دونا
دونا
نظرا لتشجعكن لي وكلماتكن الرائعة قررت أن أضع حلقتين متتاليتين
دمتم لي..
////////////////////////////////////////////
الحلقة الرابعــة (مواجهه)

في فناء المدرسة الداخلية و أمام البحيرة المتجمدة جلست الصديقتان....لحظات من الصمت خيمت على المكان...
تطلعت أمجاد إلى سمية التي كانت تنظر بدورها إلى الجليد ا لذي يغطي البحيرة...وبدأت تلك الأخيرة تقطع حبال الصمت التي كانت تقيدها مخاطبة أمجاد: أنا آسفة يا أمجاد...لم أكن أعلم أن هناك الكثير من من يملكون قلب من جليد...ذلك القلب الذي يظهر للناس لامعا ناصعا..و لكنه مليء بعواطف قاتمة صلبة لا تقبل بالانصهار..لم أكن أريد أن أسبب لك حزنا .. لقد حطمتك..وحطمت حلمنا....
تنهدت أمجاد و حاولت جاهدة أن تستعيد طبيعتها المرحة و هي تعقب: ومن قال أنني حزينة...صحيح أنني ذهبت اليوم لمكتب داليا و أنا أزرع أحلاما وأحصد أخرى...لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه...
ثم اقتربت أكثر و أمسكت يد سمية في حنان مكملة: ما رأيت اليوم لن يقلل من عزيمتي...بالعكس بل سوف يضاعفها....أنا سعيدة جدا بأنك جعلت من حلمي حلما لك وذلك يكفيني...سعيدة لأني عرفت كم أنت تحبيني...وهذا يكفيني...سعيدة لأنك تغلبت و لو لدقائق على سمية الخائفة وهذا يكفيني...
التفتت سمية إليها وعيناها مغرقة بالدموع...بينما جاهدت ابتسامة عذبة لكي ترتسم على ثغرها و هي تقول:بالطبع أحبك..و بالتأكيد حلمي هو حلمك...لأننا روح واحده انقسمت في جسدين...
ثم استجمعت قواها...و مسحت دموعها بساعديها و أكملت: ما رأيك أن نجمع راتبينا و نطبع القصة على حسابنا ؟؟؟
احتضنتها أمجاد بقوة وهي تتمتم: بالطبع سنفعل..بالطبع ...
عندها تغلبت عليها دموعها وانهمرت كالسيل الجارف...
***********************
ارتشف حسام فنجان الشاي...ثم نظر لوالد أمجاد الذي بدا حزينا جدا...سارحا...و كأنه يحمل هموم العالم كله على ظهره..
تردد حسام قليلا ثم قال مخاطبا والد أمجاد: أعلم أن ما أطلبه صعب قليلا لكن لعلي أجد شيئا ما بغرفة ابنتك يساعدني في العثور عليهما..
أجابه والد أمجاد بصوت مكتوم:لن تجد شيئا صدقني فقد حاولت قبلك مرارا...على كل سأدعك تحاول...فكل ما أريده أن تعود ابنتي.. وبأي ثمن...تفضل معي..
سلك الاثنان ممر ضيقا ثم صعدا السلم حتى وصلا لغرفة أمجاد عندها فتح الوالد المشتاق باب الغرفة مشيرا لحسام بالدخول..دلف حسام للغرفة..كل ما فيها بدا عاديا جدا..سوى ذلك المكتب الصغير الذي يقع في الزاوية فقد كان ملئا بالأوراق و الكتب..
حاول حسام جاهدا بين تلك القصاصات وتلك الدفاتر لساعات وساعات..حتى وجد رقما مكتوبا في قصاصة مدفونة في إحدى الكتب...
عندها أطل على والد أمجاد قائلا: أنا أسف فلم أجد شيئا...ومضى نحو الباب خارجا...وهو يتحسس تلك القصاصة التي وضعها في جيبه...و دون أن يراه أحد...
*************************


استيقظت سمية...و أحداث البارحة ما زالت تثير جروحها..
بدت الغرفة فارغة تماما..تساءلت سمية: اليوم يوم إجازتنا أين ذهبت أمجاد ؟؟..
غادرت سمية السرير بتثاقل..شعرت بألم في رأسها ..عندها فكرت بإعداد فنجانا من القهوة..وإذا بطرق على الباب يوقفها..
اقتربت من الباب و هي تمتم لابد أنها نسيت مفاتيحها أمجاد دوما هكذا...
أطلت من العين السحرية...و إذا به أمامها..تراجعت للخلف كالمذعورة...شعرت و كأنها تحلم ...
تعالى الطرق ثانية...فاقتربت ببطء...و فتحت الباب...تجمدت للحظات وهي تنظر إليه...و بدأت تستعيد ذكريات و آلام...
حتى توقفت عند عبارتها تلك >> أشعر أنني لو رأيته سأحفر بأظافري في عنقه..حتى تدمي<<..ارتفعت يداها نحو عنقه
لكن حسام أمسك بهما و هو يردد بصوت خافت حنون لم تعده سمية: لقد عدت..لا تعلمين كم بذلت من الجهد حتى أصل لهنا...
تراجعت سمية للخلف بحركة حادة و هي تردد: لا أصدق..لا أصدق...
ثم حملت لهجتها رنة عصبية ثم أكملت بعصبية: لماذا عدت ؟؟
اقترب منها حسام و هو في قمة الدهشة سائلا: ماذا دهاك سمية ؟؟ كنت أظن أن استقبالك لي سيكون أفضل من ذلك...لقد طلقت ماري وعدت ثانية..
أجابته سمية و قد هدأت لهجتها: لقد تركتني عندما كنت في أشد الحاجة إليك.. حتى موت والدتنا لم يعدك...كنت أتمنى أن يكون لقاءنا أفضل من ذلك..
قاطعها قائلا: أعلم أني أخطأت في الماضي و لكن أنا واثق أن كل شيء سيكون على ما يرام..
قاطعته متعجبة: كل شيء سيكون على ما يرام... هل هذا ما تظن ؟؟..اسمع مني إذا أنت مخطئ...
تنهد قليلا محاولا أن يخفي عصبيته و تابع قائلا: لقد تعبت جدا حتى وجدتك...جيد أن أمجاد تركت رقم شقتكما في بيتها لابد أنكما قد استأجرتماها في القرية...
قاطعته: أتعني أنك فتشت غرفتها؟؟
أجابها: لقد كان والدها متعاونا معي جدا حتى أنه طلب مني أن أزور مستشفى المجانين لعلي أظفر بكما هناك....
قاطعته ثانية: ما دخلنا نحن بمستشفى المجانين ؟؟..
أجابها: ألا تعلمين أن أم أمجاد هناك منذ سنين ؟؟؟
ارتمت سمية على أقرب كرسي...بينما أكمل حسام قائلا: أسمعيني سمية..فلنعد إلى القرية و لنبدأ حياتنا.. لقد جمعت بعض المال وسأفتح مشروعا..ولتنصحي أمجاد بالعودة فوالدها قلق عليها منذ أن هربتما..و يبحث عنها في كل مكان...
رمقته سمية بنظرات تعجب و سألت: لماذا؟؟ والدها قد وافق على رحيلها...
جلس حسام إلى جوارها مجيبا: هل أفهمتك ذلك؟؟... كلا والدها لا يعلم بأمر رحيلها...
قفزت واقفة وهي تصرخ: أنت كاذب..هل جئت لتفرق بيننا..
وقف حسام غاضبا و أجابها: أنا لست كاذبا سمية...
لكنها أجابته: بلى أنت كاذب...حسام غادر حياتي...دعني ...فأنا لا أريد أن أعيش مع وحش مثلك..
رد عليها حسام: أو تظنين أني لم ابكي على والدتنا أنا بشر من لحم و دم و عواطف..ولست وحشا.. أم أن من تسمينها صديقتك قد..
قاطعته بصرامة وهي تشير إلى الباب: غادر حياتي يا حسام...غادرها أرجوك..فأنت لم تعد أخي... أتسمعني لم تعد أخي.
رفع حسام يده ليضربها لكن تلك اليد توقفت فجأة لتكمل سمية: ماذا تركت لي يا حسام من ذكريات..لطالما كنت أختبئ منك..لطالما كنت تضربني ..و تمزق روايتي.. و تشتمني..كنت أخاف حينها..لكن الآن.. كلا..اضربني يا حسام فما عدت أخاف.. ما عدت أخاف من قسوتك و لا ضربك...
طأطأ حسام رأسه ومضى مغادرا حتى وصل إلى الباب عندها التفت إليها قائلا: لك ما تريدين يا سمية..سأغادر حياتك للأبد.. لكني سأظل طيلة حياتي...أحبك ...لأنك أختي...يبدو أنني قسوت عليك كثيرا...
و أقفل الباب خلفه بقوة...لقد غادر ..و للأبد..
وبقي السؤال ترى ماذا تخبأ أمجاد..ذلك السؤال الذي دفع سمية أن ترفع سماعة الهاتف وتطلب رقما ما..
رقما بوسعه أن يجيب على كل تساؤلاتها...
************************************
دخلت أمجاد المنزل...وجلست على أقرب كرسي وهي تسعل بشدة..اقتربت منها سمية وظلت تحدق في وجهها طويلا..بينما ابتسمت أمجاد قائلة : لابد أنك تتساءلين أين كنت ..لــ
قاطعتها سمية:كلا أمجاد ليس هذا هو سؤالي..لماذا كذبت علي؟؟
------------------------------------------


أسرا و أسرار على وشك الظهور في الحلقة التالية
دونا
دونا
الحلقة الخامسة ( اسم بلا معالم )


تساءلت أمجاد باستعجاب:كذبت عليك؟؟؟... أنا لم أكذب عليك قط فأنت صديقتي.
تابعت سمية قائلة وقد فقدت السيطرة على أعصابها: بلا فعلت..لقد اتصلت بوالدك منذ قليل وعرفت كل شيء..
قاطعتها أمجاد سائلة: هل أخبرته بمكاني؟؟
أجابتها سمية وهي تمسح شعرها بكفها: كلا لم أفعل لقد طمأنته عليك فحسب...لماذا أمجاد كنت أظن أنني صديقتك..و أن لا أسرار بيننا..لقد حسام صادقا..
أجابتها أمجاد وهي تشيح بوجهها: حسام..ماذا تعنين ؟؟..هل عاد من هناك؟؟
صرخت سمية في وجهها:أ تسألني..أنا من تسأل.. أجيبيني أمجاد بالله عليك...
تمسكت أمجاد بمعطفها وهي تخاطب سمية قائلة: منذ أن تزوج والدي و أنا لا أسلم من ضربه...عندما كنت أركض إليه ليحمني..أجده هو من يجلدني...صمت وصمت..حاولت أن أتقرب إليه..أن أحادثه..أن أصنع له الكعك الذي يحب...لم أرفع صوتي عليه قط... لكن قسوته كانت تزداد يوما بعد يوم... قلت لنفسي لابد أنه يكرهني..و لما لا فأنا أذكره بأمي...حاولت أن أطرد تلك الأفكار..لكنه كان في كل يوم يؤكدها أكثر فأكثر..كنت أقضي المساء أعاني و أعاني...لم أره يبتسم قط..لطالما كان قاسيا قويا..ما عدت احتمل..و لو كنت أخبرتك منذ البداية لما وافقت أبدا..
اقتربت سمية من أمجاد وقبلت رأسها بحنان وهي تردد:ياه.. كل هذا تخفينه خلف الضحك والمرح...؟
ابتسمت أمجاد معقبة: في داخل كل منا الكثير من الأحزان...لكننا نحاول أن نرتدي من الأقنعة ما يظهرنا أقوياء...و يظل الإيمان سلاحنا الوحيد..و البتار...
بادلتها سمية بابتسامة وهي تعتذر قائلة: اعذرني أمجاد فقد فقدت السيطرة على أعصابي...ربما لأني تفا جئت بحسام اليوم..
سألتها أمجاد: و ماذا فعلت بشأنه...؟؟
مطت سمية شفتيها وقالت بصوت متدهرج : طلبت منه أن يغادر حياتي...
نظرت أمجاد عبر النافذة ..وهي تقول: ألا يستحق فرصة يا سمية...لما لا تعطيه فرصة..
التفتت إليها سمية باستعجاب وهي تسأل: و ماذا عن والدك ألن تعطينه فرصة بدورك..أظنه في أشد الحاجة إليها الآن..مهما فعل فهو أول من ناديته بأبي وسيظل...
ران الصمت ثقيلا مما حمل سمية بدورها أن تحاول إنعاش الموقف فاقتربت من صديقتها و وضعت كفيها على كتفي أمجاد و هي تهمس: دعينا من ذلك..مم..صحيح أين ذهبت اليوم...؟؟
ارتسم البشر على وجهها وبدأت تتلمس أصابع سمية الدافئة و أجابتها: لقد ذهبت لأستأجر شقة...كم كانت تلك الشقة مذهلة..
و قفزت قائمة وهي تكمل: هيا علينا أن نرتب حاجياتنا...هيا ..أخير سنغادر..و نبدأ حياة جديدة في مكان أفضل..
و مضت لتخرج ملابسها من الخزانة و لكن سمية قاطعتها قائلة: من أين لك بالمال أمجاد ؟؟؟
حاولت أمجاد أن تغير الموضوع وهي تضع ذلك الثوب في حقيبتها قائلة: كما أننا سنحقق حلمنا قريبا جدا..بإذن الله..فقد وجدت دار نشر وافقت على طباعة قصتي..و لكن ليس على نفقتها فهي تخاف من أن لا تنجح الكتب التي كتبت بأقلام هاوية مبتدئة...و لقد تدبرت المبلغ....لكنهم طلبوا قراءة القصة أولا قبل أي أمر آخر.. و سيتصلون بنا قريبا..لنحدد موعدا نعطيهم فيه المبلغ و...عندها..س..
قاطعتها سمية سأله: من أين لم بالمال.؟؟؟؟..
تركت أمجاد الثوب بغتة بينما عادت سمية تسألها: أما زلنا صديقتين ؟؟
أجابتها أمجاد ودون أن تنظر إليها قائلة: و سنبقى...
اقتربت سمية من أمجاد أكثر...و خاطبتها قائلة: إذن ما الأمر..؟؟.
التفتت إليها أمجاد و قد امتلأت عينيها بالدموع....دموع قد ذاقت طعمها سمية من قبل...دموع هائجة جعلت أمجاد ترتمي في حضن أعز الناس إليها وهي تهتف بصوت مبحوح أعياه السعال:لقد ماتت والدتي يا سمية.. لقد ماتت..
****************************************************
>> رغم أني أمضيت في بطنها تسعة أشهر..أكلت معها...و نمت في أحشائها...إلا أني لا أعرفها.. << نطقت أمجاد بتلك العبارة...بينما جلست سمية أمامها و كلها أذان صاغية..و لأول مرة في حياتها تأخذ سمية دور المستمع..
أخذت أمجاد نفسا قويا..و مسحت بقايا دموع على وجنتيها ..و تابعت بصوت لا يخلو من رنة بكاء : لقد كنت أعرف أنها هناك ..في مستشفى المجانين منذ أن كنا في القرية ... فقد أخبرتني زوجة أبي بذلك حتى تحزنني.. وتذلني ...
يومها ذهبت إليك و أنا في قمت الارتباك..لا أدري أن كانت صادقة.. أم كاذبة..جئتك لتساعديني...لتنصحيني و توجهيني...يومها وجدتك في حالة نفسية سيئة..بالكاد كانت الكلمات تخرج من فيك..رغم أنك حاولت حينها أن تبدي قوية..لكني أعرفك أكثر من نفسي.. سألتك: ما بك؟؟....فلم تجيبي بلسانك... بل بدموعك التائهة.... وبقلبك الذي كان يرتجف بين أضلاعك... عرفت حينها أن والدتك قد توفيت...فلزمت الصمت.. و لم أجد وقتا مناسبا لأخبرك منذ ذلك الوقت...
صمتت أمجاد لبرهة ثم أكملت: أردت أن أخيط جروحي بنفسي.. و كنت مخطئة... كنت أطعن نفسي بخناجر لا حدود لها...سكوتي كاد يقتلني...لطالما ترددت على بوابة المستشفى...لكني لم أستطع الدخول...تساؤلات و أفكار شتى دارت في مخيلتي..ترى هل ستعرفني؟..هل ستذكرني؟...هل ستناديني إلى حضنها ؟؟ وتغمرني بحنانها..و تظل تقبلني ساعات وساعات...أم أنني لم أعد هناك..لا في قلبها... و لا في عقلها...
صباح الأمس استيقظت مبكرة...لكنك لم تكوني هنا..فاستجمعت قواي وقررت زيارتها..كان لابد أن أراها و بأي ثمن..أخذت أجر الخطوات حتى وصلت..عبرت ممرات المستشفى و كأنني في دهليز لا بداية له و لا نهاية...أخيرا وجدت ممرضة فسألتها عن أمي بكلمات مترقبة وخائفة..فتغيرت تعابير وجهها فجأة و أجابتني بعد أن أشاحت به بعيد عني قائلة: تأخرت كثيرا يا آنسة فمن تسألين عنها قد ماتت منذ شهر ونصف...تجمدت أطرافي مع أخر كلماتها..و تناثرت أشلائي في كل الأرجاء...ما عدت أدري ماذا أفعل...شعرت بقلبي يهوي بشدة و يسقط بين قدمي... تسارعت نبضاتي بقوة...و تفجرت في أعماقي كقنابل قاتلة...اختلطت العواطف فجأة...ترى هل أبكي أم أصرخ..لست أدري...و إذا بشريط حياتي يمر أمامي...بحثت عن ذكرى واحده تجمعنا فلم أجد...كم تمنيت لو رأيتها..لو حادثتها..لو أخبرتها بأحلامي كما تفعل أي فتاة...لم تكن سوى اسم في حياتي..اسم بلا معالم..بلا صوت...اسم دفن تحت التراب...شيء واحد استطعت فعله...فقد تفجرت شفتاي قائلة...>>رحمك الله يا أمي..رحمك الله.<<
مسحت أمجاد دموعها...و صمتت للحظات.. أما سمية فلم تكن تملك من الحروف ما تعقب به....لحظات قاسية...و دموع لا تتنازل بالتوقف...في معركة لا مثيل لها..
معركة الحيـاة..
*********************

في الحلقة القادمة ..أحداث و مفاجئات فانتظروني
أحلام اليقظة
أحلام اليقظة
مازلنا نمسك بخيط الانتظار

فلا تطيليه رجاءا ً

وفقك ِ الله
دونا
دونا
لعيونك يا أحلام ...
///////////////////////////////////////////////////////
الحلقة السادسة(انهيــار)

سارت سيارة الأجرة في شارع واسع مزدحم يقع وسط العاصمة..ثم انحرفت يمينا في شارع أقل ازدحاما وتوقفت أمام مبنى شاهق الارتفاع..
خرجت سمية وأمجاد من السيارة وفي يد كل منهما حقيبة متوسطة الحجم تحوي أغراضهما...و ولجتا المبنى..و على عكس شقتهما الأولى كانت شقتهما الثانية...واسعة رحبة..تقع في الطابق الأرضي من البناء...
تطلعت سمية إلى مقرهما الجديد مشدوهة...ثم هتفت في سرور: ما أروع ما أرى!!!!
أجابتها أمجاد:انتظري يا عزيزتي فأنت لم تري شيئا بعد..هيا معي...
طافت بها أمجاد بين المطبخ المرتب و الصالة الأنيقة..ثم توقف أمام غرفة النوم و هي تشير قائلة:انظري أليست جميلة ؟؟
دخلت سمية الغرفة ببطء..و تلمست ورق الحائط الوردي بأطراف أصابعها..ثم جلست على السرير و هتفت من فرط سعاتها: أنه وثير جدا ؟؟..
لكن ملامحها تجمدت فجأة مما أقلق أمجاد التي اقتربت من صديقتها مستفسرة..فاعتدلت سمية في جلستها و رمقت أمجاد بعيون حائرة ثم نطقت قائلة: لا أصدق يا أمجاد.. لا أصدق أنك بعت سواري أمك..أنهما آخر ما بقيا لك من ذكراه...
ابتسمت أمجاد و هي تحرك رأسها نفيا معقبة: كلا أنت مخطئة يا سمية...نعم أنت مخطئة...صحيح أنني سررت عندما قدمت لي الممرضة السوارين و هي تقول بأن أمي كانت تريديهما قبل موتها...لكني شعرت حينها أن والدتي تريد أن تشاركني في تحقيق حلمي..في بناء مستقبلي...ربما لأنها لم تستطع أن تترك بصمات في ماضيي...
صمتت أمجاد للحظات ثم تابعت و هي تقترب أكثر فأكثر من سمية: لا أحتاج لشيء يذكرني بها...لأني منها و هي مني...دماؤها تجري في عروقي..هي عيني و روحي..و كيف لي أن أنسى عيني أو روحي...صحيح أني لا أعرف ملامحها...لكن يكفي أنني ناديتها يوما أمي..
ثم أطلقت ضحكة قصيرة و أكملت: ما الأمر سمية ألا تريدين أن تشاركنا أمي في حلمنا...؟؟
ابتسمت سمية وهي تهز رأسها إيجابا بينما خرجت تلك الكلمة من شفتيها قائلة: و لي الفخر...
جلست أمجاد على السرير المقابل لسمية وهي تقول: معك حق يا صديقتي.. إنه وثير جدا..لحظة راودتني فكرة.
تطلعت سمية لعيني أمجاد مباشرة و سألتها: ماذا؟؟
صعدت أمجاد فوق السرير و بدأت تقفز عليه...عندها صعدت سمية بدورها فوق سريرها و هي ترمي الوسائد على أمجاد..وتلك ترد عليها بوسائد أخرى...تعالى الضحك..ما أحلاه!...ليته يستقر هنا و يجلي جميع الأحزان..
...ضحك ولعب... ما أجملها من لحظات...لحظات عذبة ذكرتهما بالطفولة.و ماا أروعها من أيام...
لقد كانت سمية وكذا أمجاد طفلتين مرحتين...رغم سنين عمرهما وتجاربهما..
فجأة وقعت أمجاد من على سريرها و أخذت تسعل بشدة..ركضت نحوها سمية كالمذعورة..وهي تهتف: ما بك يا أمجاد ما بك ؟؟
أحاطت سمية صديقتها بذراعيها... لكن سعال أمجاد لم يتوقف...بل على العكس فقد اشتد و زاد..و اشتد قلق سمية معه...
تسارعت الأنفاس في غرفة النوم...أنفاس متعبة....قلقة...و خائفة....و فجأة اعتلت صرخة سمية كالرعد الذي يسبق المطر....
ذلك لأن أمجاد توقفت عن الحراك فجأة بين ذراعي صديقتها سمية...و دموعها...و شهقاتها...
و تلاشى الضحك والمرح وحل محله الحزن والترح.
*********************
بدت أمجاد شاحبة منهكــة و هي تستلقي على سرير المستشفى الأبيض...أما سمية فكانت تمكث بجوارها ...و هي تربت على شعر رفيقتها...بينما سافر عقلها في رحلة بين أقوال و ذكريات شتى...
تحسست سمية جبين أمجاد بحنان و عطف.. عندها دخلت الطبية الغرفــة فجــأة و هي ترسم ابتسامة حانية على شفتيها و طلبت من سمية أن ترافقها إلى مكتبها...
سارت سمية في ممرات المستشفى...و أفكار تحط رحالها في عقلها المترقب و أخرى تغادر...و أخيرا وصلت إلى المرسى الذي سترسى فيه أفكارها.. إلى مكتب الطبيبة..
**************************
هوت سمية فوق سريرها في شقتهما الجديدة بينما تجمعت عبرات في حلقهــا...و بدأت تستعيد الحوار الذي دار بينها وبين الطبيبة...>> صديقتك يا آنســة مصابة بالسل.. لا تقلقلي فالمرض ليس في مرحلة خطيرة و لكن لابد من عملية جراحية..
كما أن صديقتك تعاني من ضعف عام بالإضافة لإصابتها بالسل...أما أنت فحمدا لله فقد أثبتت التحاليل التي أجرينها عليك بإنك بأتم خير وعافية <<...
تنهدت سمية بحرارة...لطالما كانت ترى أمجاد قوية صلبة .. أما الآن فهي ممددة على فراش أبيض...كزهرة باهتة الألوان في حديقة جرداء..
ها قد مرت ثلاثة أيام منذ أن دخلت أمجاد المستشفى...و برغم أن المدرسة الداخلية قد فصلتهما عن العمل نتيجة تغيبهما إلا أن سمية لم تكترث...حتى أحلامهما اصطدمت بالواقع بشدة وتفتت إلى أشلاء لكنها أيضا لم تكترث...أمجاد.ان يشغل بالها هو روحها الثانية..أمجاد ...و العملية...و المال ترى أين أخفت أمجاد المال؟؟
دب الحماس فيها فجأة رغم تهالكها و حزنها..بحثت هنا و هناك لكن دون جدوى...و كادت تفقد الأمل..لكن صورة أمجاد التي حفرت في مخيلتها جعلتها تكافح و تكافح..و إذا بعبارة من الماضي تزورها...عبارة أمجاد...
>>..أتصديقين أنها سرقت مصرفي..جيد أني كنت أخفي بعضه تحت أغطية السرير...<< عندها بسرعة فتشت سمية تحت أغطية السرير..و أخيرا وجدت مبتغاها..لكنها ترددت فجأة فمعنى أن تدفع المال من أجل العملية.. أن تخسر فرصة طبع قصة أمجاد..
لكنها استجمعت أمرها فأمجاد أهم في حياتها من ألف قصة وقصة...و قبل أن تغادر للمستشفى طلبت رقما عبر الهاتف...
و هي تتساءل في أعماقها أن كان ما تفعله هو الصواب أم لا...
**************************
سار بخطا واسعة نحو سريرها..اقترب منها..فنظر إليها...تحسس شعرها البني المتناثر...همس لنفسه : يا إلهي لقد غدت شبح إنسان و هذا كله بسببي...
فتحت أمجاد جفنيها بوهن...و التقت عيناهما...في البداية ظنت أنها تحلم فقد كان آخر شخصا تعتقد أن تراه في مثل هذه الظروف...لكنها تأكدت عندما سمعت أنفاسه المتلاحقة...عندها تنحت بحركة حادة بحثا عن الأمان بينما ارتسم الخوف في ملامحها الشاحبة و هي تردد: والدي.
//////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////

كيف سيكون القاء ..سنعرف ذلك في الحلقة القادمـــة
Raheel
Raheel
الحمد لله

أنا أيضاً أتابع يا دونا