الخيط الرفيع

الأدب النبطي والفصيح

بعزة فتيات الإسلام .. وضعت حجابها على رأسها .. ودعت طفلتها بقبلة .. حملت كراساتها الجامعية و انطلقت لتنهل من ثمار العلم ما تنمي به عقلها وتستعين به على حياتها ..
استقلت حافلة صغيرة وجلست تردد أذكار السفر .. وتدعو الله أن يحمي طفلتها والجنين الذي في أحشائها و أن يعينها على تحمل مشقة العلم و طلبه ..
بدا لها الطريق طويلا إلى الجامعة أو أنه كان كذلك ..
كانت تقطع ملل الطريق بالنظر إلى ساعتها التي كانت تخبرها بأن اقترب موعد المحاضرة فإن تأخرت فلتحتملي الطرد أو التوبيخ ...
نزلت بسرعة عند موقف الحافلة .. ولم تنتبه إلى أنها قد فعلت بنفسها كارثة ..
فقد أغلقت الباب على طرف ثوبها وانطلق السائق مسرعآ بحافلته دونما انتباه لما حصل !!!
لحظات مرت .. بدت و كأنها ساعات بالنسبة للفتاة .. قطعت فيها الحافلة مسافة لابأس بها وهي تجر معها تلك الفتاة المسكينة المعلقة بخيط رفيع بين الموت و الحياة .. مع أنه كاد يكون للموت أقرب ، لولا إشارة بعض المارة للسائق بأن يتوقف و يوقف معه تلك المأساة ..
توقف السائق و قد بدا الرعب مسيطرآ على وجهه و قام بالإعتذار للفتاة التي اصفر وجهها و غلبت عليه معالم الألم ..لكنها تحاملت على نفسها ووقفت تنفض عن ثوبها غبار الطريق و تنفض من أفكارها غبار الموت الذي أوشك أن يطالها لولا لطف الله ..
أشارت بيدها المرتعدة التي سالت منها الدماء للسائق بأن يذهب فهي لازالت على قيد الحياة ..ولملمت شتات كتبها المبعثرة هنا و هناك و انطلقت لا تلوي على شيء وسط عيون المارة الذين لفهم الذهول لصعوبة الموقف .. فبعضهم كان يهمس : يالها من مسكينة وبعضم كاد أن يتقدم ليعرض خدماته عليها بإيصالها للمنزل .. إلا أنها كانت تتمتم في سرها بحمد الله أن مر الحادث و لم تنكشف لها عورة في الطريق فلطالما كانت تحمي نفسها و تصونها أيام الرخاء وهاهي تصان بعناية من الله في وقت الشدة ..
كانت الفتاة في تلك اللحظة شبه غائبة عن الوعي .. فلم تعرف مالذي سوف تفعل ..لكنها توجهت بشكل لا إرادي نحو الجامعة وكأنما كان هنالك شيء ما يسيرها .. استأذت ودخلت دون أن تسمع الإذن بالدخول ..
رمت بنفسها على أقرب المقعد .. تحسست جسدها و أدركت أنها لازالت في عالم الأحياء وتنفست الصعداء ..
قالت في نفسها : حمدآ لله الذي أعادني إلى عالم الأحياء في الحين الذي كان بيني و بين الموت شعرة واحدة تذكرت بها كل ذنوبي في الحياة .. لحظات قاسية مر شريط حياتي بها بسرعة شديدة .. لحظات أليمة تلك التي وجدت بها الموت فاتح ذراعيه لي ليستقبلني بحفاوة و ترحيب ..
بدأت بعض الدموع تسيل من عينيها رافقها تساؤل كبير ...
ماذا لو مت في تلك اللحظة ..
بأي وجه سوف أقابل ربي ؟؟
بمشروع علم لم يكتمل ؟؟ بجهاد لم يبدأ ؟؟ بطفلة تنتظر أمآ صالحة تحسن تربيتها ؟؟ بجيل جديد يهفو إلى كلمة حق لم يسمعها ؟؟
بأي وجه سوف أقابلك يا رب ؟؟ قد طلبت العلم لنفسي ونسيتك .. نسيت هدفآ أسمى من كل هدف .. هذه الأمة والنية الصادقة في أن أنفعها بهذا العلم الذي وهبتني و هذا العقل الذي أعطيتني ..
فلتشهد يارب منذ هذه اللحظة .. و لتشهدي أيتها الأرض الطيبة .. منذ هذه اللحظة ..بأنني تبت من أنانيتي و أني سوف أهب نفسي لأنفع هذه الأمة .بكل ما أوتيت من قوة وعقل ....
ومع هذا الوعد الصادق الذي تفجر من أعماقها ..انتهت المحاضرة.....
ومع أنها لم تفهم كلمة واحدة منها إلا أنها قامت بسعادة من كتبت له حياة جديدة تمسح بعض الدماء التي تقطرت من يديها .. وتمسح معها صفحة بائسة من صفحات حياتها التي كادت تنتهي في لحظة واحدة .. بنية أسمى.. وقلب أصدق .. ومشاعر أسمى ..




تنويه : القصة حقيقية وليست من نسج الخيال ..
10
889

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

أحلام اليقظة
أحلام اليقظة
السلام عليكم

كعادتك ... نوارتنا الحبيبة

تتحفينا كل حين برائعة واقعية

لها بالجمال والمنطق والهدف السامي ... صلة وأي صلة

دروس كثيرة مرت علي وأنا أقرأ ...



الموت أقرب من أحدكم من شراك نعله ...

إحفظ الله يحفظك ...


الدعاء صلة بين العبد وربه ...







وكل ذلك من قراءتي الأولى لهذه القصة الجميلة

فماذا ستمنحني القراءة الثانية ياترى ؟؟؟







بارك الله فيك غاليتي
نــــور
نــــور
أحلام اليقظة

شكرآ لكلماتك الرقيقة هذه و الله يعلم كم سعدت بتعليقك الرائع

ويكفيني سعادة أنك قد أوليت موضعي عنايتك و اهتمامك البالغين

وشكر آخر لك ...

لأنك تخليت عن نقاطك ... ( وجه يغمز )
بحور 217
بحور 217
أحسست بقصتك حرفا حرفا بل نبضا نبضا ..

فقد مر أمامي مشهد مماثل عندما كنت طالبة في الثانوية ..

ووقعت إحدى فتيات المدرسة الوقعة نفسها ..

وللأسف فقد تكشفت..

والحمد لله لم يكن فيما يبدو لي رجال أمام المدرسة في تلك الساعة المبكرة جدا ..

ولم يرها إلا بعض الطالبات وكنت إحداهن ..

الطالبة ركبت سيارتها مرة أخرى وعادت من حيث أتت ..

ولكني بقيت طول اليوم في المدرسة لاأعي ما أسمع وانا أتخيل الموت يهجم على فتاة في مثل هذا العمر وبهذه الطريقة ..!!


فهل ياترى خرجت تلك الفتاة بنفس الدرس الذي خرجت به فتاة قصتك الواقعية ؟؟
نــــور
نــــور
ما رأيك يا بحور لو قلت لك أنني هي صاحبة هذه القصة المأساوية هذه ...

وقد رأيت الموت بأم عيني ثم عدت ثانية للحياة .. مر عليي شريط حياتي بثوان معدودة .. تذكرت ابنتي و أهلي و زوجي و تخيلت ماذا سوف يحدث بهم .. ثم أسلمت نفسي للموت و أيقنت بأنني الآن بيد المولى عز وجل إن شاء قبضني و إن شاء تركني .. لكننه جل جلاله أعطاني فرصة في هذه الحياة لأتعلم منها... وما أثلج صدري هو أنني ولله الحمد لم أتكشف ...فكانت نعمة من الله وفضل


كان درسآ قاسيآ لكنني تعلمت منه الكثير و أدعو الله أن تكون صديقتك تلك قد فهمت الرسالة الربانية كما يجب ..

أسأل الله تعالى لنا الهداية و لها و لسائر المسلمين إنه سميع مجيب
بحور 217
بحور 217
لقد شعرت بذلك يا نور ولم اشأ أن أذكر ..

شعرت أنك صاحبة القصة زادك الله يقينا به وإيمانا ..

وأسبغ عليك نورا فوق نور ..