محارة لؤلؤ

محارة لؤلؤ @mhar_lolo

محررة ماسية

(تــــــاج الخشية ) للشيخ صالح المغامسي .. للمسابقه

الصوتيات والمرئيات

تاج الخشيه للشيخ صالح المغامسي



بسم الله الرحمن الرحيم



ربنا جلّ و علا خلق الخلق لا ليستكثر بهم من قلّه و لا ليستنصربهم من ذلّه خلقهم و هو غنيٌّ عنهم و جاء في الحديث القدسي :يا عبادي إنّكم لن تبلغوا ضرّي فـ تضروني و لن تبلغوا نفعي فـتنفعوني ؛يا عبادي لو أنّ أولكم و آخركم و إنسكم و جنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا ؛ يا عبادي لو أنّ أولكم و آخركم و إنسكم وجنّكم كانوا على أفجرِ قلبِ رجل واحدٍ منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا ؛ يا عبادي إنّما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثُمّ أوفيكم أيّها فمن وجد خيرًا فـ ليحمد الله و من وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلاّ نفسه]

و مع ذلك أرسل الرسل و أنزل الكتب لأمرين تقوم الحجّة و تتضح المحجّة و لا يهلِك على الله إلاّ هالك(وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)

على أنه ماتقرّب أحدٌ إلى الله ليلاً بـ أعظم من الصلاة له و الوقوف بين يديه و السجودله قال الله عز وجل عن أوليائه الخُلّص :(تتجافى جنوبهمعن المضاجعِ يدعون ربهم خوفًا و طمعًا و ممّا رزقناهم يُنفقون فلا تعلمُ نفسٌ ماأُخفي لهم من قرّة أعين جزاءًا بما كانوا يعملون )

و قال صلى الله عليه و سلم لـمُعاذ : (ألا أدلّك على أبواب الخير ؟ الصوم جُنّة و الصدقة تُطفئُ الخطيئةُ كما يُطفئُ الماءُالنار( ثُمّ قال :صلاة الرجل في جوفِ الليل الآخر؛ ثُمّ تلى (تتجافى جنوبهم .. )

وفي الخبر الصحيح أن أمّ المُؤمنين فقدته صلى الله عليه و سلم قالت فإذا هو في المسجد قد انتصبت قدماه يقول في سجوده :(اللهُمّ إني أعوذ برضاك من سخطك و أعوذ معافاتك من عقوبتك و أعوذ بك منك لا أحصي ثناءًا عليك أنت كما أثنيت على نفس) قال صلى الله عليه و سلم - أنت كما أثنيت على نفسك - لأنّه لا أحد أعلمُ بالله من الله فـ الله قطع الأطماع في أن يعرف أحدٌ ربه كُنهن- كما قال مالك و الكيف مجهول -
و قال ربنا( َولَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما) فـ تأدّب صلى الله عليه و سلم مع ربه فقال : أنت كما أثنيت على نفسك ]

أيها القلب ...هذه موعظة لك , فيها إيضاح وبيان , لما أشكل على العقول واعيا الأذهان (فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)


يظنّ بعض من يجهل سنن الله في خلقه أن العطاء الدنيوي مستلزم للعطاءالأخرويّ ؛ و أن التضييق الدنيويّ مستلزم بالتضييق الأخرويّ !فـ الله عزّ و جل يقول ( كلاّ) أي ليس الأمر كذلك ؛والله يُعطي الدنيا لمن يُحب و من لا يُحب و لا يُعطي الدين إلاّ لمن يُحب و بيان ذلك تقريبًا للأفهام و عملاً بما أمر الله لا يُعصم أحد بغناه بأنه تقيّ و لا يُتهم بأنّه فاجر
فـ الغنا هبةٌ إلاهيّة لا علاقة لهابتقوى العبد أو فجوره ؛ كما أن الفقير لا يمدح بأنه فقير من أهل الجنة و لا يذم بأنه من أهل النار فلا سبيل إلى الجنة و النار إلابأمرين:
الجنة سبيلها الإيمان و العمل الصالح و غير ذلك سبيل النار ؛ لا علاقة للغنا و الفقر و الصحة و المرض و العطاء و المنع بالجنة و النار ؛ لكنّ العطاءالديني هذا لا يُؤتاهُ إلاّ من أحبّهُ الله !رجلٌ يتقلّب في فراشه قد أقضّ السهر مضجعه لأيّ سببٍ كان فقام بعد أن تقلّب في فراشه و بعُدَ النّوم عن عينيه- و هذا يحص لتقريبًا لكل أحد-حال الناس هنا يتفاوت ؛ فهذا يقوم يُقلّبُ قنوات الشاشات ؛ و هذا يذهبُ إلى جهازه ليفتحه ؛ و هذا يتصل بصديقه ليُسلّيه و ذاك قديتعرّض لأعراضٍ مستورة يُوقظها من منامها ؛و هذا قد يتكئ على فراشه يتكاسل أن يقوم !هناك أقوام يُحبّهم الله فـ لأنّه يُحبّهم يُحبُّ أن يقوموا بين يديه فـ يقع في قلبهم حبّ الوقوف بين يديه جلّ و علا فـ يقومون تتسابق أقدامهم إلى موضع وضوئهم فـ إذا توضّؤوا سقط ما سقط من الجوارح التي لامسها الماء تكفيرًا لهم فإذا وقفوا بين يديّ ربهم فهذا من أعظم الدلائل و أجل القرائن علىأن الله يُحبّهم ولولا محبته جلّ و علا لهم لما وفّقهم أن يقوموا بين يديه و من أراد أن يعرف أين مقامه عند ربه فـ لينظر أين مقامه من طاعة ربه إذ ليس بين الله و بين أحد من خلقه نسب! إنما هي أعمال وفي ذلك فـليتنافس المتنافسون .فـ لأنّه أحبهم أقامهم جلّ و علا بين يديه لأمر عظيم والأمر العظيم هو أنه و إن ثقلت بهم الأقدام في وقوفهم في الليل بين يدي الملك العلاّم ؛ فإن هذا يُهوّن عليهم يوم القيامة الوقوف بين يديه قال الله جل و علا :(و اذكر اسم ربك بكرة و أصيلاً و من الليل فاسجد له وسبّحه ليلاً طويلاً إن هؤلاء يُحبون العاجلة ويذرون ورآئهم يومًا ثقيلاً)
و الوقوف بين يدي الله يقع في الدنيا في الصلاة و يقع في الأخرة في يوم العود الأكبر ؛فمن حسُن وقوفه في الدنيا في صلاته بين يدي ربه حسُن وقوفه في الآخرة يوم يقوم الأشهاد و يُحشر العباد بين يدي ربهم تبارك اسمه و جل ثناءه.

أنخ مطاياك هنا أيّها المُبارك و تأمّل
هؤلاء قوم النور في أيديهم و الجنة على مرأى من أعينهم ومع ذلك يبقى لديهم خوف أن يدخلوا النار ؛ و لا يمكن لأحد مهما استقام قلبه و حسن عمله و صلحت سريرته أن يأمن مكر الله (فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الكافرون)
فـ هؤلاء من أصحاب الأعراف هم على تلال مشرفة من الجنة و الله يذكر عنهم خيرًا و يُثني عليهم و مع ذلك يعلمون أن النجاة أبدًا لا تكون إلا بيد الله ؛ و بالإلتجاء إلى الله ؛ قال تعالى: ( فإذا صُرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار) يُصيبهم في قلوبهم الفزع و الخوف و يرون على أصحاب النار الذل و الهوان ؛ و ليست الآخرة دار عمل و لايمكنهم أن يعملوا طاعة حينها فلا مفرّ من غير الإلتجاء إلى الله قالوا (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين)
فإن رأيت أحدًا ممن ابتلاه الله بمعصية فـ احذر من شيء و تمسّك بشيء :
أحذر من أن تشمت به فإنك لا تدري هل يُهديه الله و يُضلك وتمسّك بأن تسأل الله العافية من مثل هذا الصنيع (ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين). ثُم ذكر الله جل و علا نداء أصحاب الأعراف و توبيخهم لأهل النار ثم قال الله نداء لأهل النار :( و نادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين)الماء في الدنيا اليوم كما أنه أعز مفقود فإنه أذل موجود و مع ذلك لا يتمنى أهل النار شيئًا أعظم من تمنيهم للماء ؛ قال الله عنهم :( و نادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) فيكون الجواب ( قالوا إن الله حرمهما) ماء و طعامًا(إن الله حرمهما على الكافرين)
ثُم جاء الوصف لهم :(الذين اتخذوا دينهم لهوًا و لعبًا و غرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا و ما كانوا بآيتنا يجحدون) ثُم بيّن الله أنه أقام الحجّة على عباده و الحجة أُقيمت بإرسال الرسل و إنزال الكتب و هذه الأمّة المُحمّديّة ما أُقيمت عليها الحجة أعظم من بعثة بمحمّد صلى الله عليه و سلم و من هذا القرآن الذي بين إيديهم قال الله جلّ و علا :( و لقد جئناهم بكتابٍ فصلناه على علم هدى و رحمة لقومٍ يُؤمنون هل ينظرون إلاّ تأويله) تأويله هنا ليست بمعنى تفسيره و إنما تأويله أي يقع ما أخبر الله عنه ؛ ما أخبر الله فيه من وعد ووعيد يقع . هذا معنى قول الله :( هل ينظرون إلاتأويله ) فيأتي تأويله يقع ما أخبر الله عنه من وعد و وعيد و ما كان يوم ما في طيّات الغيب يراه الناس عيانًا قال الله جل و علا :( هل ينظرون إلاّ تأويله يوم يأتي تأويله) أيّ يقع ما أخبر الله عنه و هذا لا يكون بكماله و تمامه إلاّ في عرصات يوم القيامة يقول الذين نسوه من قبل: ( قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنّا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون)
فلمّا أراهم الله عاقبة أعمالهم و كان الله أصلا بعباده غفورًا رحيمًا عرّفهم الله جلّ و علا بنفسه و بيّن لهم جل و علا أن مقاليد كل شيء بيديه ؛و أن الخلق خلقه و الرزق بيده حتى تنكسر قلوبهم و تذرف عيونهم و تقشعرّ جلودهم فقال بعدها جلّ و علا :(إنّ ربكم الله الذي خلق السموات و الأرض في ستة أيام)كلمة رب تُشعرك بأنك في حفظ أحد عظيم و لا أحد يحفظ ويكلأ مثل الله .
من أعظم ما بيّنه القرآن أن قضيّة الخلق فيصل فـ الله جل و علا و حده تفرّد بالخلق و الرزق و بما أنه جل و علا وحده من تفرّد بالخلق و الرزق لزامًا لا ينبغي أن تفرد العبادة إلا له تبارك وتعالى . و لهذا لما أراد الله أن يُقيم الحجة على خلقه هنا قال : ( فتعالى الله عما يشركون أيشركون مالا يخلق شيئًا و هم يُخلقون) كيف يُشرك و يُساوى ما بين مخلوقٍ لا يخلق مع الخلاق العظيم جل جلاله !و من جُملة ما دلّت عليه الآية أن الإنسان جُبل على أنه يتضرّع إلى ربه في الضراء حتى أهل الكُفر( و إذا مسّكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلم نجّاكم إلى البرّ أعرضتم و كان الإنسان كفورًا) والضراء في الغالب لا تُميّز المؤمن من الكافر ؛ لكن متى تُميّزالكافر من المؤمن ؟!إذا انتهى الضرُّ و رُفعت البلوى بقدر الله قال الله جل و علا :(و إذا مسّ الإنسان الضرّ دعانا لجنبيه أو قاعدًا أو قائمًا فلمّ كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضُرٍّ مسّه)
أولياء الله و العارفون به و المؤمنون به يعبدونه يتضرّعون إليه جلّ و علا في السراء و الضراء و والله يا أُخيّ كما قال ابن قدامه : مالذي الآن في أمواج البحر على لوح ترفعه أمواج البحر وتضعه بأفقر إلى الله جل و علا منك و أنت في مكانك هذا.
فحاجة أيّ أحد إلى الله جل و علا سواء ؛ فـ الإنسان لو دخل قصور الملوك و بيوت الأثرياء ودهاليز أهل الثراء فقيرٌ إلى الله كفقر من هو في البحر مُنقطعٌ على لوح ! لا يُمكن أن يُستغنى عن الله طرفة عين .و كلما عرف العبد أنه في أعظم حاجةٍ إلى ربه فهذا الذي عرف ربه حقا ؛ لان معرفة العبد بفقره إلى الله يورثوه انكسار والإنكساريورثوه عباده لعلّه بعبادته لربه يستجلبُ رحمته و يستدفعُ نقمته فإذا رُفعت البلوى و الضر تميّز من كان يعبد الله على بصيره ممن كان يعبده لعارض
تقول العرب : صلَّ المُصلي لأمرٍ كان يطلبه.. فلمّا قضى الأمر لا صلَّ و لاصامَ...و المقصود أن مما يقرّبك من الله كثرة ذكره ؛ قال الله لنبيّه ( و لا تكن من الغافلين)
الأمرالثاني : بعدك عن الضرر بالناس لأن الذي يعرف الله يعرف أن الله مقتدر و من يعرف أن الله مقتدر لا يتعرض لظلم العباد لأنّه على يقين أن الله جلّ و علا قادرعليه فليس فراره من ظلم الناس خوفه من الناس و إنما خوفه من ربه ؛ و قد كان هابيل أشد قوّة من قابيل لكن الذي منعه أن ينتقم لنفسه خوفه من الله ؛( إني أريد أن تبوء بإثمي و إثمك فتكون من أصحاب النار )(إني أخاف الله رب العالمين)و المقصود أن البعد عن الضرر بالناس من أعظم الأدلة خوف العبد من ربه
و الأمر الثالث : لا بدّ أن يكون لطالب الجنّة شيءٌ من الليل يقوم فيه بين يديّ ربه يخلو فيه بين نفسه و بين مولاه يبثّ لـ لله نجواه و يشكو إلى الله بلواه و يسأل الله جنّته ويتلو كتابه و يقرأ آياته و يتضرع لخالقه و يتذلل بين يديه .. قال الله عن الصالحين من خلقه :
( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون و بالأسحارِ هم يستغفرون)

و رابعها و بها أختم : لا بدّأن يكون في قلوبنا شفقة على والدينا عملاً بوصيّة الله لنا فإن القيام بحق الوالدة على الوجه الأوّل ثمّ حق الوالد من أعظم أسباب التوفيق في الدنيا و الآخرة .

كل ما يمكن أن يقوله أهل التفسير يُجمع في شيءٍ واحد :


نفسٌ مُطمئنّة راضية كل الرضى عن الله ؛ و والله ما من عطيّة أسخى من أن يرضى المؤمن عن ربه ؛ لأنّ الذي يرضى عن الله حقًا سيُقبل على أمره و سيجتنبُ نهيه و سيصبر على بلائه و سيشكره على نعمائه و سيشتاق كل الشوق إلى لقائه و إن تحققت هذه الخمس تحققت النجاة الحقّة .. قال الله جلّ و علا : (يا أيتها النفس المطمئنة) فهذه النفس فيما مضى لها من أيّام و ما سلف لها من أعوام كانت راضية كل الرضى عن الله ؛ نعم تأخذ بالأسباب لكنها تعلم أن الشأن كُلّه في رضوان الرب تبارك وتعالى عليها .و هي في أيّامِ حياتها قبل أن يأتيها النّزع كانت تدخرُ من الأعمال ما يجعلها يُختمُ لها بخير ؛ و ما أرّق مضاجع الصالحين شيء أعظم من خوفهم أن لا يُختم لهم بخير لأنّ العبرة بـ الخواتيم ؛و في الحديث : من كان آخر كلامه في الدنيا لا إله إلاّ الله دخل الجنة ]و هذا توفيق من الله لا يُؤتاه كُل أحد إنّما بضاعته الحقّة صدق السريرة مع الله جلّ و علا ؛ صدق النيّة و لا مطيّة أعظم من نيّة الإنسان و سريرته و هو مُقبلٌ على الله ؛ تقع منه المعصية هذا المُطمئن ؛ لكنّه .. إذا وقعت منه المعصية ندم ( إنّ إبراهيم لأوّاهُ حليم) ؛

و إذا وقعت منه الحسنة فرح لأنّ المؤمن تسرّهُ حسنته و تسوؤهُ سيّئته . تقول لها الملائكة ( ارجعي) و الرُجعة حقّ كانت مطمئنّة أو كانت غير مطمئنّة لأن الله يقول :( إنّ إلى ربك الرجعى ) لكن (ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّة) راضية عن الله و الله جلّ و علا راضٍ عنكِ و من رضي الله عنه أفلح و ساد و تحقق له مراده مقصوده ؛ ( راضيةً مرضيّة) فلمّا كان هذا حالُها قال تقول لها الملائكة( فادخلي في عبادي ) و هذه إضافة تشريف ( و ادخلي جنّتي) كذلك هي هُنا إضافة تشريف . والمعنى أن صُحبة الأخيار من أسمى المطالب ! قال الله جل و علا : ( و توفنا مع الأبرار) و النبي صلى الله عليه و سلم لمّا كان في مرض موته قالت أم المؤمنين رضي الله عنه و أرضاها فـسمعتهُ يقول : (مع الذين أنعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسُن أُولئك رفيقا ) فغاية ما يدل على أن المرء يُحبُّ هؤلاء أنّه يُحبُّ أن يراهم فمهما اكتحلت رؤيا العبد برؤية أقوام في شتّى المحافل لا يمكن أن يستقرّ قلبه وتطمئنّ نفسه و تقرّ عينه على مرأى أعظم من أن يرى المصلّين فإذا رأى العباد الركّع السجود الطائفين في البيت تمنّى إن كان بعيدًا أن يكون معهم ؛ و إن كان معهم حمد الله أن جعل طرفه يتقلّب في أعين من يركع لله جل و علا و يسجد ؛ لأنّ رؤية أهل الفساد نوع من العقوبة كما أن صُحبة الأخيار تقرُّ العين بهم كذلك عياذًا بالله صُحبة أهل المعاصي أو رؤيتهم في الشاشات مما يُقسّي القلب و فيه نوع من البعد عن الله تبارك و تعالى ؛لأن هذا ليس شأن الصالحين و لا دأبُ المتقين قال الله كما أسلفنا :( و توفنا مع الأبرار ) هذا معنى قول الله جلّ و علا ( فادخلي في عبادي) ثُمّ قال ( وادخلي جنّتي). الجنّة - أدخلنا الله و إيّاكم إيّاها- هي دار الخلد التي وعدها الله جلّ و علا عباده يُقبلون عليها بعد الفراغِ من الحساب و أنفسهم تكاد تتقطّع شوقًا أن يدخلوها .. لمَ ؟! لأنّهم مضت عليهم دهور كانوا فيها في الدُنيا يوعدون بدخول الجنة ؛ فأحدهم يصوم حتّى إذا أجهده العطش و أنهكه الجوع و وسوس له الشيطان أن يَطْعَم تذكر أن هذا يُنسى إذا دخل الجنّة ؛ وأحدهم يقوم يترك فراشًا و فيرًا و زوجةً وضيئة ثُم تخطو به قدماه إلى المسجد و كلما وسوس له الشيطان قال ينتهي هذا إذا دخلنا الجنّة . يمرضُ أحدهم فيشتدُّ الألم و يعظم الكرب فيقول سيذهب هذا العناء و ينتهي هذا السُقم إذا دخلنا الجنّة فإذا رأوها عظم فرحهم فيُقبلون عليها ؛لكنّهم..!

يجدونها قد أُغلقت أبوابها فيعمدون إلى كبير القوم أبوهم آدم -يا أبانا استفتح لنا الجنّة- فيقول : و هل أخرجكم من الجنّة إلاّ خطيئةُ أبيكم ؟! فيأتون نبينا صلى الله عليه و سلم فـ يقرع باب الجنة فيقول له الخازن : من أنت ؟ فيقول له : أنا محمد؛ فيقول الخازن : أُمرتُ أن لا أفتح لأحد قبلك فيفتح له؛ فيدخلونها .


قبل أن يدخلوها يقولون : الحمد الله الذي هدانا لهذا. فإذا دخلوها و وطأوا أرضها قالوا : الحمد الله الذي أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء. فإذا استقرّوا فيها ألهموا التسبيح ؛ وحمد الله كما يُلهمون النفس في الدنيا قال ربنا عنهم :

( دعواهم فيها سُبحانك اللهم و تحيّتهم فيها سلام و آخر دعواهم أن الحمدالله رب العالمين) لو لم تكن الجنّة ذات شأن لما وعدها الله جل و علا عباده فـ العظيم لا يعدُ إلاّ بعظيم ؛ قد يقول قائل : إن الحديث عن الجنّة مكروه ماذا سيقول زيدٌ أو عمرو إذا ارتقى منبرًا و تحدّث عن الجنة ؟! و هل وعد الله أولياءه و عباده إلاّ بالجنّة؟!! قال الله جلّ و علا :كان على ربك وعدًا مسؤولاً ] أيّ : وعدًا يسأله عباده إيّاه .
و النبي صلى الله عليه و سلم مرّت بأصحابه لأواء و نكباء فكان يُعزّيهم بالجنّة !مرّ على آل ياسر و هم يُعذبون قال : صبرًا فإن موعدكم الجنّة . وأهدي له حرير فتعجّب الصحابة منه قال : لمناديل سعد ابن معاذ في الجنّة ألينُ من هذا .
قطعت يدا جعفر في المعركة قال : إنّ الله أبدل جعفرًا بجناحين له في الجنة .مات إبراهيم ابنه و هو رضيع قال : إنّ له مُرضعًا في الجنّة .سُئل عن أطفال المسلمين الذين يموتون صغارًا قبل الحلم قال :هم في جبالٍ على الجنّة في كفالة أبيهم إبراهيم وسارة .فكلما حلّ كرب أو نزل بلاء عزى النبي صلى الله عليه و سلم أولئك بدخول الجنّة . فلا يوجود مطلوب أعظم من الجنّة على أنه ينبغي أن يُعلم أن الدنيا لا تطيب إلاّ بذكر الله ؛ و الآخرة لا تطيب إلاّ بعفو الله و الجنّة لا تطيب إلاّ برؤية وجهه جلّ في علاه . فمن رُزق كثرة ذكر ربه في الدنيا رُجي أن يُؤْتى عفوه في الجنة في الآخرة و من رزق عفوه في الدنيا دخل الجنة و من دخل الجنة منّ الله عليه بأن يُعطى العطاء العظيم برؤية وجه ربنا الكريم .قد يقول قائل : ما السبيل لتحقيق ذلك كُلّه عملاً و خاتمةً و عفوًا و جنّة؟! هو لا سبيل إلاّ برحمة الله لن تصل حتى تعتقد أولا في قلبك أنك لن تصل إلاّ بالله لكن من ظنّ أنه سيصل بغير الله فقد وهم وهمًا عظيما
و من ظنّ أن قوّته أو علمه أو فصاحته أو قرأته أو شيخه أو بلاغته ستصل به إلى مقصوده فهذا عبد لم يعرفقدرة ربه بعد ! لن يصل أحد إلاّ بإرادة الله جل و علا وفضله و رحمته قال ربنا :
يهدي الله لنوره من يشاء] خرج عُبيد الله ابن جحش من مكة مهاجرًا إلى الحبشة فرى النصارى فأعجبه دينهم فتنصّر ؛ و مات على الكفر . والنجاشي لم تكتحل عيناه برؤية رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع بضع آيات من جعفر فاستكان لها فرزقه الله الإيمان فمات عليه فصلىّ عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم في المدينة . خرجت بلقيس من أرض اليمن إلى أرض الشام تطلب ملكها و تخشى على سرير عرشها أن يُفقد فمنّ الله عليها بالإسلام قالت (ربّي إنّي ظلمتُ نفسي و أسلمتُ مع سُليمان لله رب العالمين) . والله ما أخرجها من أرض اليمن و أتى بها إلى أرض الشام و منّ عليها بالإسلام إلاّ ربها جلّ جلاله ؛ و لو خذلها الله لما آمنت .





و يأتي في عصرنا هذا بوذيّون ونصارى و ملحدون من أصقاع الأرض يطلبون عندنا الدرهم و الدينار و العمل الذي فقدوه في بلادهم فلا يلبث بعضهم أن يمُنّ الله جلّ و علا عليه بالهداية .

و بعضهم ربما مات قبل أن يعود إلى أهله فكأنّ له سريرةً انقلب يوما على جنبه و سأل الله أن يوضح له الحق و يرزقه الصراط المستقيم فلمّا حسن ظنه بالله لا أحد أكرم من الله .





فالتجارة مع الله تجارة رابحة فأخرجه الله من أُمّه و أبيه و قومه و بنيه و بلاده ليسوقه إلى أرض مُسلمة هنا و في غيرها فيُلقّن الشهادة فيحسن إسلامه فيموت عليها و ربما رزق بعدها عفو الله و جنّته . فغاية الأمر أن يُعلم أن أوّل الطريق حُسن الظنّ برب العالمين جلّ جلاله ؛ إن الإنسان ليُخالطُ أقوامًا فيرى فيهم من المروءة ما يجعله يستحيي أن يظنّ بهم سوءًا ! فكيف بعد ذلك يُظنّ السوء برب العالمين جلّ جلاله !!الله جلّ علا أرأف من مَلك وأرحم و أجلّ من ابتُغي و أرحم من أعطى لا ربّ غيره و لا إله سواه ؛ بعد أن يُعتقد هذا لا بدّ أن يُصاحب ذلك عمل و أخذٌ بالأسباب ؛ فـ يُقبلُ الإنسان على كلام ربه


يتدبّره و يقرأهُ و يعملُ به و يُحيبه ليله و يُقبل على سنة نبيه صلى الله عليه و سلم فيعرفُ أيّامه النضرة و سيرته العطرة و أخباره مع أصحابه و حاله صلى الله عليه و سلم مع غيره فـ يقتبس من ذلك السنا و يفيء إلى ذلكم المعين و يستعين بالله جلّ و علا في عبادة ربه على هدي مُحمّد صلوات ربي و سلامه عليه . دخل المسجد - رسول الله صلى الله عليه و سلم - يومًا فكأنّ بعض النسوة دخلن معه فقال :




لو تركنا هذا الباب للنساء ] . فسمعه عبد الله بن عمر-

و ابن عمر ممن لم يترك المدينة من الصحابة ، مات و قد تجاوز الثمانين و سمع هذا الكلام و هو لم يبلغ العشرين-

فعاش في المدينة أكثر من ستين عامًا لم يدخل من ذلك الباب لأنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : لو تركنا هذا الباب للنساء.




ياليتني كُنتُ فردًا من صحابتهِ.. أو خادمًا عنده من أصغر الخدمِ

- صلوات الله و سلامه عليه -





و الغاية أنّ الإنسان لابد أنه إذا تلقّى علمًا أو نال فائدةً أن يعمل بها
فبادره وخذ بالجد فيه ..فإن آتاكهُ الله انتفعتَ
فإن اوتيت طويل باع ..وقال الناس إنك قد رئست
فلا تأمن سؤال الله عنه ..بتوبيخ علمت فهل عملت
؛ فالعبرة كل العبرة أن يقرن الإنسان علمه بالعمل و الطاعة؛و مع ذلك يقرن عمله بالاعتراف بالتقصير وأنّه مهما أتى من طاعة و ابتعد عن المعصية - و حق الله أعظم و عبادة الله أجلّ - يرى أنه مقصرو يسأل الله جلّ و علا عفوه .


يُصاحب ذلك حتّى تستقر التوبة ، أن لا تكون توبتك ردّة فعلٍ لشيء رأيته ؛ ينبغي أن يُعلم أن الله يُعبد لأنّه يستحق العبادة لا لمنظر ميّتٍ محمول على جنازة أو منظرِ قبرٍمفتوحٍ موارى فيه بعض عباد الله و إنما يُعبد الله لأنّ الله جلّ و علا فرض على عباده أجمعين أن يعبدوه ويوحدوه فلا يكون دينك ردّة فعلٍ لشيءٍ رأيته أو لمسته . التوبة وظيفة العمر أمر الله بها المؤمنين جميعًا قال ربنا : و توبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلّكم تفلحون] ندمٌ على ما كان من الذنوب واستغفارٌ باللسان وإقلاعٌ بالجوارح وعزمٌ على أن لا يكون هناك عودةٌ على العمل أبدًا ورجاءٌ في أن يغفر الله الذنب وخوفٌ في أن لا يغفرهُ الله ؛ ما بين هذا و ذاك يتأرجح قلب المؤمن حتى يُقبل على ربه فإذا دنت ساعةُ الإحتضار و أيقن بحلول الموت و نزوله غلّب جانب الرجاءِ على جانب الخوف . و رد أنّ معاذ رضي الله عنه و أرضاه لمّا حانت ساعةُ منيّته قال في دعائه اللهُمَّ إنّي كُنتُ من قبلُ أخافك فأنا اليوم أرجوك, و يسعدُ بمثلِ هذا التوفيق من كان يخافُ الله جلّ و علا في أيّامهِ و لياليه و الله جعل خوفه أعظم مناقب الصالحين و أجلّ ما منحه الله عبادهُ المُتقين و وعد عليه في الدنيا التوفيق قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما أدخلوا عليهم الباب]


و وعد عليه جلّ و علا في الآخرة رفيع الدرجات ؛ قال ربنا :
و لمن خاف مقام ربه جنتان] و قال ربنا و أمّا من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فإن الجنّة هي المآوى ] فإذا قُرن هذا الخوف بتعظيم الله سُمّي خشية ؛ قال الله جلّ و علا :إنما يخشى الله من عباده العلماء ] قال ربنا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَعَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَانُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]
هذه الأُمّة تبعٌ لنبيّها صلى الله عليه و سلم ؛ و في حديث المعراج أنّه صلى الله عليه و سلّم لقي أخاه موسى فلمّا جاوزهُ بكى موسى فقيل له : ما يُبكيك؟ قال : أبكي لأن غلام يبعث بعدي يدخل الجنّة من أُمّته أكثر ممن يدخل من [FONT=Simplified A
6
6K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

صدى ألأأهــــآأت
جزاكي الله خير
أم جنو
أم جنو
أثابك الله أخيتي ونفع بك
ورده الجوري
ورده الجوري
.
WIDTH=400 HEIGHT=400

. باركـ الله فيكـِ .
^سما^
^سما^
يعطيك العاافيه
*( مرآم )*
*( مرآم )*