اليوم باذن الله ساتكلم عن موضوع يشمل العلاقات الانسانية التي لفها الشارع الحكيم بروابط من الحب والمودة والرحمة
وعظمها واجلها
وجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الوصايا والنصائح نجدها منتشرة في سنته عليه الصلاة والسلام
الا وهي صلة الرحم وما يقابلها من الثواب الجزيل في الدنيا والاخرة
وبالمقابل قطيعة الرحم وما يقابلها من عقوبة في الدنيا قبل الاخرة
واشير الى ان هناك وصايا كثيرة واحاديث في سنته صلى الله عليه وسلم عن صلة الرحم ولكنني هنا ساشير الى بعض منها
فاستهل الموضوع بما اخرجه الشيخان في صحيحيهما :
أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ،
فَقَالَتْ: هَذَا مُقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعةِ، قَالَ: نَعَمْ، أمَا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-:
اقْرَؤُوا إنْ شِئْتمْ: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾
ان هذا الحديث وحده كافيا ليؤثر في قلوبنا ويردعها عن قطع الرحم
الا ترين اختاه ان قاطع الرحم ملعون من الله عز وجل بل اكثر من ذلك مقطوع من ربه
ومن قطعه ربه عاش حزينا كئيبا ليس له نور يهتذي به
وزيادة على ذلك يصم الله اذانهم عن سماع الحق ويعمي ابصارهم عن رؤيته فيعيشون كالانعام بل اضل سبيلا
و قاطع الرحم لا يرفع له عمل ولا يقبله الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « إن أعمال بني آدم تعرض على الله تبارك وتعالى عشية كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم» رواه أحمد ورجاله ثقات وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب
قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا ولعذاب الأخرة أشد وأبقى: عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه
فالخير كله يكمن في صلة الارحام
وان صلة الرحم هي علامة الايمان بالله واليوم الاخر فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه» رواه البخاري
قال علي بن الحسين لولده: يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثةمواطن.
بل اكثر من ذلك فان قطع الرحم سبب في المنع من دخول الجنة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
صلى الله عليه وسلم: « لا يدخل الجنة قاطع رحم» رواه الترمذي.
وإنَّ لصلة الرَّحِم بركة في زيادة الرزق وطول العمر :
أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَو يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ
وفي رواية أحمد في مسنده " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُعَظِّمَ اللَّهُ رِزْقَهُ، وَأَنْ يَمُدَّ فِي أَجَلِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "
قال عُمر بن دينار : تَعْلَمُنَّ أنه ما من خُطوة بعد الفريضة أعظم أجرًا من خطوة إلى ذي رَحِم!
وقال الشيخ محمد بن محمد الشنقيطي:
إنَّك إن اصطحبت وَلدَك فِي صلة رَحِمَك؛ كأن تَزور عمك وخالك؛ فَاغْبَرَّت قَدَمُه، إلا كان لك أَجرُه، ولن يُحافِظ ولدك من بعد موتك على صلة رحمه، إلا أُجِرتَ كَأجْرِه
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
من هم الأرحام وذوو القربى حيث يقول البعض إن أقارب الزوجة ليسوامن الأرحام ؟
فأجاب :
" الأرحام هم الأقارب من النسب من جهة أمك وأبيك ، وهم المعنيونبقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال والأحزاب : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولىببعض في كتاب الله ) الأنفال/75 ، والأحزاب/6.
وأقربهم : الآباء والأمهات والأجداد والأولاد وأولادهم ماتناسلوا ، ثم الأقرب فالأقرب من الإخوة وأولادهم ، والأعمام والعمات وأولادهم ،والأخوال والخالات وأولادهم ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سألهسائل قائلاً: من أبر يا رسول الله ؟ قال : ( أمك ) قال : ثم من ؟ قال : ( أمك ) قال: ثم من ؟ قال : ( أمك ) قال : ثم من ؟ قال : ( أباك ، ثم الأقرب فالأقرب )خرجه الإمام مسلم في صحيحه ، والأحاديث في ذلك كثيرة .
أما أقارب الزوجة : فليسوا أرحاماً لزوجها إذا لم يكونوا منقرابته ، ولكنهم أرحام لأولاده منها ، وبالله التوفيق " انتهى.
" فتاوى إسلامية " ( 4 / 195 ) .
فأقارب كل واحد من الزوجين ليسوا أرحاماً للأخر , ومع ذلك فينبغي الإحسان إليهم , لأن ذلك من حسن العشرة بين الزوجين , ومن أسباب زيادة الألفة والمحبة .
وصلة الرحم سهلة وميسرة في عصرنا مع توفر وسائل التواصل وتكون بزيارتهم ومساعدتهم واكرامهم وتفقد احوالهم
قال النووي رحمه الله :
" صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول ؛فتارة تكون بالمال ، وتارة تكون بالخدمة ، وتارة تكون بالزيارة ، والسلام ، وغيرذلك " انتهى .
كلمة اتوجه بها الى كل اخت متزوجة ان تعين زوجها على صلة رحمه وخاصة والديه ولك في ذلك اسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع اقاربه المشركين فقد
آذوه أذية شديدة، ومع ذلك كان يصلهم ويقول : «غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها» (رواه مسلم) والله عز وجل يقول له مع محاربتهم له : " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي
الْقُرْبَى "
فيا اختاه ان لم تكوني رابط تواصل بين زوجك واهله لا تكوني السبب في قطعه لهم مهما حدث بينك وبينهم
ولست بصدد تحليل او محاكمة لانه هناك الكثيرات سوف يشرن الى ما يتعرضن له من ظلم ومعاملة سيئة وهذا الامر بينك وبينهم
لك الحرية في الدفاع عن نفسك و بيتك واولادك بما اقره لك الشرع وان تصبري على اذاهم وهذا ليس فيه اي شيئ
ولكني اشير الى من تامر زوجها بقطع اهله لانهم ياذونها فيقوم بقطع والديه واخواته ، وان لم يقطعهم هددته بهجره او تركه وهذا هو الخطا الكبير الذي تقع فيه الكثيرات
اسال الله عز وجل ان يوفق الجميع الى ما يحبه ويرضاه
واخر ما اذكر من الاحاديث حديث عظيم لا يوفق الى تطبيقه الا من ارخص نفسه في سبيل الله ولاجل طاعته يبتغي بذلك وجه الله والدار الاخرة لانه فعل صعب على النفس تحمله وتلك التي لا تطاق كما قال احد الصحابة وهو صلة من يقطعك
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال عليه الصلاة والسلام : «لأن كان كما تقول فكأنما تسفهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك» (رواه مسلم) .
ومن القصص الملهمة في القران الكريم قصة الصديق رضي الله عنه مع ابن خالته مسطح الذي كان فقيرا وكان الصديق ينفق عليه فلما خاض في عرض ابنته مع من خاضوا في حادثة الافك حلف ان لا ينفق عليه ابدا فلما نزل القران الكريم يامره بان يصفح ويعفوا رد النفقة له وحلف ان لا ينزعها منه ابدا وقال " والله انا لنحب ان يغفر الله لنا "
"وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "سورة النور
وهذه الايات نزلت في الصديق رضي الله عنه وارضاه
وهذا ابن عمر له قصة رائعة مع الصلة وهو الذي تربى على يدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار، يَتَرَوَّحُ عليه إذا ملَّ ركوب الراحلة، وَعِمَامة يَشُدُّ بِهَا رَأسَه..
فبينا هو يومًا على ذلك الحمار؛ إذ مرَّ به أعرابي فقال: ألست ابن فلان بن فلان ؟!! قال: بلى، فأعطاه الحمار، وقال له: اركب هذا، ثم أعطاه العمامة، وقال له: اشدد بها رأسك!!
فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك، أعطيت هذا الأعرابي حمارًا كنت تروح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك!! فرد عليهم بقوله: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ "، وإن أباه كان صديقا لعمر
ما اروعك يا ابن عمر يا فارس مدرسة النبوة
اللهم صل وسلم على نبينا محمد عدد ماذكره الذاكرون وعدد ماغفل عن ذكره الغافلون ♡
الله يجعله في ميزان حسناتك...