soull-1

soull-1 @soull_1

عضوة فعالة

سِـرُّ الأسْرَار فِي إجًابَةِ دُعاءِ المُؤمِنِيْنَ والكُفَّارْ

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم


سِـرُّ الأسْرَار فِي إجًابَةِ دُعاءِ المُؤمِنِيْنَ والكُفَّارْ


مُقَدِّمَة:

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ، فإن الدعاء من أعظم العبادات وأشملها وأعمها فهو من أبلغ صور الخضوع والتذلل والحاجة والاتصال بالخالق جلت قدرته ، وفي هذا المقال أعرض للقارئ الكريم تجربة استقرائية هامة للغاية تستجلي سراً من أهم أسرار الدعاء المستجاب استرشاداً بالقرآن العظيم ، كذلك وبجانب هذا السر المضيء الذي لم يكن خافياً في كتاب الله أبداً فإننا سنتعرف على التركيب البنائي لجمل الدعاء مستأنسين بكتاب الله جل وعلا وصيغ الدعاء المستجاب فيه.



بُنْيَوِيَّةُ الدُّعَاءِ رُكْنُ الإِجَابَةِ الرَّكِيْن:


إن بناء الدعاء ومحتواه هو جزء هام وركن أساسي في القبول والإجابة بجانب عدد من العوامل الأخرى ، ولو عدنا للسيرة النبوية المطهرة لرأينا كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعجب من دعاء صحابة وأقرَّ ذلك الدعاء فكان جزءاً من صلاتنا المكتوبة ، وفي هذا البحث تتجسد قاعدة التركيب اللغوي للدعاء ونوعية المفردات والأسماء وأسلوب الدعاء كما سنرى.


إن من ندعوه جلت قدرته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فهو رب كل شيء ومليكه ومناجاته تستلزم سنناً خاصة يجيب سبحانه من يأتي بها على وجهها وهذا ما سنراه فيما يلي.



دعاء إبليس والمجرمين والكفار:


من عجائب سر الأسرار وسننه الثابتة أن من أتى به من وجهه أُجيْبَ ولو كان كافراً ، ومن لم يأتِ به بسننه وآدابه رُدَّ ولو كان الداعي مسلماً مؤمِناً بل إن إبليس اللعين أتى به من وجهه فأجاب الله دعوته وآتاه أمنيته كما سنرى ، وبلعام ابن باعوراء أوتي سر اسم الله الأعظم فكان كنزاً عظيماً لم يدرك عظمته وقيمة ما اختصه الله به فآثر الباطل على الحق فخاب وخسر.



ونتبين من ذلك أن الدعاء سنة كونية وليست مختصة بمؤمن وكافر ، بل إن كل مخلوق يدعو وحقيق على الله إجابة دعاءه إن أتى به من وجهه الصحيح ولو كان ملحداً كافراً جاحداً ولننظر لمصداق ذلك من كتاب الله تعالى:


وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)الإسراء.



فالغارقون الهالكون في عواصف البحر وأمواجه إن أخلصوا في الدعاء نجَّاهم مع علمه جل وعلا بكفرهم بعد تحقق النجاة والفَرَج ويعودون لشركهم كما كانوا قبل محنتهم.



{ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)}



قل (يا محمد) للمشركين من ينجيكم عندما تشرفون على الهلاك في البر والبحر ؟؟ فتدعونه وحده متضرعين فينجيكم ثم تعودون لشرككم به وظلمكم لأنفسكم ؟ .



ولا شك أن تلك من المواقف و المحن العظيمة التي يقترب فيها الإنسان من الهلاك حيث ييأس الهالك إلا من رحمة الله فتحيط به برغم علم الله بما سيكون منه بعد نجاته إذا أخلص دعائه لله وتوجه متضرعاً له سون سواه.


وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) التوبة



وهنا فئة جديدة غير المشركين وهم المنافقين ، فالمنافقون يعاهدون الله مخلصين حين عاهدوا فلما أجابهم الله بخلوا وبدلوا عهدهم مع الله وكذبوا وهو جل وعلا لم يفجأه ذلك بل كان عالماً به ولكن إخلاصهم في الدعاء أول مرة كان مناط الإجابة فلما بدلوا بدل الله عليهم بعاقبة سوء .



هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)يونس


وهذا خطاب آخر للمشركين يتبين منه كيف أن الله سبحانه وتعالى برغم شركهم يجيب دعائهم برغم علمه جلت قدرته بكذبهم وتبديلهم وتغييرهم وبغيهم وما نستفيد هنا هو أن الأمر ليس مناطاً بالمآلات بل بإتباع سنن الدعاء وقوانينه وهذا المفهوم يكرس قيمة العدل الرباني المطلق فلن نجد لسنة الله تبديلا ولن نجد لسنة الله تحويلاً.


وأختم بأعظم صور تحقيق السنة الربانية في الدعاء وهو إجابة دعاء إبليس الرجيم إذ قال ربنا جلت قدرته:


قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) الحجر


فدعا الله أن ينظره ويمهله إلى يوم البعث فأجاب الله تعالى دعاءه ومن هذه الآية بالمناسبة ينقطع اللغط حول “الوقت المعلوم” وماهيته فالإجابة واضحة فاليوم المعلوم هو “يوم يبعثون” وفق طلب إبليس من الله جل وعلا ، فلماذا أجاب الله إبليس ؟ وما هي هذه السنة العظيمة التي أدت لإجابة الله لدعاء إبليس نفسه ؟.




قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) ص


ففي هذا الموضع أيضاً يدعو الله ان يمهله فيجيب الله دعوته وهو يعلم أنه لن يستغل تلك الفترة الزمنية والمهلة التي أجيب إليها في الاستغفار والابتهال بل سيستغلها في إغواء المؤمنين والمخلصين لصدهم عن سبيل الله وبرغم ذلك أجابه عندما أتى بالدعاء من وجهه ، ومثله أولئك الذين ذكرناهم آنفاً من تعهد في ظلمات البحر بالإخلاص لله بعد أن ينجيهم فلما نجاهم نكصوا عما عاهدوا الله عليه ، ونلحظ (الفاء) التعقيبية في قوله تعالى (فإنك من المنظرين) والتي سنسميها فيما يلي فاء إجابة الدعاء




فبعد أن أجاب الله دعاءه ما كان قوله إلا

قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) الحجر



وفي الموضع الثاني في صورة ص :

قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ص


فتتكرر الصورة النمطية بالدعاء والنكوص فيشابه المشركين والمنافقين إبليس حين نكص بعد أن أجيبت دعوته كما ينكصون وينكثون عهودهم مع الله بعد أن يجيبهم جل وعلا والمشترك هنا مما نريد إبرازه هو سنة الدعاء المستجاب حتى من إبليس الرجيم والكفار والمشركين والمنافقين.


إذن فالدعاء لله وحده دون اعتداء وعلى وجهه الصحيح وبيقين وإيمان حري بالإجابة سواءً كان الداعي مؤمناً أو منافقاً أو كافراً فالله جل وعلا ليس كالبشر ومصداق ذلك قوله تعالى:

{ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا }



فالرؤوف جلت قدرته ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب ولكن سنن تتلوها سنن ففي دار الممر في هذه الحياة الدنيا يقع قانون الله وتجري سننه فيؤتي الكافر العامل ويمنع المؤمن الخامل ، وينصر الكافر المظلوم ويقصم المؤمن الظالم ، فالحياة الدنيا كما الآخرة دار عدل يناسب تساوي الفرص بين أهلها بغض النظر عن إيمانهم وكفرهم ، ويبقى تمايز الفريقين بالقبول والتدوين فالدعاء عبادة يؤجر فاعلها وتدخر للآخرة ولكن غير المؤمن لا ينتفع بدعاءه في الآخرة وإن انتفع به في الدنيا.


وهذا من تمام عدله جلت قدرته فلا حجة لأحد من خلقه يوم يقف بين يديه فقد أعطى الدنيا للمؤمن والكافر على وجه التساوي ولم يمنع كافراً لكفره ولم يعط مؤمناً لإيمانه بل جعلها سنناً لا تتبدل ولا تتحول من أتاها كما ينبغي رزقه الله وأجابه وآتاه فكان ذلك كرامة للمؤمن وحجة على الكافر.


وفيما يلي نتعرف على سر الأسرار الذي أجيب به المؤمنين والفجار ونتتبع ذلك في كتابه الكريم.


سِرَ الأسْرار

كتاب الله هو مصدر هذا السر ، ولم أسميه سرَّاً لاستتاره عن أنظار قارئي كتاب الله بل لاستتاره عن إفهام كثير منا برغم وضوحه وسهولة التعرف عليه ، ولمَّا كانت اللغة وتراكيبها هي صورة الإعجاز الكبرى في كتاب الله فإننا نفهم هنا كيف أن الكلمة ذات وزن في موضعها عن سواها ونعلم أن اسماً من أسماء الله أحرى بالإجابة من سواه فنعلم حين ذاك أن الكلمة من كلمات الله عندما تختار لتوضع في موضع فإن ذلك لم يكن ذلك عبثاً أو مصادفة بل لحكمة صارمة.


لا شك بأن الدعاء المستجاب في كتاب الله حريٌّ بالدراسة والتحليل لكي نميز ونفرق أين الدعاء الذي استجابه الله وبم تميز ، وأين الدعاء الذي رده الله ولم ردَّهُ ولم يجبه وبم تميز.


وهذا ما قمت به فتتبعت آيات الدعاء و استقريتها فوجدت أننا غفلنا عن أمر هام هو أن كل دعاء دعي الله به في الدنيا بدأ بصفة الله (رَبِّ) نجد أنه أجيب ولم يرد أبداً طالما انتفت موانع الإجابة وهنا سنبدأ رحلة ممتعة مع الدعاء بـ ( رَبِّ) لنشهد هذه السنة الربانية العظيمة وكيف تراتبت في كتاب الله ، ولقد ارشدنا إليها ربنا جلت قدرته إذ يقول :


ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) الأعراف


فاختص أمره جلت قدرته بقوله (أدعوا ربكم) فكان التوجيه واضحا بدعاء (الرب) بتضرع وخفية وبدون اعتداء .


  • قصة نوح عليه السلام:
وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) هود


وهنا فإن نوح لم يطلب النجاه من لابنه من أهله مباشرة بل دعا ربه بأنه من أهله فأجابه الله أنه ليس من أهله ونهاه عن التمادي وسؤال النجاة له لأنه لم يعد من أهله والله أصدق القائلين فقد انتفى النسب عندما اثبت الكفر ، فكان لو دعا بالنجاة لابنه لكان ذلك اعتداءً في الدعاء فاستغفر الله وسأله الرحمة واستعاذ من سؤال ما ليس له به علم.


قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) المؤمنون


فكان جواب دعاءه بـ (رَبِّ) انصرني بما كذبون أنه قضى عليهم (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) ثم تبعه قرن آخرين كذبوا رسولهم إذ قال تعالى:


قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) المؤمنون.


فجواب (رَبِّ انْصُرْنِي) قوله تعالى بفاء إجابة الدعاء (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ)


قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) الشعراء

فأجاب الله قوله (رَبِّ) افتح بيني وبينهم فتحاً ، بإغراقهم ونجاته ومن معه كما سأل ودعا بفاء إجابة الدعاء إذ قال (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ)

وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)


فأجاب الله نداءه بـ (رَبِّ) فلم يذر على الأرض من الكافرين أحداً وأغرقهم جميعاً إلا المؤمنين الذين ركبوا في الفلك مع نوح ، وغفر لنوح ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات.


  • قصة إبراهيم عليه السلام:

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(126) البقرة


فأجابه الله تعالى وجعل من الوادي المقفر الموحش المخيف بلداً آمناً ورزق أهله مؤمنين وغير مؤمنين فأما من آمن فيرزقه الله في الدنيا والآخرة وأما من كفر فيرزقه الله متاعاً في الدنيا ولكنه في الآخرة من أصحاب النار.

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)البقرة


فكان هذا السؤال الجريء من خليل الله إبراهيم فسأل ربه جلت قدرته بقوله (رَبِّ ) فيجيب الله سؤله فيريه كيف يحي الله الموتى ، فتحققت الرغبة وأجيبت الدعوة بفاء إجابة الدعاء في قوله تعالى (فَخُذْ ) .


وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) البقرة


فاستجاب الله لهما فتقبل أعمالهما ، وجعلهما مسلمين فقال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ، وأجاب دعاء البعث فبعث فيهم نبياً منهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم.


رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) لوط

وهذا لوط عليه السلام يدعو بالنجاة بقوله (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي) فأجاب الله دعاءه بفاء إجابة الدعاء إذ يقول جل جلاله (فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ)


رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) الصافات

ولما نادى إبراهيم ربه سائلا إياه أن يهبه ولداً من الصالحين فقال (رَبِّ) هب لي من الصالحين كانت الإجابة بفاء إجابة الدعاء فقال تعالى (فَبَشَّرْنَاهُ) بغلام حليم.



  • قصة موسى عليه السلام:

قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)

فعندما دعا على قومه إذ عصوه بـ (رَبِّ ) فلم يطيعوه في دخول الأرض المباركة ومقاتلة العماليق فامتلأ صدره عليهم غيضاً ودعا بتلك الدعوة فأجيبت بقدرة الله تعالى مبتدأة بفاء إجابة الدعاء (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً).


قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) طه


فعندما دعى موسى ربه بقوله (رَبِّ) آتاه سؤله فشرح صدره ، ويسر أمره ، وحلَّ عقدة من لسانه وجعل له هارون وزيراً يشد أزره ويشاركه في رسالته فما كان من ربنا جلت قدرته إلا أن قال (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا موسى) ، فهذه صورة من سور الإجابة العظيمة بهذه الصيغة في الدعاء.

ولَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة


فعندما دعا جالوت وجنوده بـ (رَبَّنَا) استجاب ربنا جلت قدرته (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ) والفاء لإجابة الدعاء كما سلف في كل مثيلات هذه الآية.

وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) آل عمران


فكان دعاء الربيون مفتتحاً بـ (رَبَّنَا ) وعقب الله عليه مستهلاً بفاء إجابة الدعاء في قوله تعالى (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ) فحازوا النصر والتثبيت والمغفرة وحسن الثواب في الآخرة بأحسن مما سألوا.



وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) الأعراف



فأجابه ربه فتجلى للجبل ، ولم يكن الجبل ليستقر مكانه وإلا لتمكن من رؤية الله ، فحقق الله أمنيته فقط بالنظر (إليه) أي باتجاهه ولو تعذرت رؤيته جل وعز سبحانه .

قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) القصص

فعندما نادى الله بقوله (رَبِّ) إني ظلمت نفسي فاغفر لي فكان جواب دعاءه ونداءه مستهلاً بفاء إجابة الدعاء فكان قوله تعالى (فَغَفَرَ لَهُ) إنه هو الغفور الرحيم.



  • قصة يوسف عليه السلام:

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) يوسف

فدعا بصرف كيد النسوة بقوله (رَبِّ) واستهلت الإجابة بفاء إجابة الدعاء في قوله (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ) واشتملت الإجابة على إيتاءه ما أحب وهو السجن فأدخل فيه تحقيقاً لإجابة الله ليوسف فنلحظ دقة إجابة الله ليوسف عليه السلام ، ولو دعا بصرف الكيد دون السجن لأجابه الله إلى سؤله.

  • قصة زكريا عليه السلام:

ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) مريم


فدعاء زكريا كان قوامه قوله (ربِّ) فلما دعا به أجيب ، وكانت إجابته من الله بأن رزقه يحيى عليه السلام وجعل إجابة دعوة يحيى في صفاته وعلاماته وخلقه وعلمه ونبوته وزاده سبحانه إكراماً بما لم يسأله ويدعو به هذا النبي الصالح.


ثم إنه عليه السلام سأل ربه بذات الدعاء أن يجعل له علامة وآية فأجابه إلى طلبه:


قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) مريم



فلم يدعو ربه بياء النداء فهي لا تناسب الدعاء البتة فلم يسبق ان استعملت في القرآن إلا في موضع واحد لم يكن فيه النبي صلى الله عليه وسلم يرجو من هذا النداء إجابة فلم تأتِ إلا في موضع اعتذار.

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)



وذكر القصص في موضع آخر لم يغير صيغة النداء برغم تغير صيغة الدعاء فبقيت (رَبِّ) وما ذكرت في موضع إلا أجاب الله فيه .


وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) الأنبياء

وهنا أيضاً كان النداء بـ (رَبِّ ) والإجابة مستهلة بفاء إجابة الدعاء (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ)



  • قصة سليمان عليه السلام:

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40) ص


فكان جواب دعاءه بـ (رَبِّ) بالإجابة بفاء إجابة الدعاء (فَسَخَّرْنَا) وما يتبع ذلك من مغفرة كما سأل و زلفى وحسن مآب.



  • قصة مريم عليهما السلام:

إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) آل عمران

دعت بالقبول (ربِّ تقَبَّل) وبرغم أنها أنثى فقد (تَقَبَّلَهَا ) وأعاذها وتولاها ورزقها وأصلحها وأخرج من بطنها رسولاً من أكرم أنبياء الله ورسله وفضلها على نساء العالمين.

وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) المائدة

فكان قولهم وافتتاحه بـ (رَبُّنَا) مآله الإجابة من الله جل وعلا بفاء إجابة الدعاء في قوله تعالى (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا) فكان الثواب العظيم يعود لقولهم الذي نطقوه وقالوه معبراً عما في قلوبهم من إيمان مستقر .

إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) المائدة


وهكذا فإن عيسى عليه السلام عندما سأل الله أن ينزّل مائدة من السماء سأله بقوله (رَبَّنَا) فتحقق ذلك بقول الله (إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ) ولم تستعمل فاء إجابة الدعاء لتأخرها لفاء الشرط و الوعيد في قوله تعالى (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ).

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) آل عمران

فأتبع الله دعائهم بقولهم (رَبَّنَا) بالإجابة بفاء إجابة الدعاء فكان قوله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ)


وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) الأعراف


فأصحاب الأعراف حين قالوا (رَبَّنَا) لا تجعلنا مع القوم الظالمين استجاب لهم وأخلف ظن المستكبرين وقال لهم (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) الإسراء

فلا ينبغي بعد ذلك ان يأتي من يدعو بصيغة (اللهم ارحمهما ) مثلا ، والله قد ارشدنا لتركيب الدعاء المستجاب فوجب أن ندعوه كما أمر بلا زيادة ولا نقص ولا تحوير ولا تغيير فذلك أجدر بالإجابة وأقرب.


وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) الأحقاف

فكان جواب (رَبِّ) هو القبول والتجاوز عن السيئات والخاتمة الحسنة بالجنة وعداً صادقاً متحققاً من رب العالمين

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) التحريم


وبلا شك أن الله أجاب دعاءها وبنا لها بيتاً في الجنة ونجاها من فرعون ومن القوم الظالمين فإيراد دعاءها كافٍ للتحقق من تلك الإجابة وقبولها عند ربنا جلت قدرته.


ومما سلف يتبين لنا بجلاء كيف أن صيغة الدعاء المستجاب في القرآن الكريم موحدة قطعية الدلالة لا تقتصر على الأنبياء والمرسلين بل استعمل الدعاء مفتتحاً بالنداء (ربِّ) من فئات شتى من الناس بل ومن إبليس نفسه .


وبذلك نعلم كيف أن الدعاء سلاح ماضٍ وقوة لا يستهان بها إذا توافرت شروط وأركان تجعله مجاباً من الله جل وعلا .



مِن آدابِ الدُّعَاءِ الُمجَابْ

لكي يرتقي الدعاء للدرجة التي يكون فيها حريُّ بالإجابة بجانب افتتاحه بالنداء (ربِّ) فإنه يحسن بنا أن نتبع أموراً قلبية وعملية تعزز هذا الدعاء وتحققه بإذن الله وقدرته تتمثل فيما يلي:


أولا: اليقين بالإجابة: وهنا لا نقول حسن الظن بالله فحسب بل الشعور العميق بأن الله مجيب قريب وأن هذا الدعاء سيجاب بإذن الله وقدرته لا محالة ، وأن نلغي كل موانع نفسية أو شك أو يأس وقنوط فإنه أفسد عمل يفشل الدعاء.


ثانيا: الصدقة : فإن مما يرفع الدعاء هو الصدقة التي هي صورة من المسارعة في الخيرات وتطفئ غضب الرب جل جلاله مترافقة مع النية المخلصة واستحضار أن ما تتصدق به إنما هو من مال الله وتأدية لحق من حقوقه عليك رغبة في رضاه ومغفرته.

ثالثاً: الصلاة : فيحسن بالداعي أن يصلي ركعتين من غير الفريضة وهو من السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليستحضر الخضوع والخشوع والتذلل والتضرع والذل لله جلت قدرته.

رابعاً: افتتاح الدعاء : أن يفتتح الداعي دعاءه بتنزيه الله وتمجيده وحمده وتسبيحه ويجعل ذلك جل دعاءه مستحضراً مطلق قدرته جل وعلا وعظيم إحاطته ثم يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

خامساً : الاستغفار : ويلي افتتاح الدعاء الاستغفار ومن أفضل صيغه الواردة في كتاب الله والتي تجاب بقدرة الله قول ( ربِّ اغفر لي) وقول ( ربِّ اغفر لي وتب علي) فإن محو الذنوب من أسباب الرزق والمحبة وتحقيق الإجابة فبالمغفرة تزول موانع الإجابة.

سادساً : الدعاء : مفتتحاً دعائك بالنداء (ربِّ) مناجياً ربك بحاجتك وهو بها أعلم تضرعاً وخفية وهمساً دون رفع الصوت وفي انقطاع عن الأهل والولد متجها لله وحده واثقاً موقنا بإجابته جلت قدرته إنه هو السميع المجيب.

الفرق في الدعاء بين افتتاحه بقول (ربِّ) والدعاء بقول (اللََهُمَّ)


إن دلالة الدعاء بالاسم الرباني هو من أظهر الأدعية في كتاب الله فنجد أنه تعالى في كتابه إذا دُعي لتحقيق طلب فإن الدعاء بتضمن أيضاً اسمه الموافق المحقق لتلك الصفة المطلقة فإن دعي بالرزق ختم الدعاء بأسماء ذات دلالة على الرزق والكرم (الرزاق الكريم) وعلى سبيل المثال إذا طلب من ربنا جلت قدرته التوبة والمغفرة فتجد الآية ختمت الدعوة بالتأكيد على صفتي التوبة والرحمة مثلا فيقول تعالى:

{ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }





وهذا يقودنا لدلالة هامة مؤيدة لمحصلة هذا البحث وهي أن الدعاء بالاسم المناسب لحال الداعي وطلبه أقرب في الإجابة وأصح في الإتيان.

فنقول بناءً على ذلك بأن اسم الجلالة “الله” متعلق بإلوهيته واستحقاقه بالعبادة دون سواه وتفرده بالصفات الأزلية المطلقة فهذا الإسم العظيم هو مناط التنزيه والتسبيح والتعظيم والتمجيد أكثر من كونه مناط الدعاء والطلب ، واسمه تعالى (الربّْ) مناط الربوبية والعناية بخلقه ورعايتهم بالرزق والشفاء والحفظ والمغفرة ، وعليه فإن الدعاء بالربوبية إنما يكون لسؤال قضاء الحوائج ، والدعاء بالإلوهية إنما يكون للتنزيه والتمجيد والتعظيم ، مصداق ذلك في كتاب الله تعالى إذ مرت بنا في هذا البحث آيات الدعاء بالربوبية متعلقة بحاجة المخلوق بينما سنرى كيف أن الدعاء بإلوهيته تعالى إنما وردت على سبيل التنزيه والتعظيم والتمجيد ولم ترد للطلب :

{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

فلم تتضمن الآية سؤال الله بأن يحقق أمراً بل تضمنت تمجيده سبحانه وبيان مطلق قدرته وحكمه وسعة ملكه ، ويؤمر المؤمن بقول مضمون هذه الآية على سبيل تمجيد الله وتعظيمه لاستذكار مطلق قدرته جل جلاله.

{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

وهذا سياق دعاء أهل الجنة ، فلا شك أن الجنة دار جزاء وليست دار تكليف ، وحاجات أهل الجنة متحققة بدون دعاء ولهذا جعلها لأهلها ولا يلزم أهل الجنة دعاء الله لتحقيق مرادهم بل أن تمنيهم لما يشاؤون كافٍ لتحققه ، ويبقى التسبيح والتنزيه الحمد لله جل جلاله ، فيبين لنا تعالت ذاته أنهم لم يعودوا بحاجة للدعاء بالربوبية لتحقيق مرادهم في الجنة فكان دعائهم كله تنزيه وتمجيد وحمد.

{ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

ولو اطلعنا على السياق لرأينا كيف أنه لبيان قدرة الله وعلوه سبحانه ، وهذه الآية لم تتضمن دعاء لله جل جلاله بل الجلي فيها أن الدعاء بالإلوهية أتت في سبيل تنزيه الله وبيان مطلق قدرته وحكمه وعلمه بالغيب والشهادة.

{ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

وهذا قول كفار قريش ولم تكن هذه الدعوى تتضمن مقتضى الربوبية والرعاية والحفظ كان الدعاء بالإلوهية غير متحقق فلم يمطر الله عليهم حجارة ولم يأتيهم بعذاب وهذا من أظهر الدلائل على عدم تحقق الدعاء بالإلوهية.

{ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }

وهنا إذ تضمن الدعاء الألوهية في سبيل التعظيم فقد كان الدعاء بالنداء (ربَّنا) في سبيل الطلب ولذلك حقق الله دعاء عبده عيسى عليه السلام وحقق المعجزة بقدرته المطلقة .


وبالتالي فإن الله تعالى لم يترك في كتابه أمراً إلا بيَّنه لعباده ومنه الدعاء وصيغته الذي لم يذكر في كتاب الله سرداً وإخباراً فقط بل ليستن المؤمن به ويدعو باركانه ليتحقق طلبه ويجاب إلى حاجته.


ربَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ , رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلي الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلي الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ،رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ

وصلِّ الله على محمَّدٍ وعَلى آله وَصَحْبِهِ أجْمَعِيْن والحَمْدُللهِ ربِّ العَالَميِنْ.
16
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

SAROOONA
SAROOONA
جزاج الله خير حبيبتي
اور 22
اور 22
من اروع المواضيع
جزاك ربي الجنة
soukaina15
soukaina15
جزاك الله خيرا
وردة أحلامي
وردة أحلامي
الله يسعد روحك
ام بكر2013
ام بكر2013
جزاك الله خير موظوع رائع