لا تتبع النظرة النظرة

الملتقى العام

لا تتبع النظرة النظرة
النظرة سهم مسموم فأثرها يستمر وإن غاب المنظور إليه ,تشغل فكرا فتورث هما, وتبذر شهوة فتنبت هوى ,شأنها شأن السهم المسموم ,فإن السم يظل يسري منه إلى الجسم وإن نزع السهم من موضع الإصابة.لأن هيبة الله في القلوب قلت, والجرأة على محارمة زادت ,وتكرار النظر إلى الفواحش أورث القلب بلادة في الإحساس وإستئناسا بالذنب وإدمانا له وفرحا عند الظفر به.
لأن أشباه يوسف قلوا ,وعدوات الحور العين أطللن من شاشات التلفاز وصفحات الجرائد والمسجلات,وأخوات امرأة العزيز عجت بهن طرقات المدينه,في حصار يشبه ما فعلته أختهن من قبل (وغلقت الأبواب)يوسف :23,وأبرزت كل واحدة منهن مفاتنها ,وكشف ما استتر من زينتها ,ولسان حالها يقول للشباب (هيت لك)يوسف :23,ولأن الشهوات استعرت, والعورات انكشفت ,وتجارة الجسد راجت ,والحرام أطل برأسه ,والحياة صار سلعة نادرة,وطريق الحرام بات ممهدا ,ووضعت العراقيل في طريق الحلال ,و ارتدى المنكر ثياب المعروف, وأطفئت النار بمزيد الحطب, واختلط الحابل بالنابل ,وصار ظلمات بعضها فوق بعض.
ولهذا كان غض البصر عن المحارم يوجب ثلاث فوائد عظيمة الخطر جليلة القدر: إحداهما :حلاوة الإيمان ولذته ,التي هي أحلى وأطيب وألذ مما صرف بصره عنه وتركه لله تعالى.فإن من ترك شيئا لله عوضه الله عز وجل خيرا منه,والنفس مولعة بحب النظر إلى الصور الجميلة,والعين رائد القلب.فيبعث رائده لنظر ما هناك ,فإذا أخبره بحسن المنظور إليه وكماله,تحرك ااشتياقا إليه,وكثيرا ما يتعب ويتعب رسوله ورائده,كما قبل :
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا
لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه
وعلى عن بعضه أنت صابر
فإذا كف الرائد عن الكشف والمطالعة استراح القلب من علقة الطلب والإرادة ,فمن أطلق لحظاته دامت حسراته,فإن النظر يولد المحبة.فتبدأ علاقة يتعلق بها القلب بالمنظور إليه.
ثم تقوى فتصير صبابة.بنصب إليه القلب بكليته.ثم تقوى فتصير غراما يلزم القلب ,كلزوم الغريم الذي لايفارق غريمه.ثم يقوى فيصير عشقا وهو الحب المفرط ثم يقوى فيصير شغفا فيصير تتيما. والتتيم التعبد ومنه تيمه الحب إذا عبده.وتيم الله عبد الله.وهذا كله جناية النظر فحينئذ يقع القلب في الأسر. فيصير أسيرا بعد ان كان ملكا...وهذا إنما تبتلى به القلوب الفارغة من حب الله والإخلاص له,فإن القلب لابد له من التعلق بمحبوب فمن لم يكن الله وحده محبوبه و إلهه و معبوده فلا بد أن يتعبد قلبه لغيره.قال تعالى (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين )فامرأة العزيز لما كانت مشركة وقعت فيما وقعت فيه,مع كونها ذات زوج. ويوسف عليه السلام لما كان مخلصا لله تعالى نجا من ذالك مع كونه شابا غريبا مملوكا.
الفائدة الثانية في غض البصر :نور القلب وصحة الفراسة.قال أبو شجاع الكرماني: ((من عمر ظاهره بإتباع السنة: وباطنه بدوام المراقبة, وكف النفسه عن الشهوات , وغض بصره عن المحارم ,واعتاد أكل الحلال لم تخطىء له فراسة)) وقد ذكر الله سبحانه قصة قوم لوط وما ابتلوا به ,ثم قال بعد ذالك(إن في ذلك لآيات للمتوسمين) وهم المتفرسون الذين سلموا من النظر المحرم و الفاحشه,وقال تعالى عقيب أمر للمؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم.(الله نور السموات والأرض) وسر هذا : أن الجزاء من جنس العمل .فمن جنسه ما هو خير منه ,فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه ,فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله تعالى ,وهذا أمر يحسه الإنسان من نفسه .فإن القلب كالمرآة , والهوى كالصدأ فيها .فإذا خلصت المرآة من الصدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي عليه. وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات.فيكون علمه وكلامه من باب الخرص والظنون.
الفائدة الثالثة:قوة القلب وثباته وشجاعته ,فيعطيه الله تعالى بقوته سلطان النصرة كما أعطاه بنور سلطان الحجة, فيجمع له بين السلطانين,ويهرب الشيطان منه كما في الأثر ((إن الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله)). ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه ,فإنه سبحانه جعل العزلمن أطاعة والذل لمن عصاه.قال تعالى(ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين).



المراجع:
إغاثة اللهفان الجزء الأول لابن قيم الجوزية
صفقات رابحة د.خالد أبوشادي
2
763

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ثبات يهز الجبال
جزاك الله خير
نور الفجر الساطع