*بــاب الجفـــاءعــن القــــرآن* شـــرح ويـــأخذ القـــرآن فــيــرفضــــه*

ملتقى الإيمان













بـــــــاب الجـفــــــــــاء عـــن القــــرآن...

قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب الجفاء عن القرآن:



وعن سمرة بن جندب في حديث الرؤيا الطويل مرفوعا قال : « أَتَانِي اللَّيْلَةَ اثنان فذهبا بي قَالَا: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ على رَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتََدْهَده الْحَجَرُ هَاهُنَا فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يُصِبحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ في الْمَرَّةَ الْأُولَى، فقُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ قَالَا: هذا رَجُلٌ علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار يفعل به إلى يوم القيامة »1 وفي رواية : « الذي يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة »2 رواه البخاري. ,وأحمد..

ولمسلم عن أبي موسى أنه قال لقراء البصرة: « اتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم »البخاري وأحمد .

وعن ابن مسعود قال: « إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم فاخترعوا كتابا من عند أنفسهم استحلته أنفسهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم ؛ حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم »مسلم





وهذا الحديث فيه وعيد شديد وتغليظ في العقوبة، جاء هذا الحديث طويلا في صحيح البخاري في كتاب تعبير الرؤى، وذكر في هذا الحديث ما يتعلق بعقوبة من أعرض عن القرآن الكريم، وإلا فالحديث فإن فيه عقوبات متعددة، وبشائر أيضا في الرؤى، منها: عقوبة من يعرض عن القرآن، وعقوبة من يختلق الكذب، وعقوبة من يتعامل بالربا، وعقوبة من يقع في الزنا.
ذكر النبي عليه الصلاة والسلام هذه العقوبات في هذا الحديث، ومنها: هذه العقوبة المغلظة العظيمة التي تنخلع منها الأفئدة، وتنزعج منها النفوس، كيف لا يكون ذلك وهذا قد أعرض عن كتاب الله جل وعلا، ويدل لذلك ما قال الله تعالى في آية أخرى :




﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾5 ويستفهم ويقول:

﴿رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ﴾6﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾7 .


ودل هذا الحديث على عقوبة مغلظة شديدة لمن أنعم الله تعالى عليه وعلمه القرآن ثم تركه وراء ظهر، ولم يقرأه، ولم يعمل به، ولم يتبعه، ولم يتدبره، وجاءت العقوبة في أشرف موضع خلقه الله تعالى للإنسان وهو هذا الوجه؛ لأنه ارتكب أعظم جناية في حق الله جل وعلا، وهي تضييعه لأمر الله، وارتكابه لما نهى الله تعالى عنه ؛ فهو رأى ما يوجب رفضه لهذا القرآن، حينما قرأ القرآن فكأنه رأى في نفسه ما يوجب رفضه لكتاب الله تعالى الذي هو أشرف كلام وأشرف الأشياء؛ فكانت العقوبة من جنس العمل، فعاقبه الله تعالى بهذا العقاب في أشرف أعضائه وهو الرأس، ويثلغ رأسه، أي: يشدخ ويدق، وقوله: يتدهده، أي ينحط من علو إلى أسفل، وهذا نكاية في العقوبة، والعذاب الحاصل.
والحديث دل على تعذيب تاركي القرآن الكريم بعد أن علمه وقرأه وتلقاه،





ولهذا يقول الله تعالى :


﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾8﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾9


فهو بدل هذه النعمة التي هي أعظم نعمة منَّ الله تعالى بها عليه وهي القرآن الكريم فرفضه وأعرض عنه، ولم يجتهد في مراجعته ولا العمل به ولا قراءته ولا القيام به.
والحديث أيضا يدل من المفهوم الآخر أن على قارئ القرآن أن يحيي ليله بالقرآن في صلاته وفي تهجده، فذلك أثبت له وأعظم أجرا له عند الله تعالى، ودل الحديث على أن الصلاة تسمى قرآنا، ولهذا قال: «الذي يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة »




كما قال الله تعالى:


﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ﴾10 أي صلاة الفجر ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾10

والمقصود بالقرآن هنا هو الصلاة، ونوه بالذكر صلاة الفجر؛ لمكانتها من بين الصلوات، ولأنها تشهدها الملائكة، ولأنها قد تكون ثقيلة على النفوس ؛ فجاء لها هذا الوصف والشرف والثناء من الله تعالى.
وظاهر الحديث أن تارك القرآن يعذب على تركه للقرآن، وعلى تركه لأداء الصلاة المكتوبة عليه، وهذا الحديث هو من أحاديث الترهيب والتخويف، وفي الحديث الثاني: النهي عن التشبه بأهل الكتاب الذين تركوا كتاب الله وراء ظهورهم ولم يقرءوه ولم يعملوا به، وإن قرءوه فإنهم لا يعملون به، ويدل لذلك كما سيأتي في الآية التي في سورة الحديد :

﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾11 .

فالله جل وعلا نهى عباده أن يتشبهوا بالذين تحملوا الكتاب من قبلهم، وهم اليهود لما تطاول عليهم الزمن ومرت بهم الأيام والسنون عدلوا عن هذا الكتاب وتركوه ؛ فكان ذلك سببا لقسوة قلوبهم.
وقد بين الله تعالى في آيات أخرى أنهم اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، وأنهم نبذوا القرآن وراء ظهورهم، وأقبلوا على أهوائهم وعلى شهواتهم وعلى ما يقوله الناس لهم، وقدموا آراء البشر على قول الله تعالى ؛ فكانت العاقبة أيضا من جنس العمل أن قست هذه القلوب، فلما قست فإنها لا تقبل حينئذ موعظة، ولا تلين لتوجيه ولا إرشاد، وهذا من العقوبة أيضا وردّ أمر الله.
فالمقصود بالأمد - وكما سيأتي في الآية - هو المدة والزمن والوقت، فحينما نزل عليه نزلت عليهم الكتب أمروا أن يعملوا بها، وأن يحافظوا على ما فيها من الأوامر، ويجتنبوا ما فيها من النواهي، ويتبعوا شرع الله ؛ ولكنهم نسوا ذلك، وتركوه واستبدلوه بغيره، فخالفوا أحكام الله تعالى، ولم يخافوا عقابه ؛ فجاء التحذير لهذه الأمة في قوله تعالى :

﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾

أي ألم يأت الوقت لكم يا أهل الإيمان أن تخضع وتذل قلوبكم لأمر الله تعالى، ولا يكون بينكم تشبه وبين الأمم التي رفضت أوامر الله تعالى.
وفي القرآن نهي كثير عن التشبه بأهل الكتاب وأهل الضلال وأهل الأهواء وأهل البدع :









﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾ وفي الآية الأخرى ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾

جاءهم البينات جاءهم العلم من الله، وجاءتهم البينات في هذه الكتب التي أنزل الله تعالى عليهم فيها ؛ لكن قلوبهم قست، كما قال الله تعالى : ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ فالله تعالى قد حدد بداية القسوة، ولم يحدد نهايتها، قال :

﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ

أي ذلك الأمر ولم يحدد النهاية ؛ فكانت قسوة القلوب صفة لليهود، لا تفارقهم في حياتهم.
وقال تعالى في آية أخرى :﴿قَاسِيَةً ﴾ وفي قراءة " قسية " قلوبهم قاسية أي مشتدة متمردة على الاجتراء، وعلى الافتراء، وعلى الكذب في تغيير أحكام الله تعالى، وقسوة القلب تعني غلظه وصلابته وخلوه من الرحمة والإحسان، وبعده عن العمل والاتباع، وانكبابه على المعاصي، وفعل المحرمات هذه صفة القلوب القاسية.
وقد ذكر الله تعالى أنواع القلوب منها قلوب مريضة، وقلوب قاسية، وقلوب سليمة ؛ فقلوب اليهود وأهل الكتاب الذين حرفوا كتاب الله، واخترعوا من أنفسهم كتبا أخرى أمروا الناس أن يتعبدوا بها، كما في الحديث : « فاخترعوا كتابا من عند أنفسهم استحلته أنفسهم »

؛ لأن الكتاب الذي نزل عليهم يخالف أهواءهم ولا يجعلهم يعيشون في شهواتهم فازدادت قلوبهم غلظة وجفاء وكذبا، فقاموا وألفوا كتابا وأحدثوه واخترعوه، ودعوا الناس أيضا إليه إلى هذا الكتاب لأنه يوافق أهواءهم ويجري مع شهواتهم وهذا عين الضلال وعين الهلاك ؛ لأن الحق، كما في الحديث : وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم والواجب على الإنسان الذي خلقه الله تعالى أن يخضع ويخشع وينقاد لأمر الله تعالى، ولا يطلب في ذلك خيرة لنفسه،



كما قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ )وقال تعالى :

﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ .

فكيف يختارون كتابا على كتاب الله هذا النهاية في الضلال، والبعد عن الحق وعن الهدى ؛ لأن الحق واضح وبين، الحق قديم، كما يقول عمر، الحق قديم لا يغيره شيء لا يتغير مع الزمان أو مع المكان أو مع الأجيال فهو باقٍ لا يتغير، وظاهر لا ينخفض، ومنصور لا ينهزم، قال تعالى :

﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾وقال تعالى :

﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾

أي هالك فالحق منصور، والباطل مخذول، وهذا هو حكم الله تعالى في كتابه، وعلى ألسنة رسله ؛ ولهذا فإن الله تعالى قد ذكر في القرآن آيات كثيرة وسور متعددة في الحديث عن بني إسرائيل حتى جاءت سورة تسمى بسورة بني إسرائيل وهي سورة الإسراء، وجاءت سورة البقرة فيها حديث طويل، وفي سورة آل عمران -أيضا- حديث طويل عن الضلالات والبدع وتحريف نعم الله، وازدراء فضل الله عليهم ؛ فتراكمت هذه الضلالات فكونت لديهم قسوة في قلوبهم وإعراضا عن الهدى وعن الحق، نسأل الله السلامة والعافية.
وهذا الحديث الأخير -أيضا- رواه ابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب، وذكره ابن كثير في التفسير والسيوطي في الدر المنثور .

الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الشثري

نقلته لكــم محبتــكم " أم ريــــــــــــــــم "

للفائـــــــــــــــدة العظيمة نفعني الله وإياكن بــه


31
5K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الجـمــ ام ـــــان

رحم الله شيخنا
وبارك الله في داعيتنا وحبيبتنا
,,, ام ريــــــــم ,,,
جُزيتي ووالديكِ الجنه اختي الغاليه ..
مطلقة متفائلة
جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك,, فتحتي عيوني على موضوع كنت غافله عنه ربي يسعدك ويوفقك وين ما كنتي
ورده الجوري
ورده الجوري
شطر الحسن
شطر الحسن
جزاك الله خيرا
القــــرآن في قلبي