um Abdul-Aziz
um Abdul-Aziz
·
· وبلغنا عن بعض ولاة مصر أنه كان يلعب بالحمام فتسابق هو وخادم له فسبقه الخادم, فبعث الأمير الى وزيره ليعلم الحال, فكره الوزير أن يكتب اليه أنك قد سبقت, ولم يدر كيف يكني عن ذلك, فكان ثمّ كاتب فقال: ان رأيت أن تكتب شعرا:
يا أيها الملك الذي جدّه لكل جد قاهر غالب
طائرك السابق لكنّه أتى وفي خدمته حاجب
فاستحسن ذلك وأمر له بجائزة.


· وجيء الى ابن النسوي برجلين قد اتهما بالسرقة فأقامهما بين يديه, ثم قال: شربة ماء, فجاء بها, فأخذ يشرب ثم ألقاها من يده عمدا فوقعت فانكسرت, فانزعج أحد الرجلين لانكسارها وثبت الآخر, فقال للمنزعج: اذهب أنت, وقال للآخر: ردّ ما أخذت.
فقيل له: من أين علمت؟
فقال: اللص قوي القلب لا ينزعج, وهذا المنزعج بريء, لأنه لو تحرّكت في البيت فأرة لأزعجته ومنعته من أن يسرق.


· وذكر أن رجلا من جيران ابن النسوي كان يصلي بالناس دخل على ابن النسوي في شفاعة, وبين يديه صحن فيه قطائف فقال له: كل, فامتنع, فقال: كأنني بك وأنت تقول: من أين لابن النسوي شيء حلال؟ ولكن كل, فما أكلت قط أحلّ من هذا.
فقال بحكم المداعبة: من أين لك شيء لا يكون فيه شبهة؟
فقال: ان أخبرتك تأكل؟
قال: نعم.
فقال: كنت منذ ليال في مثل هذا الوقت, فاذا الباب يدق, فقالت الجارية: من؟ فقالت: امرأة تستأذن, فأذنت لها, فدخلت, فأكبّت على قدمي تقبّلها, فقلت: ما حاجتك؟ قالت: لي زوج وليب منه ابنتان لواحدة اثنا عشرة سنة والأخرى أربع عشرة سنة, وقد تزوّج عليّ وما يقربني والأولاد يطلبونه, فيضيق صدري لأجلهم, وأريد أن يجعل ليلة لي وليلة لتلك, فقلت لها: ما صناعته؟ فقالت: خبّاز, قلت: وأين دكّانه؟ قالت: بالكرخ. ويعرف بفلان بن قللان. فقلت: وأنت بنت من؟ فقالت: بنت فلانة, قلت: فما اسم بناتك؟ قالت: فلانة وفلانة... قلت: أنا أردّه اليك ان شاء الله تعالى, فقالت: هذه شقة قد غزلتها أنا وابنتاي, وأنت في حل منها. قلت: خذي شقتك وانصرفي.
فمضت, فبعثت اليه اثنين وقلت: أحضراه ولا تزعجاه. فأحضراه وقد طار عقله, فقلت: لا بألأس عليك انما استدعيتك لأعطيك كرا طعام وعمالته تقيمه خبزا للرحّالة.
فسكن روعه وقال: ما أريد لي عمالة.
قلت: بلى. صديق مخسر عدو مبين. أنت منّي واليّ. كيف هي زوجتك فلانة؟ تلك بنت عمّي, وكيف بناتها فلانة وفلانة؟
فقال: بكل خير.
قلت: الله الله, لا أحتاج أن أوصيك لا تضيق صدرها.
فقبّل يدي, فقلت: امض الى دكّانك وان كان لك حاجة فالموضوع بحكمك, فانصرف.
فلما كان في هذه الليلة جاءت المرأة فدخلت وهذا الصحن معها, وأقسمت عليّ ألا أردّها, وقالت: قد جمعت شملي وشمل أولادي, وهذا والله من ثمن غزلي, فبالله لا ترده, فقبلته. هل هو حلال؟
فقال: والله ما في الدنيا أحل من هذا.
فقال: كل, فأكل.


· كان بعض العمّال واقفا على رأس أمير, فأخذه البول. فخرج, فلما جاء قال: أين كنت؟ قال: أصوب الرأي. يعني أنه لا رأي لحاقن.


· حدّثني بعض الشيوخ قال: سرق من رجل خمسمئة دينار, فحمل المتهمون الى الوالي.
فقال الوالي: أنا ما أضرب أحدا منكم. بل عندي خيط ممدود في بيت مظلم, فادخلوا فليمرّ كل منكم يده عليه من اوّل الخيط الى آخره ويلف يده في كمّه ويخرج, فان الخيط يلف على يد الذي سرق.
وكان قد سوّد الخيط بسخام, فدخلوا, فكلهم جرّ يده على الخيط في الظلمة الا واحدا منهم, فلما خرجوا نظر الى أيديهم مسودّة الا وحدا فألزمه بالمال, فأقرّ به.
um Abdul-Aziz
um Abdul-Aziz
· حدثنا الشعبي قال: جاءت امرأة الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: أشكو اليك خير أهل الدنيا الا رجل سبقه بعمل أو عمل مثل عمله: يقوم الليل حتى يصبح, ويصوم النهار حتى يمسي.
ثم أخذها الحياء فقالت: أقلني يا أمير المؤمنين.
فقال: جزاك الله خيرا فقد أحسنت الثناء, قد أقلتك.
فلما ولّت قال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين: قد أبلغت اليك في الشكوى.
فقال: ما اشتكت؟
قال: زوجها.
قال: عليّ بالمرأة وزوجها.
فجيء بهما, فقال لكعب: اقض بينهما.
قال: أأقضي وأنت شاهد؟
قال: انك قد فطنت لما لم أفطن اليه.
قال: فان الله يقول:" انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع", صم ثلاثة أيام وأفطر عندها يوما, وقم ثلاث ليال وبت عندها ليلة.
فقال عمر: لهذا أعجب اليّ من الأوّل, فرحّله بدابة وبعثه قاضيا لأهل البصرة.


· أخبرنا مجالد بن سعيد قال: قلت للشعبي: يقال في المثل: ان شريحا أدهى من الثعلب وأحيل, فما هذا؟
فقال لي في ذلك: ان شريحا خرج أيام الطاعون الى النجف, وكان اذا قام يصلي يجيء ثعلب فيقف تجاهه, فيحاكيه ويخيل بين يديه, فيشغله عن صلاته, فلما طال ذلك عليه نزع قميصه, فجعله على قصبة, وأخرج كمّيه وجعل قلنسوته وعمامته عليه, فأقبل الثعلب, فوقف على عادته, فأتى شريح من خلفه, فأخذه بغتة, فلذلك يقال: هو أدهى من الثعلب وأحيل.


· حدّث الشعبي قال: شهدت شريحا وقد جاءته امرأة تخاصم رجلا, فأرسلت عينيها فبكت.
فقلت: يا أبا أميّة, ما أظن هذه البائسة الا مظلومة.
فقال: يا شعبي, ان اخوة يوسف " وجاؤوا أباهم عشاء يبكون".


· وقيل ان شريحا خرج من عند زياد وهو مريض, فأرسل اليه مسروق بن الأجدع رسولا يسأله: كيف وجدت الأمير؟
قال: تركته يأمر وينهي.
فقيل له: انه يعرّض.
فأعاد عليه السؤال فقال: يأمر بالوصيّة وينهى عن النياحة.

· وأتى عديّ بن أرطأة شريحا وهو في مجلس القضاء, فقال لشريح: أين أنت؟
قال: بينك وبين الحائط.
قال: اسمع مني.
قال: لهذا جلست مجلسي.
قال: اني رجل من أهل الشام.
قال: الحبيب القريب.
قال: وتزوّجت امرأة من قومي.
قال: بارك الله لك, بالرفاه والبنين.
قال: وشرطت لأهلها أن لا أخرجها.
قال: الشرط أملك.
قال: وأريد الخروج.
قال: في حفظ الله.
قال: اقض بيننا.
قال: قد فعلت.
um Abdul-Aziz
um Abdul-Aziz
· دخل على ايّاس بن معاوية ثلاثة نسوة, فقال: أما واحدة فمرضع, والأخرى بكر, والثالثة ثيّب.
فقيل: بم علمت؟
قال: أما المرضع فانها لما قعدت أمسكت ثديها بيدها, وأما البكر فلما دخلت لم تلتفت الى أحد, وأما الثيّب فلما دخلت رمقت بعينها يمينا وشمالا.


· استودع رجلا من أمناء اياس مالا, وكان أمينا لا بأس به, وخرج المستودع الى مكّة, فلما رجع طلبه فجحده, فأتى اياسا فأخبره.
فقال له اياس: أعلم أنك أتيتني؟
قال: لا.
قال: فنازعته عند أحد؟
قال: لا.لم يعلم أحد بهذا.
قال: فانصرف واكتم أمرك, ثم عد اليّ بعد يومين.
فمضى الرجل, فدعا اياس أمينه على ذلك, فقال: قد حضر مال كثير أريد أن أسلمه اليك, أفحصين منزلك؟
قال: نعم.
قال: فأعد موضعا للمال وقوما يحملونه.
وعاد الرجل الى اياس, فقال له: انطلق الى صاحبك, فاطلب المال, فان أعطال فذاك, وان جحدك فقل له: اني أخبر القاضي.
فأتى الرجل صاحبه فقال: مالي, والا أتيت القاضي وشكوت اليه, وأخبرته ما جرى, فدفع اليه ماله, فرجع الرجل الى اياس فقال: قد أعطاني المال.
وجاء الأمين الى اياس فزبره وانتهره, وقال: لا تقربني يا خائن.


· وذكر الجاحظ أن اياس بن معاوية نظر الى صدع في أرض فقال: تحت هذا دابة.
فنظروا فاذا هي حية, فقيل له: من أين علمت؟
قال: رأيت ما بين الآجرتين نديا من بين جميع تلك الرحبة, فعلمت أن تحتها شيئا يتنفس.


· قال الجاحظ: وحج اياس فسمع نباح كلب, فقال: هذا كلب مشدود, ثم سمع نباحه, فقال: قد أرسل.
فانتهوا الى القوم, فسألوهم فكان كما قال, فقيل له: من أين علمت؟
قال: كان نباحه وهوممسك يسمع من مكان واحد, ثم سمعته يقرب مرة ويبعد أخرى.


· ومرّ اياس ليلة بماء فقال: أسمع صوت كلب غريب.
فقيل له: كيف عرفته؟
قال: بخضوع صوته وشدّو نباح الآخرين.
فسألوا, فاذا كلب غريب والكلاب تنبحه.
um Abdul-Aziz
um Abdul-Aziz
· تقلّد القضاء في واسط رجل ثقة كثير الحديث, فجاء رجل فاستودع بعض الشهود كيسا مختوما ذكر أن فيه ألف دينار, فلما حصل الكيس عند الشاهد وطالت غيبة الرجل قدّر أنه قد هلك, فهمّ بانفاق المال, ثم دبّر وفتق الكيس من أسفله, وأخذ الدنانير, وجعل مكانها دراهم, وأعاد الخياطة كما كانت.
وقدّر أن الرجل وافى وطلب الشاهد بوديعته, فأعطاه الكيس بختمه, فلما حصل في منزله فضّ ختكه فصادف في الكيس دراهم, فرجع الى الشاهد, فقال له: عافاك الله, اردد عليّ مالي فاني استودعتك دنانير والذي وجدت دراهم مكانها.
فأنكره ذلك, فاستدعى عليه القاضي المقدّم ذكره, فأمر باحضار الشاهد مع خصمه, فلما حضرا سأل الحاكم: منذ كم أودعته هذا الكيس؟
قال: منذ خمسة عشر سنة.
فأخذ القاضي الدراهم وقرأ سككها, فاذا هي دراهم منها ما ضرب منذ سنتين وثلاث ونحوها, فأمره أن يدفع الدنانير اليه, فدفعها اليه وأسقطه وقال له: يا خائن.
ونادى مناديه: ألا ان فلان بن فلان القاضي قد أسقط فلان بن فلان الشاهد, فاعلموا ذلك ولا يغترنّ به أحد بعد اليوم.
فباع الشاهد أملاكه في واسط وخرج عنها هاربا, فلم يعلم له خبر ولا أحس منه أثر.


· استودع رجا رجلا مالا, ثم طلبه فجحده, فخاصمه الى اياس بن معاوية, فقال الطالب: اني دفعت المال اليه.
قال: ومن حضر؟
قال: دفعته في مكان كذا وكذا, ولم يحضرنا أحد.
قال: فأي شيء في ذلك الموضع؟
قال: شجرة.
قال: فانطلق الى ذلك الموضع وانظر الشجرة, فلعل الله تعال يوضح لك هناك ما يتبيّن به حقك, لعلك دفنتمال عند الشجرة ونسيت, فتتذكّر اذا رأيت الشجرة.
فلما مضى الرجل, قال اياس للمطلوب: اجلس حتى يرجع خصمك, فجلس واياس يقضي وينظر اليه ساعة, ثم قال له: يا هذا, أـرى صاحبك بلغ موضع الشجرة التي ذكر؟
قال: لا.
قال: يا عدوّ الله .. انك لخائن.
قال: أقلني أقالك الله.
فأمر من يحتفظ به حتى جاء الرجل, فقال له اياس: قد اقرّ لك بحقك فخذه.


· اختصم الى قاضي القضاة الشاميّ يوما رجلان وهو بجامع المنصور, فقال أحدهما: اني أسلمت الى هذا عشرة دنانير.
فقال للآخر: ما تقول؟
قال: ما أسلم اليّ شيئا.
فقال للطالب: هل لك بيّنة؟
قال: لا.
قال: ولا سلمتها اليه بعين أحد؟
قال: لا, لم يكن هناك الا الله عز وجل.
قال: فأين سلّمتها اليه؟
قال: بمسجد بالكرخ.
فقال للمطلوب: أتحلف؟
قال: نعم.
قال للطالب: قم الى ذلك المسجد الذي سلمتها اليه وائتني بورقة من مصحف لأحلّفه بها.
فمضى الرجل واعتقل القاضي الغريم, فلما مضت ساعة التفت القاضي اليه فقال: أتظن أنه بلغ ذلك المسجد؟
فقال: لا ما بلغ اليه.
فكان هذا كالاقرار, فأمره بالذهب فأقرّ به.


· ولي يحيى بن أكثم قضاة البصرة وسنّه عشرون أو نحوها, فقال له أحدهم: كم سنّ القاضي؟
فعلم أنه قد استصغره فقال له: أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجّه به النبي صلى الله عليه وسلّم قاضيا على أهل مكّة يوم الفتح, وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذي وجّه به النبي صلى الله عليه وسلّم قاضيا على أهل اليمن, وأنا أكبر من كعب بن سور الذي وجّه به عمر بن الخطّاب قاضيا على أهل البصرة.


· كان المطلب بن محمّد الحنظي على قضاء مكّة, وكان عنده امرأة قد مات عندها أربعة أزواج.
فمرض مرض الموت, فجلست عند رأسه تبكي, وقالت: الى من توصي بي؟
قال: الى السادس الشقي.


· وبلغنا أن رجلا جاء الى أبي حازم فقال له: ان الشيطان يأتيني فيقول: انّك قد طلّقت زوجتك, فيشكّكني.
فقال له: أوليس قد طلّقتها؟
قال: لا.
قال: ألم تأتني أمس فطلّقتها عندي؟
فقال: والله ما جئتك الا اليوم ولا طلّقتها بوجه من الوجوه.
قال: فاحلف للشيطان اذا جاءك كما حلفت لي وأنت في عافية.
um Abdul-Aziz
um Abdul-Aziz
الفصل السادس

من ذكاء العلماء والفقهاء

· قال الشعبي: دخلت على عبد الملك بن مروان فقال: كم عطاءك؟
فقلت: ألفي درهم, فجعل يسارّ أهل الشام ويفول: لحن العراقي!
ثم قال: كم عطاؤك؟ _ لأردّ قولي, فيغلظني_ فقلت: ألفا درهم.
فقال: ألم تقل: ألفي درهم؟
فقلت: لحنت يا أمير المؤمنين فلحنت, لأني كرهت أن تكون راجلا وأكون فارسا.
فقال: صدقت. واستحيا.


· أخبرنا جرير قال: جئنا الأعمش يوما, فوجدناه قاعدا في ناحية, فجلسنا في ناحية أخرى, وفي الموضع خليج من ماء المطر, فجاء رجل عليه سواد, فلما بصر بالأعمش وعليه فروة حقيرة قال:
قم عبّرني هذا الخليج.
وجذب بيده, فأقامه وركبه, وقال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنّا له مقرنين}.
فمضى به الأعمش حتى توسّط به الخليج ثم رمى به وقال:{ وقل ربّ أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين}.
ثم خرج وترك المسود يتخبّط في الماء.


· ومن المنقول عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه: أخبرنا ابن المبارك قال:
رأيت أبا حنيفة في طريق مكّة وشوي لهم فيصل ثمين, فاشتهوا أن يأكلوه بخل فلم يجدوا شيئا يصبّون فيه الخلّ, فتحيّروا, فرأيت أبا حنيفة وقد حفر في الرمل حفرة وبسط عليها السفرة, وسكب الخلّ على ذلك الموضع, فقالوا له: تحسن كل شيء. فقال: عليكم بالشكر فان هذا شيء ألهمته لكم فضلا من الله عليكم.


· حدّثنا محمّد بن الحسن قال: دخل اللصوص على رجل, فأخذوا متاعه واستحلفوه بالطلاق ثلاثا أن لا يعلم أحدا.
فأصبح الرجل وهو يرى اللصوص يبيعون متاعه وليس يقد أن يتكلّم من أجل يمينه, فجاء يشاور أبا حنيفة, فقال له أبو حنيفة:
أحضرني امام حيّك والمؤذن والمستورين منهم.
فأحضره اياهم فقال لهم أبو حنيفة: هل تحبّون أن يرد الله على هذا متاعه؟
قالوا: نعم.
قال: فاجمعوا كل متهم فأدخلوهم في دار أو في مسجد, ثم أخرجوهم واحدا واحدا, فقولوا "هذا لصك؟", فان كان ليس بلصه فانه يردّ قائلا: "لا", وان كان لصه فيسكت, فاذا سكت فاقبضوا عليه.
ففعلوا ما أمرهم به أبو حنيفة, فردّ الله عليه جميع ما سرق منه.


· حدثنا حسين الأشقر قال: كان بالكوفة رجل من الطالبين من خيارهم, فمرّ بأبي حنيفة, فقال له: أين تريد؟
قال: أريد ابن أبي ليلى.
قال: فاذا رجعت أحب أن أراك, وكانوا يتبرّكون بدعائه.
فمضى الى ابن أبي ليلى ثلاثة أيام, واذ رجع مرّ بأبي حنيفة, فدعاه وسلّم عليه, فقال له أبو حنيفة: ما جاء بك ثلاثة أيام الى ابن أبي ليلى؟
فقال: شيء كتمته الناس, فأملت أن يكون عنده فرج.
فقال أبو حنيفة: قل ما هو؟
قال: اني رجل موسر وليس لي من الدنيا الا ابن, كلما زوّجته امرأة طلقها, وان اشتريت لهجارية أعتقها.
فقال أبو حنيفة: اقعد عندي حتى أخرجك من ذلك. فقرّب اليه ما حضر عنده فتغذى عنده, ثم قال له:
ادخل أنت وابنك الى السوق, فأي جارية أعجبته ونالت يدك ثمنها, فاشترها لنفسك لا تشترها له, ثم زوّجها منه, فان طلقها رجعت اليك, وان أعتقها لم يجز عتقه, وان ولدت ثبت نسبه اليك.
قال: وهذا جائز؟
قال: نعم, وهو كما قلت.
فمرّ الرجل الى ابن أبي ليلى فأخبره فقال: هو كما قال لك.


· وعن أبي يوسف قال: دعا المنصور أبا حنيفة, فقال الربيع حاجب المنصور, وكان يعادي أبا حنيفة:
يا أمير المؤمنين, هذا أبو حنيفة يخالف جدّك. كان عبدالله بن عباس يقول:" اذا حلف على اليمين, ثم استثنى بعد ذلك بيوم أو يومين جاز الاستثناء", وقال أبو حنيفة:" لا يجوز الاستثناء الا متصلا باليمين".
فقال أبو حنيفة:" يا أمير المؤمنين, ان الربيع يزعم أن ليس لك في رقاب جندك بيعة!
قال: وكيف؟
قال: يحلفون لك ثم يرجعون الى منازلهم فيستثنون فتبطل أيمانهم.
فضحك المنصور وقال: يا ربيع لا تعرض لأبي حنيفة.


· حدثنا يحيى بن جعفر قال: سمعت أبا حنبفة يقول:
احتجت الى ماء بالبادية, فجاءني أعرابي ومعه قربة من ماء, فأبى أن يبيعنيها الا بخمسة دراهم, فدفعت اليه خمسة دراهم وقبضت القربة, ثم قلت: يا أعرابي, ما رأيك في السويق؟
فقال: هات.
فأعطيته سويقا ملتوتا بالزيت, فجعل يأكل حتى امتلأ ثم عطش, فقال: شربة؟
قلت: بخمسة دراهم.
فلم أنقصه من خمسة دراهم على شربة ماء, فاسترددت الخمسة وبقي معي الماء.


· وبلغنا أن رجلا جاء الى أبي حنيفة فشكا له أنه دفن مالا في موضع ولا يذكر الموضع, فقال أبو حنيفة:
ليس هذا فقها فأحتال لك فيه, ولكن اذهب فصلّ الليلة الى الغداة, فانك ستذكره ان شاء الله تعالى.
ففعل الرجل ذلك, فلم يمض الا أقل من ربع الليل حتى ذكر الموضع, فجاء الى أبي حنيفة فأخبره فقال:
قد علمت أن الشيطان لا يدعك تصلي حتى تذكر, فهلا أتممت ليلتك شكرا لله عز وجلّ.


· كان عند الرشيد جارية من جواريه وبحضرته عقد جوهر, فأخذ يقلّبه ففقده فاتهمها, فسألها عن ذلك, فأنكرت. فحلف بالطلاق والعتاق والحج لتصدقنه, فأقامت على الانكار وهو متهم لها.
وخاف أن يكون قد حنث في يمينه, فاستدعى أبا يوسف وقصّ عليه القصة, فقال أبو يوسف:
تخليني مع الجارية وخادم معنا حتى أخرجك من يمينك.
ففعل ذلك. فقال لها أبو يوسف:
اذا سألك أمير المؤمنين عن العقد فأنكريه, فاذا أعاد عليك السؤال فقولي: "قد أخذته", فاذا أعاد عليك الثالثة فأنكري, وخرج, وقال للخادم: لا تق لأمير المؤمنين ما جرى.
ثم قال للرشيد: سلها يا أمير المؤمنين ثلاث دفعات متواليات عن العقد, فانها تصدقك.
فدخل الرشيد فسألها, فأنكرت أول مرّة, وسألها الثانية, فقالت:" نعم قد أخذته", فقال:" أي شيء تقولين؟", فقالت: "والله ما أخذته ولكن هكذا قال لي أبو يوسف".
فخرج اليه فقال: ما هذا؟
قال: يا أمير المؤمنين, قد خرجت عن يمينك لأنها أخبرتك قد أخذته, وأخبرتك أنها لم تأخذه, فلا يخلو أن تكون صادقة في أحد القولين, وقد خرجت أنت من يمينك.
فسرّ ووصل أبا يوسف, فلما كان بعد مدة وجد العقد.


· وبلغنا أن الرشيد قال لأبي يوسف:
ما تقول في الفلوذج واللوزينج, أيهما أطيب؟
فقال: يا أمير المؤمنين, لا اقضي بين غائبين.
فأمر باحضارهما, فجعل أبو يوسف يأكل من هذه لقمة ومن ذاك أخرى حتى نصّف جاميهما, ثم قال: يا أمير المؤمنين, ما رأيت خصمين أجدل منهما, كلما أردت أن أسجل لأحدهما أدلى الآخر بحجة.


· وروي أن المتوكّل قال: رأيت الشافعي وقد جاءه رجل يسأله عن مسألة, فقال: من أهل صنعاء أنت؟ قال: نعم. قال: فلعلك حداد؟ قال: نعم.
حدثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي وقد سأله رجل فقال: حلفت بالطلاق ان أكلت هذه الثمرة أو رميت بها. قال: تأكل نصفها وترمي نصفها.


· وروي أن المتوكّل قال:
أشتهي أن أنادم أبا العيناء, لولا أنه ضرير.
فقال أبو العيناء:
ان عفاني أمير المؤمنين من رؤية الهلال ونقش الخواتم, فاني أصلح.
وسئل أبو العيناء عن حماد بن زيد بن درهم, وعن حمّاد بن سلمة بن دينار فقال: بينهما في القدر ما بين أبوابهما في الصرف.


· جاء رجل الى ابن عقيل فقال: اني كلما أنغمس في النهر غمستين وثلاثا لا أتيقن أنه قد غمسني الماء, ولا أني قد تطهرت فكيف أصنع؟
فقال له: لا تصلي.
فقيل له: كيف قلت هذا؟
قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ, وعن النائم حتى ينتبه, وعن المجنون حتى يفيق", ومن ينغمس في النهر مرة أو مرتين أو ثلاثا ويظن أنه ما اغتسل فهو مجنون.


· ومن المنقول عن بعض الفقهاء, أن رجلا قال له: اذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أغتسل, لأتوجه الى القبلة أم الى غيرها؟
قال: توجه الى ثيابك التي نزعتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ