رحلة تركيا خريف 2010

السياحة والسفر

للخريف في تركيا قصة طويلة .. روتها لي نسمات الصباح المحملة برائحة الأرض الزكية، روتها لي رقائق الذهب التي كانت تتهادى فوق رؤوسنا ونحن نتمشى على الرصيف، روتها لي المساجد، بقممها العثمانية العتيقة ومآذنها التي تحاكي الغيوم، وباحاتها الواسعة المشبعة بأمطار السماء .. السماء في اسطنبول تختلف عن كل سماء، لا لاختلاف البحر عن الأبيض المتوسط الذي نعرفه، ولكن لسحر آخر ... قد تكون السماء هناك أكثر نوراً، تبدو أعلى وأوسع وأصفى، حتى غيوم الخريف فيها لا تبدو إلا ضاحكة، أو .. هكذا كانت تفعل وهي تحدثني، وهي تروي لي قصة الخريف الطويلة ....

قصة , أبطالها ماء ونقاء، ودفء يتغلغل في قلب البيوت التركية الصغيرة، حنان تراه على وجوه العجائز، ملامحه تبدو واضحة في تجاعيد الوجوه التي عهدتها من قبل، قصة زمانها بعيد بعيد، أبعد من التاريخ حتى، لن تحدده بعمر المبانيأو المتاحف أو الأسواق، بل أقصد أبعد من ذلك بكثير، فالخريف الذي وجدته وذبت فيه يعود إلى زمااااان .. حدثني عنه الشعب هناك دون أن أفقه لغتهم .. إنه الزمان الموجود في قلب كل منا، نشعر به ولا نعرفه، يأتينا كنفحات تنقلنا إلى عالم آخر نتمنى أن نكون فيه !!

أي زمان أقصد ؟
قد أقصد زمن النبوة، حيث كان المسلمون الاوائل يرتشفون رحيق الدين الجديد بقلوب متعطشة كالأرض هناك وهي تمتص خير السماء، قد أقصد زمن التابعين.. على هذه الأرض عاشوا، وفي القسطنطينية استشهدوا، ولا زالت قبورهم تشهد لهم بأنهم شهداء، زرتهم وسلمت عليهم وأدركوا سلامي، كان هناك رجل عجوز يكنس عن قبورهم أوراق الشجر اليابسة: رقائق الذهب تلك، يجمعها في مكان واحد لتكون جزيرة من الكنز، تمنيت لو أحصل على مهنته وأكون مكانه، هكذا أصبح أقرب من وشوشات الشجر وهمسات الأرض، وأقف على أرض باطنها شهداء كذلك، يا لفخر مهنته !

قصة الخريف في تركيا ليس لها مكان واحد، قد تقع لك أحداثها وأنت تركض هارباً من امطار تباغتك وتباغت بائعي الكستناء بعرباتهم الصغيرة فيهربون أيضا وينشرون رائحة الشواء الدافئة في كل القلوب، قد تقع لك احداثها وانت تمشي على الطريق أو تعلق في تلفريك، أو تخوض البحر في سفينة، أو حتى وأنت ترتاح على سريرك عشية وقد امتلأ قلبك بهجة ونفسك طمأنينة، لكن أكثر أحداث القصة تابعتها في مسجد صغير في قلب اسطنبول، مسجد دفن فيه الصحابي أبو أيوب الأنصاري وله مقام هناك، في ذلك المسجد تركت ابنتي مع أبيها وصعدت إلى عليائه أصلي وأسبح وأدعو، كان دعائي قريبا جدا وكنت على جناح الوصول، مطر نقي وشمس دافئة وحوار حميم بين أحجار المسجد وزخارفه، وعائلة تركية جاءت تصلي، على وجه كل منهم جمال من زمن بعيد، تكلمني وجوههم فأفهم لغتها وأعرف معانيها وأوقن أنني أعرفهم منذ زمن بعيد، أعرفهم اكثر مما أعرف أهلي، فتأخذني معهم أحداث قصة أخرى، أشعر بعذوبة الطفولة، هكذا أشعر .. دون اي مبررات ..

اسطنبول .. الخريف فيك، فصل آخر، وقد وجدت فيك وطناً آخر،لم أفهم له لغة ولا حفظت له مكانا، لكنه عرفني وعرفته وأسكنني سحر الجمال ..
3
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

كوكوة شانيلة
كوكوة شانيلة
الله يعطيك العافية
عروسة الربيع
عروسة الربيع
الله يعافيك .. كوكوة.. اشكركم على قراءتكم .
**مس غامد**
**مس غامد**
يسلموووووووووووووووو