بومزنة

بومزنة @bomzn

الداعـي المتميـز

عزة النفس

الملتقى العام

نقل ابن مفلح في الآداب الشرعية 1/238
هذه الكلمات عن ابن الجوزي في كتابه "السر المصون"
،أعجبتني ـ فلا تستطلها أخي الكريم ـ
ففيها من تجارب العقلاء ما قد لا تجده في كثير من الكتب ـ
لذا أحببت أن أشرك إخوتي في الاستفادة منها ،
علماً بأن علامات الترقيم من وضعي ،
ولأهمية بعض الكلمات فصلتها وربما لونتها لأنها كالحِكَمِ التي ينبغي الاستفادة منها لمن طال عليه المقال
،فلو قرأها وحدها ،أرجو أن يدرك منها مراد ابن الجوزي رحمه الله

=======================

"مثل المحب للعلم مثل العاشق فإن العاشق يهتم بمحبوبه ويهيم به وكذلك المحب للعلم فكما أن العاشق يبيع أملاكه وينفقها على معشوقه فيفتقر كذلك محب العلم فإنه يستغرق في طلبه ا لعمر فيذهب ماله ولا يتفرغ للكسب فإذا احتاج دخل في مداخل صعبة فمنهم من يتعلق بالسلاطين إما أن يدخل في أشغالهم أو يطلب منهم ومن العلماء من يطلب من العوام البخلاء ومنهم من يرجع عن الجد في العلم إلى الكسب .

وقد كان للعلماء قديما حظ من بيت المال يغنيهم وكان فيهم من يعيش في ظل سلطان كأبي عبيد مع ابن طاهر والزجاج مع ابن وهب ثم كان للعلماء من يراعيهم من الإخوان حتى قال ابن المبارك لولا فلان وفلان ما اتجرت وكان يبعث بالمال إلى الفضيل وغيرهم .
ثم قَلّ ذلك المعنى فصار أقوام من التجار يفتقدون العلماء بالزكاة فيندفع الزمان
وقد وصلنا إلى زمان تقطعت فيه هذه الأسباب حتى لو احتاج العالم فطلب لم يعط فأولى الناس بحفظ المال وتنمية اليسير منه والقناعة بقليله توفيرا لحفظ الدين والجاه والسلامة من منن العوام الأراذل العالم الذي فيه دين وله أنفة من الذل .

وقد قال منصور بن المعتمر إن الرجل ليسقيني شربة من ماء فكأنه دق ضلعا من أضلاعي .

وقد كان أقوام في الجاهلية إذا افتقروا لا يرون سؤال الناس فيخرجون إلى جبل فيموتون فيه .

فإذا اتفق للعالم عائلة أو حاجات وكفت أكف الناس عنه ومنعته أنفته من الذل : هَلَك .


فالأولى لمثل هذا العالم في هذا الزمان المظلم أن يجتهد في كسب إن قدر عليه وإن أمكنه نسخ بأجرة ويدبر ما يحصل له ويدخر الشيء لحاجة تعرض لئلا يحتاج إلى نذل.

وقد يتفق للعالم مرفق فينفق ولا يدخر عملا بمقتضى الحال ونسيانا لما يجوز وقوعه من انقطاع المرفق وطبعا في نفسه من البذل والكرم فيخرج ما في يده فينقطع مرفقه فيلاقي من الضرر أو من الذل ما يكون الموت دونه .

فلا ينبغي للعاقل أن يعمل بمقتضى الحال الحاضرة بل يصور كل ما يجوز وقوعه .

وأكثر الناس لا ينظرون في العواقب !!


فكم من مخاصم سب وشتم وطلق فلما أفاق ندم .

وقد كان يوسف بن أسباط تزهد ودفن كتبه فلم يصبر عن الحديث فحدث من حفظه فغلط فضعفوه .

وقد تزهد خلق كثير فأخرجوا ما بأيديهم ثم احتاجوا فدخلوا في مكروهات .

وكان الشبلي يقدر على خمسين ألفا فتزهد وفرقها فنزل به قوم من الصوفية فبعث إلى بعض أرباب الدنيا يطلب منه فقال له يا شبلي اطلب من الله عز وجل فقال له أنا أطلب من الله عز وجل ،وأطلب الدنيا من خسيس مثلك فبعث إليه مئة دينار .

وقال ابن عقيل : إن كان بعث إليه اتقاء ذمه فقد أكل الشبلي الحرام .

وقد تزهد أبو حامد الطوسي وأقام سنين ببيت المقدس ثم عاد إلى وطنه فبنى دارا كبيرة وغرس بستانا فمثل هذا المتزهد المخرج لماله المغير لباسه كمثل ماء عمل له سَكْر فإنه يمنعه من الجريان ثم يعمل الماء في باطن السكر إلى أن ينقب ، ولهذا كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا رأى شبابا قد تنسكوا يقول الموت الموت جاءهم خوفا من تغيير حالهم وكذلك مخرج المال في حال الغنى إذا لم يحسب وقوع الفقر .


وقد رأينا أبا الحسن الغزنوي وقد بنى له رباط ببغداد ووقفت عليه قرية فكان يقول يدخل لي في كل سنة ثلاثة آلاف وست مئة دينار فألف ومئتان لي ولأولادي وألف ومئتان لأهل الرباط وألف ومئتان للمجلس فكان يعطي العلماء والقراء والزهاد ، ولا يقبل منه أحد حتى إنه أفطر في رمضان عند الوزير أبي القاسم الزينبي فبعث إليه خلعة قبل العيد ، وهذه عادتهم فيمن يفطر عندهم فحدثني الحاجب أنه حملها إليه فقال لا أقبل قال فقبحت له هذا وبالغت حتى قبل على مضض وكان يقول عرضت علي خمسة آلاف دينار فدفعتها بهذه الأصابع الخمس وقلت لا حاجة لي فيها ،وكان يظن دوام ما هو فيه ، فاتفق موت السلطان مسعود فأُحْضِرَ باب الحاكم ، ووكل به وأخذت منه القرية ، فافتقر ، فحدثني محاسن بن حماد قال :
كان بين الغزنوي وبين عبد الرحيم الملقب شيخ الشيوخ وحشة ،فلما افتقر الغزنوي بعث معي إليه بمئة دينار ، ورقعة بكاراتِ دقيق ، فجئت بها إليه ، فقال : لا أقبل ! فردها عليه ، ثم التفت إلي ـ لانبساط كان بيننا ـ فقال لي : أغنني أنت بعشرة دنانير وخمس كارات فالصبيان جياع !!!!
وكان يقول : من الناس من يحب الموت ، فمات قريبا ، وقد كان يمكنه أن يشتري من دخله قرى .

والحازم من يحفظ ما في يده

كما قال سفيان الثوري من كان بيده شيء من المال فليجعله في قرن ثور فإنه زمان من احتاج فيه كان أول ما يبذل دينه

وقد كان صالح ابن الإمام أحمد ابن حنبل تولى القضاء بأصبهان فلما قرئ عهده بكى ،وقال : أين عين أبي تراني وعلي السواد ؟! ولكن ما توليت حتى ركبني الدين ، وكثر العيال .

وكذلك يحكى عن حفص بن غياث وغيره من القضاة .

وقد كان المتوكل يبعث إلى أولاد الإمام أحمد الألوف .

وإنما كان صالح سخيا فالسخي الذي لا يحسب إلا خيرا لا يفي سخاؤه بما يلقى إذا افتقر


واعلم أن الإمساك في حق الكريم جهادٌ ؛ لأنه قد ألف الكرم ، كما أن إخراج ما في يد البخيل جهاد ، فإنما يستعين الكريم على الإمساك بذكر الحاجة إلى الأنذال .

قيل لبعض الحكماء : لم حفظت الفلاسفة المال ؟! فقال : لئلا يقفوا مواقف لا تليق بهم !!


قال ابن الجوزي : : وقد رأيت أنا ببغداد من الصوفية من كان له مال ودخل ، فكان الخلق يتقربون إلى السلاطين ويطلبون منهم ، وهو لا يبالي ، فكنت أغبطه على ذلك ؛ لأن من احتاج إلى السلاطين يذلونه ويحتقرونه ، وربما منعوه ، فإن أعطوه أخذوا من دينه أكثر .

قال الرشيد لمالك بن أنس : أتيناك فانتفعنا ، وأتينا سفيان بن عيينة فلم ننتفع به .

وكان ابن عيينة يقول : قد كنت أوتيت فهماً في القرآن ، فلما أخذت من مال أبي جعفر حرمت ذلك !!

وإن احتاج الإنسان إلى العوام بخلوا فإن أعطوا تضجروا ومنوا .

وقل من رأيناه ينافق أو يرائي أو يتواضع لصاحب دنيا إلا لأجل الدنيا والحاجة تدعو إلى كل محنة .


قال بشر الحافي : لو أن لي دجاجة أعولها خفت أن أكون عشارا على الجسر !!


فينبغي للعاقل ما يجمع همه ليقبل على العلم والعمل بقلب فارغ من الهم وبعد فإذا صدقت نية العبد وقصده رزقه الله تعالى وحفظه من الذل ودخل في قوله تعالى ) ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه )). ....
انتهى كلامه رحمه الله .


==========================

منقول
2
450

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

DYANA
DYANA
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

اخي بومزنه
جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الرائع
وكلامك الجميل كالدرر

ارق تحيه:26:
بومزنة
بومزنة
وجزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم