قصة فتاة مغتربة (قصة خيالية)

ملتقى الأحبة المغتربات

لستُ غريبة
حينما حلقت الطائرة فوق
الغيوم كنت سارحة، أسترجع لحظات الوداع
الأخيرة. قالت أمي: لا عليك يا بنيتي.. كلها سنتان
وتعودين -بإذن
الله-، وستدركين حينها كم هي الأيام
سريعة.أختي الصغرى اختبأت في
غرفتها لئلا تفضحها دموعها، لكنني هجمت عليها وعانقتها، ولم تنبس
ببنت شفة، كان وداعا صامتا إلا من الدموع.جميع إخوتي وأخواتي اجتمعوا لوداعي، لقد كان يوما حزينا،
كأنما نحن في عزاء.أخي
الأكبر قال لي: في أمريكا ستجدين لك صواحب مثلك تماما، هناك مراكز
إسلامية، ستتعرفين على أخريات طيبات مثلك، بل ومن بلدان أخرى مسلمة
وغير مسلمة، ستعرفين حقا كم هذا الإسلام دين عظيم... هذا هو زوجك
ينادي هيا أسرعي في رعاية الله.ظللت حتى آخر الشارع أودعهم بنظراتي الدامعة.. كلهم
وقفوا على باب الشارع كأنما لن أعود..قطع عليّ سرحاني طفلاي الصغيران بشجارهما.. هما دائما
هكذا.. وصلنا المطار..وفي
سيارة الأجرة.. تأملت الطبيعة الخلابة والجنة الدنيوية في بلادهم..
كم هي ساحرة! يا ألله! إنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة.. اللهم
لا تجمع الحرمان علينا في الدارين.. ورغم ذلك فصحراؤنا وجوّنا
الحار أفضل –عندي- من طبيعتهم، الناس يسرعون.. أكل هؤلاء
مشغولون؟!.. هل سينتهون يوما من أعمالهم؟ أم ستنقطع عنهم رغم
أنوفهم.. يا إلهي!! ما هذا؟! الحمد لله الذي زيننا بالحياء والستر
والعفاف، ولأول مرة أتأمل: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا
يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك
خير)..استيقظت صباحا.. أين
زوجي؟.. لقد خرج ينهي بعض أعماله ولم أجهز له الفطور، استعجلت لعلي
أجده في المطبخ.. لكني وجدته قد أحضر لي فطورا من الخارج.. لقد كان
يعرف الإنهاك الذي أصابنا بعد السفر والسهر.. طفلاي على غير العادة
لم يزالا نائمين.. إيه..نوما هنيئا..ما أقسى حياة الغربة! كل هؤلاء لا أعرفهم.. ولا يربطني
بهم أي رابط.. لا دين ولا نسب.. ربما ولا حتى إنسانية (إن هم إلا
كالأنعام بل هم أضل) متى نعود؟ متى نعود؟.رن جرس الهاتف.. المشكلة أني لا أعرف الإنجليزية، هل أرد
عليه؟ أم (أرد به)؟ ابتسمت لأول مرة.. ثم رفعت السماعة لأعرف ماذا
هنالك.·
وعليكم
السلام..·
أهلا
بك..·
بخير
والحمد لله..·
لا يزالا
نائمين..·
جزاك
الله خيرا ولكن ألا يكفي هذا الفطور الذي أتيت
به..· لقد تمنيت أن أجهز فطورك ولكن الإرهاق غلبني..
ولو كان هنا ما أجهز به الغداء لما سمحت لك أن تحضر
شيئا.·
وعليكم
السلام.زوجي رجل طيب.. يحاول تلطيف
الأجواء عليّ ليبعد عني الحزن الذي يلفني.. لا سيما وأنني قد
اعترضت عليه لئلا يكمل الدراسة هنا.. وكأن رسائل الدكتوراه لا تنال
إلا من هؤلاء!! بقيت على هذه الحال شهرا..
لا أتحدث إلا لماما.. ولا أبتسم إلا أقل من ذلك.. أحسست بأنني
عصبية مع أطفالي الذين ذاقوا معي مرارة الغربة.. بل ومرارة الأم
التي صبت جام غضبها عليهم.. أما زوجي فما إن أجد فرصة للتلميح له
بأنه كان مخطئا في هذا القرار المصيري إلا وأهتبلها.. لقد حاول
كثيرا أن يكون لطيفا معي.. وحاول أن يطرد الملل عني.. لكن دون
جدوى.. اقترح عليّ اقتراحات كثيرة.. وضرب لي أمثلة من زوجات
أصدقائه.. لكنني كنت عنيدة.. فهو لم يأخذ برأيي في السفر!.. أُحِس
بتأنيب الضمير نحوَه أحيانا لكني سرعان ما
أعود..عندما اشترى لي جهاز حاسوب
صرت أقضي أوقاتا طويلة على الماسينجر أتحدث فيها مع أهل ديار
التوحيد.. أشكو لهم غربتي وأحزاني.. حتى ربما أخللت ببعض واجبات
زوجي.. فتأخرت في الغداء أو العشاء.. لكنه كان يصبر
عليّ.لقد مللت من كل شيء.. مللت
حقا.. لم أجد ما أقضي وقتي به.. أخذت (الريموت) اقلب القنوات.. ما
هذا؟! حتى القنوات مملة؟!تمر
الأيام بل الساعات بكل بطء وتثاقل.. أمامي سنة ونصف بل تزيد، هل
سأظل هكذا طوال هذه المدة؟! لا أظن، حتما سأموت إن ظللت
هكذا..نبرتي الحزينة وصوتي الباكي
يطغى على حديثي مع زوجي وأولادي.. لم أعد أطيق..
فكرت في القراءة، لكن
القراءة مملة في الرخاء فما بالك بهذه الحال.. لكن لا مانع من
التجربة.. سأخوضها ولو أني حكمت على التجربة بالفشل قبل بدايتها..
تناولت كتاب (صفة الصفوة) لابن الجوزي، لا بأس به، فهو يتحدث عن
تراجم، والتراجم محببة إلى نفسي، لكن سأفتحه من المنتصف وسأقرأ
قليلا..إن أعجبني الوضع وإلا أغلقته..استوقفتني هذه العبارة لأحد السلف -وكان من العباد- حينما قيل له: أما تستوحش؟!
فقال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس من
ذكرني.يا ألله.. ما هذه النفوس
الزاكية؟! هل يمكنني أن أطرد وحشتي بالذكر؟ لكنني أصلي الصلوات في
وقتها، وربما السنن.. لكن أين أنا من صلاة
خاشعة؟!توضأت وصليت ركعتين حاولت
أن أخشع فيهما، أحسست بشيء من الراحة، تذكرت: (وجعلت قرة عيني في
الصلاة) (أرحنا بها يا بلال) لكن هل أستطيع أن أصبر على ذلك؟ أم
سيعاودني الحنين مرة أخرى؟ لم لا أنوّع في العبادات؟ هل سأصبح
عابدة؟ ابتسمت في سري من هذه الفكرة! فأين نحن من
أولئك؟!تناولت المصحف.. يا إلهي
منذ مدة لم أقرأ.. حسنا.. بماذا أبدأ؟ فكرت قليلا، ثم خطر لي أن
أقرأ سورة يوسف، شرعت في قراءتها.. قلبت صفحاتها.. عشت معها، خرجت
من عالمي الذي أنا فيه، يوسف عليه السلام غريب مثلي.. ذاق مرارة
الغربة ظلما.. فتن.. سجن في غربته.. يا له من صامد! كيف استطاع أن
يتغلب على الغربة؟! إنه رجل إيجابي حتى في السجن!.. لو كنت مكانه
لقضيت أيامي بكاء وعويلا.. ما أروع هذا الرجل!.. يدعو إلى الله في
السجن!! نعم بهذه النفس الإيجابية استطاع أن يتغلب على غربته..
استطاع أن يكون عزيزا لمصر.. ما أروعه!! يعفو عمن ظلمه! ويا لها من
خاتمة سعيدة...لأول مرة أحس بشيء من
السعادة منذ قدمنا إلى هذا المكان الموحش.لكن لا بد أن يعاودني الحنين لتلك الديار، ولا بد أن أحس
بشيء من الملل، بحثت عما أقضي به وقتي قلبت القنوات.. إنه برنامج
يحكي معاناة المعوقين، تابعته.. أحسست أن هناك من هم أشد معاناة
مني.. إنهم مساكين.. بؤساء.. يكفيهم بؤسا نظرات الشفقة إليهم..
هذا معوق يبتسم ويلعب مع
أصحابه، تُجري القناة معه حوارا:·
وما هي
المهارات التي تتقنها؟·
الحاسب،
ولعب الكرة، وعلى فكرة أنا ممثل بارع بين
أحبابي.·
وكيف
تقضي وقتك؟·
أقضيه في
تلك المهارات سالفة الذكر مع القراءة والإنترنت وغيرها، ولا أنسى
القرآن الكريم.·
كيف
استطعت أن تتغلب على مشاكلك وتكون شخصا مميزا أكثر حتى من
الأصحاء؟· صحيح يا أخي الكريم أنني معوق في قدميّ، ولكنني
أحمد الله أنني لست معوقا فكريا وعقليا، إن ما أملكه من نعم يفوق
كثيرا ما حرمت منه، وأنا أجزم أن الذين تسميهم أصحاء، كثير منهم
معوق فكريا، كثير منهم لم يستغل تلك النعم التي وهبها الله له، لقد
استطعت التغلب على مشكلة الإعاقة بشيء واحد فقط: هل تدري ما هو؟
إنه (التكيّف مع الوضع)، نعم التكيف مع الوضع، أي: قبول نفسي برغم
علاتها، يا أخي هكذا خلقني الله، إنسان معوق، ماذا تريدني أن أفعل؟
هل أقضي حياتي حزينا باكيا؟ لن أصنع شيئا، ولن أستفيد شيئا، يجب أن
أتكيف مع وضعي كمعوق، وبهذا التفكير الإيجابي استطعت النبوغ بفضل
الله وحده، ولهذا فأنا سعيد جدا رغم نظرات الشفقة التي ينظر بها
الآخرون.. صدقني أنني أنظر إلى بعض الأصحاء نظرات شفقة، لأنهم
معوقون فكريا أو أخلاقيا أو... لقد استوقفني هذا اللقاء،
واستوقفتني ينابيع الحكمة التي كانت تتدفق من فم هذا المعوق،
وأدركت أنني أنا المعوقة وليس هو! كيف استطاع أن يتعايش مع نفسه،
وأنا قد سجنت نفسي بين أربعة جدران، ورفضت كل العروض الإيجابية
التي تجعل مني إنسانا إيجابيا له دور مؤثر فيمن
حوله. لقد هجمت عليّ الأفكار التي
يمكن أن تُغيّر مجرى حياتي خلال سنة ونصف وكيف
أقضيها.استطعت بعد ذلك الاندماج مع
زوجات أصدقاء زوجي، دخلت معهن ضمن حلقة القرآن التي أقامتها تلك
الفتاة الفتية، تفاعلت معهن، حلقة يومية في الصباح، واجتماع أسبوعي
نقيم فيه برامج ومسابقات ودروس، واجتماع شهري يحضر فيه عدد أكبر،
مع الأزواج، أقمناه ذات مرة في أحد المنتزهات، لكن المشاهد المخجلة التي رأيناها جعلتنا
نغير مكان الاجتماع، ليكون في مكان خاص بنا في منزل أحد
أصدقاء زوجي تبرع به يوما في الشهر، مع المجلة الشهرية، التي توليت
فيما بعد رئاسة تحريرها، واستطعت بفضل الله تطويرها كثيرا، تغيرت
حياتي مع زوجي، ومع أبنائي، صارت لي قراءاتي الخاصة، وختمة شهرية
للقرآن، والحمد لله..لقد كان
طفلاي يعوقان دون أداء أعمالي، وكان بُعدهما عن الاحتكاك بالآخرين
سببا لتركز نشاطهما بينهما، فما يمضي يوم وإلا وعشرات المشاكل، لقد
كان جزء كبير من وقتي يمضي معهما، لم أستطع معه القضاء على هذه
المشكلة تماما حتى عودتي، لقد استطعت فقط التخفيف منها بأمرين
نصحتني بها إحدى صديقاتي هناك: أولهما: التخفيف من حدة الغضب لديّ،
والهدوء في التعامل مع المشكلة، وثانيهما: الاحتساب، والصبر، وتذكر
أن التربية أمر يحتاج إلى وقت طويل،لا ينتهي حتى يخرج الطفل من طور
الطفولة، فلا بد من مراعاة ذلك، والتدرج لأن التربية أمر لا ينتهي،
لقد حول الاحتساب حياتي ومشاكل أطفالي إلى نوع من المتعة أتلذذ به
–أحيانا وليس دائما-.كانت
هناك بعض المشكلات التي تعوقني منها ما يختص بزوجي، ومنها ما يختص
باختلاف نمط الحياة بيني وبين بعض صديقاتي اللاتي أتين من مناطق
أخرى تختلف عاداتهن عن عاداتي، صبرت عليها، بل واحتسبت ذلك فهان
عليّ كثير منها، حتى الشكوى حرصت على ألا أبثها لئلا ينقص
أجري.لقد كانت أسعد لحظاتنا
حينما علمنا بأن إحدانا استطاعت دعوة أمريكية إلى الإسلام في
الدورة التي التحقت بها، ودعتها معنا ذات يوم، وصار لنا بها علاقة
لا بأس بها.لقد مضت تلك السنة والنصف
أسرع من نصف السنة الأول بكثير.. جئت لأودع صاحباتي اللاتي أحببتهن
في الله، ذرفت دموع الفراق، وكان عزائي أنهن سيلحقن بي يوما، ولست
أدري أيهما كان أغلب دموع الحزن على فراقهن، أم دموع الفرح بالعودة
لديار الأهل والوطن.

اختكم أم أمة الله
4
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

**بشايـــــــر**
قصة رااااااااااااائعة اندمجت فيها تماما شكرا يا ام امة الله.....:26:
بنت آدم
بنت آدم
روعة.. سلمت يداك يا أم أمة الله .. :26: :26:
مشتاقةللديره
مشتاقةللديره
تسلم ايدك يامة الله
كنت بسال هل هي حقيقيه ورجعت للعنوان وعرفت انها خياليه .....:26: :26: :26:
hawaa2002
hawaa2002