الفقر والعجز عندما يجتمعان !! ( قصة )

الملتقى العام

الأدب ليس للمتعة دائما
هو مرآة المجتمع ولوحته المفترضة
يرسم الأديب خطوطه بأي الأشكال يبرع ويقدمها للمجتمع
ليعي واقعه.
هذه قصة كتبتها وهي تبكيني في الحقيقة !
ربما ذلك يدعو للعجب
ولكن حين يستغرق الكاتب مع أبطال قصته ، ويعيش معاناتهم ويراهم حقيقة أمامه يتبدد العجب فيما يبدو !
هذه المرة لجأت للحوار بالعامية وهو مالا أفعله عادة
لكنني شعرت أن لاغير ذلك يمكن أن يكون مقنعا !!

لذا يا أخيتي هل فكرتِ في الفقراء العاجزين تحديدا ؟؟
وأن الله تعالى سيسألك عنهم ؟
خاصة حين تحسين بالشبع !
والتخمة التي يصعب عليك التجشؤ منها !؟
أو حتى محاولة الحرمان والجوع الاختياري في ممارسة ( رجيم ) لاتنجحين فيه كثيرا في شتاء يلذ فيه الأكل ؟؟
تابعي معي شعور الأب العاجز وهو يسمع قرقرة بطون صغاره !

لكم الله

فتح عينيه في تثاقل ، بالكاد استطاع أن يجعل جفنيه ينفرجان حاول أن يرى أن يدقق في النظر ويبصر ما أمامه
بدت الصورة مشوشة واختلطت عليه الأشياء لم تكن قاتمة تماما لكنها متداخله ببعضها الالوان والاشياء والاحجام ومن بين كل تلك الفوضى البصرية تبرز أشياء يعرفها أو أجساد يتخيلها !
لكنه أخيرا استطاع أن يتبينهم
ابتسم وهو يراهم يتحلقون جميعا يتراصون في دائرة ضيقة ويلتهمون شيئا ما ، تنهد بارتياح وهو يتأملهم يأكلون لن يقلقه جوعهم هذا اليوم أيضا! ياللسعادة وتلك الجمل الموجعة ستختفي من شفاههم
( أمي أنا جائع)
أمي أنا جعت !!
ماعندك أكل ياماما ؟
وكأن الجوع حالة استثنائية يقررها طفل مترف يجيء جوعه أحيانا وليس دائما !
جملة من ثلاث كلمات فقط قصيرة جدا وقليلة الكلمات
( أمي أنا جائع )
لكنها تسحقه وتحيل عظامه رمادا
تكبله أولا ثم تقضي على احتماله ولايملك إلا ان يبكي فقط هذا كل مايستطيعه .أحيانا يبكي بلادموع حين تشح ايضا وتبخل عليه
ان يغسل بها نفسه التي لايملك سواها !
يفعل ذلك كثيرا حتى يشم رائحة شيئ يطبخ ! أو يسمع طرق الباب أحيانا فتختفي تلك الجملة تماما حين يسدها أي شيء فالخبز الجاف يقنعهم أحيانا كثيرة ويملأ بطونهم مع قطرات الماء
ليسوا متطلعين للكثير فقد اعتادوا ذلك الحرمان منذ أصابه العجز وشل جسمه تماما
حاول أن يفتح عينيه أكثر ليطمئن لوجودهم جميعهم لكن رأسه المثقل و جسمه المنهك لم يعيناه ليتبينهم جميعهم ظهر في الصورة ظهور صغيرة منحينة إلى الأمام وتبدو فقراتها بارزة
هذا ظهر خالد
ابتسم وهو يحاول أن يتأكد وتلك ليلى ومشاعل بجانبها ، وذاك محمد بالكاد تأمل جبين سلمى تلك الأم الصابرة والزوجة الحنون أشفق عليها كثيرا وهي تمضغ لقيماتها بلا شهية وتحاول أن تبطيء أكثر حتى يشبع الجميع !
تأملهم وهم يتفرقون كعصافير صغيرة يلحسون بقايا عالقة في أصابعهم ويبتسمون لهذا الشبع المريح
أغمض عينيه وأصواتهم وضحكاتهم القانعة تهطل في أذنيه وتصل لقلبه وتكاد ذراعيه تتحديان العجز لتضمهم وتحضن أجسادهم الصغيرة وترفعهم عاليا عاليا فلايحتاجون لأحد ،
ظهرت صور شتى أمامه كلها تبدو مشوشة لكنه استطاع أن يتبين نفسه يفتح بابه بقوة وعنفوان ، يحمل الكثير من الأكياس وأنبوبة الغاز أيضا ، وتتلقاه العصافير الصغيرة تحتضن قدومه المنتظر وتطل في أكياسه حتى قبل ان تصل للارض وهم يصرخون باسماء الاشياء التي يحبونها
( موز وتفاح وشكولاته ورقائق البطاطا والبسكويت المغطى بالشكولاته الذي تحبه أمي !!)
صرخ خالد:
لقيته ...لقيته (اثار انتباه الجميع)
وصار يقفز عاليا
( البسكوت اللي مع محمد وما عطاني شوي اذوقه )
رفع الكرتون كله عاليا ثم احتضنه بفرح !
صرخت نورة بكل احبالها وهي تضم شيئا
ياحبي لك يا ابوي
ومطت الياء طويلا طويلا
ابتسم وهو يرتخي على الارض
ونورة تتم قبلاتها على رأسه
ضحك طويلا وكاد يشرق بقطرات الماء التي قدمتها زوجته الرائعة وهي تبتسم
قالت نورة وهي تهز علبة الالوان السحرية في وجه امها وقد اتسعت عيناها واحمر وجهها:
شوفي ياأمي شوفي !
وجد نفسه قويا قادرا على أن يحقق أمنياتهم الصغيرة وهو يراهم يلعقون أصابعهم الصغيرة وقد ارتسمت على شفاههم حمرة الحلوى وتناثر بسكويت خالد الذي يحبه وأمهم تلتقط الجزيئات الصغيرة وتصيح فيهم ان يكونوا أكثر حرصا
تنحني كثيرا وطويلا وهي تحوقل وتدعي لهم بالهداية وهم لايكترثون لها تعلقت عيونهم الصغيرة في التلفاز وقطع البسكويت اللذيذة
اختلطت الصور في ذهنه مرة أخرى بين
ماضيه وحاضره ومستقبلهم
أحس بقلبه يرجف وهو يتأمل شبح الكلمة ويخشى عذاباتهم
صرخت تلك الكلمة وتردد صداها المخيف داخله بدى أجوفا مجلجلا !
المستقبل ؟
كلمة تستحيل حياة كاملة ومشروعا من القهر جديد يضاف لأرشيف ضخم اعتاد أن يتراكم عليه منذ تساقط جسمه وأوهنه المرض ففقد العمل وتفرق الصحب و الأقرباء !
لا أحد يمكن أن يعول عليه لأجل الصغار وقد طوته السنوات مريضا عاجزا منهكا تماما
عاش يتم صغاره وهو لايزال على قيد الحياة !
شاهد فاقتهم وحاجتهم
قرصه جوعهم وعذاباتهم !
ياللشقاء
وهو يراهم بهذا الاحتياج وهو الذي كان يقتل نفسه لأجلهم ، لم يرحم سنواته التي تلاحقت وشيباته التي اشتعلت في رأسه قبل اوانها !، ظل يسابق الزمن وهو يكاد يكون منكسرا لاجل البنيات اللاتي لم يخالطهن الولد ! كان يخشى عليهن كثيرا ويتمنى لهن سندا مذكرا قويا !
حتى جاء محمد وتبعه خالد ثم انقصم ظهره في حادث لاينساه أبدا !كان من الممكن أن يكون في عداد الموتى لكن يومه لم يحن بعد ، تنهد باشفاق وهو يظن نفسه لازال في عداد الاحياء وجسده ميت تقريبا !!
بل يموت في اليوم ألف ميتة حين يسمع قرقرة بطون صغاره يتمنى لو يحفر قبره بيديه ويتوارى عنهم فوجوده يثقلهم ويضاعف همومهم
كاد يقتله يوما حوار صغيريه
تذكر ياخالد البسكويت اللي كان أبوي يجيبه لنا ؟-
الاحمر اللي عليه شكولاتة –
لا هذاك الابيض اللي يذوب في الفم على طول –
ايه اتذكره كان لذيذ –
يازين هذيك الأيام –
وقتها حاول ان يرفع راسه ويطل في وجهيهما
ويقرأ فيهما مالم يقولاه ! ومالم يستطيعا التعبير عنه
لن يحتاج لكثير ذكاء ليتصور قسماتهما الحزينة و ذبولهما المعتاد
تمنى لو يستطيع أن يزحف ويجلب لهم أمنياتهم
تمنى لو يقطع الصخر بأظفاره
تمنى لو يدخل يديه في فم الاسد
تمنى لو يقتل نفسه ليكون ذاك البسكويت وتلك الشكولاتة ويذوب في أفواههم الصغيرة
تمنى لو يمت وينتهي من حياتهم ويصبحون أيتاما فعلا
ربما اشفق عليهم الآخرين ليتمهم فهم ايتام في الحقيقة وهذا الأب يتمدد بينهم وقد خلت يداه من كل شيء ومن قوتها أيضا !
كره تلك الزاوية من البيت التي ألقوه فيها تمنى لو يرى الشمس ويشم الهواء ، لو يرى الناس والبشر والطير وكل الأحياء
أفاق على صوتها الحنون :
أبو محمد تشرب فنجان قهوة ؟
تأمل قسماتها وعيناه تتعلقان بها وتذرفان دموعا غزيرة أطبق جفنيه وصمتت هي !!
اعتادت منه مؤخرا هذا الصمت المفاجيء
والاغفاء الغريب !
لم تعد تقلقها فهو سيفيق ثانية حتى لو غاب عن الوعي يوما كاملا
لايدري كم مضى من الزمن حين أفاق ثانية
بدى كل شيء معتما وضوء يسير ينبعث من شمعة رفيعة وقد تحلقوا حولها يبدو أنهم يحلون واجباتهم ويد آثمة أصرت على قطع الكهرباء فاتورة جديدة لم تسدد واستجداء آخر من أم محمد !
كان صوته واهنا وهو ينادي ولا يسمعه أحد
جاهد ليراهم تمنى أن ترفع أم محمد شمعتها الصغيرة وتدور بها على قسماتهم ليتأملهم ويتنفس حبهم وشوقه ليضمهم ، تمنى لو تبقي شمعتها تضيء عينيها الحزينتين
تمنى لو يقول دعوني أراكم وأضمكم
دعوني أرحل وأنتم
لكم الله
ثم ودع الدنيا !.
15
982

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

حياة اسهل ...stc
حياة اسهل ...stc
الله يجزااااااااااااااك خير ..
منيرة ناصر آل سليمان
وإياك يا الطيبة
دمار زوجي
دمار زوجي
الله يوفقك

يستاهل التقييم خمس نجوم
queen2020
queen2020
يسلموووووو
منيرة ناصر آل سليمان
دمار زوجي
تسلمين يا الغالية
الله يوفقك يارب