*رمانه رويانه*
اكتفي بـهذه الروايات الست المتعلقة برسول الله صلوات الله عليه لأنتقل إلى غيرها.
فقد أوردوا روايات في أمير المؤمنين  هذه بعضها:
عن أبي عبد الله  قال: (أتى عمر بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار كانت تـهواه، فأخذت بيضة وصبت البياض على ثيابـها وبين فخذيها فقام علي فنظر بين فخذيها فاتـهمها) (بحار الأنوار (40/303).
ونحن نتساءل هل ينظر أمير المؤمنين بين فخذي امرأة أجنبية؟ وهل يعقل أن ينقل الإمام الصادق هذا الخبر؟ وهل يقول هذا الكلام رجل أحب أهل البيت؟
وعن أبي عبد الله  قال: قامت امرأة شنيعة إلى أمير المؤمنين وهو على المنبر فقالت: هذا قاتل الأحبة، فنظر إليها وقال لها:
(يا سلفع يا جريئة يا بذيّة يا مذكرّة يا التي لا تحيض كما تحيض النساء يا التي علي منها شيء بين مدلى) (البحار 41/293).
فهل يتلفظ أمير المؤمنين بمثل هذا الكلام البذئ؟ هل يخاطب امرأة بقوله يا التي علي منها شيء بين مدلى؟ وهل ينقل الصادق  مثل هذا الكلام الباطل؟ لو كانت هذه الروايات في كتب أهل السنة لأقمنا الدنيا ولم نقعدها، ولفضحناهم شر فضيحة، ولكن في كتبنا نحن الشيعة!
وفي الاحتجاج للطبرسي أن فاطمة سلام الله عليها قالت لأمير المؤمنين :
يا ابن أبي طالب! اشتملت مشيمة الجنين وقعدت حجرة الظنين. وروى الطبرسي في الاحتجاج أيضاً كيف أن عمر ومن معه اقتادوا أمير المؤمنين  والحبل في عنقه وهم يجرونه جراً حتى انتهى به إلى أبي بكر ثم نادى بقوله: ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني!! ونحن نسأل يا ترى أكان أمير المؤمنين جباناً إلى هذا الحد؟
وانظر وصفهم لأمير المؤمنين  إذ قالت فاطمة عنه.
(إن نساء قريش تحدثني عنه إنه رجل دحداح البطن، طويل الذراعين ضخم الكراديس، أنزع، عظيم العينين، لمنكبه مشاش كمشاش البعير، ضاحك السن لا مال له) (تفسير القمي 2/336).
وعن أبي إسحاق أنه قال:
(أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة فرفعني فرأيت علياً يخطب على المنبر شيخاً، أصلع، ناتئ الجبهة، عريض ما بين المنكبين في عينه اطرغشاش (يعني لين في عينه) مقاتل الطالبين).
فهل كانت هذه أوصاف أمير المؤمنين ؟؟
نكتفي بـهذا القدر لننتقل إلى روايات تتعلق بفاطمة سلام الله عليها.
روى أبو جعفر الكليني في أصول الكافي أن فاطمة أخذت بتلابيب عمر إليها، وفي كتاب سليم بن قيس (أنـها سلام الله عليها تقدمت إلى أبي بكر وعمر في قضية فدك وتشاجرت معهما، وتكلمت في وسط الناس وصاحت وجمع الناس إليها) (253).
فهل كانت عرمة حتى تفعل هذا؟
وروى الكليني في الفروع أنـها سلام الله عليها ما كانت راضية بزواجها من علي  إذ دخل عليها أبوها  وهي تبكي فقال لها: ما يبكيك؟ فوالله لو كان في أهلي خير منه ما زوجتكه، وما أنا زوجتك ولكن الله زوجك، ولما دخل عليها أبوها صلوات الله عليه ومعه بريده: لما أبصرت أباها دمعت عيناها، قال ما يبكيك يا بنيتي؟ قالت: (قلة الطعم، وكثرة الهم، وشدة الغم، وقالت في رواية: والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي) (كشف الغمة 1/149-150) وقد وصفوا علياً  وصفاً جامعاً فقالوا: (كان  أسمر مربوعاً، وهو إلى القصر أقرب، عظيم البطن، دقيق الأصابع، غليظ الذراعين حَمِش الساقين في عينه لين عظيم اللحية أصلع، ناتئ الجبهة) (مقاتل الطالبين 27).
فإذا كانت هذه أوصاف أمير المؤمنين كما يقولون فكيف يمكن أن ترضى به؟ ونكتفي بـهذه النصوص حرصاً على عدم الإطالة، وكانت الرغبة أن ننقل ما ورد من نصوص بحق كل واحد من الأئمة عليهم السلام، ثم عدلنا عن ذلك إلى الاكتفاء بخمس روايات وردت بحق كل واحد، ثم رأينا أن الأمر أيضاً يطول إذ نقلنا خمس روايات وردت بحق النبي صلوات الله عليه وخمساً أخرى بحق أمير المؤمنين وخمساً أخرى بحق فاطمة سلام الله عليها فاستغفرق ذلك صفحات عديدة، لذلك سنحاول أن نختصر أكثر حتى نطلع على خفايا أكثر.
نقل الكليني في الأصول من الكافي: أن جبريل نزل على محمّد صلى الله عليه وآله فقال له: يا محمّد إن الله يبشرك بمولود يولد من فاطمة تقتله أمتك من بعدك فقال: يا جبريل وعلى ربي السلام، لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة، تقتله أمتي من بعدي، فعرج ثم هبط فقال مثل ذلك: يا جبريل وعلى ربي السلام، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي. فعرج ثم هبط فقال مثل ذلك: يا جبريل وعلى ربي السلام لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي. فعرج جبريل إلى السماء ثم هبط فقال: يا محمّد إن ربك يقرئك السلام ويبشرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فقال: إني رضيت، ثم أرسل إلى فاطمة أن الله يبشرني بمولود يولد لك تقتله أمتي من بعدي، فأرسلت إليه أن لا حاجة لي في مولود تقتله أمتك من بعدك، وأرسل إليها إن الله عز وجل جعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فأرسلت إليه إني رضيت، فحملته كرهاً .. ووضعته كرهاً ولم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى، كان يؤتى بالنبي صلى الله عليه وآله فيضع إبـهامه في فيه فيمص ما يكفيه اليومين والثلاثة).
ولست أدري هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرد أمراً بشره الله به؟ وهل كانت الزهراء سلام الله عليها ترد أمراً قد قضاه الله وأراد تبشيرها به فتقول: (لا حاجة لي به)؟. وهل حملت بالحملين وهي كارهة له ووضعته وهي كارهة له؟ وهل امتنعت عن ارضاعه حتى كان يؤتى بالنبي صلوات الله عليه ليرضعه من إبـهامه ما يكفيه اليومين والثلاثة؟
إن سيدنا ومولانا الحسين الشهيد سلام الله عليه أجل وأعظم من أن يقال بحقه مثل هذا الكلام، وهو أجل وأعظم من أن تكره أمه حمله ووضعه. إن نساء الدنيا يتمنين أن تلد كل واحدة منهن عشرات الأولاد مثل الإمام الحسين سلام ربي عليه، فكيف يمكن للزهراء الطاهرة العفيفة أن تكره حمل الحسين وتكره وضعه وتمتنع عن إرضاعه؟؟
في جلسة ضمت عدداً من السادة وطلاب الحوزة العلمية تحدث الإمام الخوئي فيها عن موضوعات شتى ثم ختم كلامه بقوله: قاتل الله الكفرة. قلنا: من هم؟ قال: النواصب -أهل السنة- يسبون الحسين صلوات الله عليه بل يسبون أهل البيت!!.
ماذا أقول للإمام الخوئي؟!
لما زوج أمير المؤمنين  ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، نقل أبو جعفر الكليني عن أبي عبد الله  أنه قال في ذلك الزواج: (إن ذلك فرج غصبناه!!!) (فروع الكافي 2/141).
ونسأل قائل هذا الكلام: هل تزوج عمر أم كلثوم زواجاً شرعياً أم اغتصبها غصباً؟ إن الكلام المنسوب إلى الصادق  واضح المعنى، فهل يقول أبو عبد الله مثل هذا الكلام الباطل عن ابنة المرتضى ؟
ثم لو كان عمر اغتصب أم كلثوم فكيف رضي أبوها أسد الله وذو الفقار وفتى قريش بذلك؟!.
عندما نقرأ في الروضة من الكافي (8/101)، في حديث أبي بصير مع المرأة التي جاءت إلى أبي عبد الله تسأل عن (أبي بكر وعمر) فقال لها: توليهما، قالت: فأقول لربي إذا لقيته أنك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم.
فهل الذي يأمر بتولي عمر نتهمه بأنه اغتصب امرأة من أهل البيت؟؟
لما سألت الإمام الخوئي عن قول أبي عبد الله للمرأة بتولي أبي بكر وعمر، قال: إنما قال لها ذلك تقية!!.
وأقول للإمام الخوئي: إن المرأة كانت من شيعة أهل البيت، وأبو بصير من أصحاب الصادق  فما كان هناك موجب للقول بالتقية لو كان ذلك صحيحاً، فالحق إن هذا التبرير الذي قال به أبو القاسم الخوئي غير صحيح.
وأما الحسن  فقد روى المفيد في الإرشاد عن أهل الكوفة أنـهم: شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته فبقى جالساً متقلداً السيف بغير رداء) (ص190) أيبقى الحسن  بغير رداء مكشوف العورة أمام الناس؟ أهذه محبة؟.
ودخل سفيان بن أبي ليلى على الحسن  وهو في داره فقال للإمام الحسن: (السلام عليك يا مذل المؤمنين! قال وما علمك بذلك؟ قال: عمدت إلى أمر الأمة فخلعته من عنقك، وقلدته هذه الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله؟) (رجال الكشي 103).
هل كان الحسن  مذلاً للمؤمنين؟ أم أنه كان معزاً لهم لأنه حقن دمائهم ووحد صفوفهم بتصرفه الحكيم ونظره الثاقب؟
فلو أن الحسن  حارب معاوية وقاتله على الخلافة لأريق بحر من دماء المسلمين، ولقتل منهم عدد لا يحصيه إلا الله تبارك وتعالى، ولمزقت الأمة تمزيقاً ولما قامت لها قائمة من ذلك الوقت.
وللأسف فإن هذا القول ينسب إلى أبي عبد الله  ووالله إنه لبريء من هذا الكلام وأمثاله.
وأما الإمام الصادق فقد ناله منهم شتى أنواع الأذى ونسبوا إليه كل قبيح، اقرأ معي هذا النص:
عن زرارة قال: (سألت أبا عبد الله  عن التشهد .. قلت التحيات والصلوات .. فسألته عن التشهد فقال كمثله، قال: التحيات والصلوات، فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت: لا يفلح أبداً) (رجال الكشي 142).
حق لنا أن نبكي دماً على الإمام الصادق  نعم ..كلمة قذرة كهذه تقال في حق الإمام أبي عبد الله؟ أيضرط زرارة في لحية أبي عبد الله ؟! أيقول عن الصادق  لا يفلح أبداً؟؟
لقد مضى على تأليف كتاب الكشي عشرة قرون، وتداولته أيدي علماء الشيعة كلهم على اختلاف فرقهم، فما رأيت أحداً منهم اعترض على هذا الكلام أو أنكره أو نبه عليه، وحتى الإمام الخوئي، لما شرع في تأليف كتابه الضخم (معجم رجال الحديث) فإني كنت أحد الذين ساعدوه في تأليف هذا السفر وفي جمع الروايات من بطون الكتب، لما قرأنا هذه الرواية على مسمعه أطرق قليلاً، ثم قال: لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة، ما زاد على ذلك، ولكن أيها الإمام الجليل إن الهفوة تكون بسبب غفلة أو خطأ غير مقصود، إن قوة العلاقة بك إذا كنت لك بمنـزلة الولد للوالد، وكنت مني بمنـزلة الوالد لولده تحتم علي أن أحمل كلامك على حسن النية وسلامة الطوية وإلا لما كنت أرضى منك السكوت على هذه الإهانة على الإمام الصادق أبي عبد الله .
وقال ثقة الإسلام الكليني (حدثني هشام بن الحكم وحماد عن زرارة قال: قلت في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة -والمراد إمامه-)
وقد كتبوا في شرح هذا الحديث:
إن هذا الشيخ عجوز لا عقل له ولا يحسن الكلام مع الخصم.
فهل الإمام الصادق (لا عقل له)؟.
إن قلبي ليعتصر ألماً وحزناً، فإن هذا السباب وهذه الشتائم وهذه الجرأة لا يستحقها أهل البيت الكرام، فينبغي التأدب معهم.
وأما العباس وابنه عبد الله، وابنه الآخر عبيد الله، وعقيل عليهم السلام جميعاً فلم يسلموا من الطعن والغمز واللمز، اقرأ معي هذه النصوص.
روى الكشي أن قوله تعالى: لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ نزلت فيه -أي في العباس- (رجال الكشي 54).
وقوله تعالى: وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً وقوله تعالى: وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ نزلنا فيه (52-53) وروى الكشي أيضاً أن أمير المؤمنين  دعا على عبد الله بن العباس وأخيه عبيدالله فقال: (اللهم العن ابني فلان -يعني عبد الله وعبيدالله- واعم أبصارهما كما عميت قلوبـهما الأجلين في رقبتي، واجعل عمى أبصارهما دليلاً على عمى قلوبـهما) (52).
وروى ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني في الفروع عن الإمام الباقر قال في أمير المؤمنين: (وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام، عباس وعقيل)
إن الآيات الثلاث التي زعم الكشي أنـها نزلت في العباس معناها الحكم عليه بالكفر والخلود في النار يوم القيامة، وإلا قل لي بالله عليك ما معنى قوله: فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً؟.
وأما أن أمير المؤمنين  دعا على ولدي العباس عبد الله وعبيدالله باللعن وعمى البصر وعمى القلب فهذا تكفير لهما.
إن عبد الله بن العباس تلقبه العامة -أهل السنة- بترجمان القرآن وحبر الأمة، فكيف نلعنه نحن وندعي محبة أهل البيت عليهم السلام؟
وأما عقيل  فهو أخو أمير المؤمنين فهل هو ذليل وحديث عهد بالإسلام؟!
وأما الإمام زين العابدين علي بن الحسين فقد روى الكليني: أن يزيد بن معاوية سأله أن يكون عبداً له، فرضي  أن يكون عبداً ليزيد إذ قال له: (قد أقررت لك بما سألت، أنا عبد مكره فإن شئت فأمسك وإن شئت فبع) (الروضة من الكافي 8/235).
فانظر قوله وانظر معناه:
(قد أقررت بأني عبد لك، وأنا عبد مكره فإن شئت فأبقني عبداً لك وإن شئت أن تبيعني فبعني) فهل يكون الإمام  عبداً ليزيد يبيعه متى شاء، ويبقي عليه متى شاء؟
إذا أردنا أن نستقصي ما قيل في أهل البيت جميعاً فإن الكلام يطول بنا إذ لم يسلم واحد منهم من كلمة نابية أو عبارة قبيحة أو عمل شنيع فقد نسبت إليهم أعمال شنيعة كثيرة وفي أمهات مصادرنا وسيأتيك شيء من ذلك في فصل قادم.
إقرأ معي هذه الرواية:
عن أبي عبد الله : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينام حتى يقبل عرض وجه فاطمة) (بحار الأنوار 43/42).
(وكان يضع وجهه الكريم بين ثديي فاطمة عليها السلام) (بحار الأنوار 43/78).
إن فاطمة سلام الله عليها امرأة بالغة فهل يعقل أن يضع رسول الله وجهه بين ثدييها؟! فإذا كان هذا نصيب رسول الله صلوات الله عليه ونصيب فاطمة فما نصيب غيرهما؟ لقد شكوا في الإمام محمّد القانع هل هو ابن الرضا أم أنه ابن (..).
إقرأ معي هذا النص:
عن علي بن جعفر الباقر أنه قيل للرضا :
(ما كان فينا إمام قط حائل اللون -أي تغير واسود- فقال لهم الرضا : هل ابني، قالوا: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضى بالقافة -مفردها قائف وهو الذي يعرف الآثار والأشباه ويحكم بالنسب- فبيننا وبينك القافة، قال: ابعثوا أنتم إليه فأما أنا فلا، ولا تعلموهم لما دعوتـهم ولتكونوا في بيوتكم.
فلما جاءوا أقعدونا في البستان واصطف عمومته واخوته وأخواته، وأخذوا الرضا ، وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها، ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاءوا بأبي جعفر  فقالوا: الحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له ههنا أب ولكن هذا عم أبيه، وهذا عمه وهذه عمته، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدميه وقدميه واحدة، فلما رجع أبو الحسن قالوا: هذا أبوه) (أصول الكافي 1/322)، أي أنـهم شكوا في كون محمّد القانع سلام الله عليه ابن الرضا ، بينما يؤكد الرضا  أنه ابنه، وأما الباقون فإنـهم أنكروا ذلك ولهذا قالوا: (ما كان فينا إمام قط حائل اللون) ولا شك أن هذا طعن في عرض الرضا  واتـهام لامرأته وشك في عفتها، ولهذا ذهبوا فأتوا بالقافة، وحكم القافة بأن محمداً القانع هو ابن الرضا  لصلبه، عند ذلك رضوا وسكتوا.
من الممكن اتـهام الآخرين بمثل هذه التهمة، وقد يصدق الناس ذلك، أما اتـهام أهل البيت صلوات الله عليهم فهذا من أشنع ما يكون، وللأسف فإن مصادرنا التي نزعم أنـها نقلت علم أهل البيت مليئة بمثل هذا الباطل ولا حول ولا قوة إلا بالله. عندما قرأنا هذا النص أيام دراستنا في الحوزة مر عليه علماؤنا ومراجعنا مرور الكرام، وما زلت أذكر تعليل الخوئي عندما عرضت عليه هذا النص إذ قال ناقلاً عن السيد آل كاشف الغطاء: إنما فعلوا ذلك لحرصهم على بقاء نسلهم نقياً!!.
بل اتـهموا الرضا سلام الله عليه بأنه كان يعشق بنت عم المأمون وهي تعشقه، (انظر عيون أخبار الرضا 153).
ولقبوا جعفراً بجعفر الكذاب فسبوه وشتموه مع أنه أخو الحسن العسكري فقال الكليني: (هو معلن الفسق فاجر، ماجن شريب للخمور أقل ما رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه، خفيف قليل في نفسه) (أصول الكافي 1/504).
فهل في أهل البيت سلام الله عليهم شريب خمر؟! أو فاسق؟ أو فاجر؟
إذا أردنا أن نعرف تفاصيل أكثر فعلينا أن نقرأ المصادر المعتبرة عندنا لنعرف ماذا قيل في حق الباقين منهم عليهم السلام، ولنعرف كيف قتلت ذرياتـهم الطاهرة وأين قتلوا؟ ومن الذين قتلهم؟
لقد قتل عدد كبير منهم في ضواحي بلاد فارس بأيدي أناس من تلك المناطق، ولولا أني أخشى الإطالة أكثر مما ذكرت، لذكرت أسماء من أحصيته منهم وأسماء من قتلهم، ولكن أحيل القارئ الكريم إلى كتاب مقاتل الطالبين للأصفهاني فإنه كفيل ببيان ذلك.
وأعلم أن أكثر من تعرض للطعن والغمز واللمز الإمامان محمّد الباقر وابنه جعفر الصادق عليهما السلام وعلى آبائهما، فقد نسبت إليهم أغلب المسائل كالقول بالتقية والمتعة واللواطة بالنساء وإعارة الفرج و.. و.. إلخ
وهما سلام الله عليهما بريئان من هذا كله.
*رمانه رويانه*
المتعه ومايتعلق بها
كنت أود أن أجعل عنوان هذا الفصل (المرأة عند الشيعة) لكني عدلت عن ذلك لأني رأيت أن كل الروايات التي روتـها كتبنا تنسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وإلى أمير المؤمنين وأبي عبد الله  وغيرهما من الأئمة.
فما أردت أن يصيب الأئمة عليهم السلام أي طعن لأن في تلك الروايات من قبيح الكلام ما لا يرضاه أحدنا لنفسه فكيف يرضاه لرسول الله صلى الله عليه وآله وللأئمة عليهم السلام.
لقد استغلت المتعة أبشع استغلال، وأهينت المرأة شر إهانة، وصار الكثيرون يشبعون رغباتـهم الجنسية تحت ستار المتعة وباسم الدين، عملاً بقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ، لقد أوردوا روايات في الترغيب بالمتعة، وحددوا أو رتبوا عليها الثواب وعلى تاركها العقاب، بل اعتبروا كل من لم يعمل بـها ليس مسلماً. اقرأ معي هذه النصوص:
قال النبي صلى الله عليه وآله: (من تمتع بامرأة مؤمنة كأنما زار الكعبة سبعين مرة) فهل الذي يتمتع كمن زار الكعبة سبعين مرة؟ وبمن؟ بامرأة مؤمنة؟ وروى الصدوق عن الصادق  قال:
(إن المتعة ديني ودين آبائي فمن عمل بـها عمل بديننا، ومن أنكرها أنكر ديننا، واعتقد بغير ديننا) (من لا يحضره الفقيه 3/366) وهذا تكفير لمن لم يقبل بالمتعة.
وقيل لأبي عبد الله : هل للمتمتع ثواب؟ قال: (إن كان يريد بذلك وجه الله لم يكلمها كلمة إلا كتب الله له بـها حسنة، فإذا دنا منها غفر الله له بذلك ذنباً، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره) (من لا يحضره الفقيه 3/366).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: (من تمتع مرة أمن سخط الجبار، ومن تمتع مرتين حشر مع الأبرار، ومن تمتع ثلاث مرات زاحمني في الجنان) (من لا يحضره الفقيه 3/366)، قلت: ورغبة في نيل هذا الثواب فإن علماء الحوزة في النجف وجميع الحسينيات ومشاهد الأئمة يتمتعون بكثرة، وأخص بالذكر منهم السيد الصدر والبروجرودي والشيرازي والقزويني والطباطبائي، والسيد المدني إضافة إلى الشاب الصاعد أبو الحارث الياسري وغيرهم، فإنـهم يتمتعون بكثرة وكل يوم رغبة في نيل هذا الثواب ومزاحمة النبي صلوات الله عليه في الجنان.
وروى السيد فتح الله الكاشاني في تفسير منهج الصادقين عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من تمتع مرة كانت درجته كدرجة الحسين ، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن ، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب  ومن تمتع أربع فدرجته كدرجتي).
لو فرضنا أن رجلاً قذراً تمتع مرة أفتكون درجته كدرجة الحسين ؟ وإذا تمتع مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً كانت درجة الحسن وعلي والنبي عليهم السلام؟ أمنـزلة النبي صلوات الله عليه ومنـزلة الأئمة هينة إلى هذا الحد؟؟
وحتى ولو كان المتمتع هذا قد بلغ في الإيمان مرتبة عالية أيكون كدرجة الحسين؟ أو أخيه؟ أو أبيه أو جده؟
إن مقام الحسين أسمى وأعلى من أن يبلغه أحد مهما كان قوي الإيمان، ودرجة الحسن وعلي والنبي عليهم السلام جميعاً لا يبلغها أحد مهما سما وعلا إيمانه.
لقد أجازوا التمتع حتى بالهاشمية كما روى ذلك الطوسي في (التهذيب 2/193).
أقول: إن الهاشميات أرفع من أن يتمتع بـهن، فهن سليلات النبوة ومن أهل البيت فحاشا لهن ذلك، وسيأتي السبب إن شاء الله، وقد بين الكليني أن المتعة تجوز ولو لضجعة واحدة بين الرجل والمرأة، وهذا منصوص عليه في فروع (الكافي 5/460).
ولا يشترط أن تكون المتمتع بـها بالغة راشدة، بل قالوا يمكن التمتع بمن في العاشرة من العمر ولهذا روى الكليني في (الفروع 5/463)، والطوسي في (التهذيب 7/255)، أنه قيل لأبي عبد الله :
(الجارية الصغيرة هل يتمتع بـها الرجل؟ فقال: نعم إلا أن تكون صبية تخدع. قيل: وما الحد الذي إذا بلغته لم تخدع؟ قال: عشر سنين).
وهذه النصوص كلها سيأتي الرد عليها إن شاء الله، ولكني أقول: إن ما نسب إلى أبي عبد الله  في جواز التمتع بمن كانت في العاشرة من عمرها، أقول: قد ذهب بعضهم إلى جواز التمتع بمن هي دون هذا السن.
لما كان الإمام الخميني مقيماً في العراق كنا نتردد إليه ونطلب منه العلم حتى صارت علاقتنا معه وثيقة جداً، وقد اتفق مرة أن وجهت إليه دعوة من مدينة تلعفر وهي مدينة تقع غرب الموصل على مسيرة ساعة ونصف تقريباً بالسيارة، فطلبني للسفر معه فسافرت معه، فاستقبلونا وأكرمونا غاية الكرم مدة بقائنا عند إحدى العوائل الشيعية المقيمة هناك، وقد قطعوا عهداً بنشر التشيع في تلك الأرجاء وما زالوا يحتفظون بصورة تذكارية لنا تم تصويرها في دارهم.
ولما انتهت مدة السفر رجعنا، وفي طريق عودتنا ومرورنا في بغداد أراد الإمام أن نرتاح من عناء السفر، فأمر بالتوجه إلى منطقة العطيفية حيث يسكن هناك رجل إيراني الأصل يقال له سيد صاحب، كانت بينه وبين الإمام معرفة قوية.
فرح سيد صاحب بمجيئنا، وكان وصولنا إليه عند الظهر، فصنع لنا غداء فاخراً واتصل ببعض أقاربه فحضروا وازدحم منـزله احتفاء بنا، وطلب سيد صاحب إلينا المبيت عنده تلك الليلة فوافق الإمام، ثم لما كان العشاء أتونا بالعشاء، وكان الحاضرون يقبلون يد الإمام ويسألونه ويجيب عن أسئلتهم، ولما حان وقت النوم وكان الحاضرون قد انصرفوا إلا أهل الدار، أبصر الإمام الخميني صبية بعمر أربع سنوات أو خمس ولكنها جميلة جداً، فطلب الإمام من أبيها سيد صاحب إحضارها للتمتع بـها فوافق أبوها بفرح بالغ، فبات الإمام الخميني والصبية في حضنه ونحن نسمع بكاءها وصريخها.
المهم أنه أمضى تلك الليلة فلما أصبح الصباح وجلسنا لتناول الإفطار نظر إلي فوجد علامات الإنكار واضحة في وجهي؛ إذ كيف يتمتع بـهذه الطفلة الصغيرة وفي الدار شابات بالغات راشدات كان بإمكانه التمتع بإحداهن فلم يفعل؟
فقال لي: سيد حسين ما تقول في التمتع بالطفلة؟
قلت له: سيد القول قولك، والصواب فعلك، وأنت إمام مجتهد، ولا يمكن لمثلي أن يرى أو يقول إلا ما تراه أنت أو تقوله، -ومعلوم أني لا يمكنني الاعتراض وقتذاك-.
فقال: سيد حسين؛ إن التمتع بـها جائز ولكن بالمداعبة والتقبيل والتفخيذ.
أما الجماع فإنـها لا تقوى عليه.
وكان الإمام الخميني يرى جواز التمتع حتى بالرضيعة فقال: (لا بأس بالتمتع بالرضيعة ضماً وتفخيذاً -أي يضع ذكره بين فخذيها- وتقبيلاً) انظر كتابه (تحرير الوسيلة 2/241 مسألة رقم 12).
جلست مرة عند الإمام الخوئي في مكتبه، فدخل علينا شابان يبدوا أنـهما اختلفا في مسألة فاتفقا على سؤال الإمام الخوئي ليدلهما على الجواب.
فسأله أحدهما قائلاً: سيد ما تقول في المتعة أحلال هي أم حرام؟
نظر إليه الإمام الخوئي وقد أوجس من سؤاله أمراً ثم قال له: أين تسكن؟ قال الشاب السائل: أسكن الموصل وأقيم هنا في النجف منذ شهرين تقريباً.
قال له الإمام: أنت سني إذن؟
قال الشاب: نعم.
قال الإمام: المتعة عندنا حلال وعندكم حرام.
فقال له الشاب: أنا هنا منذ شهرين تقريباً غريب في هذه الديار فهلا زوجتني ابنتك لأتمتع بـها ريثما أعود إلى أهلي؟
فحملق فيه الإمام هنيهة ثم قال له: أنا سيد وهذا حرام على السادة وحلال عند عوام الشيعة.
ونظر الشاب إلى السيد الخوئي وهو مبتسم ونظرته توحي أنه علم أن الخوئي قد عمل بالتقية.
ثم قاما فانصرفا، فاستأذنت الإمام الخوئي في الخروج فلحقت بالشابين فعلمت أن السائل سني وصاحبه شيعي اختلفا في المتعة أحلال أم حرام فاتفقا على سؤال المرجع الديني الإمام الخوئي، فلما حادثت الشابين انفجر الشاب الشيعي قائلاً: يا مجرمين تبيحون لأنفسكم التمتع ببناتنا وتخبروننا بأنه حلال وأنكم تتقربون بذلك إلى الله، وتحرمون علينا التمتع ببناتكم؟
وراح يسب ويشتم، وأقسم أنه سيتحول إلى مذهب أهل السنة، فأخذت أهدئ به ثم أقسمت له أن المتعة حرام وبينت له الأدلة على ذلك.
إن المتعة كانت مباحة في العصر الجاهلي، ولما جاء الإسلام أبقى عليها مدة ثم حرمت يوم خيبر، لكن المتعارف عليه عند الشيعة عند جماهير فقهائنا أن عمر بن الخطاب هو الذي حرمها، وهذا ما يرويه بعض فقهائنا.
والصواب في المسألة أنـها حرمت يوم خيبر.
قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
(حرم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة) انظر (التهذيب 2/186)، (الاستبصار 2/142)، (وسائل الشيعة 14/441).
وسئل أبو عبد الله :
(كان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يتزوجون بغير بينة؟ قال: لا) (انظر التهذيب 2/189).
وعلق الطوسي على ذلك بقوله: إنه لم يرد من ذلك النكاح الدائم بل أراد منه المتعة ولهذا أورد هذا النص من باب المتعة.
لا شك أن هذين النصين حجة قاطعة في نسخ حكم المتعة وإبطاله.
وأمير المؤمنين صلوات الله عليه نقل تحريمها عن النبي صلى الله عليه وآله وهذا يعني أن أمير المؤمنين قد قال بحرمتها من يوم خيبر، ولا شك أن الأئمة من بعده قد عرفوا حكم المتعة بعد علمهم بتحريمها، وهنا نقف بين أخبار منقولة وصريحة في تحريم المتعة وبين أخبار منسوبة إلى الأئمة في الحث عليها وعلى العمل بـها.
وهذه مشكلة يحتار المسلم إزاءها أيتمتع أم لا؟
إن الصواب هو ترك المتعة لأنـها حرام كما ثبت نقله عن أمير المؤمنين ، وأما الأخبار التي نسبت إلى الأئمة؛ فلا شك أن نسبتها إليهم غير صحيحة بل هي أخبار مفتراة عليهم، إذ ما كان للأئمة عليهم السلام أن يخالفوا أمراً حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسار عليه أمير المؤمنين من بعده، وهم -أي الأئمة- الذين تلقوا هذا العلم كابراً عن كابر لأنـهم ذرية بعضها من بعض.
لما سئل أبو عبد الله : (كان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يتزوجون بغير بينة؟ قال: لا) فلولا علمه بتحريم المتعة لما قال: لا، خصوصاً وإن الخبر صحيح في أن السؤال كان عن المتعة وأن أبا جعفر الطوسي راوي الخبر أورده في باب المتعة كما أسلفنا.
وما كان لأبي عبد الله والأئمة من قبله ومن بعده أن يخالفوا أمر رسول الله صلوات الله عليه أو أن يحلوا أمراً حرمه أو أن يتبدعوا شيئاً ما كان معروفاً في عهده .
وبذلك يتبين أن الأخبار التي تحث على التمتع ما قال الأئمة منها حرفاً واحداً، بل افتراها وتقولها عليهم أناس زنادقة أرادوا الطعن بأهل البيت الكرام والإساءة إليهم، وإلا بم تفسر إباحتهم التمتع بالهاشمية وتكفيرهم لمن لا يتمتع؟
مع أن الأئمة عليهم السلام لم ينقل عن واحد منهم نقلاً ثابتاً أنه تمتع مرة أو قال بحلية المتعة، أيكونون قد دانوا بغير دين الإسلام؟
فإذا توضح لنا هذا ندرك أن الذين وضعوا تلك الأخبار هم قوم زنادقة أرادوا الطعن بأهل البيت والأئمة عليهم السلام، لأن العمل بتلك الأخبار فيه تكفير للأئمة .. فتنبه.
روى الكليني عن أبي عبد الله  أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت: (إني زنيت، فأمر أن ترجم، فأخبر أمير المؤمنين  فقال: كيف زنيت؟
فقالت: مررت بالبادية فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابياً فأبى إلا إن مكنته من نفسي، فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي، فقال أمير المؤمنين : تزويج ورب الكعبة) (الفروع 2/198).
إن المتعة كما هو معروف تكون عن تراض بين الطرفين وعن رغبة منهما.
أما في هذه الرواية فإن المرأة المذكورة مضطرة ومجبورة فساومها على نفسها مقابل شربة ماء، وليست هي في حكم الزانية حتى تطلب من عمر أن يطهرها وفوق ذلك -وهذا مهم- إن أمير المؤمنين  هو الذي روى تحريم المتعة في نقله عن النبي صلى الله عليه وآله يوم خيبر فكيف يفتي هنا بأن هذا نكاح متعة؟! وفتواه على سبيل الحل والإقرار والرضا منه بفعل الرجل والمرأة!!؟
إن هذه الفتوى لو قالها أحد طلاب العلم لعدت سقطة بل غلطة يعاب عليه بسببها، فكيف تنسب إلى أمير المؤمنين  وهو من هو في العلم والفتيا؟
إن الذي نسب هذه الفتوى لأمير المؤمنين إما حاقد أراد الطعن به، وإما ذو غرض وهو اخترع هذه القصة فنسبها لأمير المؤمنين ليضفي الشرعية على المتعة كي يسوغ لنفسه ولأمثاله استباحة الفروج باسم الدين حتى وإن أدى ذلك إلى الكذب على الأئمة عليهم السلام بل على النبي صلى الله عليه وآله.
وإن المفاسد المترتبة على المتعة كبيرة ومتعددة الجوانب:
1- فهي مخالفة للنصوص الشرعية لأنـها تحليل لما حرم الله.
2- لقد ترتب على هذا اختلاق الروايات الكاذبة ونسبتها إلى الأئمة عليهم السلام مع ما في تلك الروايات من مطاعن قاسية لا يرضاها لهم من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.
3- ومن مفاسدها إباحة التمتع بالمرأة المحصنة -أي المتزوجة- رغم أنـها في عصمة رجل دون علم زوجها، وفي هذه الحالة لا يأمن الأزواج على زوجاتـهم فقد تتزوج المرأة متعة دون علم زوجها الشرعي ودون رضاه، وهذه مفسدة ما بعدها مفسدة، انظر (فروع الكافي 5/463)، (تـهذيب الأحكام 7/554)، (الاستبصار 3/145)، وليت شعري ما رأي الرجل وما شعوره إذا اكتشف أن امرأته التي في عصمته متزوجة من رجل آخر غيره زواج متعة؟!
4- والآباء أيضاً لا يأمنون على بناتـهم الباكرات إذ قد يتزوجن متعة دون علم آبائهن، وقد يفاجأ الأب أن ابنته الباكر قد حملت، .. لم؟ كيف؟ لا يدري .. ممن؟ لا يدري أيضاً فقد تزوجت من واحد فمن هو؟ لا أحد يدري لأنه تركها وذهب.
5- إن أغلب الذين يتمتعون، يبيحون لأنفسهم التمتع ببنات الناس، ولكن لو تقدم أحد لخطبة بناتـهم أو قريباتـهم فأراد أن يتزوجها متعة، لما وافق ولما رضي، لأنه يرى هذا الزواج أشبه بالزنا وإن هذا عار عليه، وهو يشعر بـهذا من خلال تمتعه ببنات الناس فلا شك أنه يمتنع عن تزويج بناته للآخرين متعة، أي أنه يبيح لنفسه التمتع ببنات الناس وفي المقابل يحرم على الناس أن يتمتعوا ببناته.
إذا كانت المتعة مشروعة أو أمراً مباحاً، فلم هذا التحرج في إباحة تمتع الغرباء ببناته وقريباته؟
6- إن المتعة ليس فيها إشهاد ولا إعلان ولا رضى ولي أمر المخطوبة، ولا يقع شيء من ميراث المتمتع للمتمتع بـها، إنما هي مستأجرة كما نسب ذلك القول إلى أبي عبد الله  فكيف يمكن إباحتها وإشاعتها بين الناس؟
7- إن المتعة فتحت المجال أمام الساقطين والساقطات من الشباب والشابات في لصق ما عندهم من فجور بالدين، وأدى ذلك إلى تشويه صورة الدين والمتدينين.
وبذلك يتبين لنا أضرار المتعة دينياً واجتماعياً وخلقياً، ولهذا حرمت المتعة ولو كان فيها مصالح لما حرمت، ولكن لما كانت كثيرة المفاسد حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله، وحرمها أمير المؤمنين .
تنبيه:
سألت الإمام الخوئي عن قول أمير المؤمنين في تحريم المتعة يوم خيبر، وعن قول أبي عبد الله في إجابة السائل عن الزواج بغير بينة أكان معروفاً على عهد النبي ؟ فقال: إن قول أمير المؤمنين  في تحريم المتعة يوم خيبر إنما يشمل تحريمها في ذلك اليوم فقط لا يتعدى التحريم إلى ما بعده.
وأما قول أبي عبد الله للسائل، فقال الإمام الخوئي: إنما قال أبو عبد الله ذلك تقية وهذا متفق عليه بين فقهائنا.
قلت: والحق إن قول فقهائنا لم يكن صائباً، ذلك أن تحريم المتعة يوم خيبر صاحبه تحريم لحوم الحمر الأهلية وتحريم لحوم الحمر الأهلية جرى العمل عليه من يوم خيبر وإلى يومنا هذا وسيبقى إلى قيام الساعة.
فدعوى تخصيص تحريم المتعة بيوم خيبر فقط دعوى مجردة لم يقم عليها دليل، خصوصاً وأن حرمة لحوم الحمر الأهلية والتي هي قرينة المتعة في التحريم بقي العمل عليها إلى يومنا هذا.
وفوق ذلك لو كان تحريم المتعة خاصاً بيوم خيبر فقط، لورد التصريح من النبي صلى الله عليه وآله بنسخ تلك الحرمة، على أنه يجب أن لا يغيب عن بالنا أن علة إباحة المتعة هي السفر والحرب، فكيف تحرم في تلك الحرب والمقاتل أحوج ما يكون إليها خصوصاً وأنه في غربة من أهله وما ملكت يمينه، ثم تباح في السلم؟
إن معنى قوله  إنـها حرمت يوم خيبر أي أن بداية تحريمها كان يوم خيبر وأما أقوال فقهائنا إنما هو تلاعب في النصوص لا أكثر.
فالحق إن تحريم المتعة ولحوم الحمر الأهلية متلازمان، نزل الحكم بحرمتها يوم خيبر وهو باقٍ إلى قيام الساعة، وليس هناك من داعٍ لتأويل كلام أمير المؤمنين  من أجل إشباع رغبات النفس وشهواتـها في البحث الدائم عن الجميلات والفاتنات من النساء للتمتع بـهن والتلذذ باسم الدين وعلى حسابه.
وأما أن قول أبي عبد الله  في جوابه للسائل كان تقية، أقول: إن السائل كان من شيعة أبي عبد الله فليس هناك ما يبرر القول بالتقية خصوصاً وانه يوافق الخبر المنقول عن الأمير  في تحريم المتعة يوم خيبر.
إن المتعة التي أباحها فقهاؤنا تعطي الحق للرجل في أن يتمتع بعدد لا حصر له من النسوة، ولو بألف امرأة وفي وقت واحد.
وكم من متمتع جمع بين المرأة وأمها، وبين المرأة وأختها، وبين المرأة وعمتها أو خالتها وهو لا يدري.
جاءتني امرأة تستفسر مني عن حادثة حصلت معها، إذ أخبرتني أن أحد السادة وهو السيد حسين الصدر كان قد تمتع بـها قبل أكثر من عشرين سنة فحملت منه، فلما أشبع رغبته منها فارقها، وبعد مدة رزقت ببنت، وأقسمت أنـها حملت منه هو إذ لم يتمتع بـها وقتذاك أحد غيره.
وبعد أن كبرت البنت وصارت شابة جميلة متأهلة للزواج، اكتشفت الأم أن ابنتها حبلى، فلما سألتها عن سبب حملها، أخبرتـها البنت أن السيد المذكور استمتع بـها فحملت منه، فدهشت الأم وفقدت صوابـها، إذ أخبرت ابنتها أن هذا السيد هو أبوها وأخبرتـها القصة، فكيف يتمتع بالأم واليوم يأتي ليتمتع بابنتها التي هي ابنته هو؟
ثم جاءتني مستفسرة عن موقف السيد المذكور منها ومن ابنتها التي ولدتـها منه.
إن الحوادث من هذا النوع كثيرة جداً، فقد تمتع أحدهم بفتاة تبين له فيما بعد أنـها أخته من المتعة، ومنهم من تمتع بامرأة أبيه.
وفي إيراد الحوادث من هذا القبيل لا يستطيع أحد حصرها، وقد رأينا ذلك بقول الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ، فمن لم يتمكن من الزواج الشرعي بسبب قلة ذات اليد فعليه بالاستعفاف ريثما يرزقه الله من فضله كي يستطيع الزواج.
فلو كانت المتعة حلالاً لما أمره بالاستعفاف والانتظار ريثما تتيسر أمور الزواج بل لأرشده إلى المتعة كي يقضي وطره بدلاً من المكوث والتحرق بنار الشهوة.
وقال الله تعالى: وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ -إلى قوله- ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .
فأرشد الذين لا يستطيعون الزواج لقلة ذات اليد أن يتزوجوا مما ملكت أيمانـهم، ومن عجز حتى عن ملك اليمين؛ أمره بالصبر، ولو كانت المتعة حلالاً لأرشده إليها.
ولا بد لنا أن ننقل نصوصاً أخرى عن الأئمة عليهم السلام في إثبات تحريم المتعة:
عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله  عن المتعة فقال: (لا تدنس نفسك بـها) (بحار الأنوار 100/318).
وهذا صريح في قول أبي عبد الله  إن المتعة تدنس النفس ولو كانت حلالاً لما صارت في هذا الحكم، ولم يكتف الصادق  بذلك بل صرح بتحريمها:
عن عمار قال: قال أبو عبد الله  لي ولسليمان بن خالد: (قد حرمت عليكما المتعة) (فروع الكافي 2/48)، (وسائل الشيعة 14/450).
وكان  يوبخ أصحابه ويحذرهم من المتعة فقال: أما يستحي أحدكم أن يرى موضع فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟ (الفروع 2/44)، (وسائل الشيعة 1/450).
ولما سأل علي بن يقطين أبا الحسن  عن المتعة أجابه: (ما أنت وذاك؟ قد أغناك الله عنها) (الفروع 2/43)، الوسائل (14/449).
نعم إن الله تعالى أغنى الناس عن المتعة بالزواج الشرعي الدائم.
ولهذا لم ينقل أن أحداً تمتع بامرأة من أهل البيت عليهم السلام، فلو كان حلالاً لفعلن، ويؤيد ذلك أن عبد الله بن عمير قال لأبي جعفر : (يسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن؟ -أي يتمتعن- فأعرض عنه أبو جعفر  حين ذكر نساءه وبنات عمه) (الفروع 2/42)، (التهذيب 2/186)، وبـهذا يتأكد لكل مسلم عاقل أن المتعة حرام، لمخالفتها لنصوص القرآن الكريم وللسنة ولأقوال الأئمة عليهم السلام.
والناظر للآيات القرآنية الكريمة والنصوص المتقدمة في تحريم المتعة -إن كان طالباً للحق محباً له- لا يملك إلا أن يحكم ببطلان تلك الروايات التي تحث على المتعة لمعارضتها لصريح القرآن وصريح السنة المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام ولما يترتب عليها من مفاسد لا حصر لها بينا شيئاً منها فيما مضى.
إن من المعلوم أن دين الإسلام جاء ليحث على الفضائل وينهى عن الرذائل، وجاء ليحقق للعباد المصالح التي تستقيم بـها حياتـهم، ولا شك أن المتعة مما لا تستقيم بـها الحياة إن حققت للفرد مصلحة واحدة -افتراضاً- فإنـها تسبب مفاسد جملة أجملناها في النقاط الماضية.
إن انتشار العمل بالمتعة جر إلى إعارة الفرج، وإعارة الفرج معناها أن يعطي الرجل امرأته أو أمته إلى رجل آخر فيحل له أن يتمتع بـها أو أن يصنع بـها ما يريد، فإذا ما أراد رجل ما أن يسافر أودع امرأته عند جاره أو صديقه أو أي شخص كان يختاره، فيبيح له أن يصنع بـها ما يشاء طيلة مدة سفره. والسبب معلوم حتى يطمئن الزوج على امرأته لئلا تزني في غيابه (!!) وهناك طريقة ثانية لإعارة الفرج إذا نزل أحد ضيفاً عند قوم، وأرادوا إكرامه فإن صاحب الدار يعير امرأته للضيف طيلة مدة إقامته عندهم، فيحل له منها كل شيء، وللأسف يروون في ذلك روايات ينسبونـها إلى الإمام الصادق  وإلى أبيه أبي جعفر سلام الله عليه.
روى الطوسي عن محمّد عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت:
(الرجل يحل لأخيه فرج جاريته؟ قال: نعم لا بأس به له ما أحل له منها) (الاستبصار 3/136).
وروى الكليني والطوسي عن محمّد بن مضارب قال: قال لي أبو عبد الله : (يا محمّد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها، فإذا خرجت فارددها إلينا) (الكافي؟)، (الفروع 2/200)، (الاستبصار 3/136).
قلت: لو اجتمعت البشرية بأسرها فأقسمت أن الإمامين الصادق والباقر عليهما السلام قالا هذا الكلام ما أنا بمصدق؟
إن الإمامين سلام الله عليهما أجل وأعظم من أن يقولا مثل هذا الكلام الباطل، فلا يبيحا هذا العمل المقزز الذي يتنافى مع الخلق الإسلامي الرفيع، بل هذه هي الدياثة، لا شك أن الأئمة سلام الله عليهم ورثوا هذا العلم كابراً عن كابر فنسبة هذا القول وهذا العمل إليهما إنما هو نسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فهو إذن تشريع إلهي.
في زيارتنا للهند ولقائنا بأئمة الشيعة هناك كالسيد النقوي وغيره مررنا بجماعة من الهندوس وعبدة البقر والسيخ وغيرهم من أتباع الديانات الوثنية، وقرأنا كثيراً فما وجدنا ديناً من تلك الأديان الباطلة يبيح هذا العمل ويحله لأتباعه.
فكيف يمكن لدين الإسلام أن يبيح مثل هذا العمل الخسيس الذي يتنافى مع أبسط مقومات الأخلاق؟
زرنا الحوزة القائمية في إيران فوجدنا السادة هناك يبيحون إعارة الفروج، وممن أفتى بإباحة ذلك السيد لطف الله الصافي وغيره ولذا فإن موضوع إعارة الفرج منتشر في عموم إيران، واستمر العمل به حتى بعد الإطاحة بالشاه محمّد رضا بـهلوي ومجيء آية الله العظمى الإمام الخميني الموسوي، وبعد رحيل الإمام الخميني أيضاً استمر العمل عليه، وكان هذا أحد الأسباب(1) التي أدت إلى فشل أول دولة شيعية في العصر الحديث، كان الشيعة في عموم بلاد العالم يتطلعون إليها، مما حدا بمعظم السادة إلى التبرء منها، بل ومهاجمتها أيضاً، فهذا صديقنا العلامة السيد موسى الموسوي سماها (الثورة البائسة) وألف كتباً وبحوثاً ونشر مقالات في مهاجمتها وبيان أخطائها.
وقال السيد جواد الموسوي: إن الثورة الإسلامية في إيران ليس لها من الإسلام إلا الاسم.
وكان آية الله العظمى السيد محمّد كاظم شريعتمداري من أشد المعارضين لها لما رآه من انحراف واضح عن جادة الإسلام.
وهناك كثير من السادة ممن أعرفهم معرفة شخصية انتقدوا حكومة الإمام الخميني ونفروا منها.

*رمانه رويانه*
ومما يؤسف له أن السادة هنا أفتوا بجواز إعارة الفرج، وهناك كثير من العوائل في جنوب العراق وفي بغداد في منطقة الثورة ممن يمارس هذا الفعل بناء على فتاوى كثير من السادة منهم السيستاني والصدر والشيرازي والطباطبائي والبروجردي وغيرهم، وكثير منهم إذا حل ضيفاً عند أحد استعار منه امرأته إذا رآها جميلة، وتبقى مستعارة عنده حتى مغادرته.
إن الواجب أن نحذر العوام من هذا الفعل الشنيع، وأن لا يقبلوا فتاوى السادة بإباحة هذا العمل المقزز الذي كان للأصابع الخفية التي تعمل من وراء الكواليس الدور الكبير في دسه في الدين ونشره بين الناس.
ولم يقتصر الأمر على هذا، بل أباحوا اللواطة بالنساء ورووا أيضاً روايات نسبوها إلى الأئمة سلام الله عليهم، فقد روى الطوسي عن عبد الله بن أبي اليعفور قال: (سألت أبا عبد الله  عن الرجل يأتي المرأة من دبرها قال: لا بأس إذا رضيت، قلت: فأين قول الله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ فقال: هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله، إن الله تعالى يقول: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (الاستبصار 3/243).
وروى الطوسي أيضاً عن موسى بن عبد الملك عن رجل قال: (سألت أبا الحسن الرضا  عن إتيان الرجل المرأة من خلفها في دبرها فقال: أحلتها آية من كتاب الله قول لوط : هَـؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فقد علم أنـهم لا يريدون الفرج) (الاستبصار 3/243).
وروى الطوسي عن علي بن الحكم قال: سمعت صفوان يقول: قلت للرضا : (إن رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيى منك أن يسألك، قال: ما هي؟ قال: للرجل أن يأتي امرأته في دبرها؟ قال: نعم ذلك له) المصدر السابق.
لا شك أن هذه الأخبار معارضة لنص القرآن، إذ يقول الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ، فلو كان إتيان الدبر مباحاً لأمر اعتزال الفرج فقط ولقال (فاعتزلوا فروج النساء في المحيض).
ولكن لما كان الدبر محرماً إتيانه أمر باعتزال الفروج والأدبار في محيض النساء بقوله: وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ.
ثم بين الله تعالى بعد ذلك من أين يأتي الرجل امرأته فقال تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ .
والله تعالى أمر بإتيان الفروج فقال: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ، والحرث هو موضع طلب الولد.
إن رواية أبي اليعفور عن أبي عبد الله مفهومها أن طلب الولد يكون في الفروج لقوله في قوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ هذا في طلب الولد، فمفهوم الرواية تخصيص الفروج لطلب الولد، وأما قضاء الوطر والشهوة فهو في الأدبار، وسياق الرواية واضح في إعطاء هذا المفهوم.
وهذا غلط لأن الفروج ليست مخصصة لطلب الولد فقط بل لقضاء الوطر والشهوة أيضاً، وهذا واقع العشرة بين الأزواج من لدن آدم  وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأبو عبد الله أجل وأرفع من أن يقول هذا القول الباطل. ولو افترضنا جواز إتيان الدبر لما كان هناك معنى للآية الكريمة فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ لأنه قد علم -على الافتراض المذكور- أن الإتيان يكون في القبل والدبر وليس هناك موضع ثالث يمكن إتيانه.
فلم يبق أي معنى للآية ولا للأمر الوارد فيها.
ولكن لما كان أحد الموضعين محرماً لا يجوز إتيانه، والآخر حلالاً احتيج إلى بيان الموضع الذي يجب أن يؤتى، فكان أمر الله تعالى بإتيان الحرث، والحرث هو موضع طلب الولد وهذا الموضع يؤتى لطلب الولد ولقضاء الوطر أيضاً.
أما الرواية المنسوبة إلى الرضا  في إباحة اللواطة بالنساء واستدلاله بقولة لوط .
أقول: إن تفسير الآية قول الله تعالى: هَـؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ، قد ورد في آية أخرى في قوله تعالى: وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ، وقطع السبيل لا يعني ما يفعله قطاع الطرق وحدهم .. لا، وإنما معناه أيضاً قطع النسل بالإتيان في غير موضع طلب الولد أي في الأدبار، فلو استمر الناس في إتيان الأدبار -أدبار الرجال والنساء- وتركوا أيضاً طلب الولد لانقرضت البشرية وانقطع النسل.
فالآية الكريمة تعطي هذا المعنى أيضاً وبخاصة إذا لاحظنا سياق الآية مما قبلها. ولا مرية أن هذا لا يخفى على الإمام الرضا  فثبت بذلك كذب نسبة تلك الرواية إليه.
إن إتيان النساء في أدبارهن لم يقل به إلا الشيعة وبالذات الإمامية الاثنا عشرية.
اعلم أن جميع السادة في حوزة النجف والحوزات الأخرى بل وفي كل مكان يمارسون هذا الفعل.
وكان صديقنا الحجة السيد أحمد الوائلي يقول بأنه منذ أن اطلع على هذه الروايات بدأ ممارسة هذا الفعل وقليلاً ما يأتي امرأة في قبلها.
وكلما التقيت واحداً من السادة وفي كل مكان فإني أسأله في حرمة إتيان النساء في الأدبار أو حله فيقول لي بأنه حلال ويذكر الروايات في حليتها منها الروايات التي تقدمت الإشارة إليها.
ولم يكتفوا بإباحية اللواطة بالنساء بل أباح كثير منهم حتى اللواطة بالذكور وبالذات المردان. كنا أحد الأيام في الحوزة فوردت الأخبار بأن سماحة السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي قد وصل بغداد، وسيصل إلى الحوزة ليلتقي سماحة الإمام آل كاشف الغطاء. وكان السيد شرف الدين قد سطع نجمه عند عوام الشيعة وخواصهم، خاصة بعد أن صدر بعض مؤلفاته كالمراجعات، والنص والاجتهاد.
ولما وصل النجف زار الحوزة فكان الاحتفاء به عظيماً من قبل الكادر الحوزي علماء وطلاباً وفي جلسة له في مكتب السيد آل كاشف الغطاء ضمت عدداً من السادة وبعض طلاب الحوزة، وكنت أحد الحاضرين، وفي أثناء هذه الجلسة دخل شاب في عنفوان شبابه فسلم فرد الحاضرون السلام، فقال للسيد آل كاشف الغطاء:
سيد عندي سؤال، فقال له السيد: وجه سؤالك إلى السيد شرف الدين
-فأحاله إلى ضيفه السيد شرف الدين تقديراً وإكراماً له-
قال السائل: سيد أنا أدرس في لندن للحصول على الدكتوراه، وأنا ما زلت أعزب غير متزوج، وأريد امرأة تعينني هناك -لم يفصح عن قصده أول الأمر- فقال له السيد شرف الدين:تزوج ثم خذ زوجتك معك.
فقال الرجل: صعب علي أن تسكن امرأة من بلادي معي هناك.
فعرف السيد شرف الدين قصده فقال له: تريد أن تتزوج امرأة بريطانية إذن؟
قال الرجل: نعم، فقال له شرف الدين: هذا لا يجوز، فالزواج باليهودية أو النصرانية حرام.
فقال الرجل: كيف أصنع إذن؟
فقال له السيد شرف الدين: ابحث عن مسلمة مقيمة هناك عربية أو هندية أو أي جنسية أخرى بشرط أن تكون مسلمة.
فقال الرجل: بحثت كثيراً فلم أجد مسلمات مقيمات هناك تصلح إحداهن زوجة لي، وحتى أردت أن أتمتع فلم أجد، وليس أمامي خيار إما الزنا وإما الزواج وكلاهما متعذر علي.
أما الزنا فإني مبتعد عنه لأنه حرام، وأما الزواج فمتعذر علي كما ترى وأنا أبقى هناك سنة كاملة أو أكثر ثم أعود إجازة لمدة شهر، وهذا كما تعلم سفر طويل فماذا أفعل؟
سكت(1) السيد شرف الدين قليلاً ثم قال: إن وضعك هذا محرج فعلاً .. على أية حال أذكر أني قرأت رواية للإمام جعفر الصادق ، إذ جاءه رجل يسافر كثيراً ويتعذر عليه اصطحاب امرأته أو التمتع في البلد الذي يسافر إليه بحيث أنه يعاني مثلما تعاني أنت، فقال له أبو عبد الله : (إذا طال بك السفر فعليك بنكح الذكر)(2) هذا جواب سؤالك.
خرج الرجل وعليه علامات الارتياب من هذا الجواب، وأما الحاضرون ومنهم السيد زعيم الحوزة فلم ينبس أحد منهم ببنت شفة.
ضبط أحد السادة في الحوزة وهو يلوط بصبي أمرد من الدارسين في الحوزة. وصل الخبر إلى أسماع الكثيرين، وفي اليوم التالي بينما كان السيد المشار إليه يتمشى في الرواق، اقترب منه سيد آخر من علماء الحوزة أيضاً- وكان قد بلغه الخبر -فخاطبه بالفصحى مازحاً: سيد ما تقول في ضرب الحلق(2)؟
فأجابه السيد الأول بمزاح أشد قائلاً له وبالفصحى أيضاً: يستحسن إدخال الحشفة فقط، وقهقه الاثنان بقوة!!؟؟
وهناك سيد من علماء الحوزة مشهور باللواطة، رأى صبياً يمشي مع سيد آخر من علماء الحوزة أيضاً، فسأله: من هذا الصبي الذي معك؟
فأجابه: هذا ابني فلان.
فقال له: لم لا ترسله إلينا لنقوم بتدريسه وتعليمه كي يصبح عالماً مثلك؟
فأجابه ساخراً: أيها السافل الحقير أتريد أن آتيك به لتفعل به (كذا وكذا)!؟
وهذه الحادثة حدثني بـها أحد الثقات من أساتذة الحوزة(3).
لقد رأينا الكثير من هذه الحوادث، وما سمعناه أكثر بكثير حتى إن صديقنا المفضال السيد عباس جمع حوادث كثيرة جداً ودونـها بتفاصيلها وتواريخها وأسماء أصحابـها، وهو ينوي إصدارها في كتاب أراد أن يسميه (فضائح الحوزة العلمية في النجف) لأن الواجب كشف الحقائق للعوام من الشيعة أولئك المساكين الذين لا يعلمون ما يجري وراء الكواليس، ولا يعلمون ما يفعله السادة، فيرسل أحدهم امرأته أو بنته أو أخته لغرض الزيارة أو لطلب الولد أو لتقديم (مراد للحسين) فيستلمها السادة وخاصة إذا كانت جميلة ليفجروا بـها ويفعلوا بـها كل منكر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
*رمانه رويانه*
الخمس
إن الخمس استغل هو الآخر استغلالاً بشعاً من قبل الفقهاء والمجتهدين، وصار مورداً يدر على السادة والمجتهدين أموالاً طائلة جداً، مع أن نصوص الشرع تدل على أن عوام الشيعة في حل من دفع الخمس، بل هو مباح لهم لا يجب عليهم إخراجه، وإنما يتصرفون فيه كما يتصرفون في سائر أموالهم ومكاسبهم، بل إن الذي يدفع الخمس للسادة والمجتهدين يعتبر آثماً لأنه خالف النصوص التي وردت عن أمير المؤمنين وأئمة أهل البيت سلام الله عليهم.
وحتى يقف القارئ اللبيب على حقيقة هذا الخمس وكيفية التصرف فيه سنستعرض موضوع الخمس وتطوره تاريخياً، وندعم بذلك نصوص الشرع وأقوال الأئمة وفتاوى المجتهدين الذين يعتد بـهم ويعول على كلامهم.
1- عن ضريس الكناني قال أبو عبد الله : من أين دخل على الناس الزنا؟
قلت لا أدري جعلت فداك، قال من قبل خمسنا أهل البيت إلا شيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم لميلادهم (أصول الكافي 2/502) شرح الشيخ مصطفى.
2- عن حكيم مؤذن بن عيسى قال: سألت أبا عبد الله  عن قوله تعالى:
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ، فقال أبو عبد الله  بمرفقيه على ركبتيه ثم أشار بيده فقال: (هي والله الإفادة يوماً بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكوا) (الكافي 2/499).
3- عن عمر بن يزيد قال: رأيت مسمعاً بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله تلك السنة مالا فرده أبو عبد الله .. إلى أن قال: يا أبا سيار قد طيبناه لك، وأحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا) (أصول الكافي 2/268).
4- عن محمّد بن مسلم عن أحدهما  قال: إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي، وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولاداتـهم ولتزكوا ولاداتـهم (أصول الكافي 2/502).
5- عن أبي عبد الله  قال: (إن الناس كلهم يعيشون في فضل مظلتنا إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك) (من لا يحضره الفقيه 2/243).
6- عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله  فدخل عليه رجل من القناطين فقال: (جعلت فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات ونعرف أن حقكم فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون، فقال : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك) (من لا يحضره الفقيه 2/23).
7- عن علي بن مهزيار أنه قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر  جاءه رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب  بخطه: (من أعوزه شيء من حقي فهو في حل) (من لا يحضره الفقيه 2/23).
8- جاء رجل إلى أمير المؤمنين ، قال: أصبت مالاً أرمضت فيه أفلي توبة؟ قال: (اتني بخمسي، فأتاه بخمسه، فقال : هو لك إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه) (من لا يحضره الفقيه 2/22).
فهذه الروايات وغيرها كثير صريحة في إعفاء الشيعة من الخمس وإنـهم في حل من دفعه فمن أراد أن يستخلصه لنفسه أو أن يأكله ولا يدفع منه لأهل البيت شيئاً فهو في حل من دفعه وله ما أراد ولا إثم عليه، بل لا يجب عليهم الدفع حتى يقوم القائم كما في الرواية الثالثة.
ولو كان الإمام موجوداً فلا يعطى له حتى يقوم قائم أهل البيت، فكيف يمكن إذن إعطاؤه للفقهاء والمجتهدين؟!
فتاوى الفقهاء المعتمدين في إعفاء الشيعة من دفع الخمس.
بناء على النصوص المتقدمة وعلى غيرها كثير المصرحة بإعفاء الشيعة من دفع الخمس صدرت فتاوى من كبار الفقهاء والمجتهدين ممن لهم باع في العلم واحتلوا مكانة رفيعة بين العلماء، في إباحة الخمس للشيعة وعدم دفعه لأي شخص كان حتى يقوم قائم أهل البيت:
1- المحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن المتوفى (676هـ).
أكد ثبوت إباحة المنافع والمساكن والمتجر حال الغيبة وقال: لا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منها (انظر كتاب شرائع الإسلام 182-183 كتاب الخمس ).
2- يحيى بن سعيد الحلي المتوفى (690هـ).
مال إلى نظرية إباحة الخمس وغيره للشيعة كرماً من الأئمة وفضلاً كما في (كتابه الجامع للشرائع ص151).
3- الحسن بن المطهر الحلي الذي عاش في القرن الثامن أفتى بإباحة الخمس للشيعة وإعفائهم من دفعه كما في (كتاب تحرير الأحكام 75).
4- الشهيد الثاني المتوفى (966هـ) قال في (مجمع الفائدة والبرهان 4/355-358) ذهب إلى إباحة الخمس بشكل مطلق وقال: إن الأصح هو ذلك كما في كتاب (مسالك الأفهام 68).
5- المقدس الأردبيلي المتوفى (993هـ) وهو أفقه فقهاء عصره حتى لقبوه بالمقدس قال بإباحة مطلق التصرف في أموال الغائب للشيعة خصوصاً مع الاحتياج، وقال: إن عموم الأخبار تدل على السقوط بالكلية في زمان الغيبة والحضور بمعنى عدم الوجوب والحتم لعدم وجود دليل قوي على الأرباح والمكاسب ولعدم وجود الغنيمة.
قلت: وقوله هذا مستنبط من قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ ، ثم بين أن هناك روايات عن المهدي تقول أبحنا الخمس للشيعة.
6- العلامة سلار قال: إن الأئمة قد أحلوا الخمس في زمان الغيبة فضلاً وكرماً للشيعة خاصة انظر كتاب (المراسيم 633).
7- السيد محمّد علي طباطبائي المتوفى أول القرن الحادي عشر قال: إن الأصح هو الإباحة (مدارك الأفهام 344).
8- محمّد باقر السبزواري المتوفى أواخر القرن الحادي عشر قال:
المستفاد من الأخبار الكثيرة في بحث الأرباح كصحيحة الحارث بن المغيرة وصحيحة الفضلاء ورواية محمّد بن مسلم ورواية داود بن كثير ورواية إسحاق بن يعقوب ورواية عبد الله بن سنان وصحيحة زرارة وصحيحة علي بن مهزيار وصحيحة كريب: إباحة الخمس للشيعة.
وتصدى للرد على بعض الإشكاليات الواردة على هذا الرأي وقال: إن أخبار الإباحة أصح وأصرح فلا يسوغ العدول عنها بالإخبار المذكورة.
وبالجملة فإن القول بإباحة الخمس في زمان الغيبة لا يخلو من قوة انظر (كتاب ذخيرة المعاد 292).
9- محمّد حسن الفيض الكاشاني في كتابه مفاتيح الشريعة (229) مفتاح (260) اختار القول بسقوط ما يختص بالمهدي، قال: لتحليل الأئمة ذلك للشيعة.
10- جعفر كاشف الغطاء المتوفى (1227هـ) في كشف الغطاء (364): ذكر إباحة الأئمة للخمس وعدم وجوب دفعه إليهم.
11- محمّد حسن النجفي المتوفى (1266) في (جواهر الكلام 16/141).
قطع بإباحة الخمس للشيعة في زمن الغيبة بل والحضور الذي هو كالغيبة، وبين أن الأخبار تكاد تكون متواترة.
12- ونختم بالشيخ رضا الهمداني المتوفى (1310هـ) في كتابه مصباح الفقيه
(155): فقد أباح الخمس حال الغيبة، والشيخ الهمداني هذا متأخر جداً قبل حوالي قرن من الزمان أو أكثر.
وهكذا نرى أن القول بإباحة الخمس للشيعة وإعفائهم من دفعه هو قول مشتهر عند كل المجتهدين المتقدمين منهم والمتأخرين، وقد جرى العمل عليه إلى أوائل القرن الرابع عشر فضلاً عن كونه مما وردت النصوص بإباحته، فكيف يمكن والحال هذه دفع الخمس إلى الفقهاء والمجتهدين؟، مع أن الأئمة سلام الله عليهم رفضوا الخمس وأرجعوه إلى أصحابه وأعفوهم من دفعه، أيكون الفقهاء والمجتهدون أفضل من الأئمة سلام الله عليهم؟
إن فتاوى إباحة الخمس للشيعة لا تقتصر على هؤلاء الذين ذكرنا من الفقهاء والمجتهدين لا وإنما هناك أضعاف هذا العدد الذي ذكرنا وعلى مر هذه القرون ولكننا اخترنا من كل قرن واحداً من الفقهاء القائلين بعدم دفع الخمس لكي يتضح لنا أن القول بعدم وجوب الخمس قد قال به كثير من الفقهاء وعلى مر الزمان لأنه هو القول الراجح في المسألة، ولموافقته للنصوص وعمل الأئمة عليهم السلام.
ولنأخذ فتوتيين لعلمين من أعلام المنهج الشيعي هما: الشيخ المفيد والشيخ الطوسي، قال الشيخ المفيد:
قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك -أي الخمس- عند الغيبة، وقد ذهب كل فريق منهم إلى مقال (ثم يذكر عدد المقالات) منها قوله:
منهم من يسقط قول إخراجه لغيبة الإمام(1)، وما تقدم من الرخص فيه من الأخبار. وبعضهم يوجب كنـزه -أي دفنه- ويتأول خبراً ورد: (إن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام، وأنه  إذا قام دله الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان).
ثم يختار قولاً منها فيقول:
بعزل الخمس لصاحب الأمر -يعني المهدي- فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام، إن أدرك قيامه، وإلا وصى به إلى من يقوم مقامه بالثقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يقوم الإمام، قال: وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم، لأن الخمس حق لغائب لم يرسم فيه قبل غيبة رسماً يجب الانتهاء إليه.
ثم قال: ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يقدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند ذلك سقوطها، وقال: إذا ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه من شطر الخمس الذي هو خالص الإمام، وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمّد وأبناء سبيلهم مساكينهم على ما جاء في القرآن.
قال: فمن فعل هذا لم تبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على صواب، وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب انظر (المقنعة 46).
وقال الشيخ الطوسي المتوفى (460ه_) مؤسس الحوزة النجفية وأول زعيم لها: بعد أن ذكر أحكام الخمس قال: هذا في حال ظهور الإمام(1).
ثم قال: فأما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من المناكح والمتجر والمساكن.
فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال، وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة، فقد اختلف قول أصحابنا فيه وليس نص معين(2)، إلا أن كل واحد منهم -أي فقهاء الشيعة- قال قولاً يقتضيه الاحتياط.
ثم حصر الطوسي هذه الأقوال في أربعة:
1- قال بعضهم أنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر -يعني طالما كان الإمام غائباً أو مستتراً فكل شيء مباح- وهذا هو أصح الأقوال لأنه موافق للنصوص الواردة عن الأئمة، وبه قال كثير من الفقهاء.
2- وقال قوم أنه يجب الاحتفاظ به أو حفظه ما دام الإنسان حياً، فإذا حضرته الوفاة وصى به إلى من يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلمه إلى صاحب الأمر إذا حضر، أو يوصى به حسبما وصى به إلى أن يوصله إلى صاحب الأمر.
3- وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام، ثلاثة أقسام للإمام تدفن أو تودع عند من يوثق به، وهذا القول قد اختاره الطوسي.
والأقسام الثلاثة الأخرى وتوزع على مستحقيها من أيتام آل محمّد صلى الله عليه وآله ومساكنهم وأبناء سبيلهم، وهذا مما ينبغي العمل عليه.
وهذا القول مطابق لفتوى المفيد في قياس الخمس على الزكاة.
ثم يقول: (ولو إن الإنسان استعمل الاحتياط وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من إجزاء الدفن أو الوصاة لم يكن مأثوماً) انتهى بتصرف يسير.
لقد حصر الشيخ الطوسي التصرف في الخمس حال الغيبة في هذه الأقوال الأربعة المتقدمة واختار هو القول الرابع منها(1)، وبين أن الإنسان إذا اختار أي قول من هذه الأقوال وعمل به لم يكن آثماً.
ونحن نلاحظ هذه الأقوال الأربعة، فهي وإن اختلف بينها في بعض التفاصيل لكنها أجمعت على شيء واحد نحن بصدد بيانه وهو أن هذه الأموال -أي الخمس- التي هي حق الإمام الغائب أو حق غيره لا تصرف للسادة ولا المجتهدين.
ورغم أن الأقوال الأربعة المتقدمة اختلفت من جهة صرف أموال الخمس، إلا أنـها ليس فيها تلميح فضلاً عن التصريح بوجوب أو إباحة إعطاء الخمس أو جزء منه للسادة والمجتهدين.
إن القول الرابع والذي اختاره الشيخ الطوسي هو الذي كان عليه الشيعة، والطوسي كما لا يخفى هو مؤسس الحوزة العلمية وهو شيخ الطائفة.
ترى أكان الشيخ وجماهير الشيعة في عصره وقبله وبعده مخطئين؟
فهذه فتوى أول زعيم للحوزة العلمية النجفية.
ولنر فتوى آخر زعيم للحوزة نفسها مولانا الإمام الراحل أبي القاسم الخوئي ليتضح لنا أن الفتوى بين أول زعيم للحوزة، وفتوى آخر زعيم لها.
قال الإمام الخوئي في بيان مستحق الخمس ومصرفه:
يقسم الخمس في زماننا زمان الغيبة نصفين:
نصف لإمام العصر الحجة المنتظر (عج)(1)، وجعل أرواحنا فداه.
ونصف لبني هاشم أيتامهم ومساكينهم وأبناء السبيل .. إلى أن قال:
النصف الذي يرجع للإمام عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام، يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه، إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه .. الخ انظر كتاب (ضياء الصالحين مسألة 1259 ص347)، إن فتوى الإمام الخوئي تختلف عن فتوى الشيخ الطوسي، فالشيخ الطوسي لا يقول بإعطاء الخمس أو شيء منه إلى الفقيه المجتهد وقد عمل بنص فتواه جماهير الشيعة المعاصرون له.
بينما نرى فتوى مولانا الراحل الإمام الخوئي تنص على إعطاء الخمس أو جزء منه للفقيه والمجتهد.
*رمانه رويانه*
ملخص تطور نظرية الخمس
القول الأول:
بعد انقطاع سلسلة الإمامة وغيبة الإمام المهدي هو أن الخمس من حق الإمام الغائب، وليس لفقيه ولا سيد ولا مجتهد حق فيه، ولهذا ادعى أكثر من عشرين شخصاً النيابة عن الإمام الغائب، من أجل أن يأخذوا الخمس فقالوا: نحن نلتقي الإمام الغائب، ويمكننا إعطاؤه أخماس المكاسب التي ترد.
وكان هذا في زمن الغيبة الصغرى، وبقي بعدها مدة قرن أو قرنين من الزمان، ولم يكن الخمس يعطى للمجتهد أو السيد، وفي هذه الفترة ظهرت الكتب الأربعة المعروفة بالصحاح الأربعة الأولى، وكلها تنقل عن الأئمة إباحة الخمس للشيعة وإعفاءهم منه.
ولم تكن هناك أية فتوى في إعطاء الأخماس للسادة والمجتهدين.
القول الثاني:
ثم تطور الأمر، بعد أن كان الشيعة في حل من دفع الخمس في زمن الغيبة كما سبق بيانه؛ تطور الأمر فقالوا بوجوب إخراج الخمس، إذا أراد أصحاب الأغراض التخلص من القول الأول، فقالوا يجب إخراج الخمس على أن يدفن في الأرض حتى يخرج الإمام المهدي.
القول الثالث:
ثم تطور الأمر فقالوا يجب أن يودع عند شخص أمين، وأفضل من يقع عليه الاختيار لهذه الأمانة هم فقهاء المذهب، مع التنبيه على أن هذا للاستحباب وليس على سبيل الحتم والإلزام، ولا يجوز للفقيه أن يتصرف به بل يحتفظ به حتى يوصله إلى المهدي.
وهنا ترد ملاحظة مهمة وهي:
من الفقهاء من حفظ الأموال المودعة عنده، ثم بعد موته قال ذووه عنها لنا أموال مودعة عنده يجب أن تودع عند من يأتي بعده؟
لا شك أن الجواب الصحيح هو: لا يوجد مثل هذا الشخص، ولم نسمع أو نقرأ عن شخص كهذا ثبت أن أموال الناس -أعني الخمس- كانت مودعة عنده ثم انتقلت إلى من يأتي بعده.
والصواب: إن كل من أودعت عندهم الأموال جاء ورثتهم فاقتسموا تلك الأموال بينهم على أنـها مال موروث من آبائهم، فذهب خمس الإمام إلى ورثة الفقيه الأمين، هذا إذا كان الفقيه أميناً ولم يستخلص ذلك المال لنفسه!!.
ومن الجدير بالذكر أن القاضي ابن بـهراج أو براج طور هذا الأمر من الاستحباب إلى الوجوب، فكان أول من قال بضرورة إيداع سهم الإمام عند من يوثق به من الفقهاء والمجتهدين حتى يسلمه إلى الإمام الغائب إن أدركه، أو يوصي به إلى من يثق به ممن يأتي بعده ليسلمه للإمام. وهذا منصوص عليه في كتاب (المهذب 8/80) وهذه خطوة مهمة جداً.
القول الرابع:
ثم جاء العلماء المتأخرون فطوروا المسألة شيئاً فشيئاً، حتى كان التطور قبل الأخير فقالوا بوجوب إعطاء الخمس للفقهاء لكي يقسموه بين مستحقيه من الأيتام والمساكين من أهل البيت، والمرجح أن الفقيه ابن حمزة هو أول من مال إلى هذا القول في القرن السادس، كما نص على ذلك في كتاب (الوسيلة في نيل الفضيلة 182) واعتبر هذا أفضل من قيام صاحب الخمس بتوزيعه بنفسه وبخاصة، إذا لم يكن يحسن القسمة.

القول الخامس:
واستمر التطور شيئاً فشيئاً في الأزمنة المتأخرة -وقد يكون قبل قرن من الزمان- حتى جاءت الخطوة الأخيرة فقال بعض الفقهاء بجواز التصرف بسهم الإمام في بعض الوجوه التي يراها الفقيه مثل الأنفاق على طلبة العلم، وإقامة دعائم الدين وغير ذلك، كما أفتى به السيد محسن الحكيم في مستمسك (العروة الوثقى 9/584).
هذا مع قوله: بعدم الحاجة في الرجوع إلى الفقيه في صرف حصة الإمام.
وهذا يعني أن صرف حصة الفقيه هي قضية ظهرت في هذه الأزمان المتأخرة جداً، فهم ينظرون إلى واقعهم فيرون مدارسهم ومطابعهم وما تحتاجه من نفقات.
وكذلك ينظرون في حاجاتـهم الشخصية، فكيف يمكنهم معالجة هذا كله وتسديد هذه الحاجات؟ علماً أن هذا يتطلب مبالغ طائلة.
فكانت نظرتـهم إلى الخمس كأفضل مورد يسد حاجاتـهم كلها، ويحقق لهم منافع شخصية وثروات ضخمة جداً، كما نلاحظه اليوم عند الفقهاء والمجتهدين.
إن القضية مرت في أدوار وتطورات كثيرة، حتى استقرت أخيراً على وجوب إعطاء أخماس المكاسب للفقهاء والمجتهدين، وبذلك يتبين لنا أن الخمس لم ينص عليه كتاب ولا سنة ولا قول إمام، بل هو قول ظهر في الزمن المتأخر، قاله بعض المجتهدين، وهو مخالف للكتاب والسنة وأئمة أهل البيت ولأقوال وفتاوى الفقهاء والمجتهدين والمعتد بـهم.
وإني أهيب بإخواني وأبنائي الشيعة أن يمتنعوا عن دفع أخماس مكاسبهم وأرباحهم إلى السادة المجتهدين، لأنـها حلال لهم هم وليس للسيد أو الفقيه أي حق فيها، ومن أعطى الخمس إلى المجتهد أو الفقيه فإنه يكون قد ارتكب إثماً لمخالفته لأقوال الأئمة إذ أن الخمس ساقط عن الشيعة حتى يظهر القائم.
وأرى من الضروري أن أذكر قول آية الله العظمى الإمام الخميني في المسألة، فإنه كان قد تحدث عنها في محاضرات ألقاها على مسامعنا جميعاً في الحوزة عام
(1389هـ)، ثم جمعها في كتاب الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه:
فكان مما قال: يا لقصر النظر لو قلنا إن تشريع الخمس جاء لتأمين معايش ذرية الرسول صلى الله عليه وآله فحسب.
أنه يكفيهم ويزيدهم جزء ضليل من آلاف -كذا قال- جزء من هذه المالية الضخمة، بل تكفيهم أخماس سوق واحد كسوق بغداد مثلاً من تلك الأسواق التجارية الضخمة كسوق طهران ودمشق وإسلام بول وما أشبه ذلك، فماذا يصبح حال بقية المال؟.
ثم يقول: إنني أرى الحكم الإسلامي العادل لا يتطلب تكاليف باهظة في شؤون تافهة أو في غير المصالح العامة.
ثم يقول: لم تكن ضريبة الخمس جباية لتأمين حاجة السادة آل الرسول صلى الله عليه وآله فحسب، أو الزكاة تفريقاً على الفقراء والمساكين، وإنما تزيد على حاجاتـهم بأضعاف.
فهل بعد ذلك يترك الإسلام جباية الخمس والزكاة وما أشبه نظراً إلى تأمين حاجة السادة والفقراء، أو يكون مصير الزائد طعمة في البحار أو دفناً في التراب أو نحو ذلك؟
كان عدد السادة ممن يجوز لهم الارتزاق بالخمس يوم ذاك -يعني في صدر الإسلام- لم يتجاوز المائة، ولو نفرض عددهم نصف مليون، هل من المعقول أن نتصور اهتمام الإسلام بفرض الخمس هذه المالية الضخمة، التي تتضخم وتزداد في تضخمها كلما توسعت التجارة والصناعات كما هي اليوم كل ذلك لغاية إشباع آل الرسول صلى الله عليه وآله؟
كلا انظر كتابه المذكور (1/39-40-42) طبعة مطبعة الآداب في النجف.
إن الإمام الخميني يصرح بأن أموال الخمس ضخمة جداً، هذا في ذلك الوقت لما كان الإمام يحاضر في الحوزة، فكم هي ضخمة إذن في يومنا هذا؟
ويصرح الإمام أيضاً أن جزءاً واحداً من آلاف الأجزاء من هذه المالية الضخمة يكفي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، فماذا يفعل بالأجزاء الكثيرة المتبقية؟؟.
لا بد أن توزع على الفقهاء والمجتهدين حسب مفهوم قول الإمام الخميني.
ولهذا فإن الإمام الخميني كان ذا ثروة ضخمة جداً في إقامته في العراق حتى أنه لما أراد السفر إلى فرنسا للإقامة فيها فإنه حول رصيده ذلك من الدينار العراقي إلى الدولار الأمريكي وأودعه في مصارف باريس بفوائد مصرفية ضخمة.
إن فساد الإنسان يأتي من طريقين: الجنس والمال، وكلاهما متوافر للسادة.
فالفروج والأدبار عن طريق المتعة وغيرها. والمال عن طريق الخمس وما يلقى في العتبات والمشاهد، فمن منهم يصمد أمام هذه المغريات، وبخاصة إذا علمنا أن بعضهم ما سلك هذا الطريق إلا من أجل إشباع رغباته في الجنس والمال؟؟!!.
تنبيه:
لقد بدأ التنافس بين السادة والمجتهدين للحصول على الخمس، ولهذا بدأ كل منهم بتخفيض نسبة الخمس المأخوذة من الناس حتى يتوافد الناس إليه أكثر من غيره فابتكروا أساليب شيطانية، فقد جاء رجل إلى السيد علي السيستاني فقال له:
إن الحقوق -الخمس- المترتبة علي خمسة ملايين، وأنا أريد أن أدفع نصف هذا المبلغ أي أريد أن أدفع مليونين ونصف فقط، فقال له السيد السيستاني: هات المليونين والنصف، فدفعها إليه الرجل، فأخذها منه السيستاني، ثم قال له: قد وهبتها لك -أي ارجع المبلغ إلى الرجل- فأخذ الرجل المبلغ، ثم قال له السيستاني: أدفع المبلغ لي مرة ثانية، فدفعه الرجل إليه، فقال له السيستاني: صار الآن مجموع ما دفعته إلي من الخمس خمسة ملايين فقد برأت ذمتك من الحقوق. فلما رأى السادة الآخرون ذلك، قاموا هم أيضاً بتخفيض نسبة الخمس واستخدموا الطريقة ذاتـها بل ابتكروا طرقاً أخرى حتى يتحول الناس إليهم، وصارت منافسة (شريفة!) بين السادة للحصول على الخمس، وصارت نسبة الخمس أشبه بالمناقصة وكثير من الأغنياء قام بدفع الخمس لمن يأخذ نسبة أقل.
ولما رأى زعيم الحوزة أن المنافسة على الخمس صارت شديدة، وأن نسبة ما يرده هو من الخمس صارت قليلة، أصدر فتواه بعدم جواز دفع الخمس لكل من هب ودب من السادة، بل لا يدفع إلا لشخصيات معدودة وله حصة الأسد أو لوكلائه الذين وزعهم في المناطق.
وبعد استلامه هذه الأموال، يقوم بتحويلها إلى ذهب بسبب وضع العملة العراقية الحالية، حيث يملك الآن غرفتين مملوءتين بالذهب.
وأما ما يسرقه الوكلاء دون علم السيد فحدث ولا حرج.
قال أمير المؤمنين : (طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، أولئك اتخذوا الأرض بساطاً وترابـها فراشاً، وماءها طيباً والقرآن شعاراً والدعاء دثاراً، ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح .. إن داود  قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنـها ساعة لا يدعو فيها عبداً إلا استجيب له، إلا أن يكون عشاراً أو عريفاً أو شرطياً) (نـهج البلاغة 4/24) قارن بين كلام الأمير  وبين أحوال السادة واحكم بنفسك، إن هذا النص وغيره من النصوص العظيمة ليس لها أي صدى عند السادة والفقهاء، وحياة الترف والنعيم والبذخ التي يعيشونـها أنستهم زهد أمير المؤمنين، وأعمت أبصارهم عن تدبر كلامه والالتزام بمضمونه.
إن العشار هو الذي يأخذ ضريبة العشر، فلا يستجاب دعاؤه كما قال ، فكيف بالخماس؟ الذي يأخذ الخمس من الناس؟ إن الخماس لا يستجاب له من باب أولى، لأن ما يأخذه من الخمس ضعف ما يأخذه العشار، نسأل الله العافية.
تنبيه آخر:
عرفنا مما سبق أن الخمس لا يعطى للفقهاء ولا المجتهدين، واتضح لنا هذا الأمر من خلال بحث الموضوع من كل جوانبه، ويحسن بنا أن ننبه إلى أن الفقهاء والمراجع الدينية يزعمون أنـهم من أهل البيت فترى أحدهم يروي لك سلسلة نسبه إلى الكاظم . اعلم أنه يستحيل أن يكون هذا الكم الهائل من فقهاء العراق وإيران وسورية ولبنان ودول الخليج والهند وباكستان وغيرها من أهل البيت، ومن أحصى فقهاء العراق وجد أن من المحال أن يكون عددهم الذي لا يحصى من أهل البيت، فكيف إذا ما أحصينا فقهاء البلاد الأخرى ومجتهديها؟ لا شك أن عددهم يبلغ أضعافاً مضاعفة، فهل يمكن أن يكون هؤلاء جميعاً من أهل البيت؟؟
وفوق ذلك إن شجرة الأنساب تباع وتشترى في الحوزة، فمن أراد الحصول على شرف النسبة لأهل البيت فما عليه إلا أن يأتي بأخته أو امرأته إذا كانت جميلة إلى أحد السادة ليتمتع بـها، أو أن يأتيه بمبلغ من المال وسيحصل بإحدى الطريقتين على شرف النسبة.
وهذا أمر معروف في الحوزة.
لذلك أقول: لا يغرنكم ما يصنعه بعض السادة والمؤلفين عندما يضع أحدهم شجرة نسبه في الصفحة الأولى من كتابه ليخدع البسطاء والمساكين كي يبعثوا له أخماس مكاسبهم.
وفي ختام مبحث الخمس لا يفوتني أن أذكر قول صديقي المفضال الشاعر البارع المجيد أحمد الصافي النجفي رحمه الله، والذي تعرفت عليه بعد حصولي على درجة الاجتهاد فصرنا صديقين حميمين رغم فارق السن بيني وبينه، إذ كان يكبرني بنحو ثلاثين سنة أو أكثر عندما قال لي: ولدي حسين لا تدنس نفسك بالخمس فإنه سحت، وناقشني في موضوع الخمس حتى أقنعني بحرمته، ثم ذكر لي أبياتاً كان قد نظمها بـهذا الخصوص احتفظت بـها في محفظة ذكرياتي وأنقلها للقراء الكرام بنصها قال رحمه الله:
وكيف يسوغ الشحذ للرجل الشهم
لذاك فإن الجهل خير من العلم
يعيشون من مال الأنام بذا الاسم
لتعطي بذل بل لتؤخذ بالرغم
ولم تكُ في أبناء يعرب من قِدم
عجبت لقوم شحذهم(1) باسم دينهم
لئن كان تحصيل العلوم مسوغاً
وهل كان في عهد النبي عصابة
لئن أوجب الله الزكاة فلم تكن
أتانا بـها أبناء ساسان حرفة