الفلسطينيون يحيون ذكرى نكبه 67

الملتقى العام

نكبة فلسطين 1948

«نكبة فلسطين» هو الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948، وتشمل أحداث النكبة، احتلال معظم أراضي فلسطين من قبل الحركة الصهيونية، وطرد نحو 750 ألف فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين.

كما تشمل الأحداث عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية.

إضافة إلى ذلك طرد معظم القبائل البدوية التي كانت تعيش في النقب ومحاولة تدمير "الهوية الفلسطينية" بكل ما تحمله، كمحو الأسماء الجغرافية العربية وتبديلها بأسماء عبرية وتدمير طبيعة التراث الفلسطيني، وكل ما له علاقة برموز الديانة الإسلامية والمسيحية.

في حين قرر زعماء اليهود عندما تأكدو من نية انسحاب بريطانيا من فلسطين، تشكيل برلمان وطني كممثل للشعب اليهودي و الحركة الصهيونية العالمية.

وأعلن هذا البرلمان قيام دولة يهودية في فلسطين تسمى دولة إسرائيل، و تقرر فتح باب الهجرة لكل يهود العالم للكيان الجديد.

واعترفت بها الولايات المتحدة في اليوم التالي من الإعلان، وتوالى بعدها اعتراف معظم دول العالم.

في اليوم التالي من إعلان قيام دولة الاحتلال "إسرائيل"، قامت جيوش من مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق مع مقاتلين عرب آخرين والمقاتلين الفلسطينين 68 ألف مجاهد، ببدء حرب شاملة ضد الكيان الصهيوني 90 ألف من العصابات الصهيونية، ثم تحوَل الصراع إلى نزاع دولي، أدى عدم التنسيق وتضارب الأوامر وبعض الاتفاقيات السرية الخائنة وضعف الجيوش ونفاد الذخيرة وغيرها إلى هزيمة الجيوش العربية.

هُجر في ذلك اليوم أكثر من 800 ألف فلسطيني وطردوا قسرًا من قراهم وبيوتهم، حيث خرجوا لا يحملون معهم سوى مفاتيح بيوتهم وآمال في العودة إليها.

بينما قام الاحتلال بطرد أهالي 530 مدينة وقرية فلسطينية، بالاضافة إلى أهالي 662 ضبعة وقرية صغيرة، ليكون الشعب الفسلطيني ضحية أكبر عملية تنظيف عرقي مُخطط لها في التاريخ الحديث.

واستخدم الاحتلال أسلوبيين لبلوغ مقاصده، أولهما "الترهيب والترغيب" لجعل الجاليات اليهودية الموزعة على دول العالم تأتي إلى فلسطين لتقيم المستوطنات وتقضم الأراضي العربية الفلسطينية شيئًا فشيئًا.


أما الثاني فكان "التقرب من الدول الفاعلة عالميًا والتأثير عليها لعقد اتفاقيات واستصدار وعود تعترف بوجود حق يهودي في فلسطين حتى أصبحت الفرصة سانحة أمام الحركة الصهيونية في أوائل القرن العشرين، و عندها بدأت علائم الموت تظهر على الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على المشرق العربي، فاستغلّ اليهود ذلك الوضع لاستصدار وعد من بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهو ما عرف باسم "وعد بلفور".

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ونتيجة لإتفاقية سايكس، وقعت فلسطين تحت الانتداب الإنجليزي المباشر، مما أعطى فرصة كبيرة لليهود بتفعيل هجرتهم إلى الأراضي الفلسطينية، حيث عملوا على إقامة عدد كبير من المستوطنات، وبدأوا تدريبات عسكرية لتشكيل عصابات سرية، تتسلح بأسلحة بريطانية، وتهاجم المواطنين العرب وتطردهم من أراضيهم.

في حين ارتكبت العصابات الصهيونية مئات المجازر في حق الشعب الفلسطيني قبل وأثناء حرب 1948 ومن هذه المجازر القدس، حيفا، بلد الشيخ، العباسية، الخصاص، مجزرة باب العامود، الشيخ بريك، بلد الشيخ، فندق سميراميس، السرايا العربية، السرايا القديمة، يازور، طيرة، سعسع، بناية السلام، دير ياسين، مجزرة اللجون، أم الشوف، والصفصاف" وغيرها كثير، وفي هذه المجازر قتل المئات بأشنع أنواع وصنوف القتل، ولم تراع حرمة امرأة أو براءة طفل أو عجر شيخ.

ومنذ ذلك الحين تعددت قرارات الأمم المتحدة والمبادرات والحلول المطروحة التي تنكر لها الاحتلال بدءًا من القرار الدولي مائة وواحد وثمانين إلى القرار مائة وأربعة وتسعين والقرار مائتين واثنين وأربعين والقرار ثلاثمائة وثمانية وثلاثين وغيرها الكثير من القرارات والمبادرات التي تم اغتيالها في مهدها رغم توقيع عدة اتفاقيات اختلفت مسمياتها من "كامب ديفد إلى أوسلو ووادي عربة"، بالإضافة إلى جولات الحوار والمؤتمرات الإقليمية والدولية برعاية الحليف الأمريكي، دون أن يتحقق أي تقدم يذكر في عملية تسوية مزعومة منذ النكبة وحتى الآن.
18
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

(السماء الصافيه)
المفاتيح ما زالت في الجيوب مع الذكرى الـ 67 للنكبة




واصل الفلسطينيون، الجمعة، تنظيم المسيرات والفعاليات في الأراضي الفلسطينية للتعبيرعن تمسكهم بأرضهم، وذلك في الذكرى الـ67 للنكبة التي شهدت تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني عام 1948.




وفي قرية نعلين غربي رام الله بالضفة الغربية، انطلقت مسيرة حاشدة لإحياء هذه الذكرى الأليمة، وانطلقت صافرات الإنذار، منتصف يوم الجمعة، لمدة 67 ثانية تعبيرا عن مدة السنوات التي مضت على وقوع النكبة.

وكانت لجنة إحياء النكبة وفصائل فلسطينية قد دعت إلى مشاركة حاشدة في المسيرة، لـ"إيصال رسالة للعالم بأن الفلسطينيين متمسكون بحقهم في العودة إلى ديارهم وتعويضهم عما حل بهم من أضرار مادية ومعنوية".

هنا لا بد أن نقول إن هذه الفعالية تجري سنويا فـ 67 عاما والإسرائيليون يحتفلون باستقلالهم على أنقاض نكبة فلسطين، في هذه المناسبة يخرج آلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل الخط الأخضر ومخيمات الشتات في دول الجوار ودول عربية وأجنبية لإحياء ذكرى النكبة في مسيرات كبيرة تحت مسمى "مسيرة العودة" التي ترمز إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من أراضيهم عنوة.. يحملون مفاتيح بيوتهم التي تركوها عنوة وملف اللاجئين وهو أحد ثوابت الشعب الفلسطيني وأسس المفاوضات مع إسرائيل بات اليوم أكثر إلحاحا في ظل الأوضاع المزرية للمخيمات وخصوصا في سوريا التي تعاني أزمة اقتتال داخلي شرسة، كان لها أثر بليغ على حياة اللاجئين هناك.

ذكرى النكبة Reuters ذكرى النكبة

وبعيدا عن الملفات التفاوضية التي انهارت بفعل لاءات إسرائيل للسلام رغم الضغوط الدولية، فإن السلام البعيد لا يقترب من هذه الأرض، بل تزداد النكبة نكبة بفعل ممارسات آلة الحرب الإسرائيلية التي حاصرت ودمرت قطاع غزة بحروب متتالية.

وللاستيطان حصة الأسد في الانتهاكات، إذ أبعد امتداده ترقب دولة فلسطينية بتقطيعه أوصال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وتحييد القدس بجدار ومستوطنات من كل جهة.

ورغم رفض المجتمع الدولي التواجد الإسرائيلي في القدس الشرقية على اعتبارها أراض محتلة بحسب القوانين الدولية، تقوم إسرائيل وبشكل ممنهج منذ احتلالها المدينة عام 1967 بتغيير الواقع على الأرض من خلال توسيع الاستيطان ومنع المؤسسات الفلسطينية من العمل في المدينة، ناهيك عن دخول المستوطنين إلى باحات المسجد الأقصى المبارك بشكل شبه يومي تحت حماية الشرطة الإسرائيلية وسط صمت دولي غير مسبوق.

مستوطنون في باحات الأقصى Reuters مستوطنون في باحات الأقصى

وتعيش القدس نكبة كل يوم منذ نكستها، ويعاني المقدسيون من التضييق التي تفرضه السلطات الإسرائيلية في شتى مجالات الحياة، وتحاول حكومة تل أبيب اللعب على المسألة الديموغرافية بهدم البيوت وتهجير ساكنيها ومنح المستوطنين امتيازات خاصة لتشجيعهم على الانتقال إلى مناطق في شرق المدينة وفرض سياسة الأمر الواقع وطرحها على طاولة المفاوضات.

لا يختلف الوضع في الضفة الغربية كثيرا، فهناك الانتشار الأكبر للمستوطنين والمستوطنات التي قسمت الأراضي الفلسطينية إلى كانتونات يصعب تواصلها جغرافيا، أضف إلى ذلك التواجد العسكري الإسرائيلي في جميع أنحاء الضفة وحتى الحدود مع الأردن والذي يعطل الحياة اليومية للمواطنين والمؤسسات بفرضه قيودا على التحرك بين المدن الفلسطينية.

في الآونة الأخيرة ومع تطرف الشارع الإسرائيلي عاما بعد عام ووصول الحكومات اليمينية إلى سدة الحكم، يحاول المستوطنون في شتى الأماكن الخروج في مسيرات استفزازية ضد الاحتفال بذكرى النكبة، أشد المسيرات تطرفا تجري في مدينة القدس وتحديدا في الحرم القدسي تحت عناوين متطرفة مختلفة ومطالبات بإقامة "الهيكل الثالث" على أنقاض المسجد الأقصى.

إحياء ذكرى النكبة داخل الخط الأخضر له طعم آخر من المرارة، فهنا بدأت النكبة ومن هنا تم تهجير اللاجئين إلى دول الجوار..

الضفة الغربية Reuters الضفة الغربية

لاتزال الأبنية القديمة المهجورة داخل الخط الأخضر شاهدة على التطهير العرقي للمواطنين الأصليين، ولا تزال إسرائيل تمنع حتى المواطنين الفلسطينيين الذين يحملون جنسيتها من دخول بيوتهم بعد نزوحهم إلى مناطق أخرى في الداخل، وما يبقى لهؤلاء إلا استذكار النكبة بمسيرات إلى بيوتهم المهجورة والتي لا تبعد عنهم سوى كيلومترات قليلة.. بيوت تراها العين وتدخل القلب وتبقى بعيدة في ذاكرة نكبة تمارسُها إسرائيل كل يوم.

ويبتعد حلم العودة شيئا فشيئا سيما مع طرح ما يسمى بـ "الحل العادل" لقضية اللاجئين، وهو شرط يحتمل تأويلات ونهايات عديدة لعل أبرزها "تعويض دون العودة".. تعويض يأمل المتمسكون بحق العودة أن يرفضه أبناء الجيل الرابع من اللاجئين الذين ما يزالون يحتفظون بمفاتيح منازل آبائهم وأجدادهم.

(السماء الصافيه)
(السماء الصافيه)
(السماء الصافيه)
نكبة فلسطين .. الذكرى الـ67







كان الــ15 من مايو / أيار عام 1948 يوما استثنائيا بالنسبة للفلسطينيين والعرب عموما. فقد شهد ثلاثة أحداث كبرى هي: زوال اسم فلسطين عن الخارطة السياسية والجغرافية، قيام دولة إسرائيل، بدء الحرب العربية الإسرائيلية الأولى.

في هذا اليوم، يتحرك الفلسطينيون من كل فئاتهم العمرية في أماكن وجودهم داخل إسرائيل، وفي الضفة وغزة، وفي مناطق انتشارهم في العالم، لإحياء ذكرى ما بات يعرف بـ "نكبة فلسطين".

الجزيرة نت تواكب المناسبة بتغطية خاصة تلقي الضوء على الخلفية التاريخية للحدث الاستثنائي ذاك, وتقدم شهادات بالصوت والصورة لأشخاص عايشوه أو ولدوا أثناءه.

وتحت العنوان العريض "النكبة وحاضر الفلسطينيين" تلقي الجزيرة نت الضوء على المنظمات غير الحكومية المتمسكة بحق العودة، وتعرف بوضعية لاجئي الشتات الذين يشهدون نكبات ثانية في سوريا وليبيا وأماكن أخرى. كما يتابع مراسلوها في فلسطين والعالم العربي بالتقارير أشكال إحياء الفلسطينيين لتلك الذكرى.
تسلسل زمني للقضية

لاجئون بوطنهم

"حاضرون غائبون"
لاجئون بوطنهم
أم عادل معوفد أجنبي متضامن مع مهجري قرية السجرة(الجزيرة نت)

"
وديع عواودة-حيفا
تسببت نكبة 1948 في تحويل مئات آلاف الفلسطينيين إلى لاجئين وعشرات الآلاف إلى مهجرين في وطنهم ممن يرون بلداتهم وأراضيهم، وأحيانا منازلهم، وهم يحرمون منها.
وتواصل إسرائيل اعتبارهم "حاضرين غائبين" بذريعة أنهم "تركوا ديارهم" فباتت ملكا للدولة، لكنهم مصممون على مواصلة النضال حتى استعادة حقوق نهبت وسلبت منهم عنوة.

ويؤكد أحمد الشيخ محمد المهجّر من قرية شعب، وهو مقيم اليوم في قرية مجد الكروم قضاء عكا، أن نحو ثلث فلسطينيي الداخل مهجرون في وطنهم ويقيمون بنحو 60 بلدة.

وأوضح أن السلطات الإسرائيلية غطت القرى المهدمة بالأحراش كي تخفي معالمها مثلما أنشأت مستوطنات على أراضيها تحمل أسماءها المحرفّة بالعبرية.

ويشير لتشكيل هؤلاء لجنة الدفاع عن المهجرين في إسرائيل بعد توقيعها اتفاق أوسلو عام 1993، بهدف السعي للعودة ولو طال الغياب.

الحنين للسجرة
واحدة من هؤلاء هي الحاجة نجية هياجنة أم عادل (79 عاما) مقيمة داخل الوطن في قرية كفركنا، لكنها ما زالت مسكونة بهواجس السجرة، قريتها المدمرة قضاء الناصرة، بعد طردها وعائلتها عام 1948.

وتسعى أم عادل، جارة الراحلين الرسام ناجي العلي ومنشد الثورة أبو عرب، لإطفاء الحنين للسجرة وحياتها الريفية الوادعة والهانئة بزيارتها دوما بحثا عن طفولتها الجميلة يوم كانت تلهو بالكروم والبساتين وحقول الذرة مع صديقاتها ريمة وفاطمة وشريفة.
أم عادل مع إبن بلدها المغني الشعبي الراحل أبو عرب (الجزيرة)

وتزداد غربتها في الوطن وجعا حينما تستذكر حقيقة امتلاك والدها 200 دونم من الحقول والكروم في السجرة، في وقت لا يجد أبناؤها في كفركنا اليوم شبرا من الأرض لبناء منزل عليها حيث تسوّق السلطات الإسرائيلية أرض البناء بأسعار باهظة.

ذوو القربى
كما تشير لمرارة ذوي القربى أيضا، وتستذكر كيف كانت تتعرض لتعليقات عنصرية من بعض صبايا بلدة كفركنا وهن يطلبن منها انتظارهن ريثما يملأن أولا جرارهن من ماء العين وتقول بعضهن بسخرية "غريب ويشرب حليبا".

وتؤكد أن الأرض ستبقى تتفجر غضبا ولن تعرف الهدوء دون أن تعاد الحقوق والسجرة لأصحابها، ولن نرضى بكل مال الدنيا عن إخراجهم من منازلهم تحت القصف عراة حفاة سوى عودتهم لديارهم.
وتختم بالقول "نحن نؤمن أن لا حق يضيع ووراءه مطالب".

تطهير عرقي
لم يكن ناجح أبو القيعان (46 عاما) قد ولد عندما حلت النكبة بشعبه، لكنه ذاق طعم الاقتلاع واللجوء مرات عدة.

وكانت إسرائيل -التي احتلت النقب عام 1949- قد احتلت قرية جبالة وهجّرت أهلها إلى غزة أو الأردن أو لبنان، في حين طرد آخرون، منهم عشيرة أبو القيعان، لمنطقة أخرى تبعد عشرات الكيلومترات وتدعى "اللقية".
أهالي السجرة مع ضيوف على أراضيها (الجزيرة)

ويوضح ناجح أن والده الراحل عيسى أبو القيعان فقد خلال تهجير النكبة شقيقيه حسن وسالم، وحينما اكتشف أنهما في الأردن عام 1979 سارع لزيارتهما فأخبره أبناؤهما أنهما قد رحلا.

نفي واعتقال
ولم تنته تغريبة عشيرة أبو القيعان عند ذلك، فقد فرضت إسرائيل عليها الرحيل من اللقية إلى منطقة العراقيب عام 1956، وبعد عام نقلتها مجددا إلى مسقط الرأس في جبالة.

ويتابع ناجح "يبدو أن السلطات الإسرائيلية أعادت حساباتها أو ندمت فأمرت العشيرة بالرحيل إلى قرية أم الحيران، واعتقلت أو نفت للجليل كل من عارضها، وفي تلك الأيام ذاق أهلي الأمرين بسبب حكم عسكري صارم".

واتهموا لاحقا بأنهم استولوا على أراضي أم الحيران التي نقلتهم السلطات الإسرائيلية إليها، وبادرت لهدم بيوتهم مرات عدة بذريعة البناء غير المرخص.

حبل المشنقة
وقبل أيام رفضت محكمة العدل العليا التماسا قدموه عام 2002، وحكمت بترحيلهم وهدم منازلهم تمهيدا لبناء مستوطنة تقوم على أنقاض قريتهم وتسمى على ما يشبه اسمها.

ويؤكد ناجح -وهو أب لستة عشر ابنا- أن أهالي أم الحيران يرفضون القرار العنصري ومصممون على مواجهة مخططات التطهير العرقي "حتى آخر نفس جيلا بعد جيل".
ويتابع "العيش في بيت مهدد بالهدم يعني وضع حد السيف على رقبتك أو إيقافك على حبل المشنقة ولا تعرف بأي لحظة يسحبون الطاولة من تحت قدميك، لكننا سنواجه جرافاتهم بقوة حقنا".
الفلسطيني واللجوء
الفلسطيني واللجوء
لاجئو مخيم اليرموك الأكثر تضررا من الأزمة السورية(رويترز-أرشيف)



يستحق الشعب الفلسطيني لقب "أكبر شعب لاجئ" في العالم، فهو لم يهجّر فقط من بلاده إلى بلد أكثر أمنا يعيش فيه بسلام، ولكنه هُجّر حتى من مكان لجوئه، حتى تحول اللجوء إلى خبزه اليومي.
بداية المرارة التي يتجرعها الفلسطينيون منذ 67 عاما كانت مع نكبة عام 1948، ويستذكر الشعب الفلسطيني ما تعرض له من إرهاب دولة منظم مارسه الاحتلال الإسرائيلي، وما ارتكبته عصاباته المسلحة من جرائم حرب بشعة، وما نفذته من عمليات تطهير عرقي بهدف إرهاب المواطنين الفلسطينيين، وإرغامهم على مغادرة أراضيهم، واغتصاب أرضهم وممتلكاتهم بأبشع أشكال الاحتلال العسكري والاستيطاني في التاريخ المعاصر، مما أسفر عن تشريد الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني في أصقاع الأرض، عانوا فيها أشد أنواع العذاب النفسي والجسدي.

جدول الهجرات
طفل من مخيم نهر البارد بعدد إعمار قسم منه (رويترز)

ولم تكن نكبة الشعب الفلسطيني والتهجير الذي عاناه محطة وحيدة في رحلة هجرته التي لاحقته إلى الدول التي لجأ إليها، ففي :

- منتصف الخمسينيات: العراق والسعودية وليبيا، رحّلت عمالا فلسطينيين أضربوا عن العمل.
- عام 1991: تعرض الفلسطينيون لأكبر موجة من الترحيل منذ عام 1984، حيث رحلت الكويت نحو مائتي ألف فلسطيني بعد وقوف الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات مع الرئيس الراحل صدام حسين في غزوه للكويت، وفرّ مائتا ألف أخرين خلال الغزو، ورفضت السلطات الكويتية عودتهم للبلاد بعد انتهاء الحرب.
- عام 1993: وفي رد فعل على اتفاق أوسلو الذي وقع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، رحّلت ليبيا عشرات آلاف الفلسطينيين الذين كان يقيمون منذ فترة طويلة في البلاد.
- عام 2003: فرَّ أكثر من 21 ألف فلسطيني من العراق إثر الغزو الأميركي له، بعد عملية ملاحقة واضطهاد ممنهج تعرض لها الفلسطينيون فيه.
- عام 2007: نزح نحو 32 ألف فلسطيني من مخيم نهر البارد شمال لبنان بعدما شن الجيش اللبناني هجوما ضد "تنظيم فتح الإسلام"، مما أدى لسقوط مئات القتلى والجرحى وتدمير المخيم.

اختلف الحال في سوريا، التي كانت من أولى الدول التي لجأ إليها الفلسطينيون إبان النكبة، وقدر عدد اللاجئين إليها في ذلك الوقت بتسعين ألف شخص جاء معظمهم من الشمال الفلسطيني، ووصل عددهم في عام 2008 إلى 520 ألفا بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

هجرة جديدة
فلسطينية تتسلم مساعدات من أحد مراكز الأونروا بغزة (رويترز)

ومع بداية الأزمة السورية، لم تتمكن الفصائل والحكومة السورية من تحييد المخيمات، وتعرضت لما تتعرض له مناطق الصراع السورية. الأمر الذي دعا بعض الفلسطينيين إلى هجرة جديدة ورحلة نزوح أخرى هربا من الموت، فيما اختار آخرون البقاء في المخيمات تحت القصف.

وكان أكثر المخيمات تضررا هو مخيم اليرموك في دمشق الذي تقلص عدد سكانه من أكثر من مليون إلى نحو 18 ألفا محاصرين منذ منتصف عام 2013 في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة، حيث قضى أكثر من 167 شخصا بسبب الجوع والجفاف وانعدام الغذاء.

وأوضح زكريا الآغا عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والمسؤول عن ملف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، أن نحو ثلاثين ألف لاجئ فلسطيني سمحت لهم الحكومة اللبنانية بالدخول إلى أراضيها، بينما رفضت الأردن استقبال عدد منهم في حين توزع مئات اللاجئين بين غزة ومصر ومناطق سورية أكثر أمنا.

وكان لا بد من أن يبحث هؤلاء المهجّرون على مواطن لجوء جديدة وغير متوقعة تقبلهم وتدمجهم في مجتمعاتها ولا ترحلهم أو تطردهم من بلادها، فكانت دول كالدانمارك وهولندا والسويد وألمانيا ملاذ هؤلاء بعد حرب الخليج الأولى، بينما قصد آخرون بعد حرب الخليج الثانية بلادا أبعد مسافة وثقافة ولغة، كالهند والبرازيل وتشيلي وماليزيا وتايلند والأرجنتين والأورغواي وكولومبيا.
المتمسكون بحق العودة
المتمسكون بحق العودة
مشاركون في اللقاء الأخير لمؤتمر فلسطيني أوروبا الذي عقد في برلين(الجزيرة نت)



عادت مفردة "حق العودة" إلى الاستخدام بالتزامن مع التئام مؤتمر السلام في مدريد عام 1991. ومع اتجاه الوفود المشاركة في المفاوضات للبحث عن حل للصراع العربي الإسرائيلي، أعيد تسليط الضوء على قرار الأمم المتحدة رقم 194 الصادر عام 1949، والذي ينص على إعادة اللاجئين إلى المناطق التي طردوا منها في فلسطين خلال الحرب العربية الإسرائيلية الأولى أو تعويضهم.

لكن القرار اكتسب أهمية مضاعفة عام 1993 بعد ظهور ثمرة المفاوضات السرية التي أجرتها الحكومة الإسرائيلية عام 1993 في أوسلو. فقد تبين أن اتفاق إعلان المبادئ الذي تناول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي خلت من أي تدبير يتعلق باللاجئين، كما أن القيادة السياسية للفلسطينيين وافقت على جعل حق العودة قابلا للتفاوض، وربطته بما يسمى مفاوضات الوضع النهائي التي لم تبدأ رغم مرور عقدين على توقيع اتفاق أوسلو.

ولهذا حاولت بعض المنظمات والجمعيات ملء الفراغ والتذكير دائما بأن هناك ملايين الفلسطينيين المشتتين حول العالم الذين ينتظرون بفارغ الصبر العودة لأرضهم.

تاليا تعريف بهذه المنظمات وبأهدافها:

الائتلاف الفلسطيني لحق العودة: يتألف من عدة مراكز ومنظمات هي:

المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين/فلسطين-بيت لحم.
لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين/ فلسطين.
اتحاد مراكز الشباب الاجتماعية-مخيمات اللاجئين/فلسطين.
اللجان الشعبية-مخيمات اللاجئين/فلسطين.
اتحاد مراكز النشاط النسوي-في مخيمات الضفة الغربية.
المكتب التنفيذي للاجئين في الضفة الغربية.
جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين/فلسطين 1948.
مجموعة عائدون/لبنان.
مجموعة عائدون/سوريا.
هيئة تنسيق الجمعيات الأهلية العاملة في التجمعات الفلسطينية في لبنان.
الكونفدرالية الأوروبية للجان الدفاع عن حق العودة، (فرنسا، النرويج، السويد، هولندا، بولندا، ألمانيا، اليونان، سويسرا).
تحالف حق العودة/أميركا الشمالية.

"حاولت بعض المنظمات والجمعيات ملء الفراغ والتذكير دائما بأن هناك ملايين الفلسطينيين المشتتين حول العالم الذين ينتظرون بفارغ الصبر العودة لأرضهم"

أهدافه :

- حق العودة للاجئين والمهجرين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية على أساس مبادئ الحق والعدل المطلقين ومبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وفي مقدمتها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948.

- تأمين الحماية للعائدين واستعادة الممتلكات والتعويض.

منظمة "ثابت لحق العودة": هي منظمة ثقافية إعلامية مستقلة غير حكومية مركزها بيروت، تتبنى نفس أدبيات الائتلاف الفلسطيني لحق العودة.

من أهدافها:

- محاربة كافة أشكال التوطين والتهجير للاجئين الفلسطينيين، والسعي لتوفير الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين في لبنان.

مركز العودة الفلسطيني: هو مؤسسة فلسطينية تعنى بتفعيل قضية فلسطينيي الشتات والمطالبة بحقهم في الرجوع إلى ديارهم، وهو يشكل مصدرا إعلاميا أكاديميا يسعى إلى أن يكون رديفا للمعلومات والنشاط السياسي للقضية الفلسطينية، خصوصا مسألة العودة. ويتخذ المركز لندن مقرا له.

أهدافه:

- إبراز قضية حق العودة الفلسطيني باعتبارها قضية سياسية وإنسانية. العمل على الحفاظ على هوية الشعب الفلسطيني العربية الإسلامية، والحيلولة دون ذوبانه في المجتمعات التي يعيش فيها. والتعريف الرأي العام في أوروبا -وخاصة في بريطانيا- بالأبعاد الحقيقية للقضية الفلسطينية، وتسليط الضوء على الحقوق الفلسطينية الضائعة.

مؤتمر "فلسطينيي أوروبا" للتمسك بحق العودة: مؤتمرات سنوية يعقدها مركز العودة الفلسطيني منذ عام 2003 في مختلف عواصم ومدن القارة الأوروبية، ووصل عدد نسخ المؤتمر إلى 13، كان آخرها العام الحالي في العاصمة الألمانية برلين.

ويشدد المؤتمر في جميع نسخه على أن الفلسطينيين في أنحاء القارة الأوروبية، جزء من الشعب الفلسطيني بعمقه التاريخيّ وإرثه الحضاريّ وهويّته العربية والإسلامية.

ويرى القائمون على المؤتمر "أن فلسطيني أوروبا -شأنهم شأن أبناء شعبهم جميعاً- يؤكدون حقهم في العودة إلى أرضهم وديارهم التي هجّروا منها، مصرين على رفضهم لكل المحاولات الرامية إلى المساس بهذا الحق، أو تجاوزه أو المساومة عليه"، مشددين على أنهم لن يتنازلوا عن حق العودة ولم يخوِّلوا أحداً بالتنازل عنه.
واقع الحال بعد 67 عاما
واقع الحال بعد 67 عاما
فلسطيني بمواجهة جنود الاحتلال في بيت لحم (الأوروبية)

عوض الرجوب-رام الله

مع إحياء الفلسطينيين الذكرى السنوية السابعة والستين لنكبتهم (15 مايو/أيار) تظهر معطيات رسمية تكرار النكبة في مختلف المجالات بأثواب جديدة، بالقسوة ذاتها أو أشد أحيانا.

فمنذ تشريد نحو 800 ألف فلسطيني أعزل من وطنهم عام 1948، من بين 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في 1300 قرية ومدينة في فلسطين التاريخية في حينه، لا يُرى أفق للعودة، بل زاد الاحتلال في إمعانه وسيطرته حتى على ثروات الفلسطينيين.

ووفق معطيات نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني اليوم فقد دمر الاحتلال في النكبة 531 قرية ومدينة فلسطينية، وارتكب أكثر من 70 مذبحة ومجزرة راح ضحيتها ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني.

وفي نظرة سريعة على الواقع الديمغرافي بعد 67 عاما على النكبة، فقد تضاعف عدد الفلسطينيين 8.6 مرات ليقدر عددهم نهاية عام 2014 بحوالي 12.1 مليون نسمة، بينهم 6.1 ملايين يعيشون في فلسطين التاريخية، منهم 4.6% يعيشون في الضفة وغزة.

لجوء ونهب
وتظهر المعطيات أن نسبة اللاجئين الفلسطينيين في دولة فلسطين تشكل 43.1% من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين نهاية عام 2014، في حين بلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث في الأول من يوليو/تموز 2014 حوالي 5.49 ملايين لاجئ فلسطيني.

"تظهر المعطيات أن نسبة اللاجئين الفلسطينيين في دولة فلسطين تشكل 43.1% من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين نهاية عام 2014، في حين بلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث في الأول من يوليو/تموز 2014 حوالي 5.49 ملايين لاجئ فلسطيني."

ووفق المعطيات ذاتها يعيش قرابة 29% من اللاجئين الفلسطينيين في 58 مخيما في الداخل والشتات، لكنها توضح أن هؤلاء يشكلون الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين لوجود لاجئين غير مسجلين، ولاجئين تم تشريدهم من الفلسطينيين بعد عام 1949 حتى قبيل حرب يونيو/حزيران 1967، وآخرين رحلوا أو تم ترحيلهم عام 1967.

وبينما قدر عدد السكان الفلسطينيين الذين لم يغادروا وقت النكبة عام 1948 بحوالي 154 ألفا، يقدر عددهم اليوم بحوالي 1.5 مليون نسمة. في حين تظهر المعطيات أن قطاع غزة تحوّل إلى أكثر بقاع العالم اكتظاظا بالسكان (4904 أفراد لكل كيلومتر مربع مقابل 500 فرد لكل كيلومتر مربع).

وأشارت المعطيات إلى تدمير حوالي 9 آلاف وحدة سكنية كليا و47 ألف وحدة جزئيا، إضافة إلى تدمير 327 مدرسة كليا و6 جامعات جزئيا و71 مسجدا كليا وجزئيا و20 مبنى حكوميا و29 مستشفى ومركز رعاية صحية أولية في عدوان الصيف الماضي على قطاع غزة.

في ملف الأسرى تشير بيانات هيئة شؤون الأسرى والمحررين إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت منذ عام 1967 وحتى منتصف أبريل/نيسان 2015 نحو 850 ألف فلسطيني، في وقت قدر عدد المعتقلين في السجون ومراكز التوقيف الإسرائيلية حاليا بحوالي 6500 أسير.

أما في ملف الشهداء، فقد استشهد 10062 فلسطينيا منذ انتفاضة الأقصى يوم 29 سبتمبر/أيلول 2000 وحتى نهاية 2014، وكان عام 2014 الأكثر دموية حيث سقط 2240 شهيداً بينهم 2181 شهيدا في العدوان الأخير على غزة.

"حسب الإحصاء فإن عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية نهاية العام 2013 بلغ 409 مواقع، في وقت اقترب عدد المستعمرين من 600 ألف"

الأرض والمياه
حسب الإحصاء فإن عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية نهاية العام 2013 بلغ 409 مواقع، في وقت اقترب عدد المستعمرين من 600 ألف، مشيرا إلى أن 48.5% من المستعمرين يسكنون في محافظة القدس، وكل 21 مستعمرا يقابله 100 فلسطيني في الضفة.

ويلفت بيان جهاز الإحصاء إلى هدم نحو 500 مبنى في القدس بين عامي 1967 و2000، وقرابة 1340 مبنى بين 2000 و2014، في الجزء من محافظة القدس الذي ضمته إسرائيل عنوة بعيد احتلالها للضفة الغربية في عام 1967.

وتتجلى النكبة مجددا في قطاع المياه حيث تذكر المعطيات أن المستوطنين يحصلون على أكثر من 50 مليون متر مكعب من المياه الفلسطينية سنويا لزراعة الأرض التي استولى عليها الاحتلال، في حين يسيطر اليهود على أكثر من 85% من أرض فلسطين التاريخية البالغة قرابة 27 ألف كيلومتر مربع.

وبناء على المعلومات المائية للعام 2013 فإن نسبة المياه التي يحصل عليها الفلسطينيون من مياه الأحواض الجوفية في الضفة الغربية لا تتجاوز 15% من مجموع المياه المستغلة منها, في وقت يحصل الاحتلال الإسرائيلي على ما يزيد عن 85% من مياه الأحواض ذاتها.
النكبة وحاضر الفلسطينيين
النكبة وحاضر الفلسطينيين

شكلت نكبة عام 1948 مفترق طرق، حددت مصائر الفلسطينيين استنادا إلى الجغرافيا التي وجدوا فيها أو انتقلوا إليها قسرا.

الآن وبعد 67 عاما من لجوء معظمهم داخل أرض فلسطين التاريخية أو خارجها، تمثل النكبة حدثا استثنائيا يحيونه بشتى الطرق.

تاليا تقارير تتابع أنشطة عن النكبة في أراضي 1948 وفي غزة والضفة وبعض دول الشتات.


شبيب " ابن الخوف"
النكبة وحاضر الفلسطينيين
الكاتب سميح شبيب يروى تغريبته الخاصة من يافا إلى رام الله( الجزيرة نت)

ميرفت صادق- رام الله

في السادس عشر من مايو/أيار 1948 ولِد سميح شبيب، الكاتب السياسي المعروف "في بيت جميل" بحي العجمي جنوب مدينة يافا على الساحل الفلسطيني. حدث هذا تماما وقت سقوط المدينة بيد الاحتلال الإسرائيلي في النكبة.

وطيلة 67 عاما، كان يوم مولده ذكرى "النحس" كما كانت عائلته تسميه، وبدل الاحتفال به، ظلت أمه تعيد على أطفالها الثلاثة تفاصيل تهجيرهم من منزلهم، وشتاتهم عبر البحر إلى لبنان وسوريا ودول أخرى بعد ذلك.

يقول شبيب "عندما انهمرت القذائف على يافا، ولدتني أمي من الخوف، مثل أطفال كثر ولدوا هكذا في ذلك اليوم". وبسبب هذه الحالة ضاع أطفال كثيرون اختلطوا خلال هروب الناس ببعض متاع الهاربين.

لكن "تعليقة ذهب" صغيرة وضعتها عمته على صدره كانت الوسيلة الوحيدة التي عرّفت عنه قبل ركوب عائلته السفينة المتجهة إلى بيروت.

يقول شبيب "تولى القصف على يافا فصيل صهيوني يدعى "ايتسل" بقيادة مناحيم بيغن شخصياً، وقاموا بنصب مدافع هاون في قرى وتخوم يافا وقصفوها قصفا عنيفا، مما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة من أهلها وتهجير معظم الباقين".

و"اندفع الناس من يافا وقراها إلى الميناء لركوب بواخر تجارية قدمت من سوريا ولبنان والقاهرة، فكان المهجّرون لا يعرفون أين وجهة هجرتهم". يقول شبيب "الصدفة أخذتنا إلى بيروت، وكنت لأكون في غزة أو طرطوس أو غيرها".

خريج الفرير
كان والده خليل شبيب خريج مدرسة الفرير الشهيرة في يافا والتي ما زالت قائمة حتى اليوم، وكان يجيد الإنجليزية والفرنسية وقليلا من الإيطالية، وهو ما سهل له العمل مع الصليب الأحمر الدولي بعد النكبة ثم أصبح مسؤولا في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في سوريا.
سميح شبيب بكى أثناء رواية ذكريات تشريد عائلته (الجزيرة)

تخرج سميح شبيب من قسم التاريخ في جامعة دمشق عام 1972، ومنها سافر إلى بيروت لإكمال دراسة الصحافة في الجامعة اليسوعية. وهناك انخرط في صفوف المقاومة الفلسطينية، وكان يعمل في مركز الأبحاث الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير عندما تعرض مبناه للتفجير بسيارة مفخخة بتوجيه إسرائيلي يوم الخامس من فبراير/شباط 1983 واستشهد تسعة من العاملين.

هرب شبيب مع مجموعة فلسطينية تسللا إلى دمشق ومنها إلى تونس وهناك أقام لمدة عامين، ثم إلى قبرص حيث انتقل مركز الأبحاث الفلسطيني حتى العودة إلى غزة عام 1993 من ثم إلى رام الله.

بعد عودته إلى البلاد "صارت غزة أحب البلاد إليّ .. إنها على البحر ذاته الذي تقف عليه يافا" يضيف شبيب "أنا ابن البحر، ولدتني أمي هناك ولا شيء يعوض الإنسان عن وطنه" وانهمرت دموعه.

تمكّن شبيب من الدخول إلى يافا لأول مرة عام 1993، بعد انتقاله من غزة إلى رام الله. وفي اليوم الأول له هناك ذهب "تهريبا" يبحث عن بيت عائلته في يافا.

يقول "كان الوصول إليها حلما لكنه تبدد عندما رأيت الإسرائيليين يقيمون في بيوتنا نحن الذين تشتتنا في كل العالم..".

يعتقد شبيب أن الأمر ليس شأنا وجدانيا فقط، ولكن كما يقول "خلال هذا الزمن بين 1948 - 1993 كم تغيرت الدنيا! بقيت أسأل نفسي كم تحتاج يافا لجهد كي تعود لأهلها ويعودون هم إليها".

وعندما زار يافا مع خالته "قِسمت" التي هجرت من يافا في عمر العشرين وكانت أمنيتها العودة إلى بيت والدها في حي النزهة، انشغلت عن استفسارات اليهودي من أصل مغربي الذي يحتل البيت، بتفقده مطبخه وحديقته وغرفه.

مكانة خاصة
نسأل شبيب: لماذا ليافا مكانة خاصة عند كل الفلسطينيين؟ فيقول: كان فيها ثلاث دور سينما وثلاث صحف وعدة دور نشر، وهي ميناء لكل العالم، وقد ازدهرت فيها الحركة التجارية بفعل تجارة البرتقال الذي كان يصدر للعالم، مما خلق حركة مترجمين واسعة.

ثم يضيف "كانت يافا بلدا عظيما، لقد خرج منها جدي وأبي وعمي وعمتي بحسرة، وعاشوا وماتوا بحسرة البعد عنها".

ورغم تشوّه صورة يافا في باله بسبب مشاهد الإسرائيليين فيها، يقول شبيب إن حق العودة إليها وإلى كل فلسطين مقدس ولا يمكن إسقاطه.

ويضيف "لا قرارات الأمم المتحدة ولا أي قرار آخر يعترف بحق إسرائيل هنا، يمكنه أن يسقط حق العودة في القانون الدولي، أنا كفلسطيني لي الحق في العودة إلى بلدي، وفي القانون الشخصي، لدي بيت في يافا لا يحق لأحد أخذه مني".
مراسل العودة"
النكبة وحاضر الفلسطينيين
مراسل العودة مبادرة أطلقتها الحملة العالمية للعودة في ذكرى النكبة(الجزيرة نت)

ميرفت صادق - رام الله

" سقوط 19 قتيلاً من اليهود جرّاء العمليّة الاستشهادية بحي كريات صموئيل في ‏طبريّا، وثوار المدينة يحكمون السيطرة على مداخلها ويعزلونها عن المستوطنات اليهوديّة في الجليل الأعلى". خبر عاجل، لكن مضى عليه 67 عاما.

كانت هذه إحدى التدوينات التي تداولها نشطاء فلسطينيون على موقع فيسبوك ضمن مبادرة أطلق عليها "مراسل العودة" لاستذكار أحداث نكبة فلسطين وكأنها تقع الآن.

و"مراسل العودة" واحدة من الفعاليات التي أطلقتها الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين في الذكرى السابعة والستين للنكبة. وهي رابطة لمنظمات المجتمع المدني الداعمة للقضية الفلسطينية في الوطن العربي والعالم، مقرها في بيروت ولها ممثلون وشركاء في أكثر من 76 دولة.

وكتبت مدونة اسمها ميس السقا خبرا عاجلا عن دخول عصابات الهاغاناه الصهيونية البلدة القديمة في مدينة القدس يوم 19 مايو/أيار 1948 وتمكن القوات الأردنية من إخراجها بعد ساعات في معركة باب الواد.

وفي الأخبار أيضا، نقل أحد مراسلي العودة أنباءً متضاربة عن "استشهاد الشريف محمد حمد الحنيطي -قائد حامية حيفا، والقائد السابق لسرية الجيش العربي في المدينة- في انفجار ضخم بمستوطنة كريات موتسكين ..."، ويذكّر المراسل أن "الشريف الحنيطي كان قد غادر حيفا قبل أسبوع إلى بيروت لشراء السلاح".

ونقل الناشط حسين شجاعية رواية أخرى عن سقوط حيفا "وصلتنا ٢٥٠ بندقية من الشام لم يستلم رشيد الحاج منها سوى ٨٩ لأن الباقي كان معطلا وقديما، ومع ذلك فعلنا كل ما نستطيع طوال خمسة شهور من الكر والفر ..".

ويسعى القائمون على المبادرة إلى إحياء الذاكرة الشفوية للأحداث في فلسطين في مثل هذه الأيام عام 1948.
وتطلب المبادرة من المشاركين كتابة الأحداث والقصص التي سمعوها من آبائهم وأجدادهم أثناء خروجهم من البلاد وعن "المقاومات المحلية التي رفضت تسليم المدن وقاومت حتى آخر قطرة دم". وسردها وكأنها تحصل الآن تحت وسم "خبر عاجل". بينما نقل البعض أحداثا ذكرت في أدبيات عن النكبة.

عن المقاومات المحلية
تقول مريم محمد -مسؤولة العلاقات العامة في الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين- "إن أخبار فلسطين وشؤونها تضيع وسط فوضى الأحداث في منطقتنا العربية. ومن باب الابتعاد عن تكرار سيناريو "حدث في مثل هذا اليوم" أو "كي لا ننسى"، ارتأينا أن نعيد إحياء أحداث النكبة بأسلوب أخبار مختصرة وسريعة تحت عنوان خبر عاجل وكأنها تحصل الآن".
مراسل العودة مبادرة لتوثيق أعمال المقاومة خلال أحداث النكبة (الجزيرة)

ويركز "مراسل العودة" -حسب مريم محمد- على الروايات عن المقاومات المحلية التي حاربت الاحتلال حتى آخر نفس ورفضت تسليم المدن "لإسقاط الفكرة السائدة بأن الفلسطينيين خرجوا من بلادهم بدون أي مقاومة".

وكتب مدون يدعى همام ما نقله عن جده بشأن ما حدث في قرية دير ياسين المدمرة "كانت ليلة السبت، أصوات القصف وأدخنة القذائف تملأ القرى المجاورة، وشهادات من تبقى من مجزرة دير ياسين على كل لسان.. كُلف جدي بمرافقة اللاجئين إلى الأردن مع مجموعة من الفدائيين لتأمين طريقهم، ولم يسمح له بالعودة".

وشارك عرب ومسلمون من دول أخرى في كتابات متضامنة مع الفلسطينيين من السنغال والجزائر وتونس ومصر. كما تداول المشاركون صورا للمدن الفلسطينية قبل سقوطها بيد الاحتلال الإسرائيلي وللمقاومين خلال دفاعهم عنها.

تقول المنسقة الإعلامية إن فكرة العودة ما زالت موجودة وهي الدافع وراء بقاء هذه الذاكرة الشفوية التي يلقنها الأهل للأبناء باهتمام ليبقى حق العودة حيا في أذهانهم وعلى ألسنتهم.

وتنشط الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين لإحياء ذكرى النكبة حول العالم في فعاليات تنظم من 11 إلى 21 مايو/أيار في ماليزيا وباكستان وروسيا وفرنسا وإيران وتركيا، وعربية كالأردن والكويت وتونس والجزائر ولبنان ومصر، وكذلك في دول لاتينية ككولومبيا والأرجنتين وفنزويلا وتشيلي وإكوادور.
تغريدة بذكراها
النكبة وحاضر الفلسطينيين
ناشطات يشاركن في حملة " التغريدة الفلسطينية"(الجزيرة نت)

أحمد عبد العال-غزة

دشن نشطاء غزيون حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي لنقل معاناة اللاجئين الفلسطينيين إلى شعوب العالم، تحت عنوان "التغريدة الفلسطينية" بمناسبة حلول "الذكرى 67" للنكبة الفلسطينية.

وغرد مئات النشطاء على وسم (هشتاغ) "#النكبة67" بصور توثق أحداث الهجرة الفلسطينية عام 1948 وتفاصيل عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات، بالإضافة للتعبير عن آمالهم بقرب العودة وتحرير فلسطين.

رئيس المركز الشبابي الإعلامي إسماعيل أبو سعدة قال في كلمة له خلال مؤتمر إطلاق حملة "التغريدة الفلسطينية"، الذي عقد في "قرية الفنون والحرف" التابعة لبلدية غزة، إن "هذه الحملة جاءت لنحدّث العالم عن ذكرى النكبة الفلسطينية بطريقة مختلفة ولنعرّف شعوب الأرض بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين".

ضياع الحقوق
من جانبه، قال المدير العام للشؤون الثقافية والمراكز في بلدية غزة عماد صيام إن الحملة "تؤكد أنه ما ضاع حق وراءه مطالب وأن الحقوق الفلسطيني لن تضيع طالما أن الفلسطينيين يطالبون بها ولا يزالون يستذكرون أرضهم وما حل بهم خلال النكبة".
مدير المركز الاعلامي الشبابي اسماعيل أبو سعدة خلال كلمته في الفعالية. (الجزيرة)

وفي السياق، أوضح الناشط الشبابي خالد صافي أن عدد التغريدات على وسم "#النكبة67" وصل إلى أكثر من 2900 تغريدة خلال الساعات الأولى، مشيرا إلى أن نحو 5.1 ملايين تابعوا هذه التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.

وقال صافي للجزيرة نت إن ما نسبته 29.4% من التغريدات هي محتوى أصلي، في حين أن 70.1% من التغريدات هي إعادة تغريد للمحتوى المنشور.

ولفت إلى أن معظم المغردين على وسم "#النكبة67" كانوا من قطاع غزة، 46% منهم من الذكور و54% من الإناث. وذكر صافي أن 25% من التغريدات كانت من الأردن، و5% من الجزائر، و3% من بريطانيا.

الناشط الشبابي حمزة رضوان قال في تغريدة له "إن لم يعد كبارنا سوف يعود صغارنا ما دام هناك وطن ينبض في قلوب الصغير والكبير".

هكذا هاجروا
وفي تغريدتها نشرت الناشطة دعاء الشريف صورة من أحداث نكبة عام 1948، تظهر مجموعة من الفلسطينيين يحاولون ركوب قارب صغير بصعوبة بالغة، وعلقت عليها بالقول "هكذا هاجر آباؤنا وأجدادنا من أراضينا ظلما بعد أن تآمر عليهم القريب والبعيد، ولكن عائدون".

أما إسراء العرعير من غزة فنشرت صورة جدها، وقالت "سيدي مات وهو مشتاق لأرضه، لسا المفتاح معي يا سيدي حنكمل من بعدك المشوار ونرجع لبيارة البرتقال وكروم العنب". وذكرت أن نكبة فلسطين 1948 أكبر مآسي التاريخ الفلسطيني والعربي والإسلامي الحديث والمعاصر.

وذكرت الناشطة إسلام الهبيل في تغريدة لها "قبل 67 عاما في مثل هذه الأيام كان جدي لا يزال يسكن قريته "الجورة" ويمتلك فيها الدونمات والأراضي ويزرعها بنفسه قبل أن يسرقها المحتل.. جدي يتذكر النكبة جيدا، حينما طردهم الاحتلال من قراهم ومدنهم بحجة بضعة أيام ويعودون! مضت 67 سنة وجدي ينتظر العودة".
ذكريات نكبة اللّد

ميرفت صادق-رام الله

تعيش المسنتان عائشة أبو الروس وغصون عداسي في مخيم سلواد للاجئين الفلسطينيين شرق رام الله بالضفة الغربية، وبعد 67 عاما على نكبة فلسطين لا تزال ذكريات تهجيرهما من مدينة اللّد -وهما طفلتان مع عائلاتهما- ماثلة في أذهانهما.

ففي العاشر من يوليو/تموز 1948 كانت عائشة "أم العبد" في العاشرة من عمرها حين هاجمت العصابات الصهيونية مدينة اللد (16 كلم جنوب شرق مدينة يافا) واحتلتها.

وتذكر أن "اليهود هجموا على المدينة وبدؤوا بقتل أهلها.. أمي فطوم كانت مشغولة بتنظيفنا يومها، وأصابها الهلع من صوت الرصاص والقذائف.. ثم جاء اليهود إلى منزلنا وأخرجونا منه، لم تحمل أمي شيئا سوى أطفالها الستة".

أما والدها إبراهيم أبو الروس فاقتيد أسيرا من معصرة السمسم التي كان يعمل بها بطرف المدينة، ولم تعرف عائلته مصيره إلا بعد شهور طويلة.

وتذكر الحاجة عائشة المجزرة الشهيرة التي قتل فيها العشرات في مسجد "دهمش" الذي جمع به الإسرائيليون العشرات من أهالي اللد، وقتلوهم جميعا. وقدرت الروايات المسجلة استشهاد 167 من أهالي المدينة في هذه المجزرة.

اتجاهات مختلفة
بعد المجزرة، هجر معظم أهالي المدينة باتجاهات مختلفة، واتجه الآلاف منهم إلى مناطق رام الله والبيرة ونابلس التي كانت تحت الحكم الأردني في ذلك الوقت.

"عند وصول مهجري اللد إلى بيت نبالا تعرضوا إلى قصف جديد من القوات الإسرائيلية، تقول أبو الروس "أصابتنا القذائف، فقُتلت أختي عهود، وأصابت جارنا أحمد جابر برأسه، كان عريسا لم يمض على زواجه إلا أيام"."

تقول أبو الروس "تمسكنا بأمي، وصرنا نمشي حتى وصلنا قرية بيت نبالا (قرب القدس) ثم إلى نعلين (غرب رام الله)، ونحن في حالة جوع وعطش.. كان الناس قد أخذوا قوت يومهم فقط".

عند وصول مهجري اللد إلى بيت نبالا تعرضوا إلى قصف جديد من القوات الإسرائيلية، تقول أبو الروس "أصابتنا القذائف، فقُتلت أختي عهود، وأصابت جارنا أحمد جابر برأسه، كان عريسا لم يمض على زواجه إلا أيام".

وتضيف الحاجة عائشة "حتى إسعاف الجرحى لم يكن متاحا"، وتقول عائشة التي أصيبت بساقها في تلك الحادثة "تركنا أختي مقتولة خلفنا، ومشينا مصابين باكين..".

تنقّل المهجرون بين مناطق مختلفة، لكن عائلة أم العبد استقرت في مدينة نابلس لبضعة شهور، قبل أن تنتقل إلى غزة، في حين كان الوالد أسيرا لدى الإسرائيليين. ومكثت في غزة عشرين عاما، ثم عادت مع زوجها إلى رام الله بينما التحقت والدتها وشقيقاتها بأخيها المهجّر إلى الأردن.

ومعلوم أنه بعد إعلان قيام "دولة إسرائيل" يوم 14 مايو/أيار 1948 هاجمت قوات الاحتلال منطقة اللد والرملة لإبعاد القوات العراقية والأردنية التي كانت مرابطة هناك، فاحتلتها واستولت على مطار اللد، وقتلت أعدادا كبيرة من سكان المدينة وهجرت معظم الأهالي، وقدر عدد الباقين في اللد بنحو ألف نسمة فقط.

في بيت قريب بمخيم سلواد أيضا تسكن الحاجة غصون سالم عداسي "أم حسني" (80 عاما)، وقد كانت في الثالثة عشرة عندما شرد أهالي اللد إلى الجبال في نكبة 1948.

تقول عداسي" مشينا حتى وصلنا نعلين، ومنها إلى رام الله، وهناك خاف علينا جدي من الجوع والبرد، قال هذه البلدة سيسقط عليها الثلج ونحن في العراء فحملنا إلى غزة وأخبرنا أنها بلاد دافئة".

"تقول أم حسني كان في بيتنا باللد ملحق يشبه المغارة واختبأنا فيه من القصف، حتى سمعنا اليهود ينادون بمكبرات الصوت ويطلبون من جميع المسلحين تسليم أنفسهم."

غزة فرام الله
لكن شتات عائلة عداسي استمر أكثر من 20 عاما، وهي تحاول الانتقال من غزة إلى رام الله وعمان.

تقول أم حسني كان في بيتنا باللد ملحق يشبه المغارة واختبأنا فيه من القصف، حتى سمعنا اليهود ينادون بمكبرات الصوت ويطلبون من جميع المسلحين تسليم أنفسهم.

ثم تذكر "جئت أركض لجارنا أبو عدنان، وكان معه بارودة وقلت له يسلم نفسه.. ذهب ولم نعرف مصيره بعد ذلك، لقد جمعوا الناس في المسجد وقتلوهم".

تمكنت أم حسني من العودة إلى اللد بعد أكثر من عشرين عاما على تهجيرها، تقول "ذهبت مع أشقائي إلى بيتنا القريب من سكة القطار، ووجدنا اليهود مكاننا".

"قلنا لهم هذا بيتنا وهذه حاكورتنا، فقالوا: إنت ما إلك بيت هون.. لكننا دخلنا رغما عنهم.. وجدنا النخل والأشجار التي زرعها أبي مكانها..". لكن أم حسني لا تذكر من ذلك اليوم سوى حزن أبيها وجدتها.
يحيون قراهم المهدمة
النكبة وحاضر الفلسطينيين
حي الزيب بمخيم عين الحلوة(الجزيرة نت)

جهاد أبو العيس-بيروت

من قال إن الفلسطينيين هجروا وتركوا قراهم وبلداتهم التي دمرها الاحتلال في نكبة عام 1948؟ ومن قال إنها منسية ولا وجود لها؟ فقرية لوبية وسعسع والزيب والمنشية وصفورية وغيرها من قرى الجليل ما زالت ماثلة وتدب في جنباتها عروق الحياة بكل عاداتها وتقاليد أهلها ومسميات عائلاتها، لكن في مخيمات اللجوء في لبنان.

ففلسطينيو النكبة ممن هجروا وشردوا وقتّلوا، لم يحملوا معهم فقط حاجيات الهجرة والنكبة ومفاتيح البيوت و"قوشان الأرض"، بل حملوا معهم كل مفردات قراهم مع أدق تفاصيلها إلى حيث ألقت بهم فصول النكبة المرّة في الأردن وسوريا ولبنان.

ويلحظ الزائر للعديد من مخيمات اللجوء في لبنان وتحديدا عين الحلوة في صيدا ونهر البارد في طرابلس -الذي دمّر في مايو/أيار 2007 بعد اشتباكات بين تنظيم فتح الإسلام والجيش اللبناني- بروزا لافتا لتجمعات سكانية أبقت على تآلفها وقربها الجغرافي من بعضها بعضا حتى داخل المخيم المكتظ.
المنشية المدمرة وتجمع اهلها بتقاليدهم ضمن زقاق بمخيم عين الحلوة (الجزيرة)

فكان حي أهالي قرية لوبية وأهالي صفورية والزيب والمنشية وسعسع وغيرها شواهد حية وناطقة على تمسك الفلسطيني بأسماء قراه التي دمرت، حفاظا منه على تاريخ جميل مضى، وترسيخا ثابتا لذهنية حق العودة في ذاكرة الأجيال.

ويروي الحاج علي قاسم من مخيم برج الشمالي جنوب لبنان للجزيرة نت فصولا لا تنتهي من تفاصيل حياة قريته لوبية التابعة لطبريا في الجليل، مستجمعا ذاكرة ثرية بأحوال وعادات وتقاليد أهل البلدة وإرهاصات ما قبل وقوع النكبة ونهايات الانتداب البريطاني لفلسطين.

ويسرد للجزيرة نت كيف تقادم الزمن على كثير من العادات والتقاليد التي كانت جزءا رئيسيا من حياة ما قبل النكبة، وكيف غدت اليوم مع توالد الأجيال "مجرد حكايات تروى للسمع والاستمتاع".

تفاصيل دقيقة
ويتذكر الحاج قاسم بدقة تفاصيل لهجات وعادات أفراح وأتراح عوائل قريته، واختلافها عن عادات القرى والبلدات الأخرى حتى القريبة منها، معربا عن خشيته من اندثار كثير منها رغم كل محاولات الحفاظ عليها والترويج لها.

وعن نقل اللاجئين أسماء قراهم وعاداتهم وتقاليدهم لمخيمات اللجوء، قال "هذا أقل الواجب والوفاء لتلك القرى التي آوتنا واحتضنتنا

اليوم وإن كنا بعيدين عنها لكننا عند تلفظنا بها نتذكرها ونتذكر معها أجمل ذكرياتنا وهي وسيلة فعالة لتختمر أيضا بذهنية أجيالنا".

وعن تباين الأجيال حيال عشق العودة مع فارق البيئة بين الجيلين وأمكنة الولادة والصبا، قال "لا شك أن من وُلد في فلسطين ليس كمن ولد خارجها، نحن تنسمنا عبير الوطن ورأيناه وعشنا في مرابعه ولنا فيه ذكريات لا تنسى، لكن من وُلد خارجها يبقى له حنين العودة طبعا لكن مع فارق منسوب الشوق والاشتياق".

أسير بيئته

"أقرّ وسام ليلى (26 عاما) من سكان مخيم نهر البارد سابقا والبداوي حاليا شمالي لبنان، بأن "من وُلد في فلسطين وعايشها تختلف لديه درجة الحنين عمن ولد خارجها وتربى بعيدا عنها"."

ولفت الحاج قاسم لعبارة أن "الإنسان أسير بيئته دوما"، وأن انشغالات الفلسطيني بعد النكبة وضنك العيش وتنكر النظام العربي للاجئين واعتبار ملفاتهم أينما حلوا "أمنية"، كل ذلك دفع الأجيال لأن تبدل أولوياتها من الاهتمام بالعودة والعادات والتقاليد والمحافظة على التراث، إلى أولوية المعيشة والبحث عن فرص العمل وتأمين قوت العيال.

بدوره أقرّ وسام ليلى (26 عاما) من سكان مخيم نهر البارد سابقا والبداوي حاليا شمالي لبنان، بأن "من وُلد في فلسطين وعايشها تختلف لديه درجة الحنين عمن ولد خارجها وتربى بعيدا عنها".

ويرفض وسام بشدة النظرية التي تقول إن أجيال اللاجئين أقل شوقا وحلما بالعودة، مذكرا في حديثه للجزيرة نت بشباب مخيمات لبنان الستة ممن سقطوا شهداء في منطقة مارون الراس الحدودية بذكرى النكبة الـ64 عام 2011.

وعن نقل الآباء أسماء قراهم للمخيمات، قال "بسبب ذلك كثير من الشباب حفرت أسماء قراهم بالذاكرة، وأصبحت الأحياء داخل المخيمات تعرف بأسماء العائلات والقرى، فأصبح الغائب حاضرا على الدوام".
خيار قوارب الموت
النكبة وحاضر الفلسطينيين
رحلة السويد كادت تكلف حسن حياته(الجزيرة نت)

جهاد أبو العيس-بيروت

لم تثر الصراحة الواضحة التي تحدث بها الشاب العشريني محمد خالد ابن مخيم اليرموك، كثير استغراب حين وصف التفكير في "فلسطين والنكبة وحق العودة" لدى شباب اللاجئين في سوريا بأنه بات اليوم "من رفاهيات التفكير" في ظل حالة انتظار الموت كل ساعة.

ويسهب خالد -المقيم في بيروت والذي ترك مخيم اليرموك أملا في هجرة آمنة لأوروبا- بذكر حسنات الهجرة على القضية الفلسطينية بالقول "من ذهب إلى أوروبا الآن يجد فسحة كبيرة من الوقت والراحة تتيح له العمل والتفرغ إنْ أراد لتطوير نفسه والانشغال الفعال بقضيته ودعمها".

وشكلت ظروف الضغط القاسية -التي عاشها ولا يزال فلسطينيو سوريا يعيشونها- والشتات منعطفا صارخا بمسيرة وحلم حق العودة، فظروف حرب سوريا وسياسة الكراهية المتبعة ضدهم في لبنان دفعتهم لخوض البحار بحثا عن رمق كرامة وسعيا لمعاملة إنسانية تضمن لهم الحد الأدنى من رغد الحياة.
الخطيب اعتبر نجاحه بالهجرة بمثابة الإفراج من سجن كبير (الجزيرة)

ولم تفتّ محاولات خالد الفاشلة والمتعددة للهجرة من عزم التكرار والسؤال عن السبل الآمنة للهجرة مرة أخرى "محاولاتي فشلت لأنني أدركت أنني أضع روحي وسلامتي بأيدي أشخاص لا تساوي عندهم الألف دولار مع توافر أسباب النصب والاحتيال، دون أن يمنعني كل ذلك من البحث عن وسيلة آمنة".

إصلاح أحوال
ويرى خالد للجزيرة نت أن اللاجئ الفلسطيني حكم عليه أن يعيش بهمومه وأشغاله حتى يبعد جسديا وفكريا عن فلسطين ولا تغدو كونها "شعارا على جدار منزل داخل أحد المخيمات التي لا تصلح للعيش البشري"، ويرى في صلاح أحوال اللاجئ الفلسطيني صلاحا في التهيئة الفعلية للعودة لفلسطين والعكس.

وعن ديمومة تفكير الشباب الفلسطينيين في فلسطين، قال "لا أعتقد أن المطلوب حاليا من شبابنا أن يفكروا في فلسطين، فحجم التحدي الذي يواجههم دفعهم بقوة للتفكير في تأمين حياتهم، التفكير اليوم منصب على سؤال جوهري كيف تبقى حيا؟".

وأردف "حين أُمنع من استخراج إقامة بلبنان وأبقى مدارا للشبهة والتمييز والمعاملة السيئة يصبح الحديث عن الاستقرار والسكينة من ضروب الخيال".
حسن قال إن الفلسطيني يحتاج لبيئة حاضنة حتى يجتهد للعمل لفلسطين (الجزيرة)

وتابع بألم "أغلب أصدقائي في سوريا دون مبالغة هاجروا أو قرروا الرحيل، لم أعرف من أصدقائي المقربين من قضى أثناء الهجرة، لكني عرفت الكثير ممن بقي واستشهد داخل سوريا بأساليب القتل المعروفة".

في المقابل شكلت تجربة حسن الخطيب القاسية في الهجرة بحرا منعطفا حادا في حياته، فالشاب العشريني اللاجئ وابن مخيم برج البراجنة ببيروت خاض الموت وكاد غرق مركبه أن يودي بحياته فتطيح بأحلامه الوردية التي رسمها لمرحلة ما بعد الوصول للسويد.

تطابق
وتتطابق ظروف وأسباب التفكير في الهجرة بين الخطيب وخالد إلى أوروبا تطابقا كبيرا، فظروف لبنان وإن كانت أقل خطرا من الناحية الفعلية إلا أنها تتشابه عمقا من حيث ضنك العيش ومنسوب الكراهية وقوانين الطرد والضغط التي تواجه الشباب الفلسطينيين بلبنان.

ويسرد الخطيب -وهو مصور صحفي- للجزيرة نت باجترار مرّ للذاكرة كيف تلاعب "تجار الموت" بأكثر من 600 شخص بينهم أطفال حين تركوهم يواجهون عباب البحر بقوارب صيد بسيطة أدت لغرق المركب وموت زهاء 250 مهاجرا -جلهم أطفال- قبالة المياه الإقليمية لإيطاليا العام الماضي.

ولم تقل صراحة الخطيب عن خالد عند سؤاله عن مكانة فلسطين في وجدان الجيل الثالث للنكبة حيث قال "فلسطين حالة وجدانية لا تنسى لكن حتى يكون التفكير في ها منطقيا يتعين أن يحيا الفلسطيني في بيئة دافئة وحاضنة آمنة لا طاردة أو عنصرية".

وعن تجربة الهجرة للسويد، قال "أعتبر نفسي خرجت من سجن كبير وأفرج عن حريتي بمجرد وصولي، لكن لو عاد بي الزمن لما كررتها، كانت تجربة مخيفة ولا أنصح بها".
يستأجر أرضه من عدوه


عوض الرجوب-الخليل

ما تجود به ذاكرته من قصائد كان يرددها مع والديه أيام الحصاد قبل 1948، يجلس الحاج أحمد حسن الدرابيع (أبو كمال) على صخرة في أرضه المزروعة بالقمح ويغني حنينا للماضي، وأملا في غد أفضل، في ظل واقع يراه معكوسا حين تحول فيه الدخيل إلى صاحب مالك والمالك إلى مستأجر.

فبعد اقتلاع مئات آلاف الفلسطينيين من أرضهم وبلداتهم وقراهم من عام 1948، وجد بعضهم في البقاء على أبواب الوطن قريبا من أملاكهم على الجانب الآخر من خط الهدنة، ملاذا مؤقتا على أمل العودة إلى ديارهم، لكن قوات الاحتلال لاحقتهم في مهجرهم.

لكن باحتلال الضفة الغربية عام 1967 تبدد الأمل، ووجد آلاف الفلسطينيين أنفسهم مجبرين على دفع مبالغ مالية لما يسمى "حارس أملاك الغائبين" في حكومة الاحتلال مقابل فلاحة أراضيهم، ومن هؤلاء من يدفع أجرة فلاحة أملاكه أو أملاك موكل بها كالحاج السبعيني الدرابيع.

"لم تفلح مساعي هذا الفلسطيني، أسوة بآلاف آخرين، لاستعادة أرضه وإزالتها من قوائم أملاك الغائبين رغم إحضار كل الوثائق المطلوبة، مشيرا إلى أن طمع الاحتلال تمدد ليطال مئات الدونمات منها حيث تلقى فيها مخلفات كسارة للاحتلال."

مالك مستأجر
يقول أبو كمال إنه ظل منذ تسجيل مئات الدونمات من أراضي أخواله وأقربائه في منطقة السبطة من قرى بلدة الزعق، أقصى جنوب غرب الخليل، في أملاك الغائبين، يدفع مبالغ مالية تعادل 250 دولارا بدل استخدامه لها وزراعتها، وذلك لمن يسمى حارس أملاك الغائبين.


وبسبب تقدم سنه والطريق الشاقة وبعد المسافة بين مسكنه الحالي وأرضه المحاذية للجدار العازل غربا، يتفق الدرابيع مع أحد جيران الأرض لزراعتها بينما يغطي هو ثمن "استئجارها" لدوائر الاحتلال الذي يمنع أكثر من الزراعة البعلية واستخراج المياه أو البناء.

ولم تفلح مساعي هذا الفلسطيني، أسوة بآلاف آخرين، لاستعادة أرضه وإزالتها من قوائم أملاك الغائبين رغم إحضار كل الوثائق المطلوبة، مشيرا إلى أن طمع الاحتلال تمدد ليطال مئات الدونمات منها حيث تلقى فيها مخلفات كسارة للاحتلال.

ويقول إن الكسارة المقامة على جبال السبطة خرّبت آلاف الدونمات الزراعية من الأراضي والوديان من خلال مخلفاتها كالغبار والأتربة والصخور وحركة الآليات، مشيرا إلى أن اعتراضاته على وجودها لم تجد آذانا صاغية من جانب المحتل.

"ما زالت ذكريات النكبة تنتاب اللاجئ الفلسطيني. ورغم صغر سنه في حينه (سبع سنوات) يقول إنه ما زال يذكر مشاهد من النكبة والخروج، مؤكدا أنه شاهد ثلاث سيارات جيب عسكرية اقتحمت القرية وبدأت إطلاق النار على كل من يقابلها."

ووفق خبير الأراضي والاستيطان عبد الهادي حنتش، فإن دفع الأجرة لمن يسمى حارس تحفظ لصاحبها الحق في أرضه حين عودته، لكنه شدد على ضرورة الاستمرار في فلاحتها وزراعتها حفاظا عليها من قرارات المصادرة "لأن ذلك يبعد عنها صفة أملاك الدولة".
ويرى الخبير الفلسطيني في شراء السكان الفلسطينيين بالضفة أو غزة للأراضي من أصحابها الذين لا يستطيعون العودة وسيلة ضرورية لاستملاكها والتالي حمايتها من الاحتلال، لمواجهة محاولات الاستيلاء عليها تحت حجج وذرائع مختلفة.

قتل ودمار
ومع مضي السنين، ما زالت ذكريات النكبة تنتاب اللاجئ الفلسطيني. ورغم صغر سنه في حينه (سبع سنوات) يقول إنه ما زال يذكر مشاهد من النكبة والخروج، مؤكدا أنه شاهد ثلاث سيارات جيب عسكرية اقتحمت القرية وبدأت إطلاق النار على كل من يقابلها.

وأضاف: مروا من طريق وسط البلد وكان من الناس من يحصدون ويحرثون فأطلقوا النار على الجميع بما في ذلك الدواب كالبقر والجمال والأغنام والحمير.. لقد شاهدتها مقتولة.. لم يتركوا أحدا في البلدة، ثم ساروا نحو بلدة البرج (أراضي 67) وفي الطريق دمروا مطحنة للقمح، وهناك تصدت لهم الحراسة الأردنية فعادوا أدراجهم.
الجيل الثالث ينشط بتركيا
النكبة وحاضر الفلسطينيين

خليل مبروك-إسطنبول

هي قصة جيل النكبة الثالث الذي حملته رياح الغربة إلى تركيا، فحمل الوطن بألوانه الأربعة في كل محفل، مشاركا في الفعاليات والأنشطة المختلفة ليمثل فلسطين ويروي قصة نكبتها رغم أنه لا يحمل هويتها.

لا يملك أغلب أحفاد اللاجئين في تركيا أي جنسية، ويتنقلون بين بلدان العالم مرورا عابرا بوثائق سفر عربية مؤقتة حصلوا عليها باعتبارهم أبناء لاجئين من النكبة، إلا أن نشاطهم لا يعرف الحدود في تمثيل وطن لم يطؤوا ترابه وسماء لم يشموا هواءها.

فقد لفت العلم الفلسطيني العملاق الذي رفعه أبناء اللاجئين في ماراثون إسطنبول الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، انتباه المشاركين من كافة الجنسيات الذين وقفوا يؤدون التحية لحامليه معبرين عن تعاطفهم مع القضية الفلسطينية.
(السماء الصافيه)
دوافع النشاط_

ويتذكر مهند عوض خضر يوم الماراثون جيدا مشيدا بأداء رفاقه الذين كانوا يرفعون العلم، كما يتحدث عن مشاركات كبيرة له في فعاليات وأنشطة كان فيها حريصا على تمثيل فلسطين.

ويقول مهند الذي هاجرت عائلة جده مصطفى خضر من قرية إجزم بقضاء حيفا إلى العراق بعد نكبة 1948، للجزيرة نت، إن الشباب الفلسطيني من أبناء اللاجئين يتوارثون حب فلسطين أبا عن جد، معتبرا ذلك أهم دوافعهم للانخراط في الفعاليات والأنشطة التي يمثلون بلادهم فيها.

شارك مهند في عشرات الفعاليات التي شهدتها تركيا ومن بينها وقفات تضامنية مع مخيم اليرموك ووقفات سابقة في ذكرى النكبة وبعض الأنشطة الجماهيرية الرافضة للاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين.
الشاب مهند عوض في مسيرة داعمة لفلسطين بإسطنبول (الجزيرة)

أما الصحفي علاء البرغوثي الذي ولد في مخيم اليرموك بسوريا فاعتادت الجزيرة نت على لقائه ممثلا للشباب الفلسطيني في كثير من الأنشطة التي تشهدها تركيا.

يعرف علاء بنفسه بأنه ابن مدينة صفد شمال فلسطين، ويقول إن جده هاجر منها بعد مجازر العصابات الصهيونية عام 1948 ليستقر في دمشق حيث ولد أبوه، ويزيد على ذلك: "نعم أنا لم أولد في فلسطين وكذلك والدي، إلا أنني زرت صفد عشرات المرات من خلال أحاديث جدي وكبار العائلة".

يصف علاء معالم صفد بحب ويسميها وكأنه عاشق يتوق لزيارة المسجد الأحمر وبرج الساعة والسرايا التركي وحارة الأكراد، قائلا: "جميعها رسمت في مخيلتي دون أن أزورها".

وبعد بدء الثورة السورية وما شهدته المخيمات الفلسطينية من قصف وحصار ودمار، اضطر علاء إلى المغادرة واللجوء مرة أخرى إلى مصر، حيث بدأ بدراسة الماجستير في الإعلام قبل أن يضطر إلى مغادرتها متوجها إلى تركيا.
الشاب مهند عوض في فعالية فنية دعما لفلسطين بإسطنبول (الجزيرة)

مجالات متعددة
نشط علاء في العمل الطلابي والإعلامي في سوريا حيث درس الإعلام في جامعة دمشق، ثم عمل في النشاط الإغاثي أثناء الثورة السورية، وبعدها في العمل الحقوقي والإعلامي في مصر وتركيا.

يصف علاء هذا النشاط بقوله: "كل مرة كانت هناك ظروف ومأساة تفرض نفسها، كانت القدس وأوضاع فلسطين على رأس أولوياتنا كلاجئين في سوريا، ولكن سرعان ما أصبحنا كلاجئين أولوية بسبب ما تعرض له الفلسطينيون هناك من حرب ودمار ومأساة".

يركز علاء نشاطه على نشر معاناة الفلسطينيين في المخيمات السورية في المحافل الإعلامية والحقوقية من خلال مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، قائلا إن نشاطه في هذا المجال هو رسالة يؤمن بها تجاه قضيته.

ولا تقف حدود حمل العلم الفلسطيني لتمثيل البلاد عند حدود أبنائها اللاجئين الشباب، إذ عكس حضور الأطفال الكبير في فعاليات مسابقة "نرسم ونكتب لنعود" الثانية تجذر هذا العلم في مستقبل شعب يعيش أكثر من ثلثي أبنائه في المنفى.
لجوء حمدة البايض



عوض الرجوب-الخليل

قبل 67 عاما، هُجّرت الحاجة حمدة أحمد البايض من بلدتها الفالوجة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، لكنها اليوم تتمسك بحق العودة الذي تقول إنه لا يتحقق إلا بالحرب، وتبدي استعدادها لحمل السلاح دفاعا عن فلسطين.

في الطابق الثاني من منزلها في مخيم الفوار جنوب الخليل بالضفة الغربية، حيث يسكن ابنها الناشط في قضايا حقوق الإنسان أمين البايض، تحدثت للجزيرة نت من قلب يعتصره الألم، عن حلاوة الوطن ومرارة اللجوء والمهجر.

عادت الحاجة حمدة إلى الفالوجة وخيراتها "فقد كانت أرضنا خصبة وكنا نعيش في نعمة ونأكل مما نزرع: لبن وقمح وعدس، وخيرات البلاد كثيرة.. لقد كانت الفالوجة مركزا تجاريا منظما يأتيها الناس يومي الأربعاء والخميس من كافة المدن".

"تستحضر أم أمين اجتماع زوجها المرحوم الحاج أحمد البايض مع وجهاء عشائر الفالوجة لدراسة آلية التصدي للاعتداءات المتكررة ليهود إحدى المستوطنات القريبة."

قبلة للدارسين
وقالت أيضا إن تلك البلدة كانت قبلة للطلاب والدراسين "فمدارسها كانت تمتد على مساحة واسعة.. منها الأساسية والثانوية، ويدرس فيها طلاب من عشرات القرى والبلدات".

أما عن النكبة وذكرياتها، فتستحضر أم أمين اجتماع زوجها المرحوم الحاج أحمد البايض مع وجهاء عشائر الفالوجة لدراسة آلية التصدي للاعتداءات المتكررة ليهود إحدى المستوطنات القريبة.

وتضيف: "قرروا جمع التبرعات من البلدة كل حسب طاقته، ثم توجهوا إلى مصر واشتروا حمولة سيارة من السلاح وعادوا بها إلى البلدة، ثم اختاروا للقتال ثلاثة أو أربعة أفراد من كل عشيرة، ثم بدأت العمليات وسقط الشهداء، لكن فارق القوة جعل الغلبة لليهود".

وتشير الحاجة حمدة البايض إلى طلب الأهالي المساعدة من الجيش المصري، لكن الأخير أخفق في حماية السكان وظل محاصرا في الفالوجة، يأكل مما يأكل منه أهلها دون إمداد لستة أشهر، حيث تم الاتفاق على مغادرته إلى غزة ومغادرة من يرغب من السكان إلى حيث شاؤوا.

تعود أم أمين إلى لحظة مغادرة الفالوجة، فتقول إنها وزوجها نجيا فأعجوبة من المنزل بعد قصف الطيران لمحيطه، موضحة أنها غادرت البيت مسرعة، والتحقت بقافلة من اللاجئين كانت متجهة إلى بلدة الدوايمة، بينما ظل زوجها وآخرون يجمع أمتعتهم للحاق بهم.

وصلت الحاجة أم أمين إلى الدوايمة مشيا على الأقدام، وافترشت الأرض وتلحفت ظلال الشجر أسوة بآلاف اللاجئين الفلسطينيين، لكن سرعان ما حط التعب رحاله على جنينها الذي كانت حاملا به في الشهر الثالث، فأسقطته.

ثلاثة أيام
لم يطل المقام بالحاجة حمدة وعدد من قريباتها في الدوايمة أكثر من ثلاثة أيام حتى هاجمت العصابات الصهيونية البلدة وقتلت كل من صادفته في المساجد والبيوت والأسواق، فكان قرار المغادرة نحو الخليل.

وبينما هي وقريباتها في الطريق أرادت "سلفتها" (زوجة شقيق زوجها) إبقاء طفل لها في الطريق من شدة التعب، "لكني تغلبت على تعب الإجهاض وتبادلت أنا وحماتي حمل الطفل".

تلقي اللاجئة الفلسطينية على الإنجليز بالمسؤولية عن نكبة الفلسطينيين وهجرتهم، مضيفة أنهم نفذوا حملة تطهير وتجريد للفلسطينيين من كل شيء له علاقة بالسلاح "في ثلاثين سنة نظفوا البلاد من السلاح.. حتى السكاكين كانوا يحبسون الشباب عليها".

الحرب حلا
وبعد مضي عقود على الرحيل، تؤمن أم أمين أن العودة حتمية لكنها لا تكون إلا بالحرب. ورغم تفاؤلها بتحسن وضع العرب حاليا من حيث القوة مقارنة مع زمن النكبة، فإنها تبدو مستاءة لما آلت إليه أوضاعهم وانشغالهم بالحروب البينية.

مع تقدم سنها تبدي الحاجة حمدة رباطة جأش وتقول إنها قوية ومستعدة لحمل السلاح والقتال ومجابهة العدو، مطالبة بتسليح الشعب الفلسطيني والتخلي عن خيار المفاوضات "فلن يعطونا اليهود بالمفاوضات شيئا أخذوه بالقوة".
"أمموا" ذاكرة الكبار
النكبة وحاضر الفلسطينيين
علي قاسم نوف يشرح لحفيده جزء مما وثقخ بكتابه(الجزيرة نت)

جهاد أبو العيس-بيروت

لم يقتنع فلسطينيو النكبة بتناقل قصص ومرويات ما قبل الهجرة عن مدنهم وقراهم التي هجّروا منها بالسرد القصصي الخاضع لنهش النسيان، بل عمد كثير منهم لجمع التفاصيل والأحداث الدقيقة، ودوّنوها على شكل كتب حاكت التفاصيل ونقلت القصة بمختلف أبعادها، لتبقى ذخرا محفوظا تتناقله الأجيال.

علي قاسم نوف أحد الذين رفضوا الاتكال على الحكاية المروية وتفاصيل الجد والجدة، فعمد -بجهد شخصي وبالبحث والتنقيب عن أدق التفاصيل- لتأليف كتابه "لوبية درّة من درر الجليل"، وهو اسم قريته التي هجّر منها، ودوّن فيه كل الحكايا والقصص وتفاصيل المعيشة "كي تبقى نقشا محفورا لا تضيعه الذاكرة".

قال نوف -المولود عام 1941- مستهلا حديثه للجزيرة نت، "كان لا بد من جمع الإرث الفلسطيني وتوثيقه حتى يظل حيا على مر السنين والأيام"، مضيفا أن كتابه الذي صدر عام 2013 في 381 صفحة في لبنان، كان "محاولة لترسيخ المعلومات في أذهان الخلَف ومن يأتي بعدهم، خوفا من ضياعها أو طمسها أو تشويهها".
كتابا لوبية والناعمة غيض من فيض كتب حاكت قرى النكبة( الجزيرة نت)

ورغم صعوبة جمع تفاصيل قرية تشتت شملها، فإن "أبو وسيم" القاطن اليوم مع غالبية من أهل قريته في مخيم البرج الشمالي جنوبي لبنان، عزم على إصدار كتابه الذي لاقى دعما ومساندة من مجموعة من الأصدقاء الذين رأوا في هذا العمل شكلا من أشكال المحافظة على الهوية والتراث وحفظ الثقافة وجمع التاريخ.

علي نوف الذي لم يبخل على كتابه بالجد والبحث، كان حريصا على تضمين سطوره مقابلات مباشرة مع مجموعة من اللاجئين ممن عايشوا لحظات النكبة وتفاصيلها المؤلمة، وتحدثوا بلسانهم وذاكرتهم بوصفهم "شهود عيان على النكبة".

الاهتمام بالتفاصيل
وكان لافتا اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة، كسرد بعض المفردات الخاصة بأهل لوبية ومعانيها، و"الحزازير" وقصص السهر والمأكولات الشائعة لدى أهل القرية، دون نسيان ملابس الرجال وأثواب النساء، ومعها الأمثال الشعبية التي كانت محكية آنذاك.

ويجد الباحث عن تفاصيل الحياة اليومية والاجتماعية في قرية لوبية، متسعا رحبا للتعرف عن قرب على عادات وتقاليد وأفراح وأتراح تلك القرية التي هدمت وأصبحت اليوم ذكرى من ذكريات الزمن الجميل.

أما كمال جمعة مشيرفة، مؤلف كتاب "الناعمة-قضاء صفد"، والذي ولد قبل النكبة بثلاثة أشهر، فيشير -متحدثا للجزيرة نت- إلى أنه انبرى في حياكة كتابه معتمدا على ما سمعه من كبار السن في قريته، وعلى ما رصده عن والده الذي كان من أوائل المتعلمين الذين عملوا خارج القرية في سلك الوظيفة الرسمية.

هدية للأجيال
وعن غاية كتابه، يقول "هو هدية للأجيال التي لم تكتحل عيونها برؤية الوطن السليب، ولم يعايشوا القرية وأحداثها وخيراتها. لمن عاش ويعيش منهم اليوم وغدا لاجئا مشردا مقهورا تتقاذفه نوائب الزمان من غربة لأخرى".

ويستعرض مشيرفة -الذي فقد أسرته شهداء بقصف إسرائيلي أثناء اجتياح لبنان عام 1982- في كتابه الصادر في لبنان عام 2012، تاريخ وجغرافيا القرية واقتصادها وعائلاتها وعلاقتها بمدينة صفد.

وينقل شهادات حية عن رجالات القرية مثل الحاج عيسى المصري وجمعة مشيرفة وطه مرعي وفارس القاسم ومحمد رشيد، متبعا كتابه بملحق للخرائط والصور والوثائق النادرة.

ويسجّل كمال جمعة إصراره الكبير على أن مجموع اللاجئين "سيعودون وإن طال الزمن، وما جهد تأليف الكتب وتأصيل التاريخ عبرها إلا يقين منا بأن الأجيال ستعي هذا الموروث وتعمل على استعادته مهما طال الزمن".