(أفأمنوا مكر الله)

الملتقى العام


{ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ }


قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه ونوّر ضريحه في كتابه الفريد:
:

" باب قول الله تعالى: { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}
وقوله: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر؟ فقال: "الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله"
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله" رواه عبد الرازق.

فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية الأعراف.
الثانية: تفسير آية الحجر.
الثالثة: شدة الوعيد فيمن أمن مكر الله.
الرابعة: شدة الوعيد في القنوط "



قال الإمام الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ شارحاً في كتابه :

" قوله: " باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ".
قصد المصنف -رحمه الله- بهذه الآية التنبيه على أن الأمن من مكر الله من أعظم الذنوب، وأنه ينافي كمال التوحيد، كما أن القنوط من رحمة الله كذلك، وذلك يرشد إلى أن المؤمن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وأرشد إليه سلف الأمة والأئمة.
ومعنى الآية: أن الله -تبارك وتعالى- لما ذكر حال أهل القرى المكذبين للرسل بيّن أن الذي حملهم على ذلك هو الأمن من مكر الله وعدم الخوف منه، كما قال تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} أي الهالكون. وذلك أنهم أمنوا مكر الله لما استدرجهم بالسراء والنعم، فاستبعدوا أن يكون ذلك مكرا.
قال الحسن -رحمه الله-: " من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له ".
وقال قتادة: " بَغَت القومَ أمر الله، وما أخذ الله قوما قط إلا عند سلوتهم ونعمتهم وغرتهم. فلا تغتروا بالله " .
وفي الحديث: " إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج " . رواه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم.
وقوله: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} .
وقال إسماعيل بن رافع: " من الأمن من مكر الله إقامة العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة" " رواه ابن أبي حاتم.
وهذا هو تفسير المكر في قول بعض السلف: " يستدرجهم الله بالنعم إذا عصوه، ويملي لهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر".
وهذا هو معنى المكر والخديعة ونحو ذلك، ذكره ابن جرير بمعناه.

قال: "وقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} ".
القنوط: استبعاد الفرج واليأس منه، وهو يقابل الأمن من مكر الله، وكلاهما ذنب عظيم، وتقدم ما فيه لمنافاته لكمال التوحيد.
وذكر المصنف -رحمه الله تعالى- هذه الآية مع التي قبلها تنبيها على أنه لا يجوز لمن خاف الله أن يقنط من رحمته، بل يكون خائفا راجيا، يخاف ذنوبه ويعمل بطاعته، ويرجو رحمته، كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} . وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . فالرجاء مع المعصية وترك الطاعة غرور من الشيطان، ليوقع العبد في المخاوف مع ترك الأسباب المنجية من المهالك، بخلاف حال أهل الإيمان الذين أخذوا بأسباب النجاة خوفا من الله تعالى وهربا من عقابه; وطمعا في المغفرة ورجاء لثوابه.
والمعنى: أن الله تعالى حكى قول خليله إبراهيم -عليه السلام-، لما بشرته الملائكة بابنه إسحاق {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} ؛ لأن العادة أن الرجل إذا كبر سنه وسن زوجته استبعد أن يولد له منها، والله على كل شيء قدير. فقالت الملائكة: {بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ} الذي لا ريب فيه؛ فإن الله إذا أراد شيئا إنما يقول له: كن فيكون. {فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ} أي من الآيسين، فقال -عليه السلام-: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ} فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك وأعظم; لكنه- والله أعلم- قال ذلك على وجه التعجب.
قوله: {إِلا الضَّالُّونَ} قال بعضهم: إلا المخطئون طريق الصواب، أو إلا الكافرون.

وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال: " الشرك بالله واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله ".
كقوله: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} .

قوله: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر؟ فقال: " الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله " .
هذا الحديث رواه البزار وابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس، ورجاله ثقات إلا شبيب بن بشر. فقال ابن معين: ثقة. ولينه أبو حاتم. وقال ابن كثير: في إسناده نظر، والأشبه أن يكون موقوفا.
قوله: "الشرك بالله" هو أكبر الكبائر. قال ابن القيم -رحمه الله-: " الشرك بالله هضم للربوبية وتنقص للإلهية، وسوء ظن برب العالمين". انتهى.
ولقد صدق ونصح. قال تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} وقال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . ولهذا لا يغفره الله إلا بالتوبة منه.
قوله: "واليأس من روح الله" أي قطع الرجاء والأمل من الله فيما يخافه ويرجوه، وذلك إساءة ظن بالله، وجهل به وبسعة رحمته وجوده ومغفرته.
قوله: "والأمن من مكر الله" أي من استدراجه للعبد وسلبه ما أعطاه من الإيمان، نعوذ بالله من ذلك. وذلك جهل بالله وبقدرته، وثقة بالنفس وعجب بها.
واعلم أن هذا الحديث لم يرد به حصر الكبائر في الثلاث، بل الكبائر كثيرة، وهذه الثلاث من أكبر الكبائر المذكورة في الكتاب والسنة، وضابطها ما قاله المحققون من العلماء: كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب أو عذاب. زاد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: أو نفي الإيمان. قلت: ومن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: " ليس منا من فعل كذا وكذا ".
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: " هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار ".

وعن ابن مسعود قال: " أكبر الكبائر: الإشراك بالله،والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله " . رواه عبد الرزاق ورواه ابن جرير بأسانيد صحاح عن ابن مسعود رضي الله عنه.
قوله: "أكبر الكبائر الإشراك بالله" أي في ربوبيته أو عبادته. وهذا بالإجماع.
قوله: "والقنوط من رحمة الله" قال أبو السعادات: هو أشد اليأس. وفيه التنبيه على الرجاء والخوف، فإذا خاف فلا يقنط ولا ييأس، بل يرجو رحمة الله. وكان السلف يستحبون أن يقوى في الصحة الخوف، وفي المرض الرجاء. وهذه طريقة أبي سليمان الداراني وغيره. قال: ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف، فإذا غلب الرجاء الخوف فسد القلب. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} . وقال: {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} . قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} . وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} الآية. قدم الحذر على الرجاء في هذه الآية " انتهى

المصدر : فتح المجيد شرح كتاب التوحيد تأليف الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله بتعليق الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله ، ومعه كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، من صفحة :

منقول

14
799

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

almasa53
almasa53
حواء السلفيه
حواء السلفيه
واياك اخيتي سعدت بردك
ام سويمبي
ام سويمبي
بارك الله فيك
arwa-2011
arwa-2011
حيـ الروح ـاة
حيـ الروح ـاة
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم