قرأت لكم ( ختم الذاكرة بالشمع الأحمر )

الأدب النبطي والفصيح

الإهداء :

إلى الذئاب المتوحدة مثلي ..

التي جاعت يوماً إلى الحنان

فالتهمت ذاكرتها .








ي
ت
ب
ع

:)
14
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ليل غربة ومطر
ليل غربة ومطر
للقلب صرخة بالأبجدية .. و للذاكرة شمع أحمر

كتابات على دمعة

غرقت نظراته الخبيرة في عينيّ المرهقتين المسكونتين بالإعياء ، و بعد طول تأمل قال لي البروفسور طبيب العيون : " أريد منك إجراء تحليل لدموعك " !

كانت هذه أول مرة أسمع فيها عن " تحليل الدموع " . سمعت عن " تحليل الدم " و غير الدم ... أما الدمع ، فلا !

في الطريق نحو المختبر كنت خائفة . ماذا سيكشف لهم تحليل دموعي ؟
بل و كيف يحصلون على الدمع مني و أنا البخيلة به حتى في جزر وحدتي؟!
لقد انهار شيء في أعماقي منذ زمن ما ، و سد درب الدمع و طمس معالمه ، فكيف أبكي في مختبر التحليل إذا طلب إلي ذلك ؟
و لكن ، لم لا .؟.

إنها فرصة رائعة للبكاء بعد طول احتباس لمطر القلب ، و سأبكي دون أن أحمل ضميري أو إرادتي أي وزر . تخيلت المشهد على الوجه التالي : سيقول لي الممرض " خذي هذا الأنبوب ابكي فيه و املئيه دمعاً " ، سأنتهز الفرصة و سأبكي طويلاً .. طويلاً ... فهنالك لحظات في عمري مررت بها راكضة و قد أشحت بوجهي عنها ، و هي التي كانت تستحق مني أعواماً من البكاء _ بكاء فرح أو بكاء حزن _ فلأبك لأجلها دقائق على الأقل و بأمر من الطبيب !

سأبكي ... و حتى حينما يأتي الممرض و يقول لي أن الأنبوب الذي ملأته بالدمع طاف ، فلن أرد عليه و سأملأ له إبريقاً من الدمع ( ترى هل سيعطونني أنبوباً ملوناً مزخرفاً كتلك المدامع الأثرية القديمة ، كتلك التي أهداني إياها صديقي الشاعر المرحوم توفيق صايغ ذات مرة و لما سألته لماذا ، قال : كي تبكي من أجلي ... سيأتي يوم تبكين فيه لأجلي ... و ضحكت منه طويلاً يومئذ ...
و حتى يوم سرقه الموت ظلت المدمعة الهدية جافة فقد كان الدمع قد غاص في رمال قلبي المقفرة .

و لكن الأمر كان أكثر بساطة في المختبر . لم يطلب إلي أحد البكاء ، جاؤوا فقط بقطعة قطن و حكوا بها جفني فانهمر الدمع . نقطة واحدة كانت تكفيهم و لكنها لم تكن تكفيني !
و حين غادرت المختبر فرحت لأنها كانت تمطر و لم يكن في وسعي أن أوقف مطر الدمع في حنجرتي المالحة كمغارة محشوة بالشوك ...
قال لي الرجل : " تعالي بعد أيام من أجل نتيجة التحليل " .

:

ي
ت
ب
ع
عطاء
عطاء
حياك ِ الله عزيزتي ليلة غربة ومطر..

يبدو أن ّماعدتِ به ثميناً..أرقب البقية بشوق..

لذا أرجيء الوقوف على جمال ماسطرت..ولي عود..

أسعدني اختيارك..
بقايا دموع
بقايا دموع
اختيار موفق :26:

في انتظار المزيد :24:
ليل غربة ومطر
ليل غربة ومطر
حياك الله عزيزتنا عطاء

سعيدة أنا بسعادتك لاختياري
أتمنى أن تنال البقية إعجابك


بقايا دموع
شكرا لمرورك
ليل غربة ومطر
ليل غربة ومطر
و عشت أياماً شبه قلقة ... ترى هل سيقرأون في دموعي تاريخي كله .؟.
تاريخ أحزاني كلها .؟. هل سيقرأون أيضاً أسماء و تواريخ ؟... و هل ستتراءى للمحلل تحت المجهر وجوه و وجوه ، وجوه أمسكت بها و وجوه راحت مني في زحام ذلك الزمن الحزين الهارب ؟..

هل سيقرأ في دموعي اسم دمشق مدينتي التي منحتني الصبا و العناد يوم ودعتها و قذفت بنفسي في مستنقع الغربة ؟

ذلك الرجل المكب بوجهه الآن فوق عدسة المجهر ، هل سيقرأ في دموعي حكايتي و هل يرتجف جسده ضاحكاً مني ، من غباء أسميته " حباً " و انهيارات أسميتها تجارب ؟!
ترى هل ينبت الذين نحبهم داخل دموعنا و هل يسبحون في بحرها المالح كما الأسماك تسبح في أعماق المحيط ؟..
ترى هل تسجل دموعنا زلازل أعماقنا و فواجعنا بحيث تبقى دوائرها مرتسمة هادئة حيناً و صاخبة حيناً ، كما يمزق الزلزال وجه مياه البحر و يترك بصماته ... و هل ! . و هل ؟.

**************
و إذا زرع المحلل دموعي " كما يزرعون الدم و يحللونه " فوجه من سينبت فيه ؟.. اسم من ؟.. اسم " أين " .. اسم أية مدينة غير دمشق ؟.. ما لون الدمع تحت المجهر ؟.. المحزونون مثلي هل يمكن لدمعهم أن يكون له غير لون الدم ؟..

ترى هل سيكون لدمعي صوت تحت المجهر ؟.. صوت شلال التمرد و صرخة الحرية و الشهية للحياة ؟.. ذلك المحلل المسكين ألن تخيفه قطرة دمع واحدة من عيني بكل ما تختزنه من أهوال و حيوات و جنون و أهواء و نزوات ؟..... بكل ما فيها من لون النزف و صوت الاحتضار و الولادة في آن واحد ... و رائحة لحظة التقاء الشروق بالغروب ساعة الذئب ؟

و إذا كانت دمعة واحدة تختصرني و تكتشفني تحت المجهر ألن ينطلق المحلل هارباً راكضاً في الشوارع و قد نبشت بجراحي جرحه ؟

:

:

في اليوم الموعود ذهبت لإحضار نتيجة التحليل . تخيلت أنه سيدفع إلي بعدة مجلدات فيها حكايا عمري التي لا يعرفها أحد غير دمعي !..

و فوجئت بصفحة بيضاء و عبارة واحدة تتوسطها : " الدمع خال من كل شيء " !!!
لم تذكر الورقة التي تحمل نتيجة تحليل دموعي أي شيء غير حساسيتي لأحد المركبات الكيميائية ... أما بقية " حساسيات عمري " فلم تلحظها .

ما أشد قصور العلم و المجهر و التكنولوجيا و أهله أمام قطرة دمع إنسانية واحدة هي بحر من الأسرار ! لا لم تذكر نتيجة التحليل أي أسماء ...

أية حكايا ... أية توق ... أية هذيان ... أي جنون . أية سكينة . لم تذكر أية تواريخ . حتى و لا تواريخ كهذه مثلاً حزيران 1967 و غيرها .

انتهت.