** شرح الأذكار الواردة في الكتاب والسُنّة **

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

أذكار الاستفتاح



{ اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي، كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي، بالثلج والماء والبَرَد} "1"

الشرح :

قوله الاستفتاح: أي: افتتاح الصلاة.

قوله: خطاياي: جمع خطيئة وهي الذنب.

وإنما شُبه بُعدها ببعد المشرق والمغرب مبالغة في البعد، لأنه ما في المشاهدات أبعد مما بين المشرق والمغرب، فيكون المراد من المباعدة محو الذنوب، وترك المؤاخذة بها، أو المنع من وقوعها، والعصمة منها.

قوله اللهم نقني: أي: نظفني، "من خطاياي" كما تنظف "الثوب الأبيض من الدنس" شبّه نظافة ذاته من الذنوب بنظافة الثوب الأبيض من الدنس، لأن زوال الدنس في الثوب الأبيض أظهر، بخلاف سائر الألوان، فإنه ربما يبقى فيه أثر الدنس بعد الغسل، ولم يظهر ذلك لمانع فيه بخلاف الأبيض، فإنه يظهر كل أثر فيه، والقصد من هذا التشبيه أن يُقلع من الذنوب بالكلية، كقلع الدنس من الثوب الأبيض، بحيث لم يبقَ فيه أثرٌ ما.

قوله اللهم اغسلني من خطاياي...إلى آخره: ذكر أنواع المطهرات المنزلة من السماء، التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلا بأحدها، تبياناً لأنواع المغفرة، التي لا يخلص من الذنوب إلا بها، أي: طهرني من الخطايا بأنواع مغفرتك، التي هي في تمحيص الذنوب نهاية هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأرجاس، ورفع الجنابة والأحداث.

والمعنى: كما جعلتها سبباً لحصول الطهارة، فاجعلها سببا لحصول المغفرة، وبيان ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء" رواه مسلم.

***********



{ سبحانك اللهم وبحمدك، وتَبَارَكَ اسمُكْ، وتعالى جَدُّكَ، ولا إله غيرك} "2"

الشرح ::

قوله "وبحمدك ": أي: أحمدُ بحمدك، أو تقديره: وبحمدك سبّحتك، ووفِّقْتُ لذلك.

قوله "وتبارك": من البركة، وهي الكثرة والاتساع، وتبارك:أي: تعالى وتعظم، وكثرت بركاته في السماوات والأرض، إذ به تقوم، وبه تستنزل الخيرات.

قوله "وتعالى": أي: علا وارتفع.

قوله "جَدُّكَ": أي: عظمتك.

***********



{ وجهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمِرْتُ وأنا من المسلمين.اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك} "3"


الشرح :

قوله"وجهتُ وجهي": أي: أخلصتُ ديني وعملي، وقيل: قصدت بعبادتي "للذي فطر السماوات والأرض"، أي: خلق السماوات والأرض.

قوله "حنيفاً": أي: مستقيماً مخلصاً، ومعناه: مائلاً إلى الدين الحق، وهو الإسلام، وأصل الحنف: الميل، ويكون من الخير والشر، وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة. وقال أبو عبيد (رحمه الله) : الحنيفي عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام.

قوله "وما أنا من المشركين": بيان الحنيف،وإيضاح معناه. و "المُشرك" يُطلق على كل كافر من عابدِ وثنٍ وصنمٍ ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق ... وغيرهم .


قوله "إن صلاتي": أي: عبادتي.

قوله "نُسُكِي": أي: تقربي كله، وقيل : ذبحي. وجمع بين الصلاة والذبح، كما في قوله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } الكوثر2، وقيل : صلاتي وحجي.

قوله "ومحياي ومماتي": أي: وما أتيته في حياتي، وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح " لله رب العالمين" خالصاً لوجهه، "لاشريك له وبذلك" من الإخلاص "أمرتُ" من الله تعالى، و "أنا من المسلمين".

قوله "ظلمتُ نفسي": أي: أوردتها موارد المعاصي.

قوله "اعترفتُ بذنبي": الاعتراف، بالذنب بمنزلة الرجوع منه، قدمه على سؤال المغفرة أدباً، كما قال آدم وحواء-عليهما الصلاة والسلام-، {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }الأعراف23.

قوله "واهدني": أي: أرشدني ووفقني "لأحسن الأخلاق" أي : لصوابها.

قوله "واصرف عني سيئها": أي: سيء الأخلاق، أي : قبيحها.

قوله "لبيك": من اللب بالمكان إذا أقام به ولزمه، ومعناها: أنا مقيم على طاعتك.

قوله "وسعديك": أي: إسعاداً بعد إسعاد.

قوله "والشر ليس إليك": أعلم أن مذهب أهل الحق أن جميع الكائنات خيرها وشرها، ونفعها وضرها، كلها من الله سبحانه وتعالى، وبإرادته وتقديره هو –سبحانه وتعالى- وقد اختلف العلماء في تفسيره، على عدة أقوال أشهرها : والشر لا يُتقرَّبُ به إليك.

قوله "أنا بك وإليك": أي: بك أستجير، وإليك ألتجئ، وبك أحيا وأموت، وإليك المرجع والمصير، أو أنا قائم بك، لأن جميع الموجودات الممكنة قائمة بك، وراغب إليك، ونحو ذلك من التقديرات.

قوله "تباركت": استحققت الثناء العظيم المتزايد.

قوله "وتعاليت": أي: وتعظمت عن مُتَوهم الأوهام، ومتصور الأفهام، وعن كل النقائص.



انتهى شرحنا للدرس السابع من الأذكار الواردة في الكتاب والسنة الشريفة سائلين الله عز وجل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن يكتبنا عنده من الذاكرين والذاكرات فهو ولي ذلك والقادر عليه.

كان هذا شرح للشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني


***********



1- حديث أبو هريرة رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم.

2- حديث أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها، أخرجه أصحاب السنن الأربعة.

3- حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أخرجه مسلم.
1
384

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول