تصحيح مفهوم التوكل علي الله‏

من المفاهيم التي تحتاج إلي تصحيح في حياتنا مفهوم التوكل علي الله‏.‏
فالتوكل علي الله ـ كما جاء في القرآن الكريم وكما فهمه المسلمون الأوائل ــ هو دافع قوي نحو العمل والجد في الحياة‏.‏
قال سبحانه وتعالي‏:‏ ومن يتوكل علي الله فهو حسبه والتوكل علي الله ليس مجرد كلمة ينطق بها المسلم‏,‏ ولكنه طريق اختار أن يسير فيه‏,‏ وهو طريق الإيمان الصحيح الذي رسمه الإسلام في ضوء المبادئ التي حددها القرآن الكريم والسنة النبوية‏.‏
فالمسلم مطالب بأن يتبع ما جاء في القرآن الكريم من أوامر ونواه ووصايا ومبادئ متوكلا علي الله ومعتمدا عليه‏,‏ والله سبحانه وتعالي يقول لرسوله الكريم‏:‏ فتوكل علي الله إنك علي الحق المبين‏.‏
فهو يطلب منه التوكل علي الله‏,‏ بعد أن اتبع طريق الحق وهو طريق القرآن وطريق الإسلام‏,‏ والله سبحانه وتعالي حسبه ـ أي كافيه العون والتأييد‏..‏ فعون الله وتأييده للإنسان مقرون بتنفيذ الإنسان لمشورة الله ونصحه‏,‏ واتباع ماجاء في قرآنه وسنة رسوله‏.‏
وقد فهم المسلمون في صدر الاسلام المعني الصحيح للتوكل علي الله‏.‏
فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يري قوما جالسين في ركن من المسجد بعد صلاة الجمعة‏,‏ فيسألهم‏:‏ من أنتم؟ فيقولون‏:‏ نحن المتوكلون علي الله‏,‏ فيضربهم بدرته‏,‏ وينهرهم‏,‏ ويطلب منهم السعي في سبيل الله مذكرا لهم بقوله تعالي‏:‏ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله‏.‏
ولكن كثيرا من المسلمين المعاصرين فهموا أن التوكل علي الله هو إلقاء بمسئولية الإنسان في السعي والعمل في الحياة كلية علي الله فهم لايبذلون من الجهد والكد والعرق اعتمادا علي أن الله هو الذي سيرزقهم ويكفيهم مشقة الجهد والعرق‏.‏
وهذا الفهم ـ الذي ينطوي علي تواكل وتخاذل وتكاسل ـ يتنافي مع ماجاء في القرآن الكريم‏,‏ ويتنافي مع طبيعة الإنسان الذي خلق ليسعي ويغالب الحياة‏,‏ ويتنافي مع رسالة الإسلام التي جاءت لتوجه سعي الإنسان وحركته لما فيه خير الإنسان وخير البشرية‏.‏
والرسول عليه الصلاة والسلام رفض مبدأ التوكل علي الله دون أخذ الأسباب‏,‏ فقد جاء أعرابي وأراد أن يترك ناقته علي باب المسجد دون أن يعقلها‏,‏ وقال‏:‏ يارسول الله أعقلها وأتوكل‏,‏ أو أطلقها وأتوكل؟ فقال عليه الصلاة والسلام وهو يوضح للمسلمين الفهم الصحيح لمبدأ التوكل علي الله‏:‏ اعقلها وتوكل‏!!‏

منقول :38: