PILOT

PILOT @pilot

عضو فعال

الطفل العربي يشاهد تراثه وتاريخ أجداده بعيون ديزنوية

الأمومة والطفل


____________________-
كثيرا ما تقول العرب "التعلم في الصغر كالنقش في الحجر"، وهذا ما يدلل على عنايتهم الفائقة، تاريخيا، بتربية النشء وتعليمه وغرس الصفات الحميدة والقيم النبيلة.. لكن المعارصين منهم لم يولوا هذه المقولة حقها من الاهتمام، حسب السينمائي العربي علي رفيق الذي كتب هذا التحقيق من لندن عن فن الصور المتحركة العربي في مقابلة اجراها مع المخرج العراقي ثامر الزيدي. والمحقق يرى ان هذا العصر الذي صار فيه جهاز التلفزيون ضرورة قصوى في اثاث كل بيت، حيث يتسمر الاطفال الى مقاعدهم وتجحظ عيونهم في شاشته تتابع سحر اساطير وابطال القصص التي تدور احداثها من اقصى الشرق الى اقصى الغرب افقيا، ومن اعالي كواكب الفضاء الى اعماق البحار عموديا، وهكذا حفظ الاطفال العرب حكايات: الرجل المقنع زورو وطرزان ومخلوقات بوكيمون وتوم وجيري... الخ وحينما تسألهم عن مآثر تلك الشخصيات فلا يكل لسانهم عن ذكرها والاسهاب في تفاصيل حيواتها، وان شئت فهم على استعداد تام للتشبه بها بل حتى تقليد حركاتها وتمثيلها بدقة متناهية وكثيرا ما يسفر ذلك الاتقان في الاداء عن اضرار بأجسامهم اللدنة. وهكذا بغياب النتاجات الفنية العربية الموجهة للاطفال.. دراما، كارتون، برامج منوعات، تركز على اساطير العرب وتتناول القيم التي رسخها ابطالها عبر الموروث الشعبي العربي او تاريخ العرب التليد. وعلى هذا الاساس، يقول المحقق، لا يعرف اطفالنا ابطالا مثل سيف بن ذي يزن او ابو زيد الهلالي او عنترة بن شداد او غلغامش او هنيبال.. الخ وان تعرفوا على بعضهم كـ"علاء الدين" فجاءهم مشوها حسب وصفة ديزني المعروفة.
_______________
المخرج العراقي ثامر الزيدي يحاول كسر التناول الغربي للسيرة العربية

* كل أساطيرنا وحكاياتنا زيفها الإنتاج الهوليوودي
* لا بد من كادر فني عربي ملم بأسلوب الحياة العربية ومراميها
* ثمة دول فقيرة جوّدت لأطفالها رسوماتهم "الوطنية" المتحركة
* مسلسل "زعتور" استقبله النشء الخليجي بشغف وتفهم الفنان العراقي ثامر الزبيدي، من الفنانين القلائل الذين التفتوا الى هذه القضية، التي امست منذ ما يقرب الاربعين عاما هاجسا حكم كل محاولاته، واعتبره هما ذاتيا حمله كل تلك السنوات ينوء عبر عثرات المؤسسات الثقافية العربية. وللحديث عن رحلته الصعبة كان لنا معه هذا اللقاء:


* راودك الطموح لأن تقدم فنا يتوجه للطفل العربي منذ عام 1962 حين قدمت من تلفزيون بغداد، رغم الامكانات الفقيرة، برنامج "شوف عندك يا سلام".. فما الذي دفعك الى ذلك الطموح؟
ـ بدأت بالميل الى مسرح الطفل عندما كنت طالبا في معهد الفنون الجميلة.. ومن خلال متابعتي للافلام الكارتونية القصيرة التي كانت تعرضها دور السينما قبل الافلام او تلك التي كان يقدمها التلفزيون.. ففكرت ببرنامج اطفال تصل افكاره بسهولة للاطفال، يختلف عما كان يقدم آنذاك من برامج واعمال درامية يمثل الاطفال فيها شخصيات الاعمال الكلاسيكية وشخصيات الكبار فيجبرون الاطفال على تفخيم اصواتهم وعمل الماكياج لهم لمقاربتهم لتلك الشخصيات.. البرنامج من عنوانه "شوف عندك يا سلام" يستمد فكرته من "صندوق الدنيا" ويتناول الحكايات التراثية وكنت اترك الممثلين الاطفال على سجيتهم في الاداء.. وقد عمقت هذه التجربة لاحقا بعد تخرجي من المعهد اثناء عملي في المسرح المدرسي.. وهنا وجدت ان للطفل خزيناً ثراً من المواهب لا تحتاج الا لمن يطلقها.

* ما هي افكار النصوص التي كنت تختارها وما هي شروط معالجة تلك الافكار وهل هناك مواصفات معينة برأيك ينبغي توفرها في تلك النصوص؟
ـ الشيء الجوهري الذي ينبغي على كاتب النص او معده وحتى مخرجه هو المعرفة الدقيقة لمزاج الطفل وتقبله للفكرة المطروحة، علاوة على اهمية ان تنطوي الفكرة على تقديم الحكمة والموعظة والتوجيه بشكل انسيابي وتلقائي وعفوي، فالمباشرة في الطرح وفقدان الهدف هما الخطآن الضاران في الاعمال التي تتوجه الى الاطفال. لذا ينبغي اختيار النصوص لفئات عمرية معينة، تتمحور احداثها حول حياة الاطفال، وتقدم بأسلوب اللعبة المسرحية المحتوية على الغناء والرقص والحركات الايمائية وكل الوسائل التي تعمق احساس الطفل وتثير خياله وتزيده معرفة.. ان نصوصا كهذه مواصفاتها تصل الى جمهور الاطفال من دون ضجر وقد حاولنا في المسرح العراقي على توفير هذه الشروط في بناء مسرح الطفل الذي ازدهر لفترة ثم انتكس للاسف.

* لكي تكتمل اللعبة المسرحية التي تحدثت عنها، ينبغي الاعتناء بأطراف اللعبة.. الممثلين والجمهور.. اذا افترضنا ان هذا الجمهور من الاطفال، فمن هم الممثلون الافضل في مسرح الطفل... الصغار ام الكبار؟ وهل هناك قاعدة تحكم ذلك؟
ـ ليس هناك قاعدة ثابتة في العمل الفني فهو على الدوام مفتوح الاجواء.. السر في نجاح اي عمل هو الاختيار الجيد لموضوعه وتفسيره، من قبل المخرج، التفسير الصحيح.. وللاطفال يجب ان نختار السهولة في التقديم والاقناع في تقديم الشخوص ومن الافضل ان يمثل الاطفال شخصيات صغار السن ويمثل الكبار الشخصيات الاخرى.. وتصل الى قلوب الاطفال تلك الاعمال التي فيها فانتازيا وحبكة ومؤثرات بصرية وصوتية.

* تعج شاشات التلفزيونات العربية بأفلام الكارتون الاجنبية وتغيب عنها افلام الكارتون العربية، فما هي اسباب ذلك؟
ـ للاسف ليس هناك في البلدان العربية مراكز دراسية وبحثية حقيقية تهتم بها يقدم للطفل من اعمال فنية.. طبعا نسمع عن تأليف لجان وانعقاد مؤتمرات ولقاءات تتمخض عن قرارات.. الا انها في النهاية تبقى حبرا على ورق... تهدر الاموال من دون نتائج تذكر.. هناك مراكز دراسات تربوية سواء في الجامعة العربية او في وزارات التربية والتعليم، ولكن جهود تلك المراكز مبعثرة.. الرسوم المتحركة (الكارتون) فن ينتجه الكثير من البلدان حتى الفقيرة منها.. ففي فيتنام مثلا صناعة مزدهرة لهذا الفن، اما العالم العربي فلم يول هذا الجانب اي اهتمام وفضّل السهولة في استيراد افلام من الخارج، وعلى الاخص الرخيصة منها، بهدف ملء الفراغ في ساعات البث التلفزيوني من دون النظر الى المضمون او المستوى والمردود التربوي والمعرفي وحتى الاخلاقي. ان تفعيل هذا الجانب يعتمد على عاملين; الاول مالي، فليس هناك ميزانيات ترصد لتنفيذ مثل هذه الافلام، والثاني هو عدم استيعاب الاضرار التي يمكن ان تلحقها بالطفل وبالاجيال القادمة. فالاستيراد غير المبرمج لأفلام تخرب الطفل ليس في بلداننا (المستهلِكة) فحسب بل انها تخرب الطفل الاوروبي او الاميركي او سواهما في البلدان (المنتجة) نفسها، فمثلا ادارات التلفزيون تستورد الافلام السيئة في الاساس وتقوم بعض الشركات بتصويت تلك الافلام (الدبلجة) بشكل سيئ، ونظرا لأهمية افلام الكارتون ولما تسده من وقت كبير يغطي ساعات بث عديدة ينبغي ان تتوحد الجهود لانتاج افلام تتناسب مع تقاليد وثقافة امتنا ومعالجة الموضوعات العربية ذات المحتوى التثقيفي والمعرفي والانساني يمكن تقديمها حتى من قبل التلفزيونات الاجنبية.

* هل حاولت سد هذا النقص؟ وهل اثمرت جهودك في انتاج فيلم كارتوني؟
ـ بدأت المحاولات الاولى في تقديم اعمال كارتونية عربية قصيرة لمدة دقيقة او دقيقتين تحمل افكارا تعليمية او توجيهية مباشرة، ثم بدأت بالتعاون مع مؤسسة الانتاج البرامجي المشترك، التي اعتبرها رائدة في انتاج افلام الكارتون التي عن طريقها استطعت تحقيق اعمال ذات مستوى فني جيد.. اعتمدنا على كادر عربي يدرك التقاليد واسلوب الحياة العربية... وتوجنا عملنا بانتاج مسلسل عنوانه "زعتور" كنت مخرجا له وكتبته الاديبة بزة الباطني. وكان مشرفا على الرسامين الفنان بسام فرج. كان مسلسل "زعتور" باكورة اعمالنا الناجحة واستقبله الاطفال العرب بحب وعرض بنجاح من على شاشات عربية عديدة وتم الثناء عليه من النقاد والصحافة. لكن الحسابات المادية الضيقة وأدت تلك التجربة.. ووضعت العصي في عجلتها، لكننا ما زلنا مصرين على مواصلة التجربة وتحقيق المزيد من افلام الكارتون العربية.

* "زعتور".. ماذا ينطوي عليه من مضامين فكرية وهل وصلت رسالته في تصوركم الى الطفل العربي؟
ـ سمعت وعلمت، وانا في الغربة، عن مدى تجاوب الاطفال والجمهور الخليجي مع المسلسل.. مضمونه لم يحتو على حكاية واحدة وانما مجموعة حكايات نابعة من تقاليدنا ونمط حياتنا العربية وحكمة مآثر اجدادنا، وما قدمه "زعتور" يفوق ما يقدمه وتقدمه الافلام الاميركية او اليابانية وغيرها عن مجتمعنا.. وهذا ما ينبغي ان يكون دافعا للجهات المنتجة المخلصة لتتضافر جهودها في المواصلة.

* اذاً انت ترى ان الجانب الانتاجي هو الذي يعوق مسيرة افلام الكارتون العربية؟
ـ نعم.. فالموضوعات العربية كثيرة وزاخرة بالاحداث، وثمة كتاب عرب قادرون على تقديم المزيد في هذا المجال، ونستطيع العمل معهم، نحن الجانب التقني والتشكيلي والاخراجي بالتعاون معهم لكتابة سيناريوهات افلام الرسوم المتحركة، وضمن مواصفات متقدمة ومتطورة جدا، تعتمد على الفعل والحركة والفنتازيا والموسيقى والاغاني والحكايات الجميلة والاقتصاد في الحوار.. الخ. كما نستطيع توفير كل الامكانيات لتدريب كادر على مستوى عالمي في تنفيذ افلام الرسوم المتحركة.

* ماذا عن امكانيات التلفزيونات العربية في تنفيذ ذلك؟
ـ التلفزيونات العربية حاليا، لا تستطيع ذلك، فالذي يستطيع تنفيذ ذلك الاستوديو المستقل.. فعلى الرغم من التقدم التكنولوجي في صناعة الكارتون المعاصرة فانه لم يجر الاستغناء عن الانسان الفنان الذي يصنع الكارتون ويمده بالروحية الانسانية، ولتعويض النقص ارى من الضروري الاتجاه الى حيث توجد الامكانات والطاقات القادرة على التنفيذ.. وطاقمنا ما زال على استعداد لتكرار تجربة مثل "زعتور"، وتقديم الخطط اللازمة لانتاج افلام رسوم متحركة تتوجه الى الطفل العربي وتملأ وتسد هذا النقص الذي لو استمر لزاد في الحاق الضرر بالطفل العربي حاليا، وبالاجيال اللاحقة
0
639

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️