يويمات مديرة // أنا حرة

الأدب النبطي والفصيح

يوميات مديرة ( 10 )
أنا حرة

تدافعت أمواج الدنيا تحاول التفلت من ربقة التاريخ وتفك قيودا رانت عليها أتربة رمادية , وتغلف الشعور بنسيان لحاضر يخبيء نفسه بين ركامات ورق أصفر .. لامهم , ولا تحاول تطلعاتي أن تفك رموزه فتستسلم لجرات المداد بنعم .....لا ....متبلدة جافة الإملاءات
وتتوه الذات لاتعلو لقولة ولا تنخفض لعديم رأي تعينه
ومن بين سنابل صفراء تبزغ في حقلي أحاول أن أضاعفها ألمح زوانا يصيب النقاء بمهارة وخبث وتشتبك نفسي مع مساوميها فلا تربح جولة ........فرماديات ملتفة حول حلقات المحاولات تحيط بالجهد وترسم له خطا يسير عليه معصوبا , كخيل في سباق عصبت عيونه فوقع .
وبحرية المشدوه أقاوم السقطات علني أصل خط النهاية بأقل الخسائر فأبدأ يومي هذا بانقباض في الصدر بقيد في العبرات وقيد للأنفاس ...وأغذ السير بين أوراق مكتبي أفك القيود لأرى أول المأسورين ..!!!! وريقة صغيرة دست عمدا أو غفلة كتب عليها
أنا حرة
وما أن بدأت بقراءتها حتى رن جرس الهاتف ودار الحوار التالي :
- صباح الخير !
رددت التحية
- معك فلان ... ستأتيك فلانة لديها خطاب مني , عينيها موظفة في الادارة !!!!!
صمتُ ولم أجب فاستحثني المتكلم لأسأله بسرعة
- من معي ؟؟؟؟؟
فأجابني بعنجهية وكبر ألم تسمعيني انا فلان !!!
- سمعتك ولكن من فلان ؟
وأُغلقت السماعة
وعدت بنظري إلى الورقة وعاودت القراءة
أنا حرة
إسمي ........ أعمل لديكم في هذا الصرح التعليمي وأنا ........ورن جرس الهاتف مرة أخرى ولكني لم أرد فكانت عيناي مسمرتان على الرسالة وخشيت أن يكون نفس المتصل ولكن طنين الهاتف بدأ يعلو حتى لخلت انه يتآمر علي ويبعدني برباط قوي عن حرية اختيار لحظتي
ورفعته لأحرر نفسي من إزعاجه فالإذعان للسطوة أحيانا حرية مؤقتة وأجبت بعصبية
- نعم .
رد صوت آخر أعرفه وبعد الديباجة قال لي
- هل حادثك فلان ؟
- نعم
- بم أجبته ؟
ولمعت في راسي بوارق تحد شرعت في النمو قليلا قليلا فكأنني أسمع جر سلاسل في نفسي أسحبها ببطء وقلت :
- سألته من يكون ؟
وانطلق المتحدث يصيح ألا تعرفين من يكون إنه فلان قالها بوجل ......بافتخار .......ولربما بخنوع
وازددت صمتا ولكن المحادثة على أية حال انتهت بأمر أن اوظفها دون أدنى قيد أو شرط
وبدون أدنى قيد
كم من القيود ستفرض علي وهل ستغلبني أم أن لدي قوة لفكها والتحرر
وبينما أنا أجتر مرارة ظلمات نفسي المضطربة إذا بطالبة صغيرة في الثالث الإبتدائي تقتحم علي انغلاقي وتركض باتجاهي باكية قائلة لا أريد لا أريد
بعنفوان قالتها رغم الحزن
فسألتها :
- ما هذا الذي لا تريدينه؟
واتضح أنها لا تريد أن تنشد في المسرح مع زميلاتها بعد محاولات مني لفك العبارات الحزينة الثائرة
ثم أردفت بتحد أنا حرة ... لن أنشد
تعبت من التدريب على نشيد الحفل . أريد أن أخرج للعب مع زميلاتي
روحها التواقة بالرفض انطلقت لتجابه نفوذ الكبار الذين أرادوا أن يرسموا لها طريقا بحلقات تدور فيها وتطوف مرغمة
فتمردت على السطوة وهرعت لمن ظنته طليقا
طوقتها بضعف ونظرت إلى الورقة أمامي
أنا حرة
أعمل في هذا الصرح التعليمي وأريد أن أعلمكم أني قررت ترك المدرسة فقد بات التدريس يخنقني
افعلوا ما تشاؤون ولكني لن أتنازل عن مطلبي
فأنا حرة
سآخذ حريتي منكم رغما او طوعا ...........
أنهيت الرسالة وكنت أظن أن الهاتف سيرن ولكن القرع كان آت هذه المرة من الباب من الموظفة المرسلة من فلان .....!!
ودخلت رافعة رأسها
نهاية الجزء الأول

****************************
الجزء الثاني
دخلت رافعة رأسها تصطنع ابتسامة مخنوقة وكانت تضع في رقبتها سلسلة ذهبية في أسفلها أيقونة تحمل شعار السلام
كم من التناقضات تدس أنفها في شقوق توسع بها قدراتنا على التحمل
تقدمت وسلمتني ملفا .كان بداخله
- شهادة الثانوية
- شهادة الميلاد
- ثلاث شهادات توصية من فلان وفلان وفلان !!!!!!
ثم بخطى خفيفة جلست على المقعد أمامي وابتدأت بممارسة سطوة ذات لغة عالية لا يفهمها إلا من يتقن فك الرموز
بدأتها بوضع رجل على رجل وبجلسة كبرياء خلت ان أنفاسا باردة تنطلق من فيها بنت جبلا ثلجيا لم تذبه مفردات الغضب الأولية التي كانت محبوسة في داخلي وقد أحمت رأسي معها
وبنظرة سريعة إلى الورقة المنفلتة ... والطفلة الثائرة استيقظت حريتي فرددت .................. أنا حرة , أنا حرة
ولم أشعر إلا وصوت رسف عال الضجيج لنفسي المقيدة وأغلال الحروف تُفرض علي بكل الأبجديات . فمن منا سينتصر لحريته ؟؟؟؟ أنا أم تلك الصغيرة أم صاحبة الورقة أم طالبة التوظيف ؟؟؟؟؟؟
ثلاث نماذج مختلفة ,,,,,,, اثنتان معلقتان بأغلال وواحدة طالبة لعبودية في ميدان أحرار , عبودية تحررها من قيد لا تحتمله إلى قيود لا تدركها
ومن خلف الجبل الثلجي الذي بدا لي أن الفطور تفشت فيه رويدا رويدا
كان تمثال حريتي قابعا في انتظار ردائه الأمثل , فنسجت من بيض العبارات النقية ذاك الرداء وألبسته إياه غير مبالية باختلافه عن لون وشكل متعارف عليه في سوق مصادر ....
للحريات
وأمسكت بالصغيرة أولا
ناديت مشرفة الحفل وسألتها :
- ما بها شيماء ؟؟
- لا تريد الاشتراك بالحفل
- من اختارها؟
- صوتها جميل ولو لم نخترها لقامت الدنيا وقعدت فأبوها ............ وصمتت
وكم من المرات نجابه طرقا مكتوب عليها
(( ممنوع المرور ) وهنا استفسرت بلغة العيون مع المشرفة لتجيبني ممنوع المرور هنا , وضجت نفسي بهذه الإشارة فاحتدت عباراتي و من شعلها تفتتت الحواجز التي اخافت المعلمة فقلت لها
- احذفي اسمها من المشتركات ودعيها تستمتع باللعب مع أقرانها
أردفت المعلمة والارتباك يحكم عباراتها
- ولكن سنقع تحت طائل المسئولية فوالدها سيغضب
نظرت إلى الفتاة الجالسة أمامي ( صاحبة التوصية ) فإذا بها تبتسم ابتسامة مكر مختف وكأنها تنتظر بوادر دخولي للطوق الخانق فتحكم عليه بسلسلة مجهزة أصلا
وبادلتها الابتسام فتنبهت لمراقبتي لها فارتبكت
وخاطبت المشرفة
- افعلي ما اقوله لك ........
وانحنيت إلى الصغيرة وطوقتها بقوة هذه المرة مبتسمة لها قائلة
- هل لا زلت لا تريدين الاشتراك بالحفل
هزت رأسها بإصرار
فأطلقتها من طوقي إلى اللاطوق بابتسامة فارقتني راكضة كفراشة خرجت من شرنقتها
تململت صاحبتنا ولم تكن هي الثانية وأرجأتها لترى حريات أخرى لا مساومة عليها
فناديت صاحبة الرسالة
دخلت علي تضرب بقوة بحذائها فسلمت علي بلا ابتسام
عرضت عليها الرسالة فإذا بوجهها الشاحب ينطلق فيه نوع من احمرار يحرر بقية من جمود اعتراها وكأني سمعت صوت أنفاسها وهي تضرب بعضها البعض فانتظرت قليلا لعل المعركة داخلها تئد مطالب نفسها السرابية
ولكن الانتظار طال فاندفعت تريد القول وتراجعت وكأن لسان حالها يقول :
- جنبي نفسك المعركة , فلا قبل لك بها أنت تعلمين مقدرتي في سحق خصومي
أسندت جسمي على الكرسي الجلدي البارد علني أطفيء النار التي كانت تتقد في داخلي وإن كنت احس ببرودته إلا أنه لم يطفئها
فأمسكت بورقتها وتعمدت القراءة بصوت عال حتى تسمع الفتاة صاحبة الواسطة
سمعت صرير أسنان المعلمة التي تقدمت نحوي تضرب المكتب بقبضة يدها قائلة
- ليس هناك داع أن تعرضيني وتعرضي نفسك للمعاناة , انا اخترت عدم التواجد وبإمكاني أن أبقى وأضايقك فلم تبحثين عن المتاعب ؟؟؟؟
وأجبتها بهدوء
- لم ستتركين المدرسة ؟
صدمها هدوئي ولو كانت في داخلي لرأت المعركة التي انتصر فيها عقلي ولرأت حظ نفسي مطروحا بلا حراك
وبقوة قالت -
- فقط لا احب التعليم دسوني فيه أهلي دسا والآن أنا التي ستختار
لن أختنق بعد اليوم سأفر من هنا حتى لو دعا الأمر للقتال
ابتسمت لها وفاجأتها قائلة
- رغم أنك لا تحبين التعليم ولكن المدرسة ومن فيها أحبوا أداءك وكم منا يحاصر برغبة من الكبار فلم لا ننظر هل أضاف تسييرهم لنا في قطار الحياة أية عربة أم أنهم أحرقوا الجسر أمامنا ووراءنا !
- نظرت الي ولم يشوشها هدوئي بل بالعكس فقد زادها اتقادا وظنت أني أمارس عليها ما تهرب منه
وأستعمل نفس السوط الذي جلد به اختيارها فأصرت قائلة
- لا تصادري حريتي في القرار بهذا الهدوء فأنت منضمة إلى جوقة المطبلين على قارعة حياتي فقد صممت أذاني ولم أعد أستسيغ نغماتكم
لم أيأس فقلت لها
- حريتك في الاختيار لوجودك او عدمه في المدرسة لك إلا إذا تعارض مع مصلحة من تعلمين فستيقين رهن الاعتقال كمعلمة حتى ينتهي العام الدراسي
ولن تكون حريتك هذه محل تقدير حتى منك إذا مارست فيها ظلما لتلميذاتك اللواتي احببنك ومشيت معهن مشوارا طلقا
وقفت قليلا وأطرقت و أحسست بفرجة من الحوار معها فأردفت
- سأترك لك الآن حرية القرار ولن أملي عليك ضغوطات بعد أن عرفت رأيي
غادرتني
وكلي يقين أنها ستعود عن قرارها لأنها تنفست بحرية

وجاء دور صاحبتنا
وكأن ما كان من فصول في حوارات على خشبة الواقع امامها أضعف قليلا من كبريائها فهي الآن لا تضع رجلا على رجل بل تجلس على حافة المقعد متيقظة كمن ينتظر لحظة انطلاق ليلقي ما في جعبته
أمسكت بملفها وسألتها وكل ما احاوله ان لا أظلمها حتى لو كانت تعتمد على أسوار لم تشيد لها
سألتها :
هل تملكين شهادة في الادارة او التربية أو السكرتاريا أو ......أو ....... وبدأت أعدد لها ما احتاجه
- أجابت
فقط الثانوية
-واخذت أفكر يا ترى لو أني رفضتها ماذا سأخسر
أنا لن أخسر كفاءة
بل سأخسر .........وظيفتي
وماذا سأكسب
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هل انا مثل ذاك الذي يقاتل طواحين الهواء بسيوف من خشب
وهل حقا وقفتي أمامهم سيفا من خشب لا فائدة منه وسيكسر ما وقفت من اجله وينهدم ما بنيته
ماذا أفعل ؟؟؟؟
أنا على ثقة بأنني سأخسر وظيفتي إن أنا رفضتها
فيا ترى هل أقول أنا حرة وأمضي لا أبالي أم أداهن وأحتفظ بوظيفتي ؟؟؟؟؟؟؟
ولم يطل انتظاري ........
فاتصلت أمامها بمن هاتفني وقلت له التالي:
- سأرسل توصيتي لك بخصوص فلانة . أغلقت السماعة وقلت للفتاة ناصحة أن تتعلم شيئا يفيدها ويساعدها في التوظيف
وأرسلت الرفض بخطاب رسمي
.......
كانت كلمتي أنا حرة كما الجمر تلسن فانطلق مذيبا ثلج الوهن وبسرعة هائلة كالقلم المشاق على قرطاسي يكتب تاريخا حرا
ليوم حر
وأنفاس براعم تتعلم كيف تسير بلا قيد ........

1
533

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بحور 217
بحور 217
أعاد موضوعك لي نسمة عبير فقدتها ...

وتزاحم في داخلي الحزن والأمل ...

وما زال الضيق يجثم على الأنفاس فيحيل اللحظات دهورا ....

لكن نسيم الحرية تمكن أخيرا أن يشرح الفؤاد ....

ولو إلى حين


أستاذتنا ..... لن نمل أبدا .... ولن ينتهي ظمؤنا الكبير ليومياتك الفريدة :26: