنة
(5) يكتسب حُب الرحمــن
سؤال : فما الفرق بين الحمد والشكر ؟
الإجابة : بعد أن عرفنا ماهو الشكر وكيف يكون نذكر الفرق بين الحمد والشكر :

الشكر أعم متعلقاً من الحمد : حيث أنه يتعلق باللسان والقلب والجارحة ، القلب يعرف الله ويحبه ويعرف أن النِعم منه وحده فإن الرزق فى السماء ولكن يأخذه العبد فى الأرض وليس معنى ذلك أن من يرزقه أحد من أهل الأرض ولكن هو الله الرزاق ،
واللسان يُثنى عليه ويلهج بذكره ، والجوارح تستعمل هذه النِعم فيما يرضى الرب ولا تستعملها فيما يُسخطه .
أما الحمد فإنه أخص متعلقاً حيث كونه بالقلب واللسان فقط .

الشكر أخـص سـبباً والحمد أعم : حيث أن الشكر يكون فى مقابل الإحسان وفى مقابل النِعم ولا يشكر على الصفات الذاتية فلا يُقال شكرت فلان على خصاله الجميلة – ولله المثل الأعلى – وضد الشكر : الكفران .

أما الحمد فيكون فى مقابل وبلا مقابل ويكون على صفات الله الذاتية وعلى نعمائه فيُقال : الحمد لله فاطر السموات والأرض .. ونقيض الحمد : الذم .

ويجتمع الحمد والشكر : فى أنهما يكونا على السراء والضراء حيث أن الضراء نعمة أيضاً حيث أنها أخف وطأةً من الأعظم منها ، فكون الله إبتلاه بالأخف فهذه نعمة تستوجب الشكر والحمد .

والحمد هو رأس الشكر كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : " الحمد رأس الشكر ، ما شَكَرَ الله عبد لم يحمده " حديث حسن رواه البيهقى فى شُعب الإيمان .

هذا والله أعلي وأعلم