لوجه الله ....سأقول

ملتقى الإيمان

عبد الله العودة


(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) - استمعوا جيداً- : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
هل هي ضريبة طبيعية لمجتمعات التحول أن تفرز خَبَث القول والرأي الذي لا يسجد لله، ولا يؤمن بملكوته، ولا يركع متذلّلاً لقدّوسيّته التي اتفقت عليها ملل السماء وصرخت بها كل معقوليات الأرض؟
هل هي شيء من مراهقة متأخرة عرفت بدائع نظام الله في أرضه، وصنعه، فكفرت به وآمنت بالطوطم والطلسم وكل ما عداه؟ اللهم لا تعذبنا بما فعل السفهاء منا.
لقد ركضت أشياء الناس إذا كانت أشياءً، وأشخاصهم إذا كانوا أناساً، وأفكارهم إذا كانت موضوعاً بحتاً إلى كل شيء.. نعم، كل شيء: الكلام ونقيضه، والمركز وعدمه، والفرد والمجتمع اللا فردي، وكل ذلكم الركض حق مشروع للعقل البشري كي يجرّب ذاته، إنما بغير أن ينفث دخان الغباء على البيان الإلهي أو اليقينيات الإسلامية، لقد كان هؤلاء لا يزالون يعزفون السيمفونية التي حطمها أصحابها قبل عقود، وآمن أصحابها بفكرة "التجاوز" وضرورة "الغيب" .. فقيم السعادة المطلقة التي كانت هي العقيدة عرفوا أنهم جعلوها بديلاً ساذجاً للإيمان بالدين الذي بخسوه وتعايبوا أن يؤمنوا به في جو كفر بغير المرئي .. جاء أصحابنا في ملهاة صبيانية ساخرة بالتلاعب بالمطلقات الدينية وبالإيمان نفسه الذي كوّن الله الكون لأجله، وجعل فيه الطير السابح، والفجاج الغائرة، والأثباج الثائرة مسخرة لهذا الإنسان، قاتل الله هذا الإنسان الجاحد الكافر؛ يؤمن بأن الوفاء يفرض عليه أن يرد الدين الأخلاقي لمعلميه، وأن يقابل الهدية ولو ببسمة، وأن يكون من الناس الذين لا يذهب العرف عنهم لمن يفعل الخير لهم! ثم هم يكفرون بالله الذي سرّب إليهم أدق التفاصيل وأنشأ لهم – نعم، لهم هم يا للحسرة- كل أجزاء الأشياء فيهم ومن حولهم .. اللهم غفرانك (قُتِلَ الْإِنْسَانُ..مَا أَكْفَرَهُ!! مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ؟ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ).
سيدي المثقف..!!
صدّقني، أعرف أنك أديب قادر، ومثقف جيد من غير أن تلوك بفمك القذر آيات الله، أو تسخر بحقائق الإسلام ، وبالمناسبة فلا يلزم أن تمر بهذه المرحلة لتكون مفكراً قديراً وأديباً كبيراً..أكاد أدرك هذه المعلومة بالبداهة! وصدق المعلم (جوته): "تجد بعض الناس يقرأ ويكتب، لا ليتعلم أو يعلم شيئاً، بل لكي تعرف أنه يعرف شيئاً". وهأنذا يا صاحبي أقولها لك: أنت تعرف شيئاً!
الإصلاح والتنمية .. مناط جهادنا جميعاً غير أني أفعل ذلك، وأسأل الله أن يكون لوجهه الكريم، والتحرير الثقافي والعلمي والسياسي.. مشاغل فكرية وعملية مستديمة، كلنا نمارسها .. بيد أني أفعلها لأني أسأل الله أن يتقبلها ويجعلها في صالح العمل، وأنت لوجه من؟ أللناس وحدهم الذين كفروا بك وآمنوا بالله الذي كفرت به، أم للطبيعة التي سجدت لله وبصقت في غيره، أم لنفسك التي لا تعرف كيف تدبّرها –اقرأ الآية هنا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ).
كان حافظ إبر هيم يستمع إلى إحدى المطربات في ملهى من الملاهي وإلى جواره (شبلي شميّل) الملحد الذي لا يؤمن بغير الطبيعة.. فلما أجادت المطربة في الغناء صاح حافظ إبراهيم مع الصائحين: الله.. الله ثم التفت إلى شبلي شميّل وقال له: وأنت كيف تصيح عند الطرب والله عندك غير موجود؟ تقول: طبيعة!..طبيعة؟!
لا أحد من الذين يشككون باليقين الديني يقفون على مستوى يقين معقول مع حاجتهم الذاتية والفكرية والنفسية لذلك، ومع معرفتهم بأن اليقين عنصر ضروري للإنسان والأشياء والأفكار.. ولا يوجد أي منظومة فكرية أو فلسفية أو دينية تتجاوز معنى اليقين، حتى ولو شاكست في لفظ ومصطلح (اليقين) فإنها أبداً تحمل يقيناً ما يظهر فيها بجلاء ليجمع بين مقولاتها وينظمها في كلية واحدة .. وحتى نفي "المركز" مطلقاً عن الأشياء، وهو ما يعبث به العقل البشري مؤخراً ظاناً أنه تخلّص من اليقين فهو نوع من اليقين الواضح؛ إذ إن هذا اليقين هو في جعل (اللا مركز) يقيناً، وهذا من ناحية وجود معنى اليقين مثل جعل (المركز) يقيناً.. ويزيد عليه جهلة بأن ذلك يقين! ويا للشقاء والحرمان..!!
إن الإسلام جعل المركز(محكمات الدين القطعية) ليمسك بيد العقل البشري عن الرجم بالظنون والأوهام والأهواء التي تترصده، وتشكّل من هذه الأوهام عقيدة غيبية مخلوطة؛ فالإسلام جعل هذه المحكمات محددةً ليخوض العقل البشري فيما يحسنه من خدمة الروح، وتفعيل النفع العام، وصناعة الإصلاح، وتشغيل الدنيا.. كل ذلك بما ينفع الأرض والناس.. ولوجه الله (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً).
لقد أعطى الله إنسان الأرض مفاتيح المعرفة والدلالة من العقل والبرهان، وأنزل الكتاب لبيان قطعيات هذه المعرفة ومجالاتها الأخرى المفتوحة، (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ والميزانَ ليقوم الناس بالقسط وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) .. ليعلم الله من يفعل ذلك لوجه الله ونصرة رسله ودينه من رجالات الفكر والعلم والإصلاح.
اللهم إننا نخفض رؤوسنا لعلمنا بما تجرأنا عليك به من المعاصي والآثام، غير أنّا نشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك، فاللهم اجعلنا من الصالحين المصلحين، واشملنا برحمتك التي وسعت كل شيء، ولا تؤاخذنا بما فعلنا، ولا بما فعل السفهاء منّا..
(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).



م ن:)
1
388

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خفيفه دم و كلي هم
مشكوره الله يجزاك خير :)