همسات الوادي

همسات الوادي @hmsat_aloady

محررة برونزية

اية وتفسيرها

الأمومة والطفل

تفسير سورة البقرة – الاية 233
قوله تعالى: و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة.
الوالدات هن الأمهات، و إنما عدل عن الأمهات إلى الوالدات لأن الأم أعم من الوالدة كما أن الأب أعم من الوالد و الابن أعم من الولد، و الحكم في الآية مشروع في خصوص مورد الوالدة و الولد و المولود له، و أما تبديل الوالد بالمولود له، ففيه إشارة إلى حكمة التشريع فإن الوالد لما كان مولودا للوالد ملحقا به في معظم أحكام حياته لا في جميعها كما سيجيء بيانها في آية التحريم من سورة النساء إن شاء الله كان عليه أن يقوم بمصالح حياته و لوازم تربيته، و منها كسوة أمه التي ترضعه، و نفقتها، و كان على أمه أن لا تضار والدة لأن الولد مولود له.
و من أعجب الكلام ما ذكر بعض المفسرين: أنه إنما قيل: المولود له دون الوالد: ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهن لأن الأولاد للآباء و لذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات، و أنشد المأمون بن الرشيد: و إنما أمهات الناس أوعية مستودعات و للآباء أبناء.
انتهى ملخصا، و كأنه ذهل عن صدر الآية و ذيلها حيث يقول تعالى: أولادهن و يقول: بولدها، و أما ما أنشده من شعر المأمون فهو و أمثاله أنزل قدرا من أن يتأيد بكلامه كلام الله تعالى و تقدس.
و قد اختلط على كثير من علماء الأدب أمر اللغة، و أمر التشريع، حكم الاجتماع و أمر التكوين فربما استشهدوا باللغة على حكم اجتماعي، أو حقيقة تكوينية.
و جملة الأمر في الولد أن التكوين يلحقه بالوالدين معا لاستناده في وجوده إليهما معا، و الاعتبار الاجتماعي فيه مختلف بين الأمم: فبعض الأمم يلحقه بالوالدة، و بعضهم بالوالد و الآية تقرر قول هذا البعض، و تشير إليه بقوله: المولود له كما تقدم، و الإرضاع إفعال من الرضاعة و الرضع و هو ** الثدي بشرب اللبن منه، و الحول هو السنة سميت به لأنها تحول و إنما وصف بالكمال لأن الحول و السنة لكونه ذا أجزاء كثيرة ربما يسامح فيه فيطلق على الناقص كالكامل، فكثيرا ما يقال: أقمت هناك حولا أو حولين إذا أقيم مدة تنقص منه أياما.
و في قوله تعالى: لمن أراد أن يتم الرضاعة، دلالة على أن الحضانة و الإرضاع حق للوالدة المطلقة موكول إلى اختيارها و البلوغ إلى آخر المدة أيضا من حقها فإن شاءت إرضاعه حولين كاملين فلها ذلك و إن لم تشأ التكميل فلها ذلك، و أما الزوج فليس له في ذلك حق إلا إذا وافقت عليه الزوجة بتراض منهما كما يشير إليه قوله تعالى فإن أرادا فصالا «إلخ».
قوله تعالى: و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها، المراد بالمولود له هو الوالد كما مر، و الرزق و الكسوة هما النفقة و اللباس، و قد نزلهما الله تعالى على المعروف و هو المتعارف من حالهما، و قد علل ذلك بحكم عام آخر رافع للحرج، و هو قوله تعالى: لا تكلف نفس إلا وسعها، و قد فرع عليه حكمين آخرين، أحدهما: حق الحضانة و الإرضاع الذي للزوجة و ما أشبهه فلا يحق للزوج أن يحول بين الوالدة و ولدها بمنعها عن حضانته أو رؤيته أو ما أشبه ذلك فإن ذلك مضارة و حرج عليها، و ثانيهما: نفي مضارة الزوجة للزوج بولده بأن تمنعه عن الرؤية و نحو ذلك، و ذلك قوله تعالى: لا تضار والدة بولدها و لا مولود له بولده، و النكتة في وضع الظاهر موضع الضمير أعني في قوله.
بولده دون أن يقول به رفع التناقض المتوهم، فإنه لو قيل: و لا مولود له به رجع الضمير إلى قوله ولدها و كان ظاهر المعنى: و لا مولود له بولد المرأة فأوهم التناقض لأن إسناد الولادة إلى الرجل يناقض إسنادها إلى المرأة، ففي الجملة مراعاة لحكم التشريع و التكوين معا أي أن الولد لهما معا تكوينا فهو ولده و ولدها و له فحسب تشريعا لأنه مولود له.
قوله تعالى: و على الوارث مثل ذلك، ظاهر الآية: أن الذي جعل على الوالد من الكسوة و النفقة فهو مجعول على وارثه إن مات، و قد قيل في معنى الآية أشياء أخر لا يوافق ظاهرها، و قد تركنا ذكرها لأنها بالبحث الفقهي أمس فلتطلب من هناك، و الذي ذكرناه هو الموافق لمذهب أئمة أهل البيت فيما نقل عنهم من الأخبار، و هو الموافق أيضا لظاهر الآية.
قوله تعالى: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما و تشاور إلى آخر الآية، الفصال الفطام، و التشاور: الاجتماع على المشورة، و الكلام تفريع على الحق المجعول للزوجة و نفي الحرج عن البين، فالحضانة و الرضاع ليس واجبا عليها غير قابل التغيير، بل هو حق يمكنها أن تتركه.
فمن الجائز أن يتراضيا بالتشاور على فصال الولد من غير جناح عليهما و لا بأس، و كذا من الجائز أن يسترضع الزوج لولده من غير الزوجة الوالدة إذا ردت الولد إليه بالامتناع عن إرضاعه، أو لعلة أخرى من انقطاع لبن أو مرض و نحوه إذا سلم لها ما تستحقها تسليما بالمعروف بحيث لا يزاحم في جميع ذلك حقها، و هو قوله تعالى: و إن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف.
قوله تعالى: و اتقوا الله و اعلموا أن الله بما تعملون بصير، أمر بالتقوى و أن يكون هذا التقوى بإصلاح صورة هذه الأعمال، فإنها أمور مرتبطة بالظاهر من الصورة و لذلك قال تعالى: و اعلموا أن الله بما تعملون بصير، و هذا بخلاف ما في ذيل قوله تعالى السابق: و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن الآية من قوله تعالى: و اتقوا الله و اعلموا أن الله بكل شيء عليم، فإن تلك الآية مشتملة على قوله تعالى: و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، و المضارة ربما عادت إلى النية من غير ظهور في صورة العمل إلا بحسب الأثر بعد.
بحث روائي
و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى: و الوالدات يرضعن أولادهن، الآية: عن الصادق (عليه السلام)، قال: و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين، قال: ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية فإذا فطم فالوالد أحق به من العصبة و إن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم، و قالت الأم: لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فإن له أن ينزعه منها، إلا أن ذلك أجبر له و أقدم و أرفق به أن يترك مع أمه.
و فيه، أيضا عنه: في قوله تعالى: لا تضار والدة الآية، قال (عليه السلام): كانت المرأة ممن ترفع يدها إلى الرجل إذا أراد مجامعتها فتقول: لا أدعك، إني أخاف أن أحمل على ولدي، و يقول الرجل للمرأة: لا أجامعك إني أخاف أن تعلقي فأقتل ولدي، فنهى الله أن يضار الرجل المرأة و المرأة الرجل.
و فيه، أيضا عن أحدهما (عليهما السلام): في قوله تعالى: و على الوارث مثل ذلك قال: هو في النفقة: على الوارث مثل ما على الوالد.
و فيه، أيضا عن الصادق (عليه السلام): في الآية، قال لا ينبغي للوارث أيضا أن يضار المرأة فيقول: لا أدع ولدها يأتيها، و يضار ولدها إن كان لهم عنده شيء، و لا ينبغي له أن يقتر عليه.
و فيه، أيضا عن حماد عن الصادق (عليه السلام) قال: لا رضاع بعد فطام، قال: قلت له: جعلت فداك و ما الفطام؟ قال: الحولين الذي قال الله عز و جل.
أقول: قوله: الحولين، حكاية لما في لفظ الآية و لذا وصفه (عليه السلام) بقوله: الذي قال الله.
و في الدر المنثور،: أخرج عبد الرزاق في المصنف و ابن عدي عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يتم بعد حلم، و لا رضاع بعد فصال، و لا صمت يوم إلى الليل، و لا وصال في الصيام، و لا نذر في معصية، و لا نفقة في المعصية، و لا يمين في قطيعة رحم، و لا تعرب بعد الهجرة، و لا هجرة بعد الفتح، و لا يمين لزوجة مع زوج، و لا يمين لولد مع والد، و لا يمين لمملوك مع سيده، و لا طلاق قبل نكاح، و لا عتق قبل ملك
1
584

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

www333
www333
جزاك الله خيراًُ وان شاءالله اتم رضاعة الحولين