دمعة ندم

الأدب النبطي والفصيح

دمعة ندم ..

أسرعت نحو غرفتي ، وخلعت العباءة ..
ارتميت على السرير منهكة من سهرة عند الجيران .. نظرت إلى ساعتي .. نحن على مشارف أذان الفجر !..
في تعب ألقيت ( بالإكسسوارات ) والألماس بعيداً ، وأخذت ساعتين لخلع فستان السهرة !! وفي سرعة ألقيت بنفسي على السرير .. لأنام حتى الثانية عشرة ظهراً ! والويل لمن يوقظني ، أو حتى يفتح باب غرفتي .. قلتها في نفسي ، ثم رحت في سبات عميق ..
لم يمض وقت طويل حتى سمعت من يناديني .. بسرعة أفقت ، إلى السـاعة نظرت .. إنها الخامسة والنصف ، ما هذا ؟.. نظـرت إلى يميني فإذا بها أمي .. لم أتحمل ، صرخت في وجهها :
- أيتها المأفونة !! لماذا توقظينني الآن ؟ اخرجي من غرفتي ، اغربي عن وجهي ..
ارتفع صوتها وهي تقول في حنان :
- صلاة الفجر يا بنيتي ، الصلاة عمود الدين .. من تركها فقد كفر .
ثم أردفت وعيناها تعبران عن حزن بالغ :
ـــ بالله عليك يا ابنتي الحبيبة .. لا تضيعي الأجر !..
عدت ألتحف وأنا أقول :
ـــ ما شأنك بي ؟ اتركيني .. رجعت إلى المنزل متعبة وأريد أن أنام ..
خرجت من غرفتي .. وهي كعادتها تدعو لي بالهداية والغفران ..
انتهى الجدال .. بل المعركة فيما بيننا .. ولكن !! ..
هناك بداخلي تشتد معركة أخرى .. لا أدري لماذا .. ؟!
معركة بين خير وشر، بين شيطان نفسي وتقوى قلبي وإيماني ..!

*******************

تسللت خيوط الشمس الذهبية عبر نافذتي ، ليعبر الضوء الوهاج ..
نهضت في كسل و خمول ، نظرت إلى الساعة .. إنها الثانية عشرة والنصف ..
قمت واتجهت إلى غرفة الطعام ، لم أكن أفكر إلاّ في الأكل .. جلست أنتظر إفطاري ..
جاءت الخادمة تقدم لي الطعام ، سألتها :
ــ أين أمي ؟
فأجابت :
ــ في المسجد ..
رحت أضحك ضحكاَ متواصلاَ ، إن أمي تظن أن السعادة هناك ..
ألا يكفيها أن لديها بعلاَ ثرياَ ، وفيلا ضخمة ، وما لذ وطاب ..ولديها أيضاً ..
فتاة في عمر الزهور ، تلفت الأنظار ، بجمالها وحسنها وتفوقها .. أنهيت الطعام ، فقمت إلى غرفتي و فتحت الدولاب .. لعلي أجـد متعة في أحد الأفلام التي أحتفظ بها.. لا ..!! لقد رأيتها كلها عدة مرات ..هنا تذكرت .. يا ويلتاه ..!
نسيت أن أشتري آخر شريط نزل بالأسواق ..إنه لأكبر خطا أقوم به في حياتي ..
ولن أعيدها ، وكيف لي أن أفعل ..؟! ..أغلقت بـاب الدولاب ..ثم أسرعت إلى المسجل ، ونظرت إلى الأشرطة .. يا للملل ..!.

إنها تقبع في مكانها هذا منذ سنة على الأقل .. وقـد مللت من شكلها ، اتجهت إلى التلفزيون ، أمسكت بجهاز التحكم عن بعد أقلب القنوات ، قناة بعد قناة .. ماذا هناك ؟!.. لا متعة ، لا فيلم أو مسلسل أحبه ، لا توجد أية أغاني ..
في غضب أغلقت الجهاز ، ثم شرعت إلى التقاط إحدى المجلات الخليعة ، أقلب صفحاتها ، حقاَ ، لقد حفظت كل كلمة كتبت فيها ، ألقيتها بعيداَ عن أعيني ، هنا لمحت أن هناك أحداَ ما في الخارج ، اطّلعت عبر نافذتي ، إنهم جيراننا الجدد ، أسرة متوسطة الحال ..
انتابني شعور بالضحك ، وأنا أرى فتاة صغيرة تلبس عباءة تكبرها حجماَ ، وحجاباَ واسعاَ ..كما لو أنها تستعد للصلاة ..!!..
ومن ورائها فتاة في طولي تقريباَ ، ضحكت عليها ، رحت أناديها يا جدة .. لأنـها تلبس عباءة فوق الرأس كما تفعل جدتي !!.. و لم يكن يظهر من جسمها شيء ، حتى عينيها .. تركتهم قائلة : رجعيون ، أيجدون سعادة في تلك العـباءات وذلك التدين ؟. نسيتهم .. ومضى هذا الأسبوع ..

*****************

دخلت مدرستي على أسى ، أحس بقلبي يخفق .. لا أدري لماذا ..؟!..
ما إن تجمعت مع صحبي حتى بدأت التعليقات و النكت .. و كأن كل واحدة منا قد ابتلعت مسجلاَ ما .. انقضى الوقت بسرعة ، بدأت الحصص ، الأولى فالثانية فالثالثة ..
كلها مرت و أنا أنتظر الخروج من صفي ــ أو بالأصح من سجني ــ ..
شرعت أعدو إلى مؤخرة المدرسـة ، أحسست بالغثيان ، تحملت و جلست تحت إحـدى الأشجار القابعة هناك .. أخذت أفكر ، هل هذا عقاب من الله على الذي جنيته بالأمس ؟..
و بدأت الأفكار تدور في رأسي كالدوامة ، بعد برهة .. رأيتـها متجهة نحوي ، إنها زميلتي و جارتي ، تعرفت أمي على أمها منذ شهر ، وهاهم قد قرروا زيارتها كل أسبوع ..
دخلت زميلتي إلى مدرستنا هذه السنة .. الكل يذكرها بالخير ، فكما أعلم هي تحفظ القرآن كاملاَ ، جلست بجواري ، ارتبكت ، وأخذت أتساءل .. ما الذي دعاها إلى هذا ؟‍! ..
لماذا تجلس بجوار واحدة مثلي ..؟‍! ..سلمت ، فرددت .. شعرت ببعض الخوف ..
عندها بدأت تحدثني وتسألني عن أحوالي .. وهنا قالت :
ــ هل لي بسؤال ؟ ..
ــ تفضلي ..
سألتني بكل احترام :
ــ هل أنت راضية بحياتك ؟ هل أنت مقتنعة بها ؟ ..
دار في خلدي .. أأتجاهلها .. أم ماذا ؟ لم لا أفعل مثل صويحباتي ؟
بدون وعي أجبت بكبرياء :
ــ طبعاَ النعم كثيرة ، ووسائل الترفيه تعج البلاد ، و ......
لم تدعني أكمل .. بل قالت :
ــ قولي الحمد لله ..
أشحت بوجهي وهمست :
ــ الحمد لله ..
بعد مدة قصيرة قالت مرتبكة :
ــ آسفة .. لم أسألك السؤال المطلوب ..!!
تعجبت .. ما هذا ؟! ..تحقيق ؟! .. قالت :
ــ ترى ما الذي جعلك تنعمين بهذه الحياة ؟ ..
استغربت من السؤال الغريب !! .. فقلت بدهشة :
ــ طبعاَ الله من خلقني أم أنك لا تعلمين ذلك ؟! ..
بدت لي كالحائرة لا تدري ماذا تفعل وكذلك ما تسأل !!.. قلت في كلل :
ـــ أدخلي إلى الموضوع مباشرة ..
ارتسمت أمارات الراحة على وجهها ، وكأنما قد فتحت لها الباب أخيراَ.. سألتني :
ــ أليست لأمك علاقة بسؤالي السابق ؟. .
فكرت قليلاَ ثم قلت :
ــ طبعاَ لها دور .. فهي التي أنجبتني و رعتني ..
وهنا بدأت حديثها وقلبي يدق بعنف .. ألهذه الأسئلة علاقة بالأمس ؟..
أخذت تقول بهدوء :
ــ الأم هي معـين الحب الذي لا ينضب .. الأم ينبـوع ماء الحنان الدافق ..كيف تحرمين نفسك من هذه النعمة ؟ بل كيف تبادلين إحسانها بالإساءة ؟! يا ترى .. أهذا زادها ؟!.. أهذا الذي جنته بعد أن تحملت المشاق والصعاب ؟ هل كانت تتوقـع نتيجة كهذه ؟! ..
أسهبت في حديثها حتى رن الجرس .. لم أدر لم انفتحت أذناي لها ..؟! ..
لم كنت أصغي لها بكل إمعان و استيعـاب ؟ .. شرعت تخبرني عن فضل الأم و مـا هي منـزلتها .. انكسر قلبي .. وبدأت الدموع تفيض على وجهي .. ما فعلته بالأمس ...
لم يكن إلاّ ..... أنني قد مددت يدي نحو أمي!!.. يالها من كلمات خفيفة .. لكن ثقيلة في المعنى والميـزان ..!! كم أنا نـادمة ، كـم أنا تافهة .. من يجمع أشـلائي بعدما فعلته ؟
من يرتب أفكاري ؟ .. من يداوي قلبي المنكسر ؟!.. من ومن ؟!..
كيف أعيش بقية عمري بعد الذي جنيته ؟ .. أكملت حديثها ، وبدأت أنا بشـكرها والدمع ينهمر :
ــ جزاك الله خيراَ يا ( فاطمة ) .. أنت طوق النجاة في بحر الظلمات.. أنت من كان الأمل الوحيد الذي يبعدني عن النار ..
فرحت لفرحتي .. وبكت لبكائي .. وناولتني كتيباَ صغيراَ .. حينها رن الجرس ..
طمأنتني ( فاطمة ) قائلة :
ــ المعلمة غائبة لا عليك ..
أخرجت الكتيب في الحصة ، ووضعته داخل كتاب المادة .. ورحت أقرؤه .. لا أتحمل أن أؤجل موعد قراءته .. كان الكتيب بعنوان ( بر الوالدين ) ..
وأنا في مقعدي انفجرت باكية .. أنا قادمة إليك يا أماه .. أنا نادمة يا أماه ..
سامحيني يا أمي الحبيبة ..عبارات أخذت تتردد على لساني ، وتنبض في قلبي ..
استعرت من صديقاتي مبلغاَ لا بأس به .. عند رجوعي ، أصررت على أخي بـأن أذهب إلى محل للهدايا .. اشتريت هدية بسيطة ، لأقدمها إلى ملاكي ، إلى فؤادي .. إلى أمي الغالية ..
وقت العودة ..شرعت ألملم أفكاري ، عند دخولي سأنـدفع إلى حضنها ، سأقبل رأسها ، لأقدم لها هديتي المتواضعة .. سأطلب منها أن تسامحني ، أن تطـفئ النار الملتهبة المشتعلة في قلبي .. ستسامحني ، لن تجعلني أبقى عصفورة مرتعشة بللها الندم ، لن تجعلني أتعذب طـول حياتي ..دخلت البيت بسرعة ..
ـــ أين أمي ؟ .. أين هي ؟ ..
جاءت الخادمة تقول :
ـــ إنها متعبة وهي نائمة الآن ..
جلست في الصالة ، أخذ لساني يردد.. اللهم احفظها .. اللهم احفظها ..
بعد برهة من الوقت ، لم أتحمل ، أصلحت هندامي ، وأمسكت بالهدية ..
وانطلقت إلى غرفتها ، لم أفتح الباب ، انتظرت هنيهة .. بعدها ، أمسكت المقبض ، سأفتح الباب ..لأركـض نحو حضنها .. نحـو الحنان .. نحو الأمان الذي ينتـظرني ، سأبـكي لتمسح دمعتي ، سأستسمحها ، سأصغي لها ، لن أرفض لها أي طلب .. سأساعدها على أن تقوم ، سأجلب لها الماء ، لكي تشربه فتدعو لي .. سأصلي بجانبها ..
سأفعل وسأفعل .. فقط بعد أن أفتح الباب .. على أحر من الجمر .. انتظرت ..
أرتب أفكاري ، ثم فتحـت الباب .. لأراها متغطية بلحافها الأزرق الذي يمتلئ فيضاَ مـن حنان .. الآن سأنطلق إلى قلبها .. الآن ستفك عصفورة حياتي قيودها ؛ لتنطلق نحو الأفق البسام .. رحت أناديها وأنا أربت على كتفها في رفق .. أماه جاءتك ابنتك تطلب الحنان .. تطلب المسامحة .. تطلب الهداية من ربها ..
ترجو الرحمة منه .. أماه .. لكن ؟!..
ما من مجيب .. أماه ردي عليّ .. صرخت بأعلى صوتي .. جاء أبي وأخي بسرعة ..
- ماذا حدث ..؟!..لماذا الصراخ ؟!..
أشرت إلى أمي ..
- ما بها ؟!!..ماذا حلّ بها ؟!..
صحت :
- إنها لا تستجيب ..
تحسس أبي نبضها .. وهنا انطلقت رياح الهموم والأحزان .. تلفح وجهي .. وأنا أذرف الدموع من مقلتي ..
هل كنت واقفة عندك يا أماه وأنت جثة هامدة ..
ألن تشرق الشمس في عينيك مرة أخرى .. ؟ ألن أرى ابتسامتك الحنون ..؟..
هل رحلت وأنت راضية عني .. ؟ ذهبت تاركة فتـاة نادمة .. ضائعة .. ألن أنطلق إلى مطلع الشمس .. ألن أقدم لك هديتي ؟.. ألن تدعي لي مرة أخرى بالمغفرة و الهداية ؟..
رحلت وكلنا و الله راحل .. رحلت إلى النعيم ؟!.. هل سأجتمع بك .. أم ماذا ؟ ..
هل سنلتقي ؟ .. بعد كل مافعلته ؟.. كيف تنطلق ابتسامتي بعد رحيلك .. تركتني ..
حائرة ، نادمة مبعثرة الفكر، مشتتة الذهن، تركتني إنسانة تائهة في أرض لا يعرف الإيمان ..
وكيف رحلت أنت ؟ .. أراضية .. أم غير ذلك .. لازلت لا أصدق .
ألن أصافح تلك اليد البيضاء الناصعة الإيمان .. رحلت عن عيناي
يا أماه ..
ولازلت في قلبي وعقلي و تفكيري .. لأنك شخص لا ينسى .. لأنك تملكين قلباَ أبيضاَ ..
يتدفق منه الحنان .. لازلت ذكرى لا تمحو من عيني .. أنا الطير الجريح من يعالجني ؟ ..
أنا المبعثرة المحطمة ..من يجمعني ..؟.. أنا الغارقة في بحر الندم .. من ينقذني ..؟ لا أحد ..
ولكن أعدك يا أماه أن أكون فتاة صالحة أدعو لك في الفجر والمساء ..
فلعل الله يغفر لي ويكفر عني سيئاتي ..

********************************


كاتبة هذه القصة تبلغ من العمر 11 سنة ..
ما رأيكم ؟؟
11
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

wrood_wrood
wrood_wrood
اسلوب جميل جدا ... ينم عن خيال واسع
وفي نفس الوقت تحوي عبره وعضه
ننتظر المزيد
ورود
:26:
عصفورة الربيع
فقط رد واحد ؟؟؟؟:06::06:

أقول لكم الكاتبة عمرها 11 سنة ..
هل يبدو لكم أمراً عادياً ؟؟:23:








أشكرك أختي wrood-wrood
أفرحتني بكلماتك ..
لديك ( ذوق ) بالفعل ..:11:
عطر الليل
عطر الليل
صغيرتي الغالية كاتبة القصة :
تمعنت في طيات كلماتك الجميلة والتي اثرت بنفسي , فعلن إسلوب رائع مقارنة بصغر سنك وكلمات معبرة ........
إلى الأمام وسدد الله خطاك...وانا منتظرة لمشاركتك القادمة :24:
عصفورة الربيع
أختي .. ورد الليل ..

أسعدتني بكلماتك ..
لكن أود أن أقول لك بأنني لست من كتب القصة ، إنها شقيقتي الصغيرة ..

شكراً مرة أخرى :19:
بنت سبع
بنت سبع
عصفورة الربيع
سلمي لي على اختك مشالله لااله الاالله تعرف تكتب مهب انا توني كاتبه قصه بالمنتدى فرق بيني وبينها

بس القصه من نسج خيالها ولا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟