الأسباب الحقيقية وراء نزوع الإنسان إلى الشر فى قصة الشيخ عمران

الأدب النبطي والفصيح

الأسباب الحقيقية وراء نزوع الإنسان إلى الشر فى قصة الشيخ عمران لمحمود البدوى .. طلب الراوى من الشيخ عمران الذى لجأ إليه ليبحث له عن الفرس التى خرج بها الخادم إلى المرعى وعاد بدونها .. طلب منه أن يحدثه عن أول حادثة قتل فى حياته ..

فيقول :
" فتجهم وأطرق طويلا .. لقد نبشت دخيلة نفسه .. إنه يتذكر ..
رفع رأسه وقال فى صوت متغير :
ـ سأحدثك يا بنى ..
وأطرق مرة أخرى ، ثم رفع رأسه وقال :

" كان ذلك منذ سنين طوال .. كنت فى صباى .. وكان والدى يحب أن يزوجنا صغارًا ، فزوجنى من ابنة عم لى ، على عادة العرب فى قصر زواجهم على الأقارب ..

وكانت صغيرة .. وكنا قد شببنا معا ، ورعينا الغنم معا ، فكان حبى لها قويا .. وكان كل شىء فى الحياة يمضى رتيبا ثقيلا ..

لم تكن الحال كما تراها الآن آلات للرى ، وزراعة ، وعمران ، بل كان جدبا شديدًا وفقرًا شاملا ، كنا نعيش من بيع الملح .. نجىء به من الجبال ونبيعه فى القرى النائية .. وكنت أطلب الرزق أينما وجد .. فلم يكن من السهل على رجل فى مثل شبابى ورجولتى أن يتبطل ..
وكان هذا الفقر يدفع العرب إلى السلب والنهب ، وقطع الطريق على الناس .. فكانت الحوادث تترى ، والرصاص يدمدم فى كل ساعة ..
وحدث أن أغار جماعة من العرب على مزرعة واستاقوا مواشيها ، وقتلوا خفيرا من خفرائها .. وجاء الجند ، وعلى رأسهم ضابط طوقوا النجع .. وبدأوا يفتشون فى بيوتنا لأنها فى اعتقادهم وكر الجريمة ..! وكنت غائبا ، ودخلوا بيتى وفتشوه ، وسأل الضابط « جميلة » زوجتى :
ـ أين زوجك ..؟
ـ مسافر يا سيدى منذ شهور يجرى وراء معاشه ..
ـ ومن الذى وضع هذا فى بطنك إذن ..؟

ووضع أصبعه على بطنها ، وكانت حبلى « بمعاذ » ..

فعل هذا وخرج .. وصعقت المسكينة .. وطار الخبر فى كل مكان ..

وعدت من سفرى وسمعت بما حدث وأنا فى الطريق .. ودخلت البيت ولكننى لم أحادث جميلة ولم أر وجهها ..

وتناولت بندقيتى وخرجت .. وذهبت عند صديق لى فى الجبل ، ومكثت عنده أياما .. وحاولت خلال ذلك أن أتناسى ما حدث..
ولكننى كلما تمثلت الأصابع وهى موضوعة على بطن زوجتى أستطير خبلا ، وأكاد أمزق نفسى ..
وتركت البندقية عند صاحبى ، وخرجت متنكرا أطوف حول « النقطة ».. ورأيت خير ما أفعله أن آخذه ، وهو خارج للدورية ، بعيدًا عن النجع والقرى المجاورة لنا ..

وخرجت فى ليله سوداء لا أنساها ما عشت ، ففى هذه الليلة تقرر مصيرى يابنى ، ورسم القدر خط الحياة لى .. وكانت ليلة من ليالى الشتاء ، ضريرة النجم شديدة البرد ، وكانت معى بندقيتى وخمسون طلقة ، وكنت على استعداد لأن أقاتل جيشا بأسره ، وأفتك بكل من يعترض سبيلى حتى ولو كان أبى ..

كانت ثورتى جامحة ، وغضبى لا يصور ..
وكمنت فى زراعة قصب ، وانتظرته وهو مار على ظهر جواده فى الطريق .. وجاء .. وصوبت وسقط ..
وأطلق العساكر النار ، ولكن طوانى الليل ..

وبت هذه الليلة فى بيتى ، واستطعت أن أقابل « جميلة » ..
وصمت الشيخ عمران قليلا ثم أضاف :
ـ بعد هذه الليلة يا بنى تغير فى كل شىء ، وجدت شيئا جديدا يعتمل فى داخل نفسى ، واستطعمت رائحة البارود ، وأصبحت حياتى كما تعرف وترى ..
وأنت لا تستطيع أن تغير الدم .. الدم الجارى فى عروقك ، أو تمحو أثر البيئة ، وأنت تتعلم وتتهذب وترقى ، ولكن دمك سيظل عربيا لأنك ولدت فى النجع ونشأت فى النجع ، وفى هذا الجو الطليق عشت ، وتنفست أول نسيم للحياة .. ================================
" نشرت القصة فى صحيفة أخبار اليوم المصرية 7/12/1946 وأعيد نشرها فى مجموعة قصص من الصعيد ـ مكتبة مصر "
================================
2
677

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الشااامخة
الشااامخة
لاشك أن للوراثة والبيئة دورهما في تشكيل الشخصية

ولكن .. أعظم الجهاد جهاد النفس

وكما قيل ..

فان الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم


ليلى

ماسر تلك العبارة ؟؟!!

ولكن دمك سيظل عربيا


قصة تستحق التأمل
شكرا لك ,,
بحور 217
بحور 217
عذرته كثيرا لغيرته على عرضه

ولكن ،،، لم استطعم رائحة البارود ؟؟؟

أظن هذا يعود لشيء في نفسه

شكرا لك ليلى