[ طــوبــَــى ]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكِ ......... وجعل كل حرف كتبتيه في موازين حسناتكِ.
الطيرالمهاجر
الطيرالمهاجر
بسم الله الرحمن الرحيم

وفيك بارك الله أختي أم العصافير وجزاك الله خيرا

نكمل مع الحديث السادس

الحديث السادس

عَنْ أَبِيْ عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِ بِشِيْر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ:
(إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَات لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس،ِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ
لِدِيْنِهِ وعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ. أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ
مَلِكٍ حِمَىً. أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ
كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ) رواه البخاري ومسلم.


الشرح
قوله: (إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ)
في هذا الحديث تقسيم للأحكام إلى ثلاثة أقسام:
1. حلال بيّن كلٌّ يعرفه. كالثمر، والبر، واللباس غير المحرم وأشياء ليس لها حصر، لا يلام أحد على فعله.
2. حرامٌ بيّن كلٌّ يعرفه. كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر وما أشبه ذلك، وهذا يلام كل إنسان على فعله.
3. مشتبه لا يعرف هل هو حلال أوحرام؟ وسبب الاشتباه فيها إما: الاشتباه في الدليل، وإما الاشتباه في انطباق الدليل على المسألة، فتارةً يكون الاشتباه في الحكم، وتارةً يكون في محل الحكم.

* الاشتباه في الدليل: بأن يكون الحديث:
أولاً: هل صحّ عن النبي عليه الصلاة والسلام أم لم يصحّ؟
ثانيًا: هل يدل على هذا الحكم أو لا يدل؟

وهذا يقع كثيرًا، فما أكثر ما يُشكِلُ الحديث: هل ثبت أم لم يثبت؟ وهل يدل على هذا أو لا يدل؟
* وأما الاشتباه في محل الحكم:
فهل ينطبق هذا الحديث على هذه المسألة بعينها أو لا ينطبق؟
فالأول عند الأصوليين يسمى تخريج المناط، والثاني يسمى تحقيق المناط.

(لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ)
فكثير لا يعلم وكثير يعلم، ولم يقل: لايعلمهن أكثر الناس، فلو قال:لا يعلمهن أكثر الناس لصار الذين يعلمون قليلاً.
إذًا فقوله: (لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ) إما لقلة علمهم، وإما لقلة فهمهم، وإما لتقصيرهم في المعرفة.

(فَمَن اِتَّقَى الشُّبُهَاتِ) : أي تجنبها.
(فَقَدِ اِسْتَبْرَأَ) : أي أخذ البراءة.
(لِدِيْنِهِ) : فيما بينه وبين الله تعالى.
(وَعِرْضِهِ) : فيما بينه وبين الناس، لأن الأمور المشتبهة إذا ارتكبها الإنسان صار عرضة للناس يتكلمون في عرضه بقولهم: هذا رجل يفعل كذا ويفعل كذا، وكذلك فيما بينه وبين الله تعالى.

(وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فَي الحَرَامِ) هذه جملة شرطية.
(وَمَنْ وَقَعَ فَي الشُّبُهَاتِ) أي فعلها وَقَعَ في الحَرَامِ هذا الجملة تحتمل معنيين:
الأول: أن ممارسة المشتبهات حرام.
الثاني: أنه ذريعة إلى الوقوع في المحرم،
وبالنظر في المثال الذي ضربه يتضح لنا أي المعنيين أصح.
والمثال المضروب: (كَالرَّاعِي) :أي راعي الإبل أو البقر أو الغنم.
(يَرْعَى حَوْلَ الِحمَى) :أي حول المكان المحمي، لأنه قد يُتخذ مكانٌ يُحمَى فلا يُرعَى فيه إما بحق أو بغير حق، والراعي حول هذه القطعة (يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ) أي يقرب أن يقع فيه، لأن البهائم إذا رأت هذه الأرض المحمية مخضرة مملوءة من العشب فسوف تدخل هذه القطعة المحمية، ويصعب منعها، كذلك المشتبهات إذا حام حولها العبد فإنه يصعب عليه أن يمنع نفسه عنها.
وبهذا المثال يقرب أن معنى قوله: (مَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ) أي أوشك أن يقع في الحرام، لأن المثال يوضح المعنى.

ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أَلا) :أداة استفتاح، فائدتها: التنبيه على ما سيأتي.
1. (وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى) أي كل ملك له حمى، والنبي عليه الصلاة والسلام لايريد أن يبين حكم حمى الملك، (وسيأتي بيانه في الفوائد).

(أَلاَ وإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارمُهُ) هذه جملة مؤكدة بـ (إن) وأداة الاستفتاح (ألا) والمعنى: ألا وإن حمى الله محارم الله، فإياك أن تقربها، لأن محارم الله كالأرض المحمية للملك لا يدخلها أحد.

(أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةٌ) هذه أيضًا جملة مؤكدةبـ (ألا) و(إنَّ) والمعنى: ألا وإن في جسد الإنسان مضغة، أي قطعة لحم بقدر ما يمضغه الإنسان عند الأكل، وهي بمقدار الشيء الصغير.
(إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ) رتب النبي عليه الصلاة والسلام الجزاء على الشرط، فمتى صلح القلب صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد كله.

ولنا عودة مع فوائد الحديث بإذن الله تعالى
Pearl2004
Pearl2004
وجزاك الله خيرا
الطيرالمهاجر
الطيرالمهاجر
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم

نكمل مع فوائد الحديث السادس:

فوائد هذا الحديث:
1. أن الأشياء تنقسم إلى ثلاثة أقسام: حلال بيّن، حرام بيّن، مشتبه، فتجد الناس يختلفون في المشتبهات فمنهم من يحرم، ومنهم من يحلل، ومنهم من يتوقف، ومنهم من يفصّل.
مثال المشتبه: شرب الدخان كان من المشتبه في أول ظهوره، لكن تبين الآن بعد تقدم الطب، بأنه حرام، ولا إشكال عندنا في ذلك، وعلى هذا فالدخان عند أول ظهوره كان من الأمور المشتبهة ولم يكن من الأمور البينة، ثم تحقق تحريمه والمنع منه.

2. أسباب الاشتباه أربعة:
أ‌- قلة العلم: لأن واسع العلم يعرف أشياء لا يعرفها الآخرون.
ب‌- قلة الفهم: أي ضعف الفهم، وذلك بأن يكون صاحب علمٍ واسعٍ كثير، ولكنه لا يفهم.
ت‌- التقصير في التدبر: بأن لا يتعب نفسه في التدبر والبحث ومعرفة المعاني بحجة عدم لزوم ذلك.
ث‌- وهو أعظمها: سوء القصد: بأن لا يقصد الإنسان إلا نصر قوله فقط بقطع النظر عن كونه صوابًا أو خطأً، فمن هذه نيته فإنه يحرم الوصول إلى العلم، نسأل الله العافية، لأنه يقصد من العلم اتباع الهوى.
وهذا الاشتباه لا يكون على جميع الناس بدليلين: أحدهما من النص وهو قوله: (لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ) يعني كثيرًا يعلمهن،
والثاني من المعنى فلو كانت النصوص مشتبهة على جميع الناس، لم يكن القرآن بيانًا ولبقي شيء من الشريعة مجهولاً، وهذا متعذر وممتنع.

3. حكمة الله عزوجل في ذكر المشتبهات حتى يتبين من كان حريصًا على طلب العلم ومن ليس بحريص.

4. أنه لا يمكن أن يكون في الشريعة مالا يعلمه الناس كلهم، لقوله: (لاَ يعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ).

5. الحث على اتقاء الشبهات، لكن هذا مشروط بما إذا قام الدليل على الشبهة، فإذا وجد ما يوجب الاشتباه فإن الإنسان مأمور بالورع وترك المشتبه،
أما إذا لم يقم الدليل على وجود شبهة كان اتقاؤه وسواسًا وتعمقًا.
مثال ذلك:
ما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قومًا أتوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالوا:يا رسول الله إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سَمُّوْا أَنْتُمْ وَكُلُوا قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر.
فهنا هل نتّقي هذا اللحم لأنه يُخشى أنهم لم يذكروا اسم الله عليه؟
والجواب: لا نتقيه، لأنه ليس هناك ما يوجب الاتقاء، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (سَمُّوْا أَنْتُمْ وَكُلُوا) فكأن في هذا نوعًا من اللوم عليهم، كأنه عليه الصلاة والسلام يقول: ليس لكم شأن فيما يفعله غيركم، بل الشأن فيما تفعلونه أنتم، فسمّوا أنتم وكلوا.
ومن هذا ما لو قدّم إليك يهودي أو نصراني ذبيحة ذبحها، فلا تسأل أذبحتها على طريقة إسلامية أو لا، لأن هذا السؤال لا وجه له، وهو من التعمّق
فالقاعدة: أنه إذا وجد احتمال الاشتباه فهنا إن قوي قوي تركه، وإن ضعف ضعف تركه، ومتى لم يوجد احتمال أصلاً فإن تركه من التعمّق في الدين المنهي عنه.

6. أن الواقع في الشبهات واقع في الحرام، لقوله: (مَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ).

7. حسن تعليم النبي عليه الصلاة والسلام، وذلك بضرب الأمثال المحسوسة لتتبين بها المعاني المعقولة، لقوله: (كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ)، وهذه هي طريقة القرآن الكريم.
هل يؤخذ من قوله: يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى إقراره بالحمى؟
والجواب: أن هذا من باب الإخبار والوقوع، ولايدل على حكم شرعي. والنبي عليه الصلاة والسلام قد يذكر الأشياء لوقوعها لا لبيان حكمها.
ولهذا أمثلة أخرى:
قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لَتَركبُنّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) فلا يعني ذلك أن ركوبنا سنن من كان قبلنا جائز، بل هو إخبار عن الواقع.
وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن الظعينة أي المرأة تسير من كذا إلى كذا لا تخشى إلا الله، فلا يعني هذا أنه يجوز لها أن تسافر بلا محرم، لكن هذا ضرب مثل.
إذًا نقول:
هذا الحديث لا يدل على جواز حمى الملك لأنه ضرب مثل لواقع. ولكن لا بأس أن نقول الحمى نوعان:
الأول: حمى لمصالح المسلمين، فهذا جائز،
مثاله: أن تحمي هذه الأرض من أجل أن يُركز فيها أنابيب لإخراج الماء، فهذا جائز بلا شك، أو تُحَمى أرض خصبة لدواب المسلمين، كدواب الزكاة والخيل للجهاد في سبيل الله وما أشبه ذلك.
الثاني: حمى يختصّ به الحامي، فهذا حرام، لأنه ليس له أن يختص فيما كان عامًا.
فرسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (المُسلِمُونَ شُرَكَاْءُ فِي ثَلاثَة: فِي الكَلأِ وَالمَاءِ وَالنَّارِ) رواه أبو داود والإمام أحمد.
ومثاله: إذا حماه لنفسه وبهائمه.

8. سد الذرائع، أي أن كل ذريعة توصل إلى محرم يجب أن تغلق لئلا يقع في المحرّم.
وقد جاءت به الشريعة، ومن ذلك قول الله تعالى: " وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ".
فنهى عن سبّ آلهة المشركين لأنها ذريعة إلى سبّ الله تعالى، مع أن سبّ آلهة المشركين سبٌّ بحق، وسب الله تعالى عدوٌ بغير علم.

9. أن من عادة الملوك أن يحموا، لقوله: (أَلاَ وَإِنَّ لَكُلِّ مَلِكٍ حِمىً) وقد سبق حكم ا لحمى آنفًا.

10. تأكيد الجمل بأنواع المؤكدات إذا دعت الحاجة إلى هذا، فإذا قال قائل: إن التأكيد فيه تطويل، فنقول: ولكن إذا دعت الحاجة صار من البلاغة، لقوله: ألا. .. ألا.

11. أن المدار في الصلاح والفساد على القلب، إذا صلح صلح الجسد كلّه، وإذا فسد فسد الجسد كله.
ويتفرّع على هذه الفائدة: أنه يجب العناية بالقلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، لأن القلب عليه مدار الأعمال، والقلب هو الذي يُمتحن عليه الإنسان يوم القيامة، كما قال الله تعالى: "أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ* وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ"، وقال تعالى: "إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ* يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ"
فطهّر قلبك من الشرك والبدع والحقد على المسلمين والبغضاء، وغير ذلك من الأخلاق أو العقائد المنافية للشريعة، فإن القلب هو الأصل.

12. في الحديث ردٌّ على العصاة الذين إذا نهوا عن المعاصي قالوا: التقوى هاهنا وضرب أحدهم على صدره، فاستدل بحق على باطل، لأن الذي قال: (التَّقْوَى هَاهُنَا) هو النبي عليه الصلاة والسلام ومعناه في الحديث: إذا اتقى ما هاهنا اتّقت الجوارح، لكن هذا يقول: التقوى هاهنا يعني أنه سيعصي الله، والتقوى تكون في القلب.
والجواب عن هذا التشبيه والتلبيس سهل جدًّا بأن نقول:
لو صلح ما هاهنا، صلح ما هناك ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّه، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ).

13. أن تدبير أفعال الإنسان عائد إلى القلب، لقوله: (إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ).

انتهى شرح الحديث السادس بحمد الله تعالى