الحمد لله رب العالمين... والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
القرآن الكريم هو هديةالسماء إلى أهل الأرض, هو الوحي المتجدد الذي لا يبلىعلى الدهر, وإنـه نور وضياء؛ بهتستضيء العقول وتستنير القلوب.
قال سبحانه: {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًانَّهْدِي بِهِ مَن نَّشـَـاءُ مِنْ عِبَادِنَا}
وهو الروح قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَرُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}، والروح هي سر الحياة، ولا حياة للمسلمين فيأي زمان ومكان بدون هذه الروح.
من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً.
ومن اعتقد أنه أوتي نعمةخيرًا من القرآن فقداستهان بما عظم الله...
إن حديثي في هذا اليوم إلى تلك الفتاة العظيمة..التي حازت على الفضل، ولحقت بالركب...
إلى من استضاءت لها دروب الخير،وسمت نفسها وعلت على الغير، وأسرعت في الخطى تحث السير، فأصبحت تُنافس في عالمحافظات القرآن والسعادة، ولحقت بركب أهل الله وخاصته.
إنـني ابعث حديثي هذا إلى درة الفتيات...إلى حافظات كتاب الله
أبعثه إليكنبمداد الأخوة، وقرطاس الصدق، ومحبرة النصح, لعل الله أن ينفعنا بما نقول ونسمع...
مكانة حافظة القرآن
يا حافظة القرآن لك يجب التوقير والاحترام...لما جاء فيالحديث:(إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلموحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه)الحديث.
بل يكفيك شرفاً وعزةً وفخراً أنك من أهل الله وخاصّته...
فيكفي أهل القرآن شرفًا أن أضافهم الله إلى نفسه، واختصهم بما لم يختص به غيرهم، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام:( إن لله أهلين من الناس، فقيل: مَن هم؟ قال أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته ) رواه أحمد .
يا حافظة القرآن هنيئاً لكِ فقد عمَّرت قلبكِ بكلام الله وأقبلتِ على مأدبته...
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنِّي لا أَعْلَمُ شَيْئًا أَصْغَرَ مِنْ بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَإِنَّ الْقَلْبَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ خَرِبٌ كَخَرَابِ الْبَيْتِ الَّذِي لا سَاكِنَ لَهُ "
يا حاملة القرآن لكِ يشفع أقدس كتاب...قال النبي صلى الله عليه وسلماقرءواالقرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه) أنت ممن اصطفاهم الله ليستعملك في حفظ كتابه.. فقد قال تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )ففي صدرك كتاب لا يغسله الماء، قال الله تعالى : ( بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)
صفات حافظة القرآن
ولما كانت هذه المنزلة العظيمة لحافظة القرآن, وجب عليها أن تتميز عن غيرها بصفاتها وأخلاقها, لأنها قرآن يمشي على الأرض, ومحط أنظار الخلق...
يجب على حافظة القرآن التحلي بأكرم الصفات والشمائل
يحرص كثير منا على حفظ القرآن ، و لكن .. هل كان الحرص متركزاً على تطبيقه في واقع الحياة؟؟؟
نبينا محمد – عليه الصلاة و السلام – كان خلقه القرآن, فلتجعل محمداً صلى الله عليه وسلم هو سراجك المنير وقدوتك في المسير..
حافظة القرآن وتترفع عن كل ما نهى عنه القرآنينبغي عليك أن ترفعي نفسه عن كل ما نهى عنه القرآن؛ إجلالاً للقرآن الذي تحمليه.
فلا يصلح لك أن تذهبي إلى أماكن الرذيلة؛ وأماكن لا تليق بالمسلم عموماً فضلاً عمن حاز الشرف بحفظه...ففي جوفك قرآناً كريماً فلا تهينيه.
حافظة القرآن كريمة الخلق متواضعة للآخرين:ومما ينبغي لحافظة القرآن أن تكون مترفعةً عن الدنايا، متواضعةً للآخرين، لا تنظر للناس إلا بعين الرحمة والمحبة لهم، وهذا خلق أهل القرآن؛ لأن الله عَزَّ وَجَلّ يقول: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ }
فهي لا تحتـقــر أحـد, ولا تشـمتبمصــيـــبة أخواتها ،ولا تبـغــي على أحـــد ولا تــسيء الظن بالناس.
حافظة القرآن.. مظهرها ووقارها
يجب أن تتصف حاملة القرآن بالسكينة والوقار والخشوع، ولا تبدو بمظهر رث وهيئة بالية بل الوسط والإعتدال... فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: لأن السكينة التي تُظهر الإنسان بالضعف ليست من الدين، والتكبر والتعالي الذي يظهر للناس العظمة هذا أيضاً ليس من الدين.
حافظة القرآن وقيام الليل
إذا كان قيام الليل مرغب فيه للجميع..فمن باب أولى أن يكون لحافظة القرآن نصيب الأسد منه
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:(حامل القرآن ينبغي أن يعرف بليله إذ الناس نائمون....)
واقرئي هذه المقولة التي تكتب بمداد من ذهب عن الحسن رضي الله عنه قال:
أشواك في درب الحافظات
هناك بعض الأسباب التي تمنع الحفظ وتعين على نسيان القرآن والعياذ بالله، ولا بد لكل حافظة أن تنتبه لها وأن تتجنبها.. و فيما يلي أهمها
كثرة الذنوب والمعاصي, فإنها تنسيك القرآن وتعمي قلبك عن ذكر الله وتلاوة وحفظ القرآن.
قال الضحاك بن مزاحم (ما مناحد تعلم القرآن ونسيه إلا بذنب أحدثه لأن الله يقول {وما أصابكم منمصيبة فبماكسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
عدم المتابعة والمراجعة الدائمة والتسميع لما حفظتيه من القرآن الكريم, فالقرآن يحتاج إلى كثرة مراجعةومتابعة، قال صلى الله عليه وسلم (عرضت عليَّ ذنوب أمتي فلم أر فيها ذنباً أعظم من رجل أوتي شيئاً من القرآن ثم نسيه) التعلق بأمور الدنيا, والاهتمام الزائد بزخرفها ينتج عنه قسوة في القلب ولا يستطيع أن يحفظ بسهولة.الاستعجال, والحماس الزائد في حفظ آيات كثيرة وفي وقت قصير والانتقال إلى غيرها..وما يترتب على ذلك من عدم إتقان للحفظ ومنتساهل في المراجعة.
التساهل والضعف, فالقرآن كتاب عظيم يحتاج إلى صبروقوة عزيمة قال الله تعالى:{يا يحيى خذ الكتاب بقوة}
لهذا إن حاولت الحافظة أن تأخذه بالكسل والضعف ؛ فإنها لن تستطيع ذلك.
لهذا توكلي على الله ولا تستسلمي للشيطان، وأقنعي نفسك بأنكتمتلكين إرادة قوية, وإذا بدأت واجتهدت فسوف يساعدك الله تعالىحتى تقومي بواجب مراجعته والعمل به.. قال الله تعالى{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمعالمحسنين}
إضاءات في طريق الحافظات
أخلصي لله النيةفي جميع أعمالكِ، وراقبي الله في جميع أحوالك، واتقي الله في السر والعلن
قد من الله عليكأن تلحقي بركب أهل الله وخاصته، فعليكِ أن تؤدي جميع حقوق القرآن الذي تحملينه فيصدركِ، من تلاوة، وتدبر وتفكر...
يا حافظة القرآن إن المحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها, فالله الله بتعاهد القرآن بالمراجعة والاستذكار.
اجعلي القرآن هوالحياة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، فعليكِ أن تجعلي القرآن هوالميزان لجميع سلوككِ وتصرفاتكِ، فلا تعملي إلا ما أمر الله به أو لم ينه عنه،فأنتِ بالقرآن.. وللقرآن.. ومع القرآن في الحياة وبعد الموت.
كوني متواضعةً لمعلمتك ومتأدبةً معها، فعامليها بكل الاحترام وانظري إليها بعين الامتنان، ولا تُعاملي أخواتك إلا بما فيه رفق وأدب، فإن في ذلك تطبيق لما حفظتيه .
لا ترفعي صوتك بلا حاجة عند معلمتك، ولا تكثري من الضحك والكلام وكوني صاحبة سمت ووقار.
وعلى حاملة القرآن أن تكون داعية خير في مجتمعها بالحكمةوالأسلوب الحسن وأن يكون القرآن مصدرها الأساسي في دعوتها وتحث بنات جنسها إليه والعمل بما فيه.
وعلى حافظة القرآن أنترتقي في درجات العلم الشرعي وكلما ازدادت من العلم ازدادت من الخير والمنزلة الرفيعة عندالله، فإنه يقبح بحاملة القرآن أن تكون جاهلةً بدين الله.
لاتقفي عند مجرد الحفظ لكتاب الله، بل العمل.. العمل، فإن العلم يهتف بالعمل فإنأجابه وإلا ارتحل.
_ _ _ _ _
_ _ _ _ _ أسأل الله ذو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامُ, أَنْ ينَوِّرَ بِكِتَابِه أَبْصَارَكنَّ، وَأَنْ يُطْلِقَ بِهِ ألسِنتَكنَّ، وَأَنْ يغسلَ بِهِ قُلوبَكنَّ، وَأَنْ يشْرَحَ بِهِ صُدورَكنَّ، وَأَنْ يُفرّج به هُمومَكنَّ وسَائرَ المسلمينَ والمسلماتِ
