الأولىّّّّ

الأولىّّّّ @alaol_3

كبيرة محررات

الإعتداء في الدعاء

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
إنّ مما لا شك فيه أنّ «الدعاء هو العبادة» كما صَحّ بذلك الخبر عن المصطفى من حديث النعمان بن بشير . ومادام أنّ الدعاء عبادة فإنه يشترط لقبوله شرطان:
الأول: الإخلاص، فلا يدعو العبد إلا وهو يبتغي وجه الله لا رياءً ولا سمعةً، والثاني: المتابعة: أي يقتفي فيه طريقة وهدي محمد ، فإذا اختل واحد من هذين الشرطين فإن العمل يكون باطلاً مردوداً على صاحبه كائناً من كان؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في «الصحيحين» قالت: قال عليه الصلاة
والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ولمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».

قال ابن مسعود : «كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنة فإذا غُيرَت قالوا: غُيرَت السنة» قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: «إذا كثرت قراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة ». رواه الدرامي (1/64) والحاكم (4/514-515) بسند صحيح.

فمن تلك الأمور المحدثة:
أولا: التغني بالدعاء والتطريب والتلحين:
وهو أمر مُحدَث , لأنّ الأصل في العبادات المنع والتوقف لقوله  من حديث عائشة: «مَن أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَد» رواه البخاري، فليس المنع مقتصراً على أصل العبادة فحسب بل حتى في صفتها ووقتها وعددها وزمنها ومكانها وهيئتها، ولا دليل على صفة التغني بالقنوت فكيف نتعبد الله بما لم يشرع لنا، ولو كان خيراً لسبقونا إليه ونقل إلينا .

ثم إنّ الأمر بالتغني والترتيل إنما ورد في تلاوة القرآن لما روى البخاري في «صحيحه» عن أبي هريرة: «ليس مِنا من لم يتغن بالقرآن» فلم يقل: تغن بالدعاء، وإنما بالقرآن، وقال عليه الصلاة والسلام: «زينوا القرآن بأصواتكم» ولم يقل: زينوا الدعاء ...

وقد ذَكَرَ شيخ الإسلام أنّ إدخال الألحان في الصلوات هي من طريقة النصارى حيث قال في «الفتاوى» (28/611): (وكذلك إدخال الألحان في الصلوات لم يأمر بها المسيح ولا الحواريون) اهـ،

ولو أنك أخي الإمام سألت نفسك هل تتغنى بالدعاء على المنبر يوم الجمعة؟ لقلت: لا، ولو سألت المصلي هل يتغنى بالدعاء في سجوده ؟ لقال: لا، ولو سألت المصلي الذي في المسجد ينتظر الصلاة: هل تتغنى بالدعاء ؟ لقال: لا، إذاً فما الذي خَصَّ دعاء القنوت بهذا التغني والتلحين والترتيل الذي نسمعه اليوم دون بقية الحالات ؟؟ فإنّ الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ولا تجمع بين المختلفات.

ثم اعلم بأنّ التغني والتطريب بالدعاء من أسباب رده وعدم قبوله لأنه اعتداء في الدعاء، قال الكمال بن الهمام الحنفي: (ومما تعارف عليه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح و الإشتهار لتحريرات النغم إظهار للصناعة النغمية لا إقامة العبودية؛ فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد ... فاستبان أن ذلك من مقتضيات الخيبة والحرمان ). «فيض القدير» للمناوي (1/229).
وقال: (ولا أرى أنّ تحرير النغم في الدعاء كما يفعله بعض القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى السؤال والدعاء وما ذاك إلا نوع لعبٍ، فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة أدى سؤاله بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نُسب البتة إلى السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة هو التضرع لا التغني) اهـ.

ولك أخي الكريم أن تتأمل وأنت تسمع بعضهم وهو يدعو وكأنه يقرأ القرآن بالمدود والقلقلة والإخفاء والإظهار، حتى إنك ترى بعض المصلين عند سماعه للقنوت لا يفرق بين القرآن وبين الدعاء .

وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية 6/76 برقم (21263)وتاريخ20/12/1420هـ بما نصه : وعلى الداعي ألاّ يشبِّه الدعاء بالقرآن فيلتزمَ قواعد التجويد والتغني بالقرآن - في حال الدعاء - فإن ذلك لا يعرف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه رضي الله عنهم .

ثانياً: من الأمور المحدثة في الدعاء: السجع:
فقد كرهه السلف ونهوا عنه، قال ابن عباس رضي الله عنهما لمولاه عكرمة: «انظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الإجتناب .. » رواه البخاري.
وهو أيضا مِن أسباب عدم الإجابة؛ ولذلك قال القرطبي (7/226): (ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنة فيتخير ألفاظاً مفقرة، وكلماتٍ مسجعة قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معول عليها فيجعلها شعاره، ويترك ما دعا به رسول الله ، وكل هذا يمنع استجابة الدعاء ) اهـ.

ثالثاًً: من الأمور المحدثة: الإطالة في الدعاء:
فقد جاءت السنة في التحذير منه والحثّ على الإقتصار على الجوامع والكوامل من الدعاء وترك الأدعية المطولة، بل فهم السلف الصالح أن التطويل في الدعاء هو نوع من الإعتداء كما جاء في «سنن أبي داوود» أنّ سعد بن أبي وقاص سمع ابنا له يدعو ويقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال: يا بني إني سمعت رسول الله  يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء. فإياك أن تكون منهم إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر.صححه الالباني (2/77).
وقال عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: «عليك بجمل الدعاء وجوامعه قولي: اللهم إني أسألك من الخير كلّه عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كلّه عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل...» الحديث رواه ابن ماجه والبيهقي وصححه الالباني (4047).
أفلا نستحب يا أُمّةَ محمد ما كان يحبه عليه الصلاة والسلام من الجوامع ؟
أفلا نعمل بوصية رسول الله لعائشة ـ وهي أحب النساء إليه ـ بِجُمَلِ الدعاء ؟
وتأمل أيها اللبيب قولها رضي الله عنها وهي تسأل الرسول عليه الصلاة والسلام فتقول: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ماذا أقول؟ قال: «قولي: اللهم إنكَ عفوٌ تُحب العفو فاعفُ عني ». رواه الترمذي: «صحيح الجامع» (4423).

وإنك لَتَعجَب عندما تسمع بعض الأئمة في قنوتهم وهم يتكلفون الوصف في الدعاء حيث يقول مثلا: (اللهم ارحمنا إذا ثقل منا اللسان، وارتخت منا اليدان، وبردت منا القدمان، ودنا منا الأهل والأصحاب، وشخصت منا الأبصار، وغسلنا المغسلون، ... الخ ) ويزداد عجبك عندما تسمع بُكاء الناس ونشيجهم وهم يُؤَمِّنُون على هذا الدعاء، بل ويتسابقون على التبكير إلى هذا المسجد والصلاة خلف هذا الإمام، وقد تسمع من بعض الأئمة وهو يدعو على الأعداء فيقول (اللهم لاتدع لهم طائرة إلا أسقطتها، ولا سفينة إلا أغرقتها، ولا دبابة إلا نسفتها، ولا فرقاطة إلا فجرتها، ولا مدرعة إلا دمرتها، ولا .. ولا.. الخ) وكأنه يُملِي على الله كيف يفعل بالأعداء، بينما كان يكفيه أن يقول اللهم عليك بهم أو اللهم انتقم منهم ونحو ذلك من المأثور عن سيد البشر صلوات ربي وسلامه عليه.

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين
19
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

كاذية الجنوب
كاذية الجنوب
سعودية اصلية
سعودية اصلية
الله يجزاك خير
مس بندرر
مس بندرر
بارك الله فيك
معلومات قيمة أنرتينا بها
al hasnae
al hasnae
بارك الله فيك ..و جزاك الله خيرا
الأولىّّّّ
الأولىّّّّ
وجزاكم جميعا