حديث الشيخ(قصة)

الأدب النبطي والفصيح




هذه ليست قصة أدبية ولا خيالية ، بل واقعية. قصة دارت أحداثها في الزمن الماضي ،ولازلت تظهر لنا بين الحين والآخر في ممرات الحياة ، قصة شخص كان تقيا ورعا يضرب به المثل في التدين ، ورغم ذلك إلا أنه وقع في شباك جارية فارسية ، لعبت بعواطفه ، أفقدته صوابه ، كادت أن تؤدي إلى هلاكه .
قصة فيها العبرة لمن يعتبر ، والموعظة لمن يتعظ .
تتأرجح أنفاسك بين هبوط وصعود وأنت تقرئينها
ترتسم على وجهك ملامح الحزن والألم في البداية
وحينما تصلين إلى النهاية ترين تداعيات ...
لن أكمل ، أنتم من سيكتشف ذلك.

...................
" قال محمد بن إسحاق بن حسن الموصلي نزيل بغداد :
كان صاحبي يسار بن صادق بن عبد ربه البغدادي ، شابًا غلبته نفسه وتمكنت منه شهوته ، فانصرف عن أمور آخرته إلى دنياه ، وعن التجارة الرابحة إلى التجارة الخاسرة ، وعن مدارج السالكين العارفين ، إلى مباذل الغافلين الخاسرين ..!!
ولم يكن من قبل هذا حاله ، وما كان أحد من أصحابه يظن أنه إلى هذا سيكون مآله ، لأنه كان قد نشأ في طاعة الله ، واشتهر بورعه وتقاه ، حتى عرف بين أقرانه بالراهب ، وسمَّاه بعضهم :" حمامة المسجد " هذا ما ذكره لنا الشيخ الثقة أبو العرفان ، وبالله تعالى التوفيق .
وسبحان الله ، ثم سبحان الله ، كيف تتغير النفوس من حال إلى حال ، وكيف تصاب الروح المؤمنة القوية بالهزال ؟! كنت والله أغبط هذا الفتى على ما أوتي من ورع وتقى ، وتوفيق إلى الخير وهو في ريعان الصبا .. فقد قرأ كتب الأولين ، ونال حظًا وافرًا من العلم والدين ، وتأثر بالحسن البصري ومالك وابن دينار ، وطاووس وحبيب العجمي ، رحمهم الله أجمعين .. وقرأ كتب أبي حامد الغزالي حتى قال : ليس من الأحياء من لم يقرأ الإحياء ! ولقد سمعت صاحبه أبا الحسن يقول :
- سيقوم يسار في الآخرين ، مقام عبدالرحمن القس في الأولين .! وكان كثير الصمت ، قليل الكلام ، فإذا تحدَّث ، تحدَّث همسًا أو ما يشبه الهمس ، ولكن حديثه ينفذ إلى القلب ، فيه الحلاوة والطلاوة ، بسحر السامع ويأخذ بلبه ، ويستولي عليه ، فلا يدري أهو أسير حديثه أم أسير محدثه !
وكان قد أسر بأحاديثه هذه ، جارية فارسية يقع بيتها في نهاية سوق الخبازين ، قريبًا من بيت أبي الحسن الورَّاق صاحب المصنفات المعروفة .. أسرها بأحاديثه ، وأسرته بجمالها ورقتها وعذوبة صوتها .. فأخذ يتردد عليها كثيرًا ، حتى ملأت نفسه ، وملكت قلبه ، فشغف بها ، وشغفت به ، فلم تعد تصبر على فراقه يومًا أو بعض يوم !!
ولكنه على ما ينقل الثقات ،قد أمسك بلجام نفسه ، وسيطر على دوافع شهوته ، فلم يطأ محرمًا قط .. وتحدث إلى غير واحد ، أنه كان يذهب إلى بعض مجالس الشباب الخالية ، الذين يسهرون الليل على صوت الدف والغناء وكؤوس الخمر ، ولكنه لا يشربها .
و والله إني لفي حيرة ، كيف استطاعت هذه الجارية الفارسية أن تسحره ، وتستولي عليه ، وتسلبه عقله ولبه ؟! ولكننا لا نستطيع الآن أن نصب عليه اللوم ، ولابد من الرجوع إلى أقوال أهل الخبرة من القوم فقد كان أبو العرفان يصب اللوم الشديد على من صار بها ولهان .. وما إن ترددت الجارية على دكانه عددًا من المرات حتى نظم فيها قصيدة عنوانها " أوقعتني في الحب " .
فإذا كان هذا الرجل ، وهو على ما نعلم من علو القدم ، يقع في هواها ، وينظم قصيدة بمعناها ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، ونعوذ بالله من فتنة النساء .


وبداية القصة ...
91
10K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

فتاة اللغة العربية
الأقفال السبعة :

وبداية القصة ... أنه كان يُعقد في بيت الجارية ، مساء الثلاثاء من كل أسبوع ، مجلس للطرب واللعب والغناء ، وكان يحضره شباب من القوم ، منهم أبو محمود حكيم بن محمود ، وحسَّان بن معيقيب ، وحبيب بن مسعود الجصاص ، وغيرهم ...
وقد تأخر ذات يوم عن الحضور في الوقت المعين ، سعيد بن منصور الذي يقع بيته قريبًا من سوق العطَّارين ، مقابل بيت الشيخ أبي العرفان... وعندما حضر بادره الجميع بقولهم :
- أين كنت ؟
فأجابهم وهو يتخفف من بعض ملابسه ، وعلامات التأثر بادية على وجهه :
- التقيت هذه الليلة بيسار .
وسرت في نفوس القوم هزَّة خفية ، وساد المكان سكونٌ شامل ونظرت الجارية بعينيها اللوزيتين ، وقاربت ما بين حاجبيها ، وسألت .
- ومن يسار هذا ؟
فأجابها حبيب بن مسعود - وكان على صلة قديمة بيسار- :
- أنا أعرف القوم بحاله .
وأخذ يحدثها بكل ما يعرف عنه ، عن علمه وورعه ، وزهده وتواضعه وعن حسنه وأخلاقه وعذوبة منطقه .
وسكت قليلاً ، ثم أضاف قائلاً :
- نظرة واحدة إليه تكفي لاستيعاب كل ما كتبه الزهاد ، فما حوى الكتاب بين دفتيه ، ترينه في هذا الفتى الذي يسير على قدميه .
وتنهَّد حسَّان بن معيقيب وقال :
- ذلك الرجل عرف الطريق إلى ربه .
... فأنصتت الجارية بكل اهتمام ، وأخذت بما سمعت ، وعزمت في قرارة نفسها على أن تحظى به .
كانت غرفة الاستقبال مفروشة بالسجاد العبقري الموشى ، والستائر خضراء تتخللها خيوط صفراء بلون الذهب ، والقناديل الملونة تتدلى من السقف وهي تتمايل سكرى . وفي زوايا الغرفة قناديل أخرى تفوح منها رائحة المسك .
ومالت الجارية برأسها ، وسألت حبيب بن مسعود :
- هل هو متزوج ؟
واستطاع أبو محمود ، وكان حاضر النكتة ، سريع البديهة ، يتقن اللغة التركية ، وعددًا من اللغات الأعجمية ، وكان قد سافر إلى بلاد "شارلمان" وجرتله من الحوادث ما لا يتسع المجال لذكرها ، وكان يتحف الحاضرين بما رأى في تلك البلاد - أن يدرك ما يدور في خلد الجارية ، فقال وهو يضحك :
- لا سبيل لك إلى يسار .
فالتفتت إليه متحدِّية وقالت :
- سوف ترى .
وسكتت قليلاً ثم أضافت :
- وإذا استطعت أن أحضره إلى هنا ؟
فنهض أبو محمود وهو يضحك ، وأخرج ألف دينار ضرب بها المنضدة وهو يقول مشجعًا :
- ما هاهنا لك إذا استطعت أن تفعلي .
فصاح حبيب بن مسعود :
- اتقوا الله ، واتركوا الرجل في عالمه .
واسترسل أبو محمود ضاحكًا وهو يقول :
- سوف يأتي إلى هنا ، سأسقيه الخمر بيدي .
ورفعت الجارية يدها ، تتحسَّس القرط اللؤلئي الذي يزين أذنها ، ثم نادت الخادم ، فأقبل... أحضر لها رقعة ، كتبت عليها شيئًا وطوتها بعناية فائقة ، ولفَّتها في منديلها المعطَّر ، ثم التفتت إلى سعيد بن منصور وقالت :
- أين نجد يسارًا في هذه الساعة ؟
فأجابها وهو يشير بيده :
- رأيته متجهًا إلى بيت القاضي بعد صلاة العشاء .
فنهض حبيب بن مسعود ، واقترب منها يريد أخذ الرقعة من يدها وهو يقول :
- لا تفعلي ، بالله عليك .
ولكنها ضحكت ودفعت يده بيدها اليسرى ، فرّنت الأسورة التي تزين يدها ، ثم مالت فأسرَّت في أذن خادمها شيئًا ، ثم ناولته الرقعة .
وقبل أن يخرج صاح حبيب بن مسعود منفعلاً ، وأخذ يردد :
- إن دون الوصول إلى اليسار سبعة أبواب عليها سبعة أقفال من حديد .
... وما هي إلا ساعة ، حتى عاد عربيد بوجهٍ جامد خالٍ من التعبير ، وناولها المنديل دون أن يتفوَّه بكلمة . فأخرجت الرقعة ، وألقت عليها نظرة خاطفة ، ثم قفزت بثوبها الأبيض الفضفاض ، وشعرها الأسود الطويل وهي تحمل الرقعة بيدها اليمنى وتقول :
- هذا هو القفل الأول قد انفتح .
وعلت الدهشة وجه حبيب ، ولم يصدق سعيد بن منصور أذنيه ، وبقي حسَّان بشعره المجعَّد وعينيه الخضراوين ينظر إليها دون أن ينطق ، أما أبو محمود ، فقد أخذ يصفق ويصيح :
- ألم أقل لكم سأسقيه الخمر بيدي ؟
وانفجر حبيب بن مسعود ، وقد التهب وجهه الصغير بالغضب ، وضرب بقبضة يده على المنضدة وهو يقول :
- مستحيل
...أما الجارية ، فقد استمرت كالفراشة الجميلة تدور في المكان ، وهي تحمل الرقعة بيدها وتقول :
- هذا هو القفل الأول قد انفتح ، انظروا ..
وألقت الرقعة على المنضدة ، فتسابقت الأيدي للحصول عليها والاطِّلاع على ما فيها .

يتبع
مجاهدة
مجاهدة
قصـــــــة معبــــــرة ..
بحور 217
بحور 217
فتاتنا .....



تقافزت معهم لأرى ما في الرقعة .....



لا تتأخري علينا ....



في انتظارك بترقب جم
زهرةالايمان
زهرةالايمان
هذا هو القفل الأول قد انفتح
أعاذنا الله من الزلات ووقانا من ساعة الغفلة
تابعي أختاه فنحن نتابع
فتاة اللغة العربية
فاصل

قال : علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - :
" لا تؤاخ الفاجر ، فإنه يزين لك فعله ، ويحبُّ لو أنّك مثله ، ويُزّين لك أسوأ خصاله ، ومدخله عليك ومخرجه من عندك شين وعار "