فضل الأمراض والعلل ..

ملتقى الإيمان

فضل الأمراض والعلل،واحتسـاب الأجر من الله سبحانه وتعالى عند وجودها:

أيها المريض :

ثبت في صحيح مسلم عن صهيب-رضي الله عنه- قال:قال رسول الله r:

(عجباً لأمر المؤمن،إنَّ أمره كلَّه خيرٌ،وليس ذلك لأحد إلاَّ للمؤمن،إنْ أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له،وإنْ أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له ) .

فالمؤمن في هذه الدنيا يعيش أيام حياته راضياً بقضاء الله وقدره،لعلمه أنَّ الابتلاء فيها سُنَّةٌ إلهية وإرادة ربانية …

والمؤمن يعلم:أنه كم من نعمة لو أعطيها العبد في دنياه -وهو يحب ذلك-كانت سبباً في شقائه وتعاسته،وكم من محروم من نعمة-وهو يكره الحرمان-فيكون ذلك سبباً في سعادته في الدنيا والآخرة ..

قال الله جلَّ وعلا: وعسى أنْ تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أنْ تُحبوا شيئاً وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( سورة البقرة،الآية:216.

أيها المريض :

إنَّ الدنيا التي اغتر بها كثير من الناس،فجعلها منتهى أمله،وأكبر همه .. وصفها ربها سبحانه بقوله: ) وما الحيـاةُ الدنيا إلاَّ مَتاع الغرور (سورة الحديد،الآية: 2.
وقال r : (لو كانـت الدنيا تعدل عند الله جنـاح بعوضة،ما سقى كافراً منها شربةَ ماء ) رواه الترمذي(صحيح الجامع،رقم:5292) .282

وهي مع ذلك لا يدوم لها حال،إنْ أضحكت قليلاً،أبكت كثيراً ،وإنْ أسرَّت يوماً ساءت أيَّاماً ودهوراً..لا يسلم المرء فيها من سقم يكدر صفو حياته،أو مرض يوهن قوَّته ويُعكِّر لحظاته ..

يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله- في زاد المعاد(4/190) عن الدنيا:

(..إنْ أضحكت قليلاً أبكت كثيراً،وإنْ سرَّت يوماً ساءت دهـراً،وإنْ مَتَّعت قليلاً منعت طويلاً، وما ملأت داراً خيرةً،إلا ملأتها عَبرةً ،ولا سرَّته بيومِ سرورٍ،إلا خبأت له يومَ شرورٍ.


قال ابن مسعود-رضى الله عنه-:لكلِّ فرحةٍ تَرْحةٌ،وما مُلئ بيتٌ فرحاً،إلا ملئ ترحاً.

وقال ابن سيرين:ما كان ضحكٌ قط،إلا كان من بعده بكاءٌ .

وقالت هند بنت النعمان:لقد رأيتُنَا ونحن من أعزِّ الناس وأشدِّهم ملكاً؛ثمَّ لم تغب الشمسُ حتى رأيتُنا ونحن أقلّ الناسِ.وأنَّه حقٌّ على الله: ألا يملأ داراً خَيْرةً إلا ملأها عَبرة .

وسألها رجلٌ أن تُحدِّث عن أمرها،فقالت: أصبحنا ذات صباح:وما في العرب أحدٌ إلاَّ ويرجونا،ثمَّ أمسينا:وما في العرب أحدٌ إلاَّ ويرحمنا ) .


ولذلك كانت وصية من عرفَ قَدْرَها وحقيقتها r :
(كُنْ في الدنيـا كأنَّك غَريبٌ،أو عابر سبيلٍ ) رواه البخاري .

وهكذا ..من عرف حقيقة الدنيا زهد فيها،ومن زهد فيها هانت عليه أكدارها ومصائبها ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أيها المريض :

صحَّ عن نبينا r أنه قال: (إنَّ عظـم الجـزاء مع عظم البلاء؛وإنَّ الله تعالى إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم،فمن رضي فله الرّضى،ومن سخـط فله السُّخط )رواه الترمذي (صحيح الجامع،رقم:2110) .

فالبلاء والأمراض والأسقام:إذا كانت فيمن أحسن ما بينه وبين ربه،ورزقه صبراً عليها،كانت علامة خير ومحبة ..

في سنن الترمذي عن أنس-رضي الله عنه-قال:قال رسول الله r :
(إذا أراد الله بعبده الخير عجَّلَ له العقوبة في الدنيا،وإذا أراد بعبده الشَّر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة ) (صحيح الجامع،رقم:308) .



والمتأمَّلُ لحال الأنبياء-عليم الصلاة والسلام-وهم من أحبِّ الخلق إلى الله وجدَ
البلاء والأمراض والعلل طريقهم،بل إنهم من أشدِّ الناس بلاءً،ومرضاً وسقماً..

دخل عبدا لله بن مسعود-رضي الله عنه-على الرسول r وهو يوعك،فقال:يا رسول الله إنَّك توعك وعكاً شديداً،قال r : (أجل، إني أوعك كمَا يوعكُ الرجلان منكم ) (متفق عليه) .

وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال:دخلت على رسول الله r وهو محموم عليه قطيـفةٌ،فوضعت يدي فـوق القطيفة،فقلت:ما أشـدَّ حُـمَّـاك يا رسول الله!قال(إنَّـا كذلك معاشر الأنبياء يُشدَّد علينا البلاء ، ويُضاعَف لنا الأجر ).ثم قال :يا رسول الله من أشدُّ الناس بلاءً ؟ قال: (الأنبياء )قال :ثم من ؟ قال: (العلماء )قال : ثم من ؟ قال: ( الصالحون،وكان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله،ويبتلى أحدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها،ولأحدهم كان أشدَّ فرحاً بالبلاءِ من أحدكم بالعطاء ) صحيح الترغيب(3/330) .

وسـأله سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-: أيُّ الناس أشدُّ بلاءً ؟قال r : (أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمْثَلُ،يبتلى الرجل على حسب دينه فإنْ كان دينُهُ صلباً أشتدَّ بلاؤه ،وإنْ كان في دينه رقَّـهٌ ابتُلي على حسب دينـه،وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ) (رواه الترمذي وابن ماجة) صحيح الترغيب(3/329) .


ولهذه المحاسن في الابتلاء:فرح الصالحون عند وجود البلاء،وعـدُّوا ذلك من الهموم والأمراض والأسقام نعمة عظيمة عليهم،وبشارة خيرٍ جاءتهم ..


نفسُ المحبِّ على الآلام صابرةٌ لعلَّ مُتلِفـها يومـاً يداويـها


________________

.
أيها المريض :

اعلم أنَّ ما أصابك قليل بالنسبة لما أعطاك الله..والعبد المؤمن بقضاء الله وقدره:ينظر (إلى ما أصيب به، فيجد ربَّه قد أبقى عليه مثله،أو أفضل منه،وادَّخر له-إن صبر ورضيَ-ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة؛وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي ) (1) .

أيها المريض :

إن أصابك بلاءٌ،أو مرض فارفع يديك إلى السماء ،وقل:يا الله ..

فالله سبحانه:مُفرِّج الكروب والأحزان،وهو الشافي والمعافي للأدواء والأسقام..

قال تعالى(أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء(
لا يكشف السـوء،ولا يجب المضطر إذا دعا إلا الله سبحانه في علاه
إنْ أصابتك أيها العبد علَّة أو مرضٌ:خذ بالأسباب مع الاعتقاد أن الله هو الشافي)وإذا مرضت فهو يشفين(وكن جاعلاً بثك وحزنك إلى الله،وأنزل ما أصابك من البلاء بالله ..



__________________

قال يعقوب-عليه السلام- لما ابتلي بفقد يوسف قال( إنَّمَا أشـكوا بثي وحزني إلى الله (.

وعنْ أمِّ سلمة – رضي الله عنها – قالت:سمعتُ رسول الله r يقول ( ما أبتلى الله عبداً ببلاءٍ وهو على طريقةٍ يَكْرَهُها ؛ إلا جعل الله ذلك البلاءَ كَفَّارةً وطهوراً ما لم يُنْـزِل ما أصابَهُ من البلاءِ بغير الله،أو يدعو غيرَ الله في كَشْفِه ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


أيها المريض :

اعلم أنه مما يطفئ نار مصيبتك:هو برد التأسي بأهل المصائب،ولتعلـم أنه في كلِّ وادٍ بنو سعد؛ ولتنظر يمنةً،فهل ترى إلا محنةً،ثم لتعطف يسرةً،فهل ترى إلا حسـرةً ؟وأنه لو فتشت العالم:لم تر فيهم إلا مبتلى إمَّا بفوات محبوب،أو حصول مكروه ..(2) .

___________________

.
فمن رأى مصائب الناس هانت عليه مصائبه ..

صحَّ عن النبي r أنه قال:
(انظروا إلى من هو أسفل منكم،ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) رواه مسلم .


فمن رحمة الله بك:أنَّ البلاء كان في جسدك ولم يكن في دينك،فالـمُصَابُ في الدين من أعظم المصائب التي لا جابر لها إلاَّ بالتوبة الصادقة،والعودة إلى الله ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيها المريض :

قال الله جلَّ وعلا( ولنبلونَّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين*الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )سورة البقرة،الآيات:155-157.

فالأمراض والأسقام:من جملة ما يبتلي الله به عباده في هذه الدنيا:اختباراً وابتلاءً،وتكفيراً للذنوب، ورفعةً وعلواً للعبد في الدنيا والآخرة ..

العـبد ذو ضـجرٍ والرَّب ذو قدرٍ والـدهر ذو دولٍ والـرزق مقسوم

والخيرُ أجمـعُ فيما اختـارَ خالقُنا وفي اختيـارِ سـواه الشُّوم واللُّوم




عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال : قال رسول الله r:

(يود أهل العافية يوم القيامة حين يُعطي أهلُ البلاء الثوابَ،لو أن جلودهم كانت قرضت بالدنيا بالمقاريض) رواه الترمذي،صحيح الجامع،رقم:8177.

وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال:قال رسول (ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه،إلا حطَّ الله به من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)رواه مسلم .

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال:قال رسول الله (ما يزال البـلاء بالمؤمن والمؤمنة،في نفسه وولده وما له،حتى يلقي الله تعالى وما عليه خطيئة ) رواه الترمذي،صحيح الجامع،رقم: 5816 .

ودخل الرسول r على أمِّ السائب-رضي الله عنها-،فقال ( ما لك يا أمَّ السائب تزقزقين (1)؟)قالت : الحمَّى لا باركَ الله فيها،فقال: ( لا تسـبي الحمَّى،فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد) رواه مسلم .
_______________


أيها المريض :

إذا بلغ المبتلى في الجزع غايته،فآخر أمره إلى صبر الاضطرار،وهو غير محمود ولا مُثَاب عليه .

قال بعض الحكماء(العاقل يفعل في أول يوم مصيبته،ما يفعله الجاهل بعد أيام.

ومن لم يصبرْ صبرَ الكرام،سلا سلُوَّ البهائم )


وفي الصحيح عن النبي r قال(الصبر عند الصدمة الأولى ).وقال الأشعث بن قيس:إنَّك إنْ صبرت إيماناً واحتساباً؛وإلاَّ سلوتَ سلُوَّ البهائم )(2) .

ثم إنَّ الجزع لا يرد المرض،بل يضاعفه،ويزيد من تأثيره،مع فوات ثواب الصبر والتسليم،وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع. وهذا الفوات:هو في الحقيقة أعظم من المرض نفسه .

فالمرض حاصل شاء العبد أم أبى،فلا يكون مرضٌ وحرمان أجر !! .

_________________

أيها المـريض:

لا بد لكلِّ عسرٍ من يسر،ولكلِّ شدة من فرج..هذه هي سنة الله تعالى في خلقه..إرادة كونيةٌ ربَّانيةٌ كائنة لا محالة .
_________________

والأمراض والبلايا والأسقام مهما عظمت وطالت أيامها،فلابد لها من نهاية،ولساعتها من انقضاء ..

عسى ما ترى أن لا يدوم وأنْ ترى له فرجاً ممَّا ألـحَّ له بِه الــدَّهـرُ
عسى فـرجٌ يأتي بـه الله إنَّـه له في كــلِّ يومٍ في خليقـتِه أمرُ
إذا لاح عُسْرٌ فارجُ يســراً فإنَّه قضـى اللهُ أنَّ العُسْـرَ يتبعُهُ اليُسرُ(1)



____________________



(ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب،واليسر بالعسر:أنَّ الكرب إذا اشتدَّ وعظم وتناهى،حصل للعبد الإياس من كشفه من جهة المخلوقين،وتعلَّق قلـبه بالله وحده،وهذا هو حقيقة التوكل على الله،وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج،فإنَّ الله يكفي من توكَّل عليه،كما قال سبحانه: )ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه(سورة الطلاق،الآية:3.

قال الفضيل-رحمه الله-:والله لو يئستَ من الخلقِ حتَّى لا تريد منهم شيئاً،لأعطاكَ مولاك كُلَّ ما تُريد .

وأيضاً:فإنَّ المؤمن إذا استبطأ الفَرجَ،وأيس منه بعدَ كثرة دعائه،وتضرُّعه،ولم يظهر عليه أثر الإجابة يرجع إلى نفسه باللائمة،وقـال لها:إنما أُتيت من قِبَـلِكِ،ولو كان فيكِ خيرٌ لأُجِبتُ،وهذا اللّومُ أحبُّ إلى الله من كثيرٍ من الطاعات،فإنَّه يوجب انكسار العبد لمولاه واعترافَه له بأنَّه أهلٌ لما نزلَ به من البلاء،وأنَّه ليس بأهلٍ لإجابة الدعاء،فلذلك تُسرع إليه حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب،فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبُهم من أجله .

منقووول للفاائده
2
406

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

honey_lipes
honey_lipes
جزاكي الله خير
المحبه للوفاء
الله يجزاك خير