قيام الليل :داب الصالحين" ملتقى الايمان "

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى اما بعد:
فان من اعظم ما يتقرب به العبد الى ربه الصلاة وهي الركن الثاني من اركان الاسلام
وافضل الاعمال الى الله عز وجل بعد الفريضة صلاة قيام الليل
وما ادراك ما قيام الليل ، داب الصالحين ،انه من احب الاعمال الى الله ، سلوى للنفس ، وراحة للقلب ، وانس بالله ،
وشفاء من الامراض ، ودواء للاسقام ، قربة لله وتكفير للسيئات
انها قرة العين ، وخلوة العشاق بحبيبهم ومولاهم ، بين ركعات وسجدات ، بين دعاء ورجاء وتسبيح، وعبرات واستغفار يا لها من لحظات
كيف نغفل عنها ؟ و النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة» رواه مسلم
لقد حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد» صححه الالباني
وقد وردت كثير من الأدلة تدل على فضيلة هذه العبادة العظيمة فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾ .





صلاة الليل ، وقتها ، عدد ركعاتها :
القيام في اصطلاح الفقهاء هو قضاء الليل ولو ساعة بالصّلاة أو غيرها..
وقيل: معنى القيام أن يكون مشتغلا معظم الليل بطاعة، وقيل: ساعة منه، يقرأ القرآن، أو يسمع الحديث، أو يُسبّح، أو يُصلّي على النّبي - عليه الصّلاة والسّلام
تبدأُ صلاةُ قيام اللّيل بعدَ انتهاء صلاةِ العشاء إلى طلوع الفجر الثّاني
ليسَ لصلاةِ قيام الليل ِعددٌ مخصوصٌ من الرَّكعات؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا رأيت أن الصبح يدركك فأوتر بواحدة، فقيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ قال: أن تسلم في كل ركعتين)، رواه مسلم

وقد أجمع العلماء على أن صلاة الليل نافلة لا حد ولا شيء مقدر فيها قال ابن عبد البر: "وقد أجمع العلماء على أن لا حد ولا شيء مقدراً في صلاة الليل، وأنها نافلة فمن شاء أطال فيها القيام وقلت ركعاته، ومن شاء أكثر الركوع والسجود
وقد نوع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل نذكر منها بعض الامثلة :
منها: الذي ذكرته عائشة أنه كان يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين ثم يتمم ورده إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة.

ومنها: ثلاث عشرة ركعة كذلك فقد روى أبو جمرة قال سمعت ابن عباس- رضي الله عنه- يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة» مسلم

ومنها :تسع ركعات يسرد منهن ثمانيا لا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة يجلس يذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ويتشهد ويسلم ثم يصلي ركعتين جالسا بعدما يسلم.
واكتفي بهذه الطرق الثلاث وهناك طرق اخرى ذكرتها كتب الفقه والسنة وعلى الانسان ان يجتهذ في صلاة القيام بما يستطيع ويكون قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي من الليل حتى تتفطر قدماه :
عن عائشة -رضي الله عنها-: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقالت عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا»





صفة صلاته صلى الله عليه وسلم:
يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: فقد كانت صلاته في الليل على ثلاثة أنواع:
أحدها: وهو أكثرها: صلاته قائما.
الثاني: أنه كان يصلي قاعدا ويركع قاعدا.
الثالث: أنه كان يقرأ قاعدا فإذا بقي يسير من قراءته قام فركع قائما
الثلث الاخير من الليل :

لا يخفى على احد منا فضل القيام في هذه الفترةمن الليل لانه وقت يتنزل فيه الله عز وجل بجلاله سبحانه ما عبدناه حق العبادة

يتنزل الى السماء الدنيا يتلطف الى عبيده وهو غني عنهم سبحانه الملك الرحمن الرحيم ليسالهم هل يحتاجون شيئا فيجيبهم وهذا ما جاء في الحديث الشريف الذي يرويه ابوهريرة رضي الله عنه :
عن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر»

فاين نحن من هذا الحديث ؟

انه هدية لكل محتاج او مهموم او مريض او مذنب ........

أخذ الفضيل بن عياض رحمه الله بيد الحسين بن زياد رحمه الله، فقال له: "يا حسين ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول الرب: ((كذب من أدعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني؟!! أليس كل حبيب يخلو بحبيبه؟!! ها أناذا مطلع على أحبائي إذا جنهم الليل،.....، غداً أقر عيون أحبائي في جناتي))

قال ابن الجوزي رحمه: "لما امتلأت أسماع المتهجدين بمعاتبة ((كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني )) حلفت أجفانهم على جفاء النوم.
قال عليه الصلاة والسلام: «من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين» صححه الالباني




السلف وقيام الليل :
لقد كان السلف الصالح يجاهدون ويصابرون للقيام بهذه العبادة العظيمة وذكرت لنا كتب السير الكثير من احوالهم مع العبادة وقيام الليل فمنهم من كان يقوم الليل كله ومنهم من كان يقوم نصفه

ومنهم من كان يقرأ القرآن الكريم في ركعة، ومنهم من كان يصلى الفجر بوضوء العشاء، وقد مات بعضهم وهم يتلون بعض آيات القرآن الكريم....

كيف لا وقدكان قدوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حكت لنا عنه كتب السير عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- كان إذا هدأت العيون، قام فسمعت له دويا كدوي النحل
وروى أن عمر -رضي الله عنه- كان يمر بالآية من ورده بالليل فيسقط حتى يعاد منها أياما كثيرة كما يعاد المريض
عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا





قيل للحسن البصري رحمه الله : "ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها ؟ فقال لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم من نوره".
صلى سيد التابعين سعيد بن المسيب – رحمه الله – الفجر خمسين سنة بوضوء العشاء وكان يسرد الصوم.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : "إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل، كبلتك خطيئتك".


قالت امرأة مسروق بن الأجدع: والله ما كان مسروق يصبح من ليلة من الليالي إلا وساقاه منتفختان من طول القيام!! ....، وكان رحمه الله إذا طال عليه الليل وتعب صلى جالساً ولا يترك الصلاة، وكان إذا فرغ من صلاته يزحف (أي إلى فراشه) كما يزحف البعير!!
قال مخلد بن الحسين: "ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم رحمه الله يذكر الله ويصلي وإلا أغتم لذلك، ثم أتعزى بهذه الآية {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء}
وقال مالك بن أنس: كان صفوان يصلي في الشتاء في السطح، وفي الصيف في بطن البيت، يتيقظ بالحر والبرد حتى يصبح، ثم يقول: هذا الجهد من صفوان، وأنت أعلم، وإنه لَتِرمُ رجلاهُ حتى يعود مثل السِّقْط من قيام الليل. ويظهر فيهما عروق خضر
دخلت إحدى النساء على زوجة الإمام الأوزاعي رحمه الله فرأت تلك المرأة بللاً في موضع سجود الأوزاعي، فقالت لزوجة الأوزاعي: "ثكلتك أمك!! أراك غفلت عن بعض الصبيان حتى بال في مسجد الشيخ (أي مكان صلاته بالليل) فقالت لها زوجة الأوزاعي: ويحك هذا يُصبح كل ليلة!! من أثر دموع الشيخ في سجوده".
وكان طاوس -رحمه الله- إذا اضطجع على فراشه يتقلى عليه كما تتقلى الحبة على المقلاة ثم يثب ويصلي إلى الصباح ثم يقول طير ذكر جهنم نوم العابدين
وعن أبو عاصم النبيل قال: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.



وكان للحسن بن صالح جارية فباعها من قوم فلما كان في جوف الليل قامت الجارية فقالت يا أهل الدار الصلاة الصلاة فقالوا أصبحنا أطلع الفجر فقالت وما تصلون إلا المكتوبة قالوا نعم فرجعت إلى الحسن فقالت يا مولاي بعتني من قوم لا يصلون إلا المكتوبة ردني فردها
كان زمعة العابد يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: يا أيها الركب المعرِّسون، أكُل هذا الليل ترقدون؟ ألا تقومون فترحلون !! فيسمع من هاهنا باكٍ، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا متوضئ...
هذه بعض من احوال سلفنا الصالح مع قيام الليل وما ذكرت الا القليل القليل من احوالهم في اهتمامهم وحرصهم بهذه العبادة
ونسال الله عز وجل ان يرحمنا ويغفر لنا ويوفقنا الى القيام لاننا عندما نقرا مثل هذه النمادج نحس كم اننا مقصرون ومحرومون



فوائد قيام الليل :
هناك فوائد كثيرة في الدنيا ولاخرة لقيام الليل ومنها حط الخطايا و زيادة الحسنات زويادة الايمان ،والسعادة والفوز بالجنة والنجاة من النار ، وله اثره الحسن على الجسد من انشراح للصدر ودفع للكسل وتنشيط الذاكرة ويقي امراض القلب والاكتئاب والاجهاد وغيرها كثير ...
.يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "ولا ريب أن الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن وإذابة أخلاطه وفضلاته ما هو من أنفع شيء له سوى ما فيها من

حفظ صحة الإيمان وسعادة الدنيا والآخرة، وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة ومن أنشط شيء للبدن والروح والقلب"





وفي نهاية هذه المقتطفات اسال الله عزوجل ان يجعلنا ممن قام الليل ولو قليلا حتى نفوز ونسعد في الدنيا والاخرة واساله ان يجعلنا ممن قال فيهم :

كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) الذاريات