عواقب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ملتقى الإيمان

عواقب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له عواقب سيئة على الناس،منها:
ما حدَّث به عبيد الله بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
(1)"ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي؛ هم أكثر وأعز ممن يعمل بها، ثم لا يغيِّرونه إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب".
وفي رواية لابن حبان:

(2)"ما من رجل يكون في قومٍ، يُعملُ فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيِّروا عليه ولا يغيِّرون إلا أصابهم الله بعقابٍ قبل أن يموتوا".
قال شيخنا ابن باز ـ رحمه الله ـ:

(3) "وكل قرية لا يؤمر فيها بالمعروف، ولا ينهى فيها عن المنكر، فإنه تنتشر فيها الرذائل، وتظهر فيها المنكرات، ويسود فيها الظلم والفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
لذا فمن الواجب على الناس إذا تفشت فيهم المعاصي؛ الانصياع لأمر الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وإلا عمَّهم العقاب.
وقد مثَّل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمثال مهم لا يدرك معناه إلا كل ذي لب، فقد مثل للناهي عن المنكر والساكت عليه بما رواه النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ عنه فقال:

(4)"مثل القائم على حدود الله والواقع (و في رواية: والراتع) فيها، ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها، و، فكان الذي (وفي رواية: الذين) في أسفلها إذا استقوا من الماء فمروا على من فوقهم (وفي رواية: فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء، فيصبون على الذين في أعلاه، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا), فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا (وفي رواية: ولم نمر على أصحابنا فنؤذيهم)، . فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً و إن أخذوا على أيديهم نجوا و أنجوا جميعاً".
وإذا عمَّ العقاب هلك الصالحون معهم فعن زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل عليها فزعاً يقول:

(5)"لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه". وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها. فقلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:"نعم إذا كثر الخبث".
لكن إذا أصيب الصالحون معهم بعثوا على نيَّاتهم، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:
(6) "قلت: يا رسول الله! إن الله إذا أنزل سطوته بأهل الأرض وفيهم الصالحون فيهلكون بهلاكهم؟! فقال:
(7)"يا عائشة! إن الله ـ عز وجل ـ إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون، فيصيرون معهم، ثم يبعثون على نياتهم ".

وقد جعل شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ لهذا الحديث عنواناً:
(8) "البلاء عام والبعث على النيات".
وفي حديث الإمام مسلم (8/168)، وأحمد (6/259):
(9) "فقلنا: "إن الطريق قد يجمع الناس"، قال:
(10) "نعم، فيهم المستبصر، والمجبور، وابن السبيل، يهلكون مهلكاً واحداً، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم".

ومن العقاب الذي يناله المجتمع بسبب ترك شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ألا يستجاب دعاءهم عند نزول العقاب، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
(11) "مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم".
وفي رواية للترمذي (2169):

(12)"والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
وعن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ قال:
(13)"مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وإلا كنتم أنتم الموعظات".

قال المناوي:
(14)"وأخذ الذهبي من هذا الوعيد أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكبائر".
فالواجب على العلماء النهي عن المنكرات، وعدم السكوت عما يفعله أهل البدع والأهواء من تأويلات فاسدة؛ وعبادات مبتدعة، وضلالات خاطئة، وعدم السكوت عما يفعله العصاة من جرائم الزنا والربا والرشوة وغير ذلك من المعاصي. وإلا كانوا علماء سوء، فسكوت العلماء الذين عندهم العلم الشرعي على المنكرات في وقت يسارع المجتمع فيه إلى هاوية الضلال والفساد: بقولهم الإثم ـ وظاهره الكفر وما يندرج تحته من سائر أقوالهم المنكرة ـ وفعلهم العدوان ـ يعني الظلم وهو الشرك ـ وأكلهم السحت ـ يعني الحرام ومنه الرشوة في الأحكام ـ وعدم نهي العلماء عن هذه الشرور يؤذن بالعقاب.
قال الشيخ محمد الخضر حسين ـ رحمه الله ـ:


(15)"ومن البلية في سكوت العلماء: أن العامة يتخذونه حجة على إباحة الأشياء، أو استحسانها، فإذا نهيتهم عن بدعة سيئة!!، وسقت إليهم الدليل على قبحها، ومخالفتها لما شرع؛ كان جوابهم: أنهم فعلوها بمرأى أو مسمع من العالم فلان، ولم يعترض فعلهم بإنكار!!".
وهذا بخلاف ما إذا كان المجتمع يتعاون أفراده على البر والتقوى، ويوجد فيه أنصار للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، بل ينبغي أن يعطى الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر سلطة تجعل لأمرهم ونهيهم قيمة في المجتمع.
وشتان بين مجتمعين؛ مجتمع يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومجتمع أفراده لا يتناهون عن المنكر، وقد تقدم وصف المجتمع الأول عند قوله ـ تعالى ـ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه..ِ (110)
أما المجتمع الثاني فقد وصفه الله ـ عز وجل ـ بقوله:
(16) (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(63)
وسبب المسارعة في الإثم والعدوان وأكلهم السحت
هو:
(17)"خبثهم وشرَّهم، وأن أنفسهم مجبولة على حب المعاصي والظلم. هذا وهم يدعون لأنفسهم المقامات العالية".
ثم لمَّا وبَّخهم الله على سوء عملهم لمسارعتهم في الإثم والعداون وأكلهم السحت، شكا من علماء السوء الذين تركوا فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنكر عليهم سكوتهم عن جرائم العامة ورضاهم بها مصانعة لهم ومداهنة.
قال الشيخ السعدي:

(18)"أي: هلا ينهاهم العلماء المتصدون لنفع الناس، الذين منَّ الله عليهم بالعلم والحكمة عن المعاصي التي تصدر منهم، ليزول ما عندهم من الجهل، وتقوم حجة الله عليهم، فإن العلماء عليهم أمر الناس ونهيهم، وأن يبينوا لهم الطريق الشرعي، ويرغبونهم في الخير ويرهبونهم من الشر".
وقال ابن الجوزي في "زاد المسير":

(19)"وهذه الآية من أشد الآيات على تاركي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأن الله ـ تعالى ـ جمع بين فاعل المنكر وتارك الإِنكار في الذم".
عن عمر بن عبد العزيز قال:

(20)"كان يقال: إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عُمل المنكر جهاراً، استحقوا العقوبة كلهم".
وعن مسعر بن كدام قال:
(21)"بلغني أن ملكاً أمر أن يخسف بقرية فقال: با رب! فيها فلان العابد، فأوحى الله إليه أن به فابدأ، فإنه لم يتمعَّر وجهه فيَّ ساعة قط".
وعن الضحاك بن مزاحم قال:
(22) "ما في القرآن آية أخوف عندي من هذه الآية، أساء الثناء على الفريقين جميعاً".
وقال الطبريُّ:

(23) "كان العلماءُ يقُولُون: ما في القرآن آيةٌ هي أشَدُّ توبيخاً للعلماءِ من هذه الآية، ولا أخْوَفُ عليهم منْها".
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:

(24) "فَقَوْلُ الإثْمِ وَسَمَاعُ الْكَذِبِ وَأَكْلُ السُّحْتِ أَعْمَالٌ مُتَلازِمَةٌ فِي الْعَادَةِ، وَلِلْحُكَّامِ مِنْهَا خُصُوصٌ فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا ارْتَشَى سَمِعَ الشَّهَادَةَ الْمُزَوَّرَةَ، وَالدَّعْوَى الْفَاجِرَةَ، فَصَارَ سَمَّاعًا لِلْكَذِبِ، أَكَّالاً لِلسُّحْتِ قَائِلاً لِلإثْمِ".
وقال:
(25)"فَذَكَرَ مَا يَدْخُلُ فِي آذَانِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ مِنْ الْكَلامِ، وَمَا يَدْخُلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَبُطُونِهِمْ مِنْ الطَّعَامِ: غِذَاءِ الْجُسُومِ، وَغِذَاءِ الْقُلُوبِ، فَإِنَّهُمَا غِذَاءَانِ خَبِيثَانِ: الْكَذِبُ وَالسُّحْتُ، وَهَكَذَا مَنْ يَأْكُلُ السُّحْتَ مِنْ الْبِرْطِيلِ وَنَحْوِهِ: يَسْمَعُ الْكَذِبَ كَشَهَادَةِ الزُّور".
وقال ـ رحمه الله ـ:

(26)"وَلا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الزَّانِي أَوْ السَّارِقِ أَوْ الشَّارِبِ أَوْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِمْ مَالٌ تَعَطَّلَ بِهِ الْحُدُودُ؛ لا لِبَيْتِ الْمَالِ وَلا لِغَيْرِهِ. وَهَذَا الْمَالُ الْمَأْخُوذُ لِتَعْطِيلِ الْحَدِّ سُحْتٌ خَبِيثٌ وَإِذَا فَعَلَ وَلِيُّ الأمْرِ ذَلِكَ فَقَدْ جَمَعَ فَسَادَيْنِ عَظِيمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَعْطِيلُ الْحَدِّ وَالثَّانِي: أَكْلُ السُّحْتِ".
وقال:

(27) "كَثِيرٌ مِمَّا يُوجَدُ مِنْ فَسَادِ أُمُورِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ لِتَعْطِيلِ الْحَدِّ بِمَالِ أَوْ جَاهٍ، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الأسْبَابِ الَّتِي هِيَ فَسَادُ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْقُرَى وَالأمْصَارِ ... وَهُوَ سَبَبُ سُقُوطِ حُرْمَةِ الْمُتَوَلِّي وَسُقُوطِ قَدْرِهِ مِنْ الْقُلُوبِ وَانْحِلالِ أَمْرِهِ، فَإِذَا ارْتَشَى وَتَبَرْطَلَ عَلَى تَعْطِيلِ حَدٍّ ضَعُفَتْ نَفْسُهُ أَنْ يُقِيمَ حَدًّا آخَرَ، وَصَارَ مِنْ جِنْسِ الْيَهُودِ الْمَلْعُونِينَ".
وقال ـ رحمه الله ـ:

(28) "وَأَصْلُ الْبِرْطِيلِ هُوَ الْحَجَرُ الْمُسْتَطِيلُ؛ سُمِّيَتْ بِهِ الرِّشْوَةُ لأنَّهَا تُلْقِمُ الْمُرْتَشِيَ عَنْ التَّكَلُّمِ بِالْحَقِّ كَمَا يَلْقَمُهُ الْحَجَرُ الطَّوِيلُ. كَمَا قَدْ جَاءَ فِي الأثَرِ: (إذَا دَخَلَتْ الرِّشْوَةُ مِنْ الْبَابِ خَرَجَتْ الأمَانَةُ مِنْ الْكُوَّةِ)... أَلا تَرَى أَنَّ الأعْرَابَ الْمُفْسِدِينَ أَخَذُوا لِبَعْضِ النَّاسِ ثُمَّ جَاءُوا إلَى وَلِيِّ الأمْرِ فَقَادُوا إلَيْهِ خَيْلاً يُقَدِّمُونَهَا لَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، كَيْفَ يَقْوَى طَمَعُهُمْ فِي الْفَسَادِ وَتَنْكَسِرُ حُرْمَةُ الْوِلايَةِ وَالسَّلْطَنَةِ وَتَفْسُدُ الرَّعِيَّةُ؟ كَذَلِكَ الْفَلاَّحُونَ وَغَيْرُهُمْ، كَذَلِكَ شَارِبُ الْخَمْرِ إذَا أَخَذَ فَدَفَعَ بَعْضَ مَالِهِ: كَيْفَ يَطْمَعُ الْخَمَّارُونَ فَيَرْجُونَ إذَا أَمْسَكُوا أَنْ يَفْتَدُوا بِبَعْضِ أَمْوَالِهِمْ فَيَأْخُذُهَا ذَلِكَ الْوَالِي سُحْتًا لا يُبَارَكُ فِيهَا وَالْفَسَادُ قَائِمٌ. وَكَذَلِكَ ذَوُو الْجَاهِ إذَا حَمُوا أَحَدًا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ مِثْلَ أَنْ يَرْتَكِبَ بَعْضُ الْفَلاَّحِينَ جَرِيمَةً ثُمَّ يَأْوِي إلَى قَرْيَةِ نَائِبِ السُّلْطَانِ أَوْ أَمِيرِهِ فَيُحْمَى عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الَّذِي حَمَاهُ مِمَّنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ:
(29)"لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا"
.
فَكُلُّ مَنْ آوَى مُحْدِثًا مِنْ هَؤُلاءِ الْمُحْدِثِينَ فَقَدْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ".
لقد تهاون بنو إسرائيل بأوامر الله، وأن معصيته خفيفة عليهم، وسكتوا عن المنكر ـ مع القدرة ـ ولم يكترثوا بأمر الآمر بالمعروف ولا بنهي الناهي عن المنكر، فتجرأ العصاة والفسقة منهم على المعاصي وفعل المنكرات، وانتصرت الكثرة منهم لأهل البدع والأهواء، وعابوا على القلة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، فزاد الشر، وعظمت المصيبة الدينية والدنيوية، وصار لأهل الباطل من المبتدعة والعصاة شوكة وظهور، وضعف أهل الحق والخير في القدرة على مواجهة أهل الباطل والشر، فاندرس العلم، وكثر الجهل. مما ساعد على الإضرار بالأنبياء بالتكذيب والابتداع والمنافقة ومحاولات الفتك والكيد ومعاندتهم بعد قيام الحجة.
قال ـ تعالى ـ:

(30) (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)
قال العلامة الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ:
(31) (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) أي: طردوا وأبعدوا عن رحمة الله، (عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) أي: بشهادتهما وإقرارهما، بأن الحجة قد قامت عليهم،
وعاندوها. (ذَلِكَ) الكفر واللعن (بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)".
قال الشيخ السعدي:
(32)"ومن معاصيهم التي أحلت بهم المثلات، وأوقعت بهم العقوبات أنهم:(كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ)أي: كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضاً، فيشترك بذلك المباشر، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك".
وقال صاحب "التنوير والتحرير" ـ رحمه الله ـ:
(33)"وجملة(كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ)مستأنفة استئنافاً بيانياً جواباً لسؤال ينشأ عن قوله:(ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا)، وهو أن يقال: كيفَ تكون أمّة كلّها مُتمالئة على العصيان والاعتداء؟ فقال:(كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ). وذلك أن شأن المناكر أن يبتدئها الواحد أو النّفَر القليل؛ فإذا لم يجدوا من يغيِّر عليهم تزايدوا فيها ففشت واتّبَع فيها الدّهماءُ بعضهم بعضاً حتّى تعمّ ويُنسى كونها مناكرَ فلا يَهتدي النّاس إلى الإقلاع عنها والتّوبةِ منها فتصيبهم لعنة الله".
وقال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ:


(34) "فقد سمى ـ جل وعلا ـ في هذه الآية الكريمة: تركهم التناهي عن المنكر فعلاً، وأنشأ له الذم بلفظة بئس التي هي فعل جامد ل***** الذم في قوله: (لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)أي: وهو تركهم التناهي، عن كل منكر فعلوه".
وقال القرطبي ـ رحمه الله ـ:
(35)"وفي الآية دليل على النهي عن مجالسة المجرمين، وأمر بتركهم وهجرانهم".
ولما كانت البدعة بريد الكفر لخطرها العظيم فإن العلماء حذروا من مجالسة المجرمين أهل الأهواء والبدع، وأمروا بهجرانهم، فالذب عن السنة وفضح المبتدعة ودفع بغيهم من أعلى مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن أفضل الجهاد في سبيل الله.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:

(36)"ومثل أئمة البدع من أهل المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين. حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف، فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين وهذا أفضل. فتبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله ودينه ومنهاجه وشريعته، ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً ، وأما أولئك فهم يفسدون ابتداءً".
قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ:

(37) "وقد كان الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل لشدة تمسكه بالسنة ونهيه عن البدعة، يتكلم في جماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنة، وكلامه محمول على النصيحة للدين".
ومن الناس من يعتذر عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإشكال يقع عنده بسبب تأويل خاطىء لقوله ـ تعالى ـ:
(38) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ..(105)
فعن أبي بكر الصديق ـ رضي الله ع
نه ـ قال:

(39)"أيها الناس! إنكم تقرؤون هذه الآية(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)وإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
(40)"إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا بيده أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه".
قال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ:

(41)"قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك؛ فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور، وذلك في قوله(إِذَا اهتديتم)، لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد، وممن قال بهذا حذيفة، وسعيد بن المسيب".
فقد أخرج الطبري عن سعيد بن المسيب، وبنحوه عن حذيفة:


(42) "إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، لا يضرك من ضل إذا اهتديت".
وقال ـ رحمه الله ـ:
(43)"ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد، أن الله ـ تعالى ـ أقسم أنه في خسر في قوله ـ تعالى ـ:
(44) (والعصر إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر)
فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل. وقد دلَّت الآيات كقوله ـ تعالى ـ:

(45) (واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً)
والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر، عمهم الله بعذاب من عنده".
فما دام الناس ألزموا أنفسهم بطاعة الله، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فلا يضرهم ضلال من تمادى في غيِّه وضلاله، ويبدو أن هذه الآية قد فهمها بعض الناس فهماً خاطئاً ـ حتى في الصدر الأول من الإسلام ـ مما استدعى الصديق ـ رضي الله عنه ـ إلى تجلية مراد الله ـ تعالى ـ ف
يها، مستشهداً بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي قدّمناه.
قال العلامة الشيخ محمد الخضر حسين ـ رحمه الله ـ:


(46)"ولم ينقطع أثر ذلك التأويل الخاطىء، فظل في أوهام بعض العامة إلى هذا العهد، حتى إذا أمرت أحد هؤلاء بمعروف، أو نهيته عن منكر ألقى عليك الآية، كالمستشهد بها على أنك تخطَّيت حدَّك!! ورميت بكلامك في فضول!!".
وقال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ:
(47) "ولا يدل هذا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يضر العبدَ تركُهما وإهمالُهما، فإنه لا يتم هداه، إلا بالإتيان بما يجب عليه من الأمر بالمع
روف والنهي عن المنكر. نعم، إذا كان عاجزاً عن إنكار المنكر بيده ولسانه وأنكره بقلبه، فإنه لا يضره ضلال غيره".
منقول
17
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

زهرة الارجوانة
بارك الله فيكي
وجعلني وأياكي من الذين
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر

غزلان المدينة
جزك الله خير
الامــيــرة01
الامــيــرة01
بارك الله فيكي وجعلني وأياكي من الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
بارك الله فيكي وجعلني وأياكي من الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
جزاك الله خير ومشكوووررة على المرور
الامــيــرة01
الامــيــرة01
جزك الله خير
جزك الله خير
جزاك الله خير مشكوووررة على المرور
الحلآ مبتليها
جزااك الله الجنه
ياارب رحمتك