قطعه (حلوى ) تحترق.....

الملتقى العام





(........)


كان الوقت الذي امضته أمام المرآة طويلاً جداً لكنها كانت منغمسة بحيث لم تشعر بصوت ، يعلو على الصوت الذي دفعها لقبول دعوة احدى رفيقاتها
كان صوتا لحوحاً
مستمراً
عنيفاً
واهم من هذا كله
كان يطيب لها أن تصدقه
ماذا كان يقول لها ؟
إنه لم يرك من قبل متبرجة من أجل احتفال
-عليك أن تريه هذا منك ، تعرفين كم يمكن لتبرجك أن يحبس الشهقات
ليس في هذا شك ، يكفي أن تلقي نظرة عابرة على وجوه الحضور لتعرفي أي مدى تبلغه
طلتك بهم !
دعك من مجاملات الصديقات ، وهمسات المعجبين والمعجبات ، وتناسي ماتردده أمك عن جمالك ومايثني به اخوتك الذكور
الآن عليك فقط أن تثقي بالمرآة
استدعي كل خبراتك الآن
تبرجي
تبرجي
تبرجي
!
ارتدي فستانك الزمردي فهو خير مايمثلك أجل الوانه تعكس شيئا ما يشبه بحيرة سحرية
تتلألأ أمواجها وسط عينيك وتروي الف قصة وقصة عن حوريات شواطيء لاتنام
.
.
.
لم يعد بامكانها تجاهل الصوت
حتى أنها نسيت أنها اعتذرت لصديقتها هاتفيا عن الحضور ، كما نسيت قالب الحلوى الذي كانت تعده من أجل الأطفال الثلاثة
:
:
إنها مستسلمة تماما لخدر التجربة ،
وبينها وبين نفسها حديث سريع نابض ، ساخن جدا مكتظ بالقلق :

- لابد أن يراني متبرجة ، حقا لقد مللت من هذا الوضع
ماذا علي أن افعل ، كيف اخرجني من هذه الشرنقة التي حكتها بنفسي ، هل كانت جريمة لأدفع ثمنها من أعصابي ومشاعري واحترامي لذاتي
!

تتنهد بضيق وهي تنفض رأسها المبلل وتخرج فستانها الحريري بلون الزمرد ، لم تكن قد ارتدته مسبقا ولا حتى غيره من فساتين جهازها الذي لم تعره اهتماما بالغا ولم تختر شيئا منه بنفسها ، لقد تولت أمها المهمة ، فقد كانت ظروف اقدامها على هذا الزواج تدفعها للشرود العميق بحيث يصعب عليها أن تستحضر ذهنها مجددا الا بشجاعة مماثلة لشجاعتها حين اقترحت الأمر ، وبالتأكيد كان جهدا مركزا يصعب تكراره كل فترة
!


تنتفض من تحت أنياب الجملة ، لا لايمكن أن تكون ضحية تضحيتها ماذنبها تردد محاولة التشبث بخيوط الاقتناع بالذات ،لايمكن ان اسقط من عيني يارب
-لا لم اندم ولن اندم

تنهي تصفيف شعرها ، وتشرع في التبرج
- ياه مضى وقت طويل لم امارس هذه الطقوس ، متى كانت آخر مرة ،
يد من ثلج تلك التي احست بها تمر على رأسها ،
فتظهر من غبش الذكريات مها تضحك وهي تقول انا محظوظة بزوجي وبأختي
لدي اجمل أخت في الدنيا واطيب زوج بالعالم .
هذا الشعور الذي تجربه الآن لايمكن أن يكون حقيقيا لا ..
انه يشبه .. لا بل هو هو الغيرة
ماأصعب أن تجرب الغيرة ، إنه أمر مؤلم جدا حين تكتشف أنك تغار وتحقد على شخص
قضيت معظم عمرك تحبه ،والأكثر ايلاما أنه الآن لايمكن أن يحسن من وضعه في قلبك
زفرت بعنف
-تبا لهذا الكحل العنيد ، لابأس ساعالجك مضى وقت طويل منذ اتقنتك ، كل شيء بالتعود كل شيء بالتعود .
نفس الجملة التي كانت ترددها جاهدةً لتتخلص من الوخز المؤلم إذ تتنازل عن حلم كل فتاة
الفستان الأبيض ، الزفة ، مكالمات أيام الخطوبة الممتلئة بالصمت ، المكتظة باللهفة ،
تخطيطات شهر العسل ومابعد شهر العسل ، الوان الأثاث في شقة الأحلام
كل تلك التفاصيل الكبيرة والصغيرة التي عايشت مثلها أيام خطبة أختها كما جربت طعم اغماض العينين بعد كل تعليق يحمل كلمة
- العقبى لك مي .
كل هذا يمكن أن يتقهقر وخزه ، لكن الذي الذي لايتقهقر ولا ينقهر هو هذا الرأس الشيطاني الذي بدأ يخرج من زوايا الوحدة لينكأ الحلم من جديد ، فتنمو بيئة الندم
يمد لسانه لها مستفزا بوسوسة شائكة
-لست وحدك من ضحى ، ركزي جيدا ، هناك شخص آخر يضحي بالقرب من هنا
ليس لدي شك أبدا أنه لا يستسيغ النظر إليك ، ههه كم مرة فعلها
تعلو قهقهته ، فيعود الصوت الملح
-تبرجي ، تبرجي فقط هذا هو الحل أنت لم تجربي الأمر مذ ارتبطت بالرجل .

مالذي يحدث ، كل شي يتغير ، كان للوقت الذي تقضيه أمام المرآة سرعة البرق والآن هو ثقيل كسلحفاة عرجاء
لم تكن تحتاج للكثير من الرتوش ، انهت الجزء الصعب وهي الآن تتأكد من رأي المرآة
- أجل تماما في منتصف العرش
ابتسمت بغنج .. فهمست المرآة : اجل هكذا تماما
الآن الجزء الأصعب (الفستان )
أيمكن ان اكون ترهلت خلال الثمانية اشهر التي نذرت نفسي فيها للأطفال
الله يستر ،
- الفساتين الحرير تناسبك مي ، أما أنا ثلاث اطفال كانو كفيلين تماما بصرف الحرير عن جسمي ، لا ياشيخة خليه لك .
صوت مها ، كان لأول مرة ينبعث بغيضا جدا وربما يثير الشماتة الآن / لأنها تغلق السحاب على جسد مثالي ليس كجسد مها
- لا ،لا / يارب أنت تعلم لم فعلت هذا ، أنت وحدك تعلم ، لاتعذبني يارب .
من بين كل الاحتمالات التي عبثت بها وقتا طويلا لم يكن هذا الاحتمال واردا أبدا ،
ولم تظن مطلقا أن الخيمة التي فكرت بدق وتدها من أجل الأطفال ستنقلب رمحا
ينغرس بذات العمق في منتصف حياتها
!
لم ينبهها أحد الى هذا حين قررت أن تخوض التجربة

- ساأتزوجه لن اترك أبناء أختي لزوجة أب تعذبهم
ورغم تفكيرها الطويل المتأني والذي ظنت قرارها بعده متأخرا بعض الشيء
إلآ أن الجميع كان يردد بخوف
-فكري جيدا يامي ، المسألة ليست سهلة أبدا
- فكرت جيدا ، واعرف انه ليس سهلا ، لدي شرط واحد ، عليه أن يعرف أني افعل هذا من أجل الأطفال ...
تذكر جيدا أنها لم تستطع ان تكمل ، كانت تعرف تماما انه رجل ذكي وحساس وماكان بينه وبين اختها من الحب هو بالنسبة لها حاجز يكفيها لتعيش معه دون خوف من الاقتراب
لم تكن الفكرة تعجب امها واخوتها ، لكنها كانت حلا وأيما حل ، يكفي الجميع مؤونة حمل هم الأطفال / لذا لم يفكر أحد في شيء أقوى من تنبيه خفيف يسقط عنهم تبعة تأنيب الضمير
الآن ، تود لو تصفع نفسها بعنف ، ماكانت لتفكر في هذا الاحتمال / أكان غرور منها أو مبالغة في تقدير الذات
((الشخصية المضحية شخصية أنانية تمجد ذاتها من خلال التضحية ببعض حقوقها من أجل الطرف الآخر وتتوقع من هذا الطرف أن يقدم فروض الطاعة والامتنان طوال العمر ))
تفسير قرأته في كتاب التفكير الايجابي لفيرا بيفر ، فيما مضى كان رأيا مقنعا ، لكنه الان تحول بقدرة الألم الى سوط يجلدها بيد قرارها
إنها العاشرة علي أن اذهب الآن ، القت نظرة متأنية على المرآة وبادلتها الإبتسام ، كل شيء مكتمل ..
وحين خرجت من غرفتها التقت به عند الباب كان مابينهما مسافة شهقة بعد ان التقط انفها رائحة الحلوى
- ياإلهي إنها تحترق ..

الآن تحت كلمات التأنيب ونظرات أب غاضب ، في المطبخ لم يكن هناك شيء آخر سواه وسواها وقطعة حلوى احترقت تماما .
1
374

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ام فوزان
ام فوزان
ولله في خلقه شئون