حلقة &(( همتي همتي ))& لحفظ ومراجعة سور جزء عم

حلقات تحفيظ القرآن



حبيباتى


حياكم الله اخواتى الحبيبات في حلقة












واعلمي أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف
فاستعيني بالله ولاتعجزي ... فما تسعين إليه عظيم لا يناله إلا العظماء .
الحلقة تبدأ من اليوم الأحد







وحبيبتى مراجعة


حبيبتى مراجعة لك ثلاث طرق للمراجعة


1- مراجعة جزء كامل فلك ذلك


2- مراجعة حسب سورة او اكثر فلك ذلك أيضا


3- مراجعة على حسب الجدول الموجود صح طويل لكنه مفيد لك لان مراجعة ببطء مفيدة جدا









وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك


121
6K

هذا الموضوع مغلق.

اخت المحبه
اخت المحبه
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
اللهم امين حبيبتى
وحياك الله معنا
اخت المحبه
اخت المحبه
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
ممتاز حبيبتى
الله يثبتك ويسر امورك
ويوفقك لصالح الاعمال
ويسر امورك ويدبرك باحسن التدابير
ويجعل لك بعد كل غم فرجا
وكل ضيق مخرجا
وكلا بلاء عافية
ويحفظك ويبارك في ذريتك
ويقر عينك بما يتمناه قلبك
ويغير حالك لاحسن حال
اخت المحبه
اخت المحبه
تأملات في سورة النبأ



قال ابن عطية: وهي مكية بالإجماع.


قوله - تعالى -: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ) إلى قوله - تعالى -: (وجنات ألفافاً):


في هذه السورة العظيمة - شأنها في ذلك شأن السور المكية يظلُّ محور النقاش وفصول الحوار دائرة حول القضية الكبرى، والمسألة المثيرة.. قضية البعث والنشور، وما يتبع ذلك من الحساب والجزاء.


فقد تكرر طرقُ هذه القضية مراراً في القرآن الكريم وتنوعت أساليبُ الأخذ والرد مع الجماعات المكذبة إقامة للحجة، ودفعاً للشبهات العالقة بالأذهان، ودحضاً للشكوك الحاضرات في نفوس القوم.
ويظهر أنّ تركيز الآياتُ المكيةُ على قضايا العقيدة بعامة، وقضية البعث بشكل خاص،


وإعادة الكلام حولها إنما هو لعدة أسباب منها:


1- استشراءُ الحياة الوثنية وانتشارها ورسوخها في المجتمعات الإنسانية آنذاك، لاسيما لدى أهل مكة الذين آخذوا من ميراث الجاهلية، وطقوس الآباء والأجداد بحظ وافر.
2-عدمُ استيعاب عقولهم السخيفة الضعيفة لإمكانية الإعادة بعد الفناء، والبعث بعد الموت، ولعل في حادثة " أبي بن خلف" المذكورة في سورة يس حين فتّت العظم البالي بيده، وأنكر إمكانية إعادته!.
أقول: لعل في تلك الحادثة أوضح دليل لما آلت إليه عقول القوم من البلادة والسذاجة.
3- ذلك المخزون العاطفي الضخم، والحماس المنقطع النظير الذي يكُنّه أولئك المساكين لأوثانهم ومعبوداتهم: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) (ص: 6).
4- الأسفُ المرير على فقد الرياسات والوجاهات والمناصب حين يذعنون لرسالة محمد - عليه السلام -، وينقادون لشريعته، وينتقلون من منصب القيادة إلى طوابير الأتباع، ومن مجالس التشريع إلى ساحات العمل والتنفيذ!.
ولذا كان من المناسب إطالة الحديث، وتكريره وتنويعه، أملاً في حدوث الاستجابة، وتحقق الإيمان ولو لطائفة من الناس ممّن كتبت له السعادة والنجاة.
قوله - تعالى -: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) (النبأ: 1).
لقد كان المشركون بعد بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حيرة وتردد واضطراب وتساؤل دائم فيما بينهم تُرى ما هذا الذي يدعو إليه محمد؟
وما هذا القرآن الذي جاء به؟ وما حقيقة ما يزعمه من إعادة الأجساد بعد الفناء، والحياة بعد الموت.... إلى نحو ذلك من التساؤلات السقيمة، والشكوك الساذجة، التي يقذفها الشيطان في نفوسهم؛ فلذا يقول الله: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) أي: شيء يدعوكم لكل هذا، والمسألة واضحة لا لبس فيها، ومعلم الحقيقة ظاهر لا يكتنفه غموض؟!
(عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ) (النبأ: 2).


وفي هذه الجملة يُحددُ - تعالى - موضع التساؤل الأنف ذكره ويلخصه في هاتين الكلمتين: (عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ) وإذا شئت قل في كلمة واحدة: (النَّبَأِ) وأما: (الْعَظِيمِ) فهي صفة لها أضفت عليها من التهويل والتضخيم ما أضفت!.


وقد قيل: إن النبأ المذكور هو: البعث. وقيل: القرآن.


وقيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به من عند ربه.
ولا مانع من الأخذ بها جميعاً إذا لا تعارض بينها من جهة، ومناسبتها للسياق من جهة ثانية، وإن كنت أميل إلى القول الأول كثيراً بدلالة ما سيجيء من الآيات الدالة، على قدرة الخالق وبديع صنعه، وأنه لن يعجز عن إحياء الأموات، وبعث الخلائق، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
(كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) (النبأ: 4 - 5).


لفظة (كَلَّا) فيها نبرة حادة، وإجابة زاجرة تدحض هاتيك التُرّهات العالقة، والأباطيل الراسخة، والسخافات السائدة!!.
إنَ هؤلاء السذج المبطلين سيعلمون حقيقة الموقف، وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وسهولة المثول بين يدي الواحد القهار!.
قال - سبحانه -: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم: 27).
ثم بعد ذلك شرع - تعالى - في سرد آيات قدرته، وعجائب صنعته فلئن كان البعث أمراً غيبياً تحجرت العقول عن استيعابه، فها هي الأرض الممهدة، والجبال الراسية، والأزواج المتنوعة، ماثلة شاخصة، تُدرك بالحواس الخمس فما الذي يمنع من الرضوح والتسليم؟!


لا ريب إنه الجهل المركب، والكبرُ والغرور، وتأجير العقول للآخرين بـأبخس الأثمان يصرفونها وفق أهوائهم وأمزجتهم!.
وإلا فما معنى أن يزداد الناس مع الوقت كفراً وجحوداً وعناداً؟ ! بالرغم من ظهور الدلائل، ووضوح البراهين، أكثر وأكثر من ذي قبل، لاسيما في هذا العصر الذي ازدهر فيه العلم، وتنوعت فيه الاكتشافات، وتفنن الإنسان في صناعة كل مبتكر وجديد؟!


(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً) (النبأ: 6).


هذا الاستفهامُ وما بعده تقريري ومعناه، ألم نهيئ الأرض لسكناكم مُمهدةً مذلّلةً، قارة ساكنة ثابتة، صالحةً للعمارة والإقامة، والحياة والعيش الكريم، وما سخرناه لكم من عذوبة مائها، ونقاء هوائها، ووفرة ثمارها، وكثرة خيراتها؟!
(وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً) (النبأ: 7)


وهذه آية كونية أخرى، ومظهرٌ خلاب ناطق بعظمة الصانع، إنه مظهر الجبال الشاهقات، والأعلام السامقات!.
ويجدرُ بك أخي المسلم، أن تسبحّ بخيالك شيئاً ما، وتتنقل بينَ تلك القمم الشماء الممتدة في الهند وأفغانستان وغيرهما، والتي ترتفع بعضها إلى أربعة آلاف قدم وأكثر، ممتدة إلى عشرات الكيلومترات في منظر مهيب يأسر الألباب، ويأخذ بمجامع القلوب!.
إنّ الناظر لتلك الجبال الغرّ ليشعر بالخشوع والإجلال لله - تعالى -، ويتساءل تُرى ماذا لو اضطربت هذه الجبال وماجت يميناً أو شمالاً، ماذا ستُبقي وتذر من بني الإنسان ذوي الأجساد النحيلة والقلوب الغليظة؟
ولو تفكر عاقلٌ بهذه الجبال الصمّ وكيف أوجدها الله - تعالى - من العدم المحض فإذا بها سلاسلُ طويلةٌ، ممتدةٌ في طول العالم وعرضه، لاستحى أن يُرى معفراً جبهته لغير الله، أو مُذلاً نفسه لغير مولاه!.
ويا حسرة على 5000 آلاف مليون إنسان على وجه الأرض اليوم ناهيك عمن ماتوا واندثروا- لم يسجدوا لله سجدة، أو يرجوا لله وقاراً!.
(وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً) (النبأ: 8)
الزوج: يُطلقُ ويُراد به النّوع، ويُطلقُ ويُرادُ به غير ذلك، والمراد هنا: آية التنوع في الأزواج، فمنهم: الأبيض والأسود، والذكر والأنثى، والليل والنهار، إلى غير ذلك من الأنواع والأصناف المتقابلة!.
ولو قال قائل ما دلالة التنوع على الإعجاز؟ وما علاقته بالبعث؟ فالجواب: واضحٌ بيّن فمن المعلوم أن جميع الآدميين، هم أولاد لآدم وحواء - عليهما السلام -، فإذا كان الأصل واحداً، والفرع بهذا التنوع، والتشكل، دلّ على تمام القدرة والتدبير، وعلى كمال الإرادة التصرف والاختيار؛ كما قال - سبحانه -: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) (القصص: من الآية68).
وخلق الأشياء المتنوعة من أصل واحد برهانٌ قوي، ودليل حاسمٌ على وجود الخالق، وتفرده بالخلق والملك والتدبير، وإذا تقرر هذا استحال وجود الشريك والنظير، وإلا وقع النزاع بين الخَالِقِين، والفساد في المخلوقين: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء: من الآية22).
وفي قوله - تعالى -: (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَ
انٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ) (الرعد: من الآية4).
ما يؤكد هذا المعنى الذي أشرنا إليه في الآية وهو التنوع، والتشكل وفق الحكمة والمصلحة الراجحة، رغم وحدة الأصل، وأحادية المصدر!.
ومن المصائب أننا لا نعير اهتماماً لهذه القضية بالذات، أعني قضية التنوع والتزاوج مع أن الخلائق كلها لو اجتمعت بقضها وقضيضها، وحدّها وحديدها، وآلاتها وأدواتها، ومعاملها ومختبراتها، لتحدد جنس المولود أو لونه: ذكراً أو أنثى، وأسود أو أبيض، لعادت تجرّ أذيال الخيبة والفشل!.


إن الملايين يتمنون مولوداً ذكراً فلا يظفرون به، ومثلهم يتشوقون سحنة بيضاء أو سمراء تعلو مُحيا أطفالهم فلا يفرحون بها لأن الله: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (القصص: من الآية68).
والعجيب أن أحداً لا يجرؤ على محاولة إجراء بحث ذي بال لاحتواء هذه المعضلة ممّا يدل على أن الجميع مقرون بالعجز والضعف إزاء هذا التحدي، ومع ذلك فلا قلب يخشعُ، ولا عينٌ تدمع والله المستعان.
(وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً) (النبأ: 9).
وهذه آية أخرى يمنُّ الله بها على عباده ليشكروه، وينصبها لهم ليعرفوه، وكم في النوم من أسرار وحكم، وكم فيه من فوائد ونعم ولنا مع هذه الآية وقفات:


1- إن الإنسان بطبيعته عاجز عن مواصلة العمل دون أخذ قسط من الراحة، بل لو ظل جالساً في مكان دون عمل يعمله أو جهد يبذُله لاحتاج إلى النوم، وإلا لانهارت أعصابه وتصدع رأسه، وخارت قواه!.
2- ومن عجائب النوم غيابُ الشعور عن النائم، وعجز العقل عند إدراك ما يجري بجانب صاحبه مع بقاء كلّ الأجهزة الحيوية في الجسم قائمة بعملها، ناهضة بوظائفها، وصاحب الشأن يغط في سبات عميق!.
فمن الذي عطل الفكر والشعور، وأبقى سائر الأجهزة تمارس وظائفها دون توقف، إنه الله جلَ في علاه!.
3- ومن العجائب تلك الرؤى، والأحلام التي تمر بالنائم دون أن يكون له أدنى مشاركة في الاختيار، أو تحديد نوع المرئي ولربما نام الساعات الطوال فلم ير شيئاً، وربما غفى لحظات معدودات فرأى فصولاً من المشاهد المُفرحة أو المحزنة!.
ولو تأمل الشاردون أسرار النوم، وأيقنوا بمشابهته للموت وأدركوا ضعفهم وعجزهم لتغيرت أحوالهم وأنابوا إلى الله، فالذي شلّ إدراكهم بالنوم لحظات أو ساعات، قادر على شلها بالموت دهوراً متعاقبة ثم بعثها من جديد.
فصل: لقد خلق الله - تعالى - الليل آية دالة على الخالق، ومنحةً كريمة للمخلوق، فيه تعودُ الطيرُ إلى أوكارها، وتئوبُ الوحوشُ إلى مضاجعها، ويأوي البشرُ إلى بيوتهم؛ ليسكن الجميعُ ويهجعوا، استعداداً لغدٍ جديدٍ!.


إلا أن أهل زماننا قد كفر كثير منهم بهذه النعمة، وجعلوا من الليل وقتاً لممارسة كلّ قبيح، وهاك بعضَه مُلخصاً:
1- انتشرت في بلاد العالم ومنها بلاد المسلمين، المراقصُ الليلية، والملاهي الداعرة، وهي تُعرف بهذا الاسم، فيكتب على واجهتها بخط بارز مُضاء: نادي ليلي، أو مرقص كذا، أو ملهى، وفي هذه المراتع الفاسدة يُمارسُ الفجور علناً، وتُنتهك الأعراضُ جهاراً!.
2- انتشرت كذلك مئاتُ الدور التي تُعرض السينما بأفلامها الخليعة ومشاهدها الخبيثة، وأفكارها المسمومة!.


3- اتخذ كثيرٌ من الناس ساعات الليل- خاصة في إجازاتهم الأسبوعية أو السنوية - أوقاتاً للسهر والعبث، أو للهو والمجون، حتى إذا ما اقترب وقت صلاةُ الفجر، عادوا يجرّون أذيال الخيبة، فأخلدوا إلى فرشهم جثثا هامدة إلى منتصف النهار بل يزيد؟! (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً) (النبأ: 10). أي ساتراً سابغاً لكم كاللباس للجسد، وإنما جعل الليل بهذه المثابة لحاجة الإنسان إلى الستر والخصوصية، والنوم والسكون، والخلوة بالأهل، ومعلوم أن استتاره عن أعين الناس بهذا الليل أوفق لنفسه، وأنسب لراحته وقد تقدم كيف كفر كثير من الخلق بهذه النعمة وجعلوا من الليل زمناً لممارسة الرذائل، وعمل القبائح والسهر في غير مرضاة الله. (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً) (النبأ: 11).
النّهار، أصلُه في اللغة: من أَنْهَرْتُ الدم: إذا أَسَلْتُه، ومنه: النّهر؛ لسيلان الماء فيه. فالنهار لسيلان الضوء فيه.
(مَعَاشاً) أي: وقتاً تطلبون فيه معاشكم وأرزاقكم، وتقومون بوظائفكم وأعمالكم التي هي من سُنة الحياة، وعمارة الأرض!.
وقفة:


هاتان الآيتان أعني آية الليل والنهار من أعظم ما امتن الله بهما على عباده ففيهما يقول تعالى-: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص: 71 72 73).
وبذا يُعلم عجزُ الخلائق كلََّهم، وضعفهم من أن يزيدوا أو ينقصوا في ساعات الليل والنهار لحظة واحدة أو أقل منها وهي صَفْعةٌ مدويةٌ لكل أوليك المتباهين بقواهم المادية، وقدراتهم العبقرية، فالكل مقهورون خاضعون للإرادة الربانية الباهرة القاهرة، وصدق الله إذ يقول: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) (الأنعام: 61 - 62).


(وَبَنَيْنَا فوقكم سبعا شدادا) أي خلقنا، كما قال - تعالى -: (وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) (الجاثـية: من الآية22).
(فَوْقَكُمْ) أي في جهة العلو منكم كهيئة السقف.
(سَبْعاً) أي في العدد، وهو أمرٌ مجمع عليه.
(شِدَاداً) أي: سموات شديدة البنيان، مُحكمة الصُنْع.
قال ابن عطية: والأفصح في لفظة السماء: التأنيث.


ومن عجائب هذه السموات:


1- إتقانها وجمالُ صنعها.


قال الله: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) (قّ: 6) أي: شقوق.
وقال - تعالى -: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) (الملك: 3 - 4).
2- أنها محمولة مع شدتها وكثافتها واتساعها بلا عمد.


وقد ذكر الله ذلك في آيتين من كتابه: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) (الرعد: من الآية2) (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) (لقمان: من الآية10).
3- اشتمالها على الكثير من الآيات العظيمة، والدلائل المثيرة.


وهي آيات دالة على عظمة الخالق - جلّ وعزّ- إلا أنّ بعض العباد لغفلتهم وبلادتهم، أعرضوا عن هاتيك الآيات، ففوّتوا على أنفسهم حظها من الخشية والتسبيح بحمد المدبر العظيم، وصدق الله إذ يقول: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (يوسف: 105).
4- إمساك الله تعالى- للسموات بقدرته ورحمته.


ولتمام رحمته ورأفته - تعالى -أمسك هذه السموات بقدرته الباهرة، أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فله الحمدُ والفضلُ، ما ألطفه وأكرمه، وما أرحمه وأعدله!.
5- أن السموات ما خُلقت إلا بالحق: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (سورة آل عمران: 191).
(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) (الدخان: 38).


إنك لو نظرت إلى سقف بناية أو مسجد عريض، قد اختزلت أعمدتُه، أو أخفيت جسوره، لربما اندهشتَ لبراعة ذلك الفريق الهندسي، الذي صمّم ذلك البناء الجميل!.
ولو قُدّر لك النظر إلى إحدى البنايات العملاقة، ذات الأدوار المتعددة لامتلكك العجب واستحوذت عليك الدهشةُ إكباراً لما ترى!.
إلا أن العجب لا ينقضي، والحيرة لا تنتهي، حين تلوح في الخيال علامات استفهام ضخمة، تُرى ما الذي تُشكَّلُه تلك البنايةُ أو البنايات العملاقة أمام سماء أظلت الأرض قاطبة بشكل مهيب دون أن يسندها عمود واحد؟!
(وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً) (النبأ: 13) (سِرَاجاً) يعني: الشمس، (وَهَّاجاً) أي: مضيئاً، وقيل: وقاداً وهو الذي يجمعُ النور والحرارة، وهو كذلك، ولذا لم يصف - تعالى - القمر بالتوهج، بل قال: (وَقَمَراً مُنِيراً) (الفرقان: من الآية61). فهو يُنير بلا حرارة، والله أعلم.
بعض فوائد الشمس:
يحسنُ بي قبل ذكر فائدة الشمس باختصار، أنْ أشير بأنّ هذا الكتابُ ليس كتاباً في علم الفلك، أو الجيولوجيا أو نحوها، ولكنه كتاب في التفسير المركز ذي الوقفات التربوية واللفتات البلاغية المذكية لجذوة الإيمان واليقين، والمغذية لفطرة الخير المركوزة في أعماق النفس البشرية ولذا لا مانع من بعض الوقفات العلمية المناسبة وغير المصادمة لشرطنا في الكتاب فالله - تعالى - حين ذكر الشمس والقمر، والسموات والأرض، والليل والنهار وغيرها إنما ذكرها ليدلل على نفسه من جهة، وليمتنّ بها على عباده من جهة ثانية، ولذا كان من المناسب بيانُ شيءٍ من منافعها على وجه الاختصار ليتحقق مراد الله من ذكرها فمن ذلك:
1- اعلم أنّ الإنسان والحيوان والنبات بأمسّ الحاجة لضوء الشمس، وهي عامل رئيس في نمو الإنسان وأخذه حاجته من العناصر الحيوية اللازمة؟
بل إن الأطباء كثيرا ما يوصون الآباء بأن عليهم أن يُعرَّضوا أطفالهم في سن مبكرة للشمس يوميا أول النهار وآخره أي: بعد شروق الشمس، وقبل الغروب، وأنّ ذلك بفضل الله يحمي الطفل من مرض "الكساح" كما يذكر الأطباء أنّ مما يعانيه أطفال البلاد التي يقل فيها طلوع الشمس هو ذلك المرض بعينه.
2- شاء الله -تعالى- أن تكونّ الشمس على مسافة محددة من الأرض، ويبدو أن اقترابها أو ابتعادها من الأرض عمّا قُدّرَ لها من الممكن أن يحدث أضراراً بساكنيها، كما دلت عليه بعض الأبحاث العلمية المعاصرة فاللهم لك الحمد، وصدق الله: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان: من الآية2).
3- تعدُّ الشمس مصدراً مهماً من مصادر الطاقة، وهي المصدرُ المرشحُ لخلافة النفط عند نضوبه، لإنجاز المهام الحيوية للمتطلبات العصرية التي تحتاج إلى الطاقة.
إلى غير ذلك من الحكم العظيمة، والفوائد الجَمة، فسبحان اللطيف الخبير.
قوله - تعالى -: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً) (النبأ: 14). (الْمُعْصِرَاتِ) أي: السُّحب في قول جمهور المفسرين. (ثَجَّاجاً) أي: غزيراً متتابعاً.
قال الطبري: ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة: الثج، وإنما الثج: الصب المتتابع.
وهذه الآيةُ الكريمةُ، والمنّةُ العظيمةُ، ناطقةٌ بسعة فضل الله وكرمه، وشاهدةٌ بتمام عجز الإنسان وضعفه!.


فكم اشتاق الناس للغيث، ولهجوا بدعاء الله والاستغاثة به فلم يمطروا، وكم تهيأت أسباب المطر فامتلأ الأفق بسحب كالجبال، واسود الغمام كقطع الليل، وأرعدت السماء وأبرقت ثم تمزقت السحب وتفرقت، دون أن يمطر الناس قطرة ً واحدةً!.


وفي المقابل ما أكثر ما تحدث المفاجأة فيُقدَّرُ الله على حين يأس من العباد، فتقبل قَزْعَةٌ باهتة في صيف لاهب، وحر شاحب؛ فما تلبث أن تكبر وتنتشر، ثم تسوّد وتكفهر، فتفيض مطراً منساباً، عذباً زلالاً، ساعة أو بعض ساعة، وَسْط ذهول الناس ودهشتهم، فسبحان العليم الخبير.
وللمطر النازل فوائد أهمها:
1- تذكيرُ العباد وتنبيهُهم على قدرة الله الفائقة على إحياء الأموات وإعادة الأجساد بعد فنائها وتحللها؛ فالذي أحيا الأرض الجدباء بالمطر فعادت خضراء غناء بأحلى حلة، وأبهى منظر قادر على ما يماثل ذلك من البعث والنشور.


قال - تعالى -: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) (فاطر: 9).
2- إنبات الأرض، وإخراج الثمرات رزقاً للعباد.


قال - تعالى -: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ، رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) (قّ: 9 - 10 -11).
3- سُقيا العباد والبهائم لتوقف حياتهم عليه. (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً) (الفرقان: من الآية49).


4- التطهير بالماء فقد أجمع أهل العلم على أنّ ماء السماء طاهر ومطهر.


قال الله: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) (لأنفال: من الآية11).
قوله - تعالى -: (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً) (النبأ: 15-16) الحبُّ: اسم جنس يدخل فيه القمح والذرة وغيرهما من الحبوب الكثيرة، وأما النبات فهو يشمل كلّ ما نبت في الأرض، ممّا يأكله الناس أو تقتاته الحيوانات.
والجنات: جمع جنة، وهي البستانُ الكثير الأشجار والعروش، بحيث تجنّ من بداخلها أي: تستره، ومادة جنّ: تدل على الستر والخفاء، ومنه الجن لاستتارهم، والجنين لاستتاره في بطن أمه.
(أَلْفَافاً) أي قد التف بعضها على بعض، وحول بعض من كثرتها، وكثرة أغصانها وأوراقها وثمارها!
وقفة قصيرة:
تنتشر الغابات الفسيحة، والحدائق الغناء، والمروج الخضراء في بقاع عديدة من العالم في مناظر باهرة، وألوان زاهية، وكان من المفترض أن يشكرَ العبادُ ربَّهم، ويستدلوا بهذه الآيات العظيمة على بارئهم وفاطرهم، فيفردوه بالعبادة والوحدانية، إلا أنّ الذي يحدث هو العكس تماماً فقد أصحبت تلك الأماكن مواطن للسياحة تمتلئ بالمراقص الداعرة والملاهي الماجنة، والمطاعم المختلطة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(إنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً) النبأ: 17) يوم الفصل هو يوم القيامة، وسُمَّي كذلك؛ لأنَّه يُفصلُ بين العباد فيه، ويُحكم بينهم بالعدل، ويُقتّص لمظلومهم من ظَالمه.
قال الله: (يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) (الممتحنة: من الآية3).
ومن مظاهر الفصل فيه:
1- الفصلُ في أعمال العباد، فيدخلُ المؤمنون الجنة، ويدخلُ الكفارُ وبعض المؤمنين- لمعاصيهم- النار.
2- الفصل بين الظالم والمظلوم كما قال حافظ حكمي - رحمه الله -:
وعنت الوجوه للقيوم *** واقتص من ذي الظلم للمظلوم.
3- الفصلُ في قضايا الخلاف بين العباد (فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة: من الآية48).
(كَانَ مِيقَاتاً) أي: له وقتُ مُحدد، لا يتأخرُ عنه، وقد حَجَبَ الرب- تعالى- علمه عن الخلق كآفة، فلا يعلمه، ملكٌ مقرب، ولا نبي مرسل!.
(يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) (النازعـات: 42 - 46).
ومن الحِكَم في حجب وقت الساعة:
1- حتى يتميزَ المؤمنُ العامل من الفاجر المُفرَّط.
2- حتى يُعلم المؤمن المُصدَّق من المفتون المُكذَّب.
وعلم الساعة هو أحد مفاتح الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله - سبحانه - وهي المذكورة في قوله- تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة لقمان: 34). (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً) (النبأ: 18).
(يَوْمَ يُنْفَخُ) بدل من (يَوْمَ الْفَصْلِ) وقد وكلّ الله بالنفخ ملكاً هو " إسرافيل " وقد جاء عند الترمذي : ((كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر ينفخ فينفخ..)) 3243 وصححه الألباني.
(الصُّور) (قرن)، أو بوقٌ يُنفخ فيه لبعث الناس وهو قول الجمهور.
والعلماء في عدد النفخات على أقوال أشهرها:


1- أنها ثلاث نفخات:


أ‌- نفخة الفزع: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ من في السموات والأرض) (النمل: من الآية87).
ب- نفخة الصعق: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) (الزمر: 68).
ج- نفخة البعث: (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) (الزمر: 68)، (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) (النازعـات: 13-14).
2- أنّهما نفختان:


أ‌- نفخة الصعقة، وهي ذاتها نفخةُ الفزع، أي يفزعون ثم يُصعقون من شدة النفخة.
ب - نفخة البعث.


والمرادُ بالآية هي نفخة البعث، بدلالة قوله بعدها، (فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً) ولذا صحّ لنا أن نقول في قوله: (فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً) أي: بعد النفخة مباشرة، بقرينة (فاء التعقيب) (أَفْوَاجاً) أي: جماعات جماعات.
ويا له من مَشْهَدٍ مَهُول، تُجتمعُ فيه الخلائقُ كُلُّها من لدن آدم وحتى آخر مولود تضعه أثنى!.
إنّ المرء ليفغر فاه دهشة وتعجباً، حين يرى حشوداً يسيرة من البشر قد اجتمعوا في مكان ما كعرفة أو حول الجمار، أو حول الكعبة المشرفة، وهي جموع أشبه بقطرة مطر وقعت في بحار الدنيا فما نسبتها؟!


فما أحرى بمن أحب النجاة أن يُصلح ما بينه وبين الله ما دام في الأمر فسحة لعل الله أن يثبت قلبه في ذلك الموقف العصيب!.
وفي الآية إثبات صريح للبعث والنشور، وردٌ فصيح على كل الملاحدة الجاحدين لقدرة الله على بعث الأموات.
(وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً) (النبأ: 19).


قال ابن كثير: أي، طرقاً ومسالك لنزول الملائكة، وبنحوه قال البغوي. قلت: وهذا لعمر الله لتمام قدرته وتدبيره، وتفرده بالحكم والإرادة، والتصرف، فالسموات الشداد تشققت طُرقاً وأبواباً بعد أن ظلت متماسكة آلاف السنين بإرادة الله جل جلاله، واقرأ بعض أحوالها التي تصير إليها مما ذكره الله في كتابه فمن ذلك: (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) (سورة الانفطار: 1) ومنه (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ) (سورة الإنشقاق: 1) ومنه: (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) (سورة الرحمن: 37) وقوله: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) (سورة إبراهيم: 48). (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً) (النبأ: 20) أي: نُسفت الجبال، فجعلها الله قاعاً صفصفاً أي: أرضاً ملساء لا اعوجاج فيها، فسبحان الحكيم العليم، الملك الجبار كيف أباد تلك الشاهقات السامقات، والرواسي الشامخات في لمح البصر، فإذا هي كما قال - سبحانه -: (تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) (النمل: من الآية88)


إن من يسبح بخياله في أرجاء هذه المعمورة، ثم يتفكرُ بتلك القمم الهائلة والمرتفعات العالية وقد استحالت هباءً منثوراً، وتزحزحت مع صلابتها وشدتها وقسوتها عن أماكنها بأمر القوي الجبار ثم لا يلين قلبه، ولا يخشع فؤاده، ولا يتحرك وجدانه لهو محروم يستحق الشفقة حقاً!.
(إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً) (النبأ: 21). جهنم: اسم من أسماء دار الشقاء و العذاب.


(مرصادا) قال الأزهري من أئمة اللغة: المرصاد: المكان الذي يرصد فيه الراصد العدو. قال ابن كثير أي: مُرصدة مُعدة.


قلت: وفي هذا دليل على أنّ النار مخلوقةٌ الآن، والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة وكلام أهل العلم، فمن ذلك: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (آل عمران: 131).
وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع وجبة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أتدرون ما هذا؟ ) قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن، حتى انتهى إلى قعرها).


وقال حافظ حكمي - رحمه الله -.


والنارُ والجنَّةُ حقٌ وهما *** موجودتان لا فناء لهما.
وقال ابن عثيمين: "وأهلها خالدون فيها أبدا لقوله - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً) الأحزاب64-65.
وقد ذكر الله خلودهم أبدا في ثلاث آيات من القرآن، هذه إحداها، والثانية في آخر سورة النساء، والثالثة في سورة الجن، وهي ظاهرة في أن النار لا تزال باقية ابد الآبدين (شرح الواسطية2/182).
(لِلطَّاغِينَ مَآباً) (النبأ: 22).
الطاغون: جمع طاغ والطاغي: كلُّ متجاوز للحد، مستخف بأوامر الله وشرعه.


(مَآباً): أي مرجعاً ومصيرا ومقراً، فبذا تكون جهنم عياذاً بالله- هي مآل هؤلاء الطُغاة العَتاة، لتحرق كبرياءهم وتسحق غرورهم وتفحم جلودهم وأجسادهم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: ((ناركم هذه، التي يوقد ابن آدم، جزء من سبعين جزءا من حر جهنم. قالوا: والله! إن كانت لكافية، يا رسول الله! قال: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا. كلها مثل حرها)) وفي رواية: ((كلهن مثل حرها)) صحيح مسلم - الرقم: 2843.


فليتأمل العاقلُ نصوص الكتاب، والسُنَّة؛ فقد جاءت صريحةً وصحيحةً لا لبس فيها ولا غموض جاءت واضحةً ناصعةً تصف حجم الشقاء، وعظم البلاء، وطول العذاب وبؤس النكال ممّا لا يُطاق ولا يُحتمل، فكيف يجرؤُ عبدٌ علم ضعفه وقلة حيلته تجاوز حدود الله، وتعريضه نفسه لمقت الجبار وغضبه، ونقمته وانتقامه؟! (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً) (النبأ: 23).
(لابثين) أي: ماكثين. (أحقاباً): جمع حِقْب وقيل: الحقب: ثمانون سنة وكل سنة 360 يوماً وكل يوم: ألف سنة.


وقيل: الحقب: سبعون سنة، وقيل: أربعون، وقيل، ثلاثمائة، وقيل: غير ذلك، وهي مأثورة كلها عن السلف ذكرها الطبري وابن كثير وغيرهما.
قال ابن كثير: والصحيح أنها لا انقضاء لها كما قال قتادة والربيع بن أنس.
قلت: وهو الحق الذي لا مرية فيه بدليل قوله بعد ذلك: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً)، وتقدم ذكر الله خلود أهل النار بلفظ التأبيد في ثلاث مواضع من كتابه وهي قوله في سورة النساء: (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) (النساء: من الآية169) وفي سورة الأحزاب: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) (الأحزاب: من الآية65).
وفي سورة البينة (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) (البينة: من الآية8) وزعم بعضهم فناء النار وهو شاذ لا أصل له.
قال ابن عثيمين: "والخلاف فيه ضعيف لا عبرة له".


وقال ابن القيم ساخراً من جهم وأتباعه القائلين بفناء الجنة والنار وراداً على العلاف المعتزلي القائل بفناء الحركات، وذلك من خلال الكافية الشافية ما نصه:
وقضى بأن النار لم تخلق ولا *** جنات عدن بل هما عدمان
فإذا هما خلقا ليوم معادنا *** فهما على الأوقات فانيتان
وتلطف العلاّف من أتباعه *** فأتى بضحكة جاهل مجان
قال الفناء يكون في الحركات لا *** في الذات فأعجب لذا الهذيان


أيصير أهل الخلد في جناتهم *** وجحيمهم كحجارة البنيان
إلى أن قال:
تباً لهاتيك العقول فإنها *** والله قد مسخت على الأبدان
قال ابن الجوزي:
فإن قيل: ما معنى ذكر الأحقاب وخلودهم في النار لا نفاد له؟ فعنه جوابان:
احدهما: أن هذا لا يدل على غاية لأنَه كلما مضى حقب تبعه حقب.
الثاني: أنَ المعنى أنهم يلبثون فيها أحقابا لا يذوقون في الأحقاب بردا ولا شرابا فأما خلودهم في النار فدائم.
قلت: والخلاصة أن أخطر ما في النار أعاذنا الله من شرها ثلاثة أمور:
1- أن حرارتها وشدتها تفوق حرارة نار الدنيا بتسعة وستين جزءً.
2- أن باقية أبدا سرمدا لا تزول ولا تحول.
3- أنَ عذابها يزيد ولا ينقص بمرور الوقت.
(لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً) (النبأ: 24) أي: لا يجدون في جهنم بَرْداً لقلوبهم وجلودهم، ولا شراباً طيباً يهنأؤون به ويُذهب ظمأهم ويُبس أكبادهم!.
(إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) (النبأ: 25).


الحميم هو: الماءُ الحار الذي بلغ من الغليان والحرارة النهاية، فهو في ذاته عذاب فوق العذاب يشوي الوجوه، ويُصهر البطون، ويقطع الأمعاء!.
قال الله: (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) (الكهف: من الآية29). وقال - تعالى -: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) (محمد: من الآية15). وقال - سبحانه -: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ، لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ، فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ، فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) (الواقعة: 51 - 55)
وأما "الغسّاق" فقد قال ابن كثير: (وهو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم، فهو بارد لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه).
قلت: رحماك اللهم، ما أشدّه من عذاب، وما أقساه من نكال وما أغلظها من عقوبة، فليستيقظ غافلٌ من غفلته، ولْيقلع مسيء عن إساءته فقد قامت الحجة، وبانت المحجةُ، والحمد لله رب العالمين.
(جَزَاءً وِفَاقاً) (النبأ: 26).
أي هذا العذاب الأليم، والعقاب الرادع هو الجزاء العادل لأولئك الطاغين الباغين ولا يظلم ربك أحداً.
قال مجاهد وغير واحد: أي هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا.
قلت: فلا يفرحن ظالم بظلمه، ولا فاجر بفسقه، ولا ماكر بمكره، ولا غادر بغدره، فإنما هو الجزاء الوفاق، والميزان العدل!.
(إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً) (النبأ: 27).
الضمائر في (إِنَّهُمْ) و (كَانُوا) و (لا يَرْجُونَ) عائد على أصحاب جهنم نسأل الله العافية والمعنى أنهم استحقوا العذاب بسبب كفرهم وجحودهم ليوم المعاد، والحساب الجزاء، وهذا لِما قد عشعش في عقولهم من المعتقدات الفاسدة، والخرافات الباطلة، والتقليد الأعمى لما عليه الآباء والأجداد.
(وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً) (النبأ: 28).
وهذا سبب آخر، استحقوا من أجله دخول جهنم، وصلي الجحيم، وهو تكذيبهم للرسل - عليهم السلام - وجحودهم لما معهم من الآيات والدلائل الناطقة بصدقهم. كما جرى من قوم نوح وهود وصالح، وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد - عليهم السلام - مع أنبيائهم من التكذيب والتخذيل والعصيان.
ويدخل فيه مكذبو هذا الزمان من علمانيين وحداثيين، ودعاة التحرير ومغيري الشرائع، وواضعي الدساتير الجاهلية الذين يجمعهم التكذيب بنصوص الوحيين الشريفين ويؤلف بينهم الكفر بصلاحية الشريعة لهذا الزمان!.
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً) (النبأ: 29).
أي كلّ شيء ممّا يفعله العباد من الأفعال والتصرفات فهي محصاة مكتوبة في صحائف الأعمال ولو كانت بمثاقيل الذر.
قال الله: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المجادلة: 6).
وقال عن الكافرين: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف: من الآية49).
وقال - تعالى -: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة: 7-8).
ولأن " كل " من ألفاظ العموم عند الأصوليين، " وشيء " نكرة فيدل ذلك على العموم.
(فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً) (النبأ: 30).
قال ابن عثيمين "هذا أمر إهانة وتوبيخ "، وقال ابن كثير: "يقال لأهل النار: ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم إلا عذاباً من جنسه وآخر من شكله أزواج".
قلت: يريد قوله - تعالى -: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) (سورة ص: 57) من شكله أي من نظيره وشبهه في التنكيل والتعذيب مع اختلافه، في النوع والمذاق - عياذاً بالله -.
وتأمل- رعاك الله- الآية تجدها صريحة في دوام العذاب وخلود النار بل إنها لتصرح بأن العذاب في ازدياد فعذاب الساعة الحالية في جهنم اشد من عذاب الساعة السابقة، وأقل من الساعة اللاحقة!.
فإذا كان عذاب الوهلة الأولى أعني حين يؤمر بأهل الجحيم إلى النار هو بتلك المثابة التي وصف الله من الغلظة والقسوة فما بالك بعذاب الحقب الثاني والثالث وما شاء الله بعدُ؟!.
فبرحمتك اللهم نستجير من النار.


((إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) بعد أن ذكر - تعالى - في الآيات السابقة ما رصده - تعالى ? للطاغين والكافرين ذكر في هذه الآية، وما بعدها جزء المتقين الطائعين، وهذا هو أسلوب القرآني في الجمع بين الترغيب والترهيب حتى لا ييأس مذنب ولا يغتر مطيع.
المتقون: هم الذين اتقوا عذاب الله وسخطه بفعل الأوامر، وترك النواهي.
(مَفَازًا): قال ابن عباس، والضحاك:، منتزهاً ورجحه ابن كثير، وقال: والأظهر قول ابن عباس؛ لأنه قال بعده: حدائق: وقال قتادة: فازوا فنجوا من العذاب.
قلت: ولا مانع من الأخذ بهما كليها إذ لا تعارض.
(حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا)
الحدائق: هي البساتينُ ذاتُ الجمال والبهاء، والثمار والفاكهة الكثيرة، والأشجار الباسقة، والرياض الغناء مما لا يخطر على بال، ولا يحيط به مقال.
(وَأَعْنَابًا): وهي من جملة الحدائق، فذكرُها من باب عطف الخاص على العام، وذلك لفضل هذه الفاكهة وشرفها، وعظيم نفعها.
لفتة:
إنك لو دخلت بستاناً جميلاً، كثير العروش والأشجار، عظيم الزروع والثمار، لأندهشت لجماله وروعته فكيف بحدائق الآخرة وثمارها، وزهورها وأشجارها، وعيونها وأنهارها؟!
ألا فليشمر طلاب الآخرة فقد أزف الرحيل!.
((وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا)
والكواعبُ: جمع كاعب، وهنُّ: النواهد ذوات الأثداء الجميلة التي لم تتدل، وهذا أجمل ما يكون عليه الثدي منظراً وبهاءً!.
(أَتْرَابًا) أي: في سن واحدة، ليس فيهن عجائز أو صغيرات، ولكن أحسن سن وأعدله، وأحظاه لدى النفوس وأمثله.
وقد وصف الله - تعالى - نساء الجنة بصفات عظيمة منها:
(وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ) أي مطهرة من الحيض والنفاس وسائر ما يخرج من الآدميات من القذر والوسخ.
ومنها: (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ).
ومنها: (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ) إلى آيات عديدة يطول المقام بذكرها.
فيا حسرة على رجال افتتنوا بعاهرات وفاجرات، وبغايا وخليعات، ومطربات وممثلات، ومذيعات ومُقدّمات، ورائحات وغاديات، وفضلوهن على الطاهرات المطهرات، الطيبات المطيبات اللاتي لو اطلعت إحداهن على الدنيا لملأ نصيفها الدنيا ريحاً وطيباً!.
إن الكثيرين يظلون أسرى لشهواتهم العاجلة، مكبلين بوثاق الملذات الحاضرة، فيفوّتون بذلك على أنفسهم النعيم الخالد، واللذة الدائمة، ولله در ابن القيم:
والناس أكثرهم فأهل ظواهر *** تبدو لهم ليس بأهل معان
فهم القشورُ وبالقشورِ قوامُهُم *** واللبُ حظُ خلاصة الإنسان
(وكأساً دهاقاً)
أي مملوءة مترعة صافية، وقيل: هي كأس الخمر، ويحتمل غير ذلك من الأشربة اللذيذة الماتعة، فأشربة الجنة لا يحيط بألوانها وأشكالها وطعومها إلا الله.
وليس في قوله - تعالى -: (فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى) (سورة محمد: 15) ما يدلُّ على الحصر!.
وعلى كل حال فهي من كؤوس راهية، وأشربة لذيذة، وحياة سعيدة.
قوله: (لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا) أي لتمام نعيم أهل الجنة وسعادتهم، فلا يمكن أن يسمعوا الكلام الباطل، أو الكذب، فقد طهر الله قلوبهم من الغل والحسد، وألسنتهم من الفحش والقبائح، وجوارحهم من البغي والعدوان!.
إنها حياة من نوع خاص خلقها الرحمن للبقاء الأبدي، واصطفى لها من كَـتَبَ له السعادة من خليقته، فلا زنادقة ولا ملاحدة، ولا كفرة ولا فجرة يعكرون المزاج ويكدرون العيش فلله الحمد والمنة.
لقد ذهب المنافقون والكافرون بألسنتهم السليطة، وعباراتهم النابية، وأقاويلهم الباطلة إلى الجحيم فحق لأهل الجنة أن ينعموا بألذ خطاب وأكرمه وهو:
(إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) (سورة الواقعة: 26).
قوله: (جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا)
(عَطَاء) أي: ما ناله أهلُ الجنة من العطاء الواسع والنعيم المقيم إنما هو كرم من الله ومنّة جازاهم به على أعمالهم الصالحة وتفضل بكثير ممًا لم تبلغه أعمالهم.
(حِسَابًا): أي كافياً ومنه: حسبي الله أي كافيي.
ويا لفضل الله وكرمه، هداهم وأعانهم، ثم أثابهم وأعطاهم، فاللهم اجعلنا من أوليائك وأحبائك، ولا تحرمنا فضلك ووالدينا وذرارينا والمسلمين.
فقوله: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا).
(لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) أي لا يّقدرُ أحدٌ على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه، كقوله: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) (آية الكرسي).
وقوله: (يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه) انتهى بنصه من ابن كثير.
قلت: وذلك لكمال وتمام ملكه وسلطانه، وانفراده حينذاك بالأمر والنهي، والإذن والمنع، وحقارة من عداه من ملوك وسلاطين وجبابرة الدنيا.
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا).
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ)
(الرُّوحُ): قيل: جبريل، وهو الراجح لقوله: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (سورة الشعراء: 193).
وقيل: هم: بنو آدم ورجحه ابن كثير. وقيل غير ذلك، وهي أقوال غريبة لا دليل عليها فأعرضت عن ذكرها.
(وَالْمَلَائِكَةُ): خلْقٌ من خلق الله، خلقهم - سبحانه - من نور، وهم مكلفون بوظائف كثيرة، فمنهم: من كلّفه الله بالوحي، وهو جبريل، ومنهم: حملة العرش، ومنهم: الكتبة الحافظون، وغيرهم وأعدادهم لا يحصيها إلا الله - تعالى - فقد ثبت في الصحيحين - في حديث الإسراء والمعراج- أن البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه.
(صَفًّا ً): أي، يعرضون صفوفاً صفوفاً.
(لا يتكلمون.. صواباً).
وهذا يؤكد مهابة الموقف وضعف الخلائق، واستسلامهم وخضوعهم لإرادة الملك الديان- جلّ وعز-، وإذا كان الملائكة المقربون لا يتكلمون إلا بإذنه فما بالك بمن دونهم؟!
(صواباً) أي: بعد الإذن له بالكلام، يشترط أن يكون كلامه صواباً غير خطأ، أي: حقاً موافقاً لمرضاة الله.
وقيل: أي، قال: صوابا في الدنيا وهو الشهادة بالتوحيد.
(ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا).
(ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ): أي: يوم القيامة وعدٌ حقٌ، آت لا محالة بكلّ ما فيه، ممّا اخبر الله عنه ورسوله؛ ولأنَّ ذلك اليوم فيه وعيد شديد للمكذبين والمعاندين رغَب - تعالى - بالتوبة والرجوع إليه فقال: (فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا): أي مرجعاً وإنابةً بالتوبة النصوح، والندم الصادق، والعزم الأكيد على الاستقامة، والفلاح، وقد وهب - تعالى - لعباده المشيئة والاختيار، إمّا الهداية، وإما الغواية، ولكنه في آيات أخرى، قيّد هذه المشيئة بمشيئته - تعالى -: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (سورة التكوير: 29).
(إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا) الإنذار: هو الإعلام مع التخويف
(عَذَابًا قَرِيبًا): أي يوم القيامة، ووصفه بالقرب لأنّ كل آت قريب، ولأن ما بقي من عمر الدنيا بالنسبة إلى ما مضى قليل جداً، فقد ختمت الرسالات بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وختمت الأمم بهذه الأمة وظهرت أكثر أشراط الساعة الصغرى!.
وفي الآية من التخويف والترهيب ما فيها، فقمِنٌ بالعاقل أن يفقه لغة الخطاب ونبرته، وحدته وغلظته، فيُغير من واقعه ويثوبُ إلى رشده قبل فوات الآوان!.
(يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا).
(يَوْمَ) هو: يوم القيامة، ودلالةُ السياق عليه واضحة
(يَنظُرُ الْمَرْءُ) أي يطالع ويعرف حقيقة..


(مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) أي أعماله التي عملها في الدنيا من خير وشر ونسب التقديم إلى اليدين لأنهما المباشرتان لأغلب كسب الإنسان فالنسبة إليها أغلبية.
(وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) أي في ذلك اليوم يتمنى الكافر لو ظل تراباً فلم يخلق إنساناً أو يصير تراباً كالبهائم التي تعود تراباً بعد القضاء بينها!
وما ذلك إلا لهول العذاب، وجسامة العقاب، يتمنى المغرور أن يصير تراباً! ولكنها أمنية أشبه ما تكون بأضغاث أحلام يستحيل تحققها.
لقد ذهب الظلم والطغيان، والاستئسادُ والتنَّمر، وبدت الأشياء في صورها الطبعية! وظهر الطغاة والمتجبرون في أحجامهم الحقيقية واختفت نبرات الهيلمان والصولجان فلا تسمع إلا همساً.
ويا لبؤس عبدٌ لقي الله غاشماً ظلوماً، جاحداً كفوراً هنالك يوقن أنّ المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وأنّ سفكه الدماء وعبثه بالأعراض، واختلاسه للمال الحرام، واستغلاله للمنصب والسلطان قد عاد عليه شؤماً لا ينقضي وعذاباً لا ينتهي.
ويوقن الجاحد للشريعة، والساخر من الملة، والمبدل للسُنّة والمسُبحّ بحمد القوانين الوضعية كم جنى على نفسه. من الويل والثبور يوم نازع الله أمره وشرعه، وبغي على سلطان الرب بلسانه وقلمه وطرحه الفاسد!.
ألا فليستيقظ حملة الأقلام، وسدنة الإعلام، وصناع القرار من غفلتهم، ويراجعوا أنفسهم، ويصححوا واقعهم قبل فوات الآوان.
الكاتب : محمد رياض
اخت المحبه
اخت المحبه
بسم الله راجعت سورة النبأ
والحمد لله
اخت المحبه
اخت المحبه
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
اللهم امين حبيبتى
اهم شئ تتذكرين الايات الا تحفظينها
راجعى على مهل
أسال الله ان تحل عليك البركة في حفظك ونفسك واهلك ومالك ووقتك

اللهم برائحة الجنة بلغها
وببياض الوجه أوعدها
وبظل عرشك أسكنها
ومن حيث لا تحتسب ارزقها
وتجاوز عنها
واغفر لها وارحمها وادخلها الجنة بغير حساب
وجميع المسلمين يــــاارب آآميـــــــن